انشقّت السماء الزرقاء، مما سمح للشمس بأن تُلقي بضيائها على الأرض. صعدتُ إلى الجدران الخارجية وحدّقتُ في الأرض، أبتلعتُ ريقي بهدوء.
"...أتساءل كم من الوقت سيستغرق حتى تتعافى الأرض تمامًا."
رغم أن السماء كانت زرقاء، إلا أن الضرر الذي لحق بالأرض على مرّ السنين كان كبيرًا للغاية. سيستغرق الأمر على الأقل بضع سنوات حتى تتعافى الأرض تمامًا.
من الأشجار المحترقة الذابلة إلى الأرض المتشققة والمفتتة...
كانت الأرض خارج الأسوار أرضًا مهجورة.
هبوط.
قفزت من فوق الجدران وتقدمت للأمام دون اكتراث.
كان الاجتماع قد انتهى منذ بضع ساعات، وفي النهاية تم الاتفاق على نوع من المسابقة.
لم أولِ الوضع الكثير من الاهتمام قبل أن أعتذر وأغادر.
سمح للجميع ببعض الوقت للراحة والتجول بحرية في هذه الأثناء. كانت المسابقة مقررة بعد يومين لذا كان لديّ بعض الوقت.
وبإذن من كبير الشيوخ، قررت الخروج من أسوار المدينة.
فقط عندما ابتعدتُ بما فيه الكفاية عن المدينة، سمعت صوتًا مألوفًا لزجًا قادمًا من تحتي.
صوت طقطقة لزجة\~
ظهرت جذور بعد ذلك بفترة وجيزة، متخذة شكل بومة صغيرة استقرت على كتفي.
"لقد أتيت، أيها البشري."
السبب الذي جعلني أقرر الخروج من أسوار المدينة هو أن البومة الجبارة قد نادتني.
"ما الذي استدعيتني لأجله بالضبط؟"
"....لاحظت شيئًا ليس بعيدًا من هنا."
"أوه؟"
ما الذي لاحظته بالضبط؟
'هل يجب أن أتحقق من الأمر؟'
كان لديّ وقت لا بأس به. وبصراحة، لن يضرّ أن أتحقق من الأمر. كنت وحدي لذا لم أكن قلقًا من حدوث شيء لي. خاصةً وأن البومة الجبارة كانت معي.
كنا نتحدث عن مخلوق من رتبة المُدمِّر...
رفرفة-
قفزت "البومة الجبارة"* من على كتفي، وتحولت إلى شجرة عملاقة تقف شامخة فوق المنطقة المحيطة.
(مترجم: بومة جبارة او بومة عظيمة او اوول-مايتي. نفس الترجمة تقريبا نتأسف على اللخبطة)
استغرق الأمر بضع ثوانٍ فقط، بدءًا من عدة جذور سميكة ظهرت من الأرض واندفعت نحو السماء، بينما ظهرت أوراق حمراء كالدم بعد ذلك بقليل، متمايلة في الهواء.
وقفتُ مذهولًا للحظة وجيزة قبل أن أسأل،
"لماذا تحولتِ إلى شكلك الحقيقي؟"
"....سيكون الأمر أسرع بهذه الطريقة."
هكذا قالت، لكنني وجدت صعوبة في تصديق أن شجرة يمكن أن تكون سريعة.
ومع ذلك، لم أشكك في البومة الجبارة وسمحت لإحدى جذورها أن تطبق على جسدي وتحملني نحو داخل جسدها.
صوت طقطقة لزجة\~
بينما أظلمت رؤيتي، رأيتُ جسد البومة الجبارة يتقلص، وسرعان ما غلف الصمت الغريب محيطي.
كسر الصمت صوت غريب جعلني أقطب حاجبيّ.
كان يشبه صوت الحفر...
'انتظر، هل نحن نسافر تحت الأرض؟'
حينها أدركت الأمر.
"آه..."
لذلك اختارت البومة الجبارة استخدام جسدها الحقيقي.
بالفعل، بدا هذا كوسيلة فعالة للتنقل. دون أن أشكك في الوضع بعد ذلك، نظرتُ إلى الظلام من حولي وقررت إغماض عيني.
"مرحبًا، أيتها البومة الجبارة..."
"نعم؟"
"...أيقظيني عندما نصل."
"حسنًا."
كان قد مر وقت طويل منذ أن نِمت نومًا هادئًا.
بعد كل ما حدث لي مؤخرًا، ما إن أغمضت عيني حتى غرقت في سباتٍ هادئ.
***
"استيقظ!" دوّى صوت البومة الجبارة في أذنيّ، مما أفزعني واستفاقني على الفور.
"هاه؟!"
فتحتُ عيني على اتساعهما، ووجدت نفسي مستلقيًا على الأرض. السماء فوقي لم تكن بنفس الزرقة السابقة؛ لقد تحولت إلى الرمادي، مع شمس بيضاء مألوفة تحوم في الأفق. قمم شاهقة ومتعرجة مزّقت الأفق، والضوء الباهت المنبعث من الشمس يلقي وهجًا خافتًا عليها.
دخل هواء جاف خانق إلى رئتيّ بينما أخذت نفسًا عميقًا وسرعان ما أدركت الوضع.
"انتظر، هل هذه البُعد المرآوي؟!"
نظرتُ بسرعة إلى كتفي الأيمن حيث كانت البومة الجبارة في شكلها كالبومة.
"...لماذا أحضرتني إلى هنا؟!"
قفزت واقفًا بسرعة، ونفضتُ ملابسي وأنا أتأهب.
كل مسام جسدي بدت وكأنها قد أُغلقت بسبب البيئة القاسية من حولي.
"لا تقلق، أنا هنا. لن يكون هناك أي وحش قريب."
"ليس هذا ما يقلقني..."
في الواقع، الوحوش كانت آخر ما يقلقني.
"لا، قبل كل ذلك، لماذا أحضرتني إلى هنا؟ ماذا تريدين أن تريني؟"
"إنه قريب."
"أين؟"
نظرت حولي. كل ما رأيته كان القمم البعيدة والأرض المحروقة. لا شيء يستحق النظر.
"إنه أمامك."
"أمامي...؟"
نظرت إلى البومة الجبارة بنظرة غريبة.
'هل فقدت البومة الجبارة عقلها حين لم تكن معي؟'
الآن بعد أن فكرت في الأمر، معظم الأقوياء الذين أعرفهم كان لديهم بعض الجنون.
غير متأثرة برد فعلي، دفعت البومة الجبارة رأسها إلى الأمام.
"المس الفضاء أمامك."
"هم؟"
رغم أنني كنت مشوشًا، فعلت كما طلبت البومة الجبارة وضغطت بيدي إلى الأمام.
"?!"
حينها شعرت به—اضطراب خافت بينما تشكل تموج غير مرئي في الهواء أمامي. انتشر التموج إلى الخارج، ممتدًا إلى كل زوايا رؤيتي حتى رسم حدود قبة هائلة. بدت القبة ضخمة، بلا نهاية واضحة، وبينما كنت أتساءل عمّا يحدث بالضبط، بدأ ذراعي الأيمن يتوهج.
"هاه؟"
قبل أن أتمكن من استيعاب الموقف، سقطت يدي إلى الأمام وقوة غير مرئية سحبتني إلى داخل القبة.
وششش-
لم أملك الوقت حتى لأصرخ قبل أن تتغير رؤيتي وتتحول إلى اللون الأبيض.
طعطة!
سقطت على وجهي على الأرض، ومسحت وجهي بسرعة قبل أن أرفع نفسي. وعندما فتحت عيني، اخترق ضوء ساطع رؤيتي، مما أجبرني على التحديق بينما نظرت حولي بسرعة.
استغرق الأمر بضع دقائق لأتأقلم مع الضوء، وعندما فعلت، استطعت أخيرًا أن أركز على ما حولي.
'أين أنا...؟'
كل ما رأيته كان أبيض. لا، كان بإمكاني رؤية الزوايا وحواف ما بدا كغرفة صغيرة.
غرفة؟
طنين-
تغير الفضاء أمامي، وانزلقت قطعة من الجدار الأبيض، كاشفة عن ملامح باب. وبعد لحظات، دخل شخص عبره.
"يا للعجب..."
وجدت نفسي مذهولًا من مظهر الرجل أمامي بينما نظرت إليه بسرعة من الأعلى إلى الأسفل قبل أن أحبس أنفاسي.
كان يرتدي سروالًا بنيًا طويلًا وضيقًا، وقميصًا أبيض، وسترة طويلة تصل تقريبًا إلى فخذيه. نظارته الدائرية كانت على أنفه، وشعره البني ممشط بعناية.
وبابتسامة رفيعة، نظر إليّ من الأعلى إلى الأسفل قبل أن يثبت نظره على ذراعي التي كانت لا تزال تتوهج.
"السماء المقلوبة؟"
وضع يده على ذقنه، وكلماته التالية جعلتني أفهم موقفي.
"مر وقت طويل منذ أن جاء أحد من ذلك البُعد. حسنًا، من وجهك يبدو أنك لم تأتِ إلى هنا من قبل، ولكن بما أنك سُمح لك بالدخول، فلا بد أنك مؤهل تمامًا."
فتح الرجل الباب لي.
"على أي حال، لا يهمني الأمر. تفضل بالدخول..."
كانت تعليماته واضحة، ورغم أنني كنت لا أزال مشوشًا تمامًا بشأن ما كان يحدث، إلا أنني حافظت على رباطة جأشي ووقفت. بعدها، وتحت أنظار الرجل الغريب الذي التقيت به للتو، توجهت نحو الباب.
طنين!
ما إن اجتزت الباب حتى امتد ممر أبيض طويل أمامي. وعندما نظرت للأعلى، رأيت أضواء فوقي بدت مألوفة. كانت طويلة وضيقة، وتصدر ضوءًا أبيض ساطعًا.
هذا...
قلبي بدأ يخفق بقوة في حلقي.
"تبدو هادئًا نوعًا ما رغم أنها المرة الأولى لك هنا. عادةً عندما يدخل أشخاص جدد، يكونون مندهشين من كل شيء."
"...أنا مندهش."
كنت حقًا كذلك.
"هم، لماذا لا يبدو الأمر كذلك؟"
"وجهي يميل إلى أن يكون جامدًا بطبعه."
"أرى."
وبابتسامة بسيطة، قادني الرجل إلى الأمام.
تك، تك-
كانت خطواتنا تتردد بصوت عالٍ في الممر بينما بقينا صامتين. كان هذا جيدًا، لأن عقلي كان يعمل بأقصى سرعته محاولًا فهم موقفي الحالي. كان لدي بالفعل فكرة جيدة بناءً على بعض التلميحات والقرائن التي تلقيتها.
'...يبدو أنني في نوع من القواعد؟ قاعدة يقطن فيها أولئك المنتمون إلى المنظمات الأربع في كل إمبراطورية؟'
أو شيء من هذا القبيل.
حقيقة أن ورقتي توهجت ومنحتني حق الدخول فورًا كانت الدليل الأكبر.
كلمات الرجل التالية كانت أيضًا تلميحًا كافيًا، وقلبي بدأ ينبض بقوة أكبر.
أخذت أنفاسًا قصيرة، ولكن غير ملحوظة، وأجبرت عقلي على الهدوء أكثر.
أردت أن ألعن البومة الجبارة بصمت لأنها أحضرتني فجأة إلى هنا دون أي استعداد، ولكن بما أنها لم تكن حاضرة معي، كان من الواضح أن الدخول مسموح فقط لمن يحملون الشارة.
"نحن على وشك الوصول."
ضائعًا في أفكاري، لم أدرك حتى أننا وصلنا إلى نهاية الممر، وعندما نظرت للأعلى، رأيت الرجل يرفع نظارته بإصبعه.
ابتسم ابتسامة خفيفة عندما التقت أعيننا. ثم وضع يده على الباب الأبيض خلفي وبدأ يتحدث.
"لا توجد الكثير من القوانين في هذا المكان، ولكن هناك بعض القواعد التي يجب أن تلتزم بها لأن... البيئة هنا مختلفة تمامًا عما اعتدت عليه."
مختلفة؟ أي بمعنى...؟
"يجب عليك دائمًا أن تمشي على الممر المخصص للمشاة. لا تعبر الطريق إلا عندما ترى الخطوط البيضاء أو عندما يكون الضوء أخضر. من فضلك لا تستخدم قواك في هذا المكان، وإلا فسيتم احتجازك فورًا."
بدأ تنفسي يتسارع دون وعي مني عند سماع كلماته.
"إذا تم احتجازك، فاعتمادًا على الجريمة، قد تصبح الأمور مزعجة للغاية بالنسبة لك. خاصةً لأن الحاكم دريميست صارم جدًا في أحكامه."
استمر في سرد القواعد.
"لا قتل، لا شرب في الأماكن العامة، لا تخريب، لا..."
استمر بالكلام عن القوانين، لكن في تلك اللحظة، كنت قد توقفت بالفعل عن التركيز على كلماته.
تذكرت الأضواء المألوفة والأشياء التي لاحظتها في الطريق، وتكوّنت فكرة في ذهني.
فكرة كدت أرفض تصديقها.
هذا...
لا يمكن أن يكون...
طنين-
بينما فُتح الباب في نهاية الممر، وصلني صوت الرجل الناعم.
"مرحبًا بك في القلعة."
"أرض السكان الحقيقيين لهذا العالم."