بيب، بيب—
الأصوات المألوفة لأبواق السيارات.
...والوميض المألوف للأخضر، الأصفر، والأحمر.
دي، دي.
والعد التنازلي الذي أتى بعد ذلك بقليل.
حدقت في المشهد الماثل أمامي، عاجزًا عن الكلام. لم أجد الكلمات. العالم من حولي بدا مألوفًا جدًا في نفس الوقت.
من الأعمدة الطويلة التي تمتد حتى السماء، وكأنها تحاول لمس الشمس، إلى الناس الذين يمشون على الأرصفة وأعينهم ملتصقة بهواتفهم.
انتظر، هواتف...؟
"آه، نعم. تلك الأجهزة تُسمى هواتف. يمكنك استخدامها هنا فقط، وهي مفيدة جدًا. هل تريد واحدًا؟"
عندما رفعت رأسي، تكلم الشاب الذي كان معي من قبل، ويداه في جيبيه.
تبع الآخرين، عابرًا الطريق.
خرجت من شرودي، ولحقت به.
"هواتف؟ لماذا قد يحتاجها أحد؟"
ابتسم لي الرجل فقط.
نظراته لي جعلتني أشعر وكأنني فتى ريفي ساذج.
ذلك الوغد...
أنا فقط أتصنع. تظن أنني لا أعرف حقًا؟
"بدلًا من الشرح، من الأفضل أن تختبر الأمر بنفسك."
"انتظر، هل سأحصل على واحدة؟"
"بالطبع ستحصل. لن تستطيع العيش بدون واحدة في هذا المكان أو في المحطات الأخرى."
"...أوه."
يبدو أن الأمور لم تتغير كثيرًا منذ ذلك الوقت في ذكرياتي.
كانت الهواتف نوعًا من الإدمان.
"لقد وصلنا."
توقفنا أمام أحد ناطحات السحاب الكثيرة التي تنتشر في المكان. استطعت عدّ خمسة عشر منها من حيث وقفت، وفي المسافة البعيدة، استطعت رؤية المزيد. كم عددها يا ترى؟
سوش—
بينما انفتحت الأبواب تلقائيًا، رفعت حاجبيّ، متظاهرًا بالدهشة. "هه."
أطلق الوغد ضحكة صغيرة.
نعم، اسمه الوغد.
"رائع، أليس كذلك؟"
أشار إلى صندوق صغير فوق الأبواب.
"...هناك حساس في الأعلى يكتشف حركتك ويفعل الآلية التي تفتح الأبواب. أفضل ما في هذا كله هو أنه لا يستخدم أي طاقة سحرية. كلّه يعمل بالكهرباء."
"كهرباء؟"
غطيت فمي لأُظهر دهشتي.
دهشة بمستوى جائز.
"هذا مثير للإعجاب."
"أليس كذلك؟"
ضحك الوغد مرة أخرى ودخل المبنى. وفي الوقت نفسه، وبينما كان ظهره مواجهًا لي، سمعت همسه الخافت، "وجهك لا يتغير كثيرًا؟ بفف— كان عليك رؤية تعابير وجهك وأنت تنظر للأبواب."
حككت أذني من الداخل.
'هل بالغت قليلًا؟'
"مرحبًا، هل أنت هنا للتسجيل؟"
بالقرب من مدخل المبنى، وقفت سيدة شابة خلف مكتب رخامي مستطيل أنيق، ترحب بي بابتسامة مشرقة. من نظرة واحدة فقط باتجاهي، بدا وكأنها فهمت على الفور سبب زيارتي.
"نعم، إنه جديد هنا. نحن هنا لتسجيله ومساعدته في الحصول على هاتف."
"أرى، حسنًا."
بابتسامة مشرقة، مدت يدها باتجاهي.
أملت رأسي قليلاً رداً على تصرفها. ماذا كانت تريد؟ أن أصافحها؟
"يدك."
لحسن الحظ، تدخل الوغد ليوضح، مشيرًا إلى ذراعي اليمنى بينما كان يسحب كمّه ليُظهر رمزه الخاص. كان مختلفًا عن رمزي، يشبه خلية عسل مقسّمة إلى أربعة أجزاء.
فهمت عندها، ونزعت كل شيء من على ذراعي، كاشفًا عن ورقة برسيم ذات أربعة أوراق.
"سماء مقلوبة؟ إمبراطورية نورس أنسيفا؟"
"صحيح."
"ضيف نادر فعلًا."
أمسكت بذراعي، وأخرجت جهاز مسح غريب ومررته فوقها. ظهر خط هولوجرافي أحمر بعد بضع ثوانٍ مشحونة بالتوتر، ثم تركتني وجلست على مقعدها، بينما عيناها مركّزتان على الحاسوب أمامها.
"كل شيء على ما يرام، هل يمكنني معرفة اسمك؟"
"...جوليان."
"الكنية؟"
"إيفينوس."
"دعني أتحقق مما إذا كنا نملكك في قاعدة البيانات—"
تجمد وجهها في منتصف الجملة، وكان من المستحيل عدم ملاحظة التغير المفاجئ في تعبيرها. حتى الوغد لاحظه.
"ما الخطب؟"
اقترب بما يكفي لينظر خلف المكتب إلى الشاشة، وعندها لاحظ هو الآخر ما كان معروضًا، إذ اتسعت عيناه.
"هذا..."
رفع رأسه لينظر إليّ.
في تلك اللحظة، شعرت بتغير في الأجواء وبدأت أشعر بالتوتر.
'ما الذي يحدث؟ لماذا ردّ فعلهم هكذا فجأة؟'
واقعيًا، أنا بالفعل جزء من المنظمة. لكنني لم أكن هنا من قبل.
هل فاتني شيء؟ هل أنا—؟
عندها، حدث الأمر.
سوش، سوش—
انحنى الاثنان سريعًا أمامي. تحركهم كان متزامنًا، وكأنهم تدربوا عليه.
بدأ كل شيء يتضح لي، لكن كلماتهم التالية جعلتني أفهم تمامًا ما يحدث.
"نحيي من تحت الفجر، حاكم النور."
آه.
بدا وكأن العالم حولي توقف فجأة عند هذا الإعلان. عندما نظرت حولي، رأيت أن الجميع قد توقف وكانوا ينظرون إليّ بتعابير مختلفة.
ومع ذلك...
"نحيي من تحت الفجر، حاكم* النور."
"نحيي من تحت الفجر، حاكم النور."
"نحيي من تحت الفجر، حاكم النور."
(مترجم: توضيح في هده الترجم تمت ترجمة حاكم ليس كإ*ه. ترجمت كترجمة عادية للحاكم بالانجليزي تكتب "ruler" )
لم يكن رد فعلهم مختلفًا.
انحنوا جميعًا باتجاهي وهم يحيونني.
لم أستطع سوى أن ألعن وضعي بصمت.
'الآن، لا يمكنني مغادرة هذا المكان بسهولة بعد الآن.'
***
القلعة.
يبلغ عدد سكانها ما يقارب ثلاثمئة ألف نسمة، وهي مدينة كبيرة نسبيًا. كانت المدينة مقسمة إلى سبع مناطق حضرية، كل واحدة منها يحكمها مدير خاص بها. كل منطقة لها قوانينها ومعاييرها المختلفة.
وفوق كل هؤلاء المدراء، الحاكم الحقيقي للقلعة كان الحاكم الأعلى.
في هذه الحالة، الحاكم دريميست.
لم يكن يُعرف الكثير عنه سوى أنه قوي للغاية. سواء عمره، أو مظهره، لم يكن أحد يعرف، ومع ذلك، كان له عيون في كل مكان.
لا شيء يفلت من قبضته.
كانت سيطرته على القلعة مطلقة لدرجة أنه بدا وكأنه يمسك المكان كله في كفّ يده.
لم يستطع أحد أن يفهم تمامًا كيف يفعل ذلك، لكن مجرد وجوده كان كافيًا لردع أي شخص عن التفكير في خرق القوانين. بالنسبة لأي شخص يرفض اتباع القواعد، فسيعلم بذلك.
وبحسب الجريمة، قد يُعثر على بعضهم ميتين في نومهم.
"الحاكم دريميست، هاه؟"
أسرعت بالخروج من مبنى التسجيل، بالكاد تمكنت من الاعتذار عن كل تلك الأنظار.
كنت أعلم أن الخبر عن ظهوري سيبدأ في الانتشار قريبًا، وأردت أن أجد طريقة لتغيير مظهري في هذه الأثناء. لحسن الحظ، لا زال لدي القناع من قبل ويمكنني استخدامه في أي لحظة.
المشكلة الوحيدة كانت إن كان ذلك مسموحًا به أم لا.
... ولهذا فكرت في الحاكم الأعلى.
كون القليل يُعرف عنه جعلني أشعر ببعض التوجس.
أي شخص أسأله، يعطيني نفس الإجابة؛ "لا أعلم"، "هو من يحكم هذا المكان. هذا كل ما تحتاج معرفته"، "من أنت؟"
اسمه وحده كان كافيًا لزرع الخوف في بعض الناس.
"كم هو مزعج."
ثم مجددًا، قد يكون اسمه دليلًا أيضًا.
دريميست...
'ربما يستطيع جعل الناس تحلم إلى الأبد؟'
ذلك سيكون مخيفًا بالفعل.
"مع ذلك..."
غطيت فمي وتثاءبت.
"هوام."
بعد ذلك، نظرت إلى يدي وسحبت الهاتف الذي أعطوني إياه. أنيق وأسود، كان خفيفًا بشكل مفاجئ. كان رقيقًا، وسطحه بالكامل تغطيه شاشة سلسة. بالنظر إلى التكنولوجيا الهولوجرافية في الإمبراطوريات، تفاجأت أنهم لم يضيفوا مثل هذه التكنولوجيا للأجهزة.
ثم مجددًا، قد يجعل ذلك الهواتف معقدة للغاية.
"لنرى."
تصفحت الجهاز، مراجعًا كل شيء.
"هوام."
تثاءبت مرة أخرى.
بشكل عام، لم يكن هناك شيء جديد. كان كما هو متوقع من أي هاتف. به كاميرا، تطبيق مراسلة، تطبيق ملاحة، تطبيق دفع، وهكذا...
لم يكن هناك ما يميزه عن الهواتف التي كنت أعرفها.
كان هناك حتى كتاب القوانين ضمن الهاتف، وعندما ضغطت على التطبيق، ظهرت لي قائمة لا نهاية لها من القوانين جعلت رأسي يدور.
أغلقت تلك الصفحة، وضغطت على خريطة التنقل.
هناك، ظهرت لي الخريطة الكاملة للقلعة، بجميع العلامات والشوارع.
"يوجد حتى مترو أنفاق؟"
يا لها من مدينة مجنونة.
من المقاهي إلى المتاجر، وجميع الأماكن التي كنت أعرفها. هذا المكان فيه كل شيء.
لكن ما جذب انتباهي حقًا كان مكانًا معينًا.
[متحف القلعة]
كان هناك شيء ما فيه جذاب للغاية.
'لبناء مكان بهذا الحجم، لا بد أن الأمر لم يكن سهلًا. ربما أستطيع إيجاد بعض الأدلة بخصوص سيثرُس، وربما حتى...'
توقفت عند هذه النقطة.
مهما كان الأمر، طالما أنني هنا، فقد كنت أخطط لاستكشاف المكان قليلاً.
"هوام."
تثاءبت للمرة العاشرة على ما يبدو، وتقدّمت إلى الأمام متبعًا توجيهات جهاز التنقل.
[انعطف يمينًا عبر شارع سانت ماري]
بعض الأماكن كانت أكثر ازدحامًا من غيرها.
كلما ابتعدت عن المنطقة التي كنت فيها سابقًا، قلّ عدد الناس من حولي، حتى وصلت في النهاية إلى منطقة شبه خالية من الناس.
نظرت إلى الخريطة ورأيت أنني لا أزال أسير في الاتجاه الصحيح، ثم انعطفت في زاوية أخرى ودخلت زقاقًا ضيقًا وصغيرًا. كان مظلمًا في الزقاق، لكنني لم أشعر بالخطر، لذا دخلت.
"هوام، أشعر بالتعب."
ربما لم أنم جيدًا أثناء وجودي مع أول-مايتي.
سجلت في ذهني أنني بحاجة إلى النوم أكثر.
"هوام."
لكن كلما مشيت أكثر، شعرت بتعب أكبر.
...كان الأمر مزعجًا بشكل غريب.
وقبل أن ألاحظ، بدأ النعاس يسيطر على عقلي.
"هوااام..."
بدأ العالم من حولي يتمايل، يتحرك يمينًا ويسارًا، بينما شعرت بدوار خفيف.
أسندت نفسي على الحائط، وابتلعت ريقي محاولًا إجبار نفسي على الاستيقاظ، لكن
رغم محاولاتي، بدا الأمر مستحيلًا تقريبًا، و...
"أه...؟"
قبل أن ألاحظ، كنت أسقط للأمام.
طمب!
أصبحت رؤيتي مظلمة بعد ذلك مباشرة.
لكن فقط للحظة قصيرة، إذ تغير العالم من حولي فجأة ووجدت نفسي
داخل مكتب صغير. نوافذ ضخمة تمتد أمامي، تقدم إطلالة واسعة على المدينة أسفلها.
وبعكس تلك النوافذ كان هناك مكتب خشبي كبير، مغطى بالأوراق، لكن نظري توقف عند الكرسي الأسود الذي كان ظهره موجها لي.
كان بإمكاني أن أشعر بوجود شخص ما هناك.
كريك—
بينما بدأ الكرسي يدور ببطء، شعرت بشيء يضغط على مؤخرة حلقي.
"...لضيف مرموق مثلك أن يأتي إلى مدينتي، يا له من شرف."