فوووم—!
تبدّل الفضاء، مشكّلًا بوابة صغيرة خرج منها عدة أشخاص.
"لقد عدنا...!"
"...إنها الأكاديمية حقًا!"
"لا أصدق... هل أنا أحلم؟"
بينما خطوا داخل الأرجاء المألوفة، لم يستطع العديد من المتدربين إخفاء مشاعرهم. ورغم أن الأمر لم يصل إلى حد البكاء، إلا أن ملامح الحنين كانت واضحة على وجوههم وهم يخطون نحو المكان الذي اعتبروه دومًا بيتهم.
لقد مر وقت طويل حقًا. وأخيرًا، عادوا إلى ديارهم.
على الأقل، هذا ما شعروا به في البداية.
"انتظروا، هل عدنا فعلًا؟"
وسط الهتافات، لاحظوا فجأة حالة الأكاديمية، فتغيرت تعابير وجوههم سريعًا إلى الحيرة.
"ما هذا...؟"
"هل عدنا فعلًا؟ ...أم أننا ما زلنا في الكاشا؟"
لدهشتهم وحيرتهم، لم تكن الأكاديمية التي عادوا إليها تشبه تلك التي غادروها سابقًا.
إن كان يمكن وصف المشهد الحالي بكلمة واحدة، فستكون "خراب".
'هذا المكان خراب تمامًا...'
فكّر ليون وهو ينظر حوله. كانت المباني متضررة، أجزاء منها مفقودة، وبعضها قد انهار تمامًا على الأرض. النباتات كانت ممزقة، وشظايا الزجاج كانت متناثرة في كل مكان، مما زاد من فوضى المشهد.
ولم يكن هذا كل شيء.
بينما كان ليون يتفقد ما حوله، لمح عددًا من الأساتذة والحراس في المسافة، يتحركون بسرعة.
"أسرعوا! نحتاج المساعدة هناك!"
"بسرعة!"
كانت أصواتهم خافتة نظرًا للمسافة، لكنه استطاع سماعها بوضوح.
ومع ذلك، لم يكن هذا أكثر الأمور إثارة للدهشة.
بل كان شيئًا آخر تمامًا.
"انظروا! انظروا إلى السماء!"
عندما أشار أحدهم إلى الأعلى، اتسعت أعين العديد من المتدربين من الصدمة. حدّقوا إلى جزء من السماء وقد أصبح رماديًا بالكامل، يشبه السماء الغريبة للكاشا التي رأوها من قبل.
ولحسن الحظ، لم تكن البقعة الرمادية كبيرة جدًا؛ بل غطت منطقة محددة فقط. وتمكّن ليون فورًا من تمييز الاتجاه الذي كانت تغطيه.
'إنها قادمة من نفس اتجاه شقّ المرآة...'
اشتدت ملامح وجهه جدية، وعندما التفت نحو جوليان، وجد أن الكلمات علقت في حلقه.
ما هذا...؟
"هل أنت بخير؟"
نقر ليون على ذراع جوليان، لكنه لم يتلقَّ أي رد.
وعندما نظر إليه عن قرب، تغيّرت ملامح وجه ليون قليلًا. هذا... كيف لا يُصدم مما يراه؟
جوليان لم يكن من النوع الذي يُظهر مشاعره. في معظم الأحيان، كان يُخفي مشاعره داخله، حتى عندما يشعر بخوفٍ شديد.
كان يُظهرها فقط عندما لا يستطيع حقًا كبتها. عادةً في مواقف شديدة الخطورة، أو عندما لا يستطيع منع نفسه من الضحك.
هذا ما عرفه ليون وفهمه عن جوليان بعد قضاء وقت طويل معه.
هكذا كان من المفترض أن يكون، ومع ذلك...
'ما الذي حدث؟'
كانت ملامح جوليان مزيجًا من الدهشة، وما وصفه ليون ببقايا خوف باهت.
خوف؟
"جوليان؟"
كان وجهه شاحبًا، وشفتيه جافتين، وحدقتا عينيه منقبضتين.
حتى في أسوأ المواقف، لم يرَ ليون جوليان بهذا الشكل من قبل. ما الذي كان يحدث—
"أه؟"
ثم عاد جوليان إلى وعيه.
كما لو أن روحه قد عادت للتو إلى جسده، ارتعش جوليان، وتحركت حدقتاه قبل أن تتلاقى عيناهما.
استغل ليون الفرصة للحديث معه. كان يريد أن يفهم ما يحدث.
"هل حصل شيء—"
"أنا بخير."
لكن جوليان قاطعه، وصوته بدا أجشًا بعض الشيء.
"...أنا بخير."
كررها وكأنه يظن أن ذلك سيجعل ليون يصدق كلامه.
لكنه لم يصدقه.
"آه، عدنا؟"
كما لو أنه أدرك للتو أنهم عادوا إلى الأكاديمية، نظر جوليان حوله قبل أن يومئ برأسه.
"كان هذا أسرع بكثير مما توقعت. ليس سيئًا."
كان جوليان يبذل قصارى جهده لإخفاء ما يقلقه، وفورًا بعد ذلك، خرجت المديرة من البوابة. ثم قامت بتسريح الجميع.
لكن وقبل أن تسرّحهم، قالت شيئًا على غرار: "الدروس ستستأنف بعد أسبوع. استغلوا الوقت للراحة. نحن نعاني من نقص في الطاقم، لذا قد يكون هناك تأخير محتمل."
لم تشرح أكثر من ذلك.
...ولم تكن بحاجة إلى ذلك. فقد فهم الجميع بوضوح أن هذا الأمر ليس من المفترض بهم معرفته.
في النهاية، غادر الجميع بسرعة إلى غرفهم أو للعودة إلى منازلهم. وبالنظر إلى الوضع، سُمح للمتدربين بمغادرة الحرم.
بل تم تشجيعهم على ذلك.
"سأعود أولًا."
تذرّع جوليان سريعًا بالمغادرة، وراقبه ليون بتعبير حاد حتى اختفى عن الأنظار.
ظل واقفًا في مكانه لوقت غير معلوم، قبل أن يحوّل نظره في النهاية.
لم يفهم سبب تصرفات جوليان الغريبة، لكنه لم يتدخل أكثر. فهذه مسألة شخصية.
وإن لم يخبره جوليان بشيء، فهذا يعني أنه ليس من شأنه التدخل.
على الأقل، في الوقت الحالي.
'يجب أن أعود أنا أيضًا.'
نظرًا للوقت، ورؤيته أن الساعة كانت الخامسة مساءً، بدأ ليون في العودة نحو السكن.
لم تكن المسافة طويلة. كانت مسيرة تستغرق حوالي خمس دقائق.
وفي طريقه، ظلّ يتفقد حالة الأكاديمية. كانت فوضى حقيقية.
الحديقة التي اعتاد ليون المرور بها في طريقه إلى السكن كانت مختلفة تمامًا عما كانت عليه. العديد من الأشجار كانت مكسورة أو مشقوقة إلى نصفين، المقاعد مقلوبة، والعديد من الزهور كانت محطمة.
كان المشهد تجسيدًا كاملًا لمدى خطورة ما مرّت به الأكاديمية.
'ما الذي حدث بحق السماء؟ من غير المعقول أن عدم استقرار شقّ المرآة قد وصل إلى هذا الحد، أليس كذلك؟'
لم يكن هذا النوع من الأحداث جديدًا.
لكن لم يسمع أبدًا عن شق بهذا المستوى من القوة. وكان الأمر مقلقًا بشكل خاص لأن شقّ المرآة في الأكاديمية كان من أضعفها.
فكيف هو الحال في الأماكن الأخرى التي تحتوي على شقوق تعجّ بالكائنات الوحشية؟
"...هناك الكثير من الأقوياء في برِمر لذا قد يكون الوضع هناك آمنًا، لكن لا أعلم عن الأماكن الأخرى."
قد تُضحّى ببعض المناطق.
على أي حال، هزّ ليون رأسه ليُبعد تلك الأفكار، ودخل غرفته أخيرًا، مغلقًا الباب خلفه، ثم جلس عند مكتبه. وبجوار المكتب كان هناك مرآة صغيرة يمكنه أن يرى فيها انعكاسه.
كان على وشك أن يسترخي على الكرسي، حينما تجمّد جسده بالكامل.
با.. خفق!
نبضة قوية، منتظمة، دوّت في عقله، تشبه خفقة قلب.
وجد ليون نفسه غير قادر على الحركة.
با.. خفق!
ترددت النبضة مرة أخرى، مما جعل ليون يقبض على ذراعي الكرسي بغريزة، وكانت قبضته شديدة لدرجة أن الخشب تشقق تحتها.
بانغ!
'ما الذي يحدث—!?'
بدأ الذعر يتسلل إلى عقل ليون.
كانت هذه أول مرة يحدث له شيء كهذا، وفقد السيطرة الكاملة على جسده.
"ما نوع هذا—أوها؟!"
تفاقم الصدمة عندما رفع ليون نظره، وتلاقى مع انعكاسه في المرآة. كانت خطوط داكنة عميقة تشوّه وجهه، تمتد إلى صدره، حيث انبعث توهج باهت غريب من تحت قميصه.
بدأ ليون يلهث، وقد استبد به الذعر.
حاول أن يبقى متماسكًا، لكنه لم يستطع. كان قد فقد السيطرة الكاملة على جسده، وكل ما استطاع فعله هو الارتجاف في مكانه.
'ما الذي يحدث؟ ما الذي يجري بحق السماء؟!'
أراد ليون أن يصرخ، لكن صوته لم يخرج.
أراد أن يركض، لكن ساقيه لم تتحركا.
كان يريد أن...
فوووم!
انفجرت ومضة ضوء ساطعة من صدر ليون، ملأت الغرفة بتوهج كثيف التهم كل ما في طريقه.
وجد ليون نفسه يُقذف إلى الوراء نتيجة الضوء، وارتطم بالسرير خلفه.
بانغ—
"أوخ...!"
كان ظهره يؤلمه من الاصطدام، لكن ليون بالكاد أدرك الألم. ومع تراجع الضوء تدريجيًا، اكتشف أنه يستطيع التحرك مجددًا، وغمره شعور هائل بالراحة.
"نعم... هاا... أستطيع أخيرًا... هاا..."
لكن كلماته توقفت هناك.
رفع رأسه قليلًا، وتوقف نظره على الجسم الذي كان يطفو أمامه.
في وهجٍ أبيض ناعم، كان هناك كأس أسود يطفو على بعد إنشات فقط من وجهه، ينجرف ببطء في الهواء.
أسرع ليون لخفض رأسه ليرى صدره، وعندها اتسعت عيناه بشدة.
"آه..."
تقطق. تقطق.
بينما كان صوت التنقيط يملأ الغرفة، لطخ اللون الأحمر الأرض، متجمعًا حول قدميه، بينما نظر ليون إلى صدره... أو ما تبقى منه.
نظر إلى الثقب الكبير في صدره، ثم رفع رأسه لينظر إلى الكأس أمامه، فشعر أن ساقيه خارتا تحته.
طاخ.
سقط على ركبتيه، وحدق مذهولًا بالكأس الذي يطفو أمامه.
كيف يمكن أن...
في وسط صدمته، بدأ الكأس يهبط بلطف، ليستقر أسفل وجهه مباشرة. ثبت ليون نظره على السائل القرمزي الذي يملأ الكأس، بلونه الأحمر الذي يشبه دمه تمامًا.
لا، هذا كان دمه...
ومن داخل السائل، حدق إليه انعكاسه—أو على الأقل، ما ظنّ أنه انعكاسه.
وأثناء تحديقه في الانعكاس، بدأت صورة أخرى تتداخل ببطء مع صورته. كانت الصورة ضبابية، من المستحيل تمييز ملامحها بالكامل، لكن فمها كان يتحرك.
كان عقل ليون مشوشًا، وفي وضعٍ كان من المفترض أن يكون فيه ميتًا، كان لا يزال واعيًا.
ركّز ليون على فم الشخصية داخل الكأس، بالكاد استطاع تمييز الكلمات. لم يكن متأكدًا مما إذا قرأها بشكل صحيح، لكن بدا وكأنها تقول، "اشرب..."
اشرب؟
كان ذهن ليون مشوشًا للغاية.
وبكل الدم الذي فقده، بالكاد استطاع البقاء مستيقظًا.
كان ذهنه يسابق الزمن، لكن بالنظر إلى خطورة وضعه، وجد نفسه يميل إلى الأمام، وشفتيه تلامسان حافة الكأس الباردة.
آخر ما تذكره قبل أن يغيب عن الوعي هو مذاق الحديد، يفيض في فمه ويملأ كل ركن منه.
كل شيء بعد ذلك بدا كحلم طويل.
حلم لا يستطيع تذكر أي تفاصيل منه.
لا، هذه كذبة.
هو تذكر شيئًا، لكن بالكاد. كان الأمر أشبه بعدة أصوات، أحدها بدا وكأنه حوار بينه وبين شخص آخر.
الشخصية التي كانت داخل الانعكاس...
كان الحوار كالتالي:
'أنت... من تكون؟ ما الذي... ما الذي يحدث؟'
'...من أكون؟'
رد عليه صوت آخر. صوت مليء بالتردد، وحتى الارتباك. كما لو أنه قد استيقظ للتو من حلم طويل ومريع.
'صحيح، أنا لا أعرف نفسي حقًا. لقد مر وقت طويل.'
'ماذا...'
'نويل.'
هكذا قدّم نفسه.
'هذا اسمك؟'
'نعم، هذا اسمي.'
'أنا نويل.'
'نويل رو.'
***
نهاية المجلد [4] - الجزء 1/2