هي كانت كالسُم...
سُم خفي لكنه قاتل، يلتهم الشخص ببطء من الداخل.
هكذا كانت روز ستصف أختها.
كلما اقتربت منها أكثر، كلما رأت فيها خللاً أكبر. كيف يمكن لشخص أن يكون عطوفاً إلى هذا الحد، وفي نفس الوقت غير مبالٍ تماماً؟
'...لا، الأمر أشبه بـ: كيف لشخص ألا يكون مثلها عندما يوضع في نفس موقفها؟'
والداهم...
لم يكونا أفضل والدين.
كانا من النوع التقليدي الذي لا يهتم إلا بالإنجازات والمظاهر. كلما كان أداء أحدهما أفضل، كلما ازدادت مكانتهما.
...ونظراً لتميز أختها، لم يوليا الكثير من الاهتمام لروز.
ولم تكن روز تغار من قلة اهتمامهم بها.
فقد كانت ترى كيف يعاملون أختها.
"لقد حصلتِ على المركز الأول، لكن هذا لا يكفي. الفجوة بينك وبين المركز الثاني تقلصت. لن يُقدَّم لك العشاء الليلة."
"سمعت أنك خرجتِ للتسكع مع أصدقائك. لا عجب أن درجاتك بدأت في الانخفاض."
"سأقوم بإخراجك من سكن الأكاديمية. من الآن فصاعداً، سأعيدك بنفسي إلى القصر كل عطلة نهاية أسبوع."
كانت كدمية.
دمية يستطيع والداهم التحكم بها بحرية لجعل أنفسهم يبدون بشكل أفضل. لكن لم يكن الأمر وكأنهم لا يحبانها.
كانا فقط...
طماعين.
لكن ما جعل الأمور أسوأ لم يكن طمعهم.
بل كان ابتسامتها.
رغم المعاملة القاسية التي كانت تتلقاها، كانت دائماً تحافظ على تلك الابتسامة. هل كانت درعاً تخفي به مشاعرها الحقيقية، أم أنها ببساطة من النوع الذي يبتسم دائماً، بغض النظر عن الظروف؟
روز لم تكن تعرف في ذلك الوقت.
فحتى هي كانت تجد صعوبة في اختراق ابتسامة أختها. ومع ذلك، لم تكن تهتم. كانت تستمتع بقضاء الوقت معها وتوثيق علاقتهما.
خصوصاً عندما كانت تضحك على نكاتها كثيراً.
لا أحد يضحك على نكاتها.
كل شيء كان جيداً.
كانت الحياة بسيطة، وتمنّت روز أن تستمر هكذا حتى يكبرا معاً.
لكن الحياة تحب أن تلعب بأقدار الناس.
كان الربيع.
ذلك الربيع المزعج.
"أختي، سأتزوج قريباً."
"هاه؟ ماذا؟"
"...إنه الوريث الظاهر لعائلة مايلن. لقد قابلته بالفعل. إنه رجل جيد ووسيم."
"انتظري، ماذا؟ هذا... منذ متى؟ كيف—"
"أعتقد أنني سأتزوجه."
كانت لا تزال تبتسم حين أخبرتها بذلك.
لكن شيئاً ما في ابتسامتها بدا مختلفاً.
عيناها القرمزيتان...
بدتا أكثر إنهاكاً من المعتاد.
*
ظهر من العدم.
"ما الذي حدث حقاً بينك وبين أختك؟"
لم تستطع روز الإحساس بوجوده إطلاقاً.
في لحظة، كانت كلماتها تنزلق من لسانها، وفي اللحظة التالية، ظهر وجهه فجأة.
كانت نظرته باردة، شبه بعيدة.
...بطريقة ما، ذكّرتها نظرته بأختها.
"ذلك..."
شفتاها ارتجفتا، غير قادرتين على استيعاب ما يجري.
كانت تعرفه مسبقاً.
لقد ترك انطباعاً دائماً عليها في آخر لقاء جمعهما، وقد وصلت إلى مسامعها أخباره الأخيرة.
لم يعد الشخصية البسيطة التي كانت تعرفها سابقاً.
حالياً...
"هل أنت متأكدة فعلاً من أنك لا تعرفين أين المرآة؟"
كان واقفاً فوقها.
وفكرة ذلك جعلت وجهها يشحب.
"إذاً؟"
لكنها لم تبقَ مرتبكة سوى لثوانٍ معدودة قبل أن تستعيد رباطة جأشها. هزت رأسها لإبعاد أفكارها، وتراجعت خطوة إلى الوراء، مثبتة عينيها القرمزيتين بعينيه العسليتين مباشرة.
بلعت ريقها الجاف، وفتحت فمها أخيراً لتتكلم،
"منذ متى عرفت أنني كنت هنا؟ كان تنكري مثالياً. كيف استطعت كشفه؟ هل كانت تصرفاتي؟ هل هذا ما كشفني؟"
"..."
لم يجبها جوليان فوراً.
بل اكتفى بالتحديق بها.
لكن روز بدت وكأن فكرة مفاجئة خطرت لها فجأة، فنظرت بسرعة إلى ساعدها.
هل يمكن أن يكون...؟
"الشعار لا علاقة له بالأمر."
كانت كلمات جوليان سريعة في تبديد شكوكها، بينما حافظ على تركيز نظرته عليها.
"...لنقل فقط أن لدي مهارة معينة تمكنني من ذلك."
"هل توجد مهارة كهذه؟"
"نعم."
أومأ جوليان برأسه، وعضّت روز على شفتيها.
أخذت نفساً عميقاً، وتمكنت من تهدئة نفسها أكثر، ثم نظرت إلى كيرا. كانت على وشك أن تتحدث عندما قاطعها جوليان.
"بخصوص المرآة، هل تعرفين أين هي؟"
"...آه؟"
ذكّرتها كلمات جوليان السابقة فجأة، فتغير تعبير وجهها.
"ما الذي يجعلك تظن أنني أعرف أين هي؟ لماذا سأكون هنا لو كنت أعرف مكانها؟"
"لكن ألم تقولي من قبل—"
"هذا موضوع مختلف تماماً."
قاطعت روز كلمات جوليان، وقد ارتفع نبرتها دون قصد، مما دفع جوليان لرفع حاجبه.
"أنا لا أملكها. لا أعرف أين هي. لما كنت سأصبح مهووسة بها لو كنت أعرف مكانها!؟"
ذلك التعبير على وجهه—الذي بدا وكأنه يقول، "أنتِ تنهارين"—جعل وجه روز يلتوي. هي فعلاً لا تعرف أين المرآة. لقد مرت سنوات على بدء بحثها عنها، دون جدوى.
كانت شيئاً دائماً ما تحمله أختها معها.
...ومع ذلك، فجأة، اختفت.
لم تبدُ "كي" على علم بمكانها، ولا روز كذلك. لقد فتّشت كل زاوية في القصر، لكنها لم تجد شيئاً.
وكأنها اختفت من الوجود.
لقد أصبح بحثها عن المرآة هوسها. لدرجة أنها أحياناً شعرت وكأنها تفقد عقلها.
ومع ذلك... ها هو، يتحدث معها وكأنها تعرف فعلاً مكانها؟
"تلك اللعينة...!"
فجأة بدأت روز تعبث بشعرها.
"لقد أخفتها في مكان ما لسبب ما. حتى بعد رحيلها... لا تزال تجد طريقة لإزعاجي. أكرهها. أكرهها كثيراً!"
خرجت كلماتها مبحوحة، وارتفع صوتها مع كل كلمة نطقتها.
أرادت بشدة أن تتحكم بنبرتها، لكنها لم تستطع.
كان الأمر محبطاً.
كانت تشعر بإحباط شديد.
"لقد دمرت حياتي، تعلمين؟ لم يكن شيء من هذا سيحدث بدونها. هي... لماذا كان عليها أن تدمر حياتي؟ ...وحياتها. وكل من تورط بالأمر؟"
قبضت روز على أسنانها، ناظرة إلى كيرا. وببطء، بدأت تعابير وجهها المتوترة تضعف مع إدراك ما فعلته، لتتركها منهكة.
"أكرهها."
كان صوتها ضعيفاً الآن، يكاد يكون هشاً.
"أكرهها جداً، تعلمين؟ أنا—"
"هل تكرهينها حقاً؟"
اخترقت كلمات جوليان الهادئة حديثها. وبينما تراجعت كلماتها، رفعت بصرها لتجده يحدق بها مجدداً.
"ماذا...؟"
وضع يده على خده.
"لو كنتِ تكرهينها لهذه الدرجة... لماذا تبكين؟"
"هاه؟ لست أبكي. لماذا تعتقد أنني..."
سارعت روز بوضع يدها على خدها، لتشعر بخط رطب صغير.
"هاه؟"
هل كانت... فعلاً؟
وكأن ذلك لم يكن كافياً، شعرت بشيء جعلها تخفض رأسها لترى زوجاً من العيون القرمزية المألوفة تحدق بها. كانت مفتوحة على اتساعها، تنظر إليها بدهشة وارتباك.
غطّت روز وجهها بيدها.
"آه... تبا."
***
في الوقت ذاته، في إحدى الغرف داخل القصر.
بعد أحداث الصباح، وجدت كل من إيفلين وآويف نفسيهما تعودان إلى إحدى الغرف معاً. لم تكن أي منهما متأكدة لمن تنتمي الغرفة.
...كان تفكيرهما منشغلاً بأمور أخرى لدرجة أنهما لم تكترثا.
"ما رأيك؟"
"لماذا تسألينني؟"
عبست إيفلين، وحولّت نظرتها نحو آويف، التي كانت تجلس على السرير وذراعاها متشابكتان، تُرجع شعرها الأحمر خلف أذنها.
رفعت حاجبها، ثم نظرت مجدداً إلى إيفلين.
"ألستِ الخبيرة في هذه الأمور؟"
"أنا؟"
"ألستِ من ساعد جوليان؟"
"نعم، لكن..."
"إذن؟"
"كيف لي أن أعرف؟"
رفعت إيفلين يديها في الهواء. لم تكن كاهنة. ورغم أنها كانت متمكنة من بعض طرقهم، إلا أنها كانت بعيدة عن أن تُعتبر خبيرة.
كانت بالكاد كاهنة من الدرجة الثالثة... إن صح التعبير.
ومع ذلك، لم تكن جاهلة تماماً.
"كيرا تصرفت بشكل غريب فعلاً، لكن لا أظن أنها مَسكونة."
"هل تعتقدين أنه بسبب الضغط النفسي؟ هي لا تحب التحدث عن عائلتها، لذا لست متأكدة مما جعلها تتصرف بهذه الطريقة، لكن الأجواء العامة اليوم كانت مختلفة عن المعتاد. كانت تشعر وكأن..."
"مصطنعة؟"
"نعم... مصطنعة."
صفقت آويف بأصابعها حينها.
"نعم، هذا بالضبط. وكأن شخصاً آخر لديه شخصية مشابهة كان يحاول التصرف مثلها. أو... شيء من هذا القبيل، أعتقد."
"...أشعر بنفس الشيء."
لم تختلف إيفلين مع آويف. فقد شعرت بالأمر ذاته، لكنه كان أشبه بحدس أكثر من كونه يقيناً.
بعد أن اقتربت أكثر من كيرا خلال العام الماضي، بات بإمكانها بسهولة ملاحظة التباين في سلوكها. ومع ذلك، كانت هناك عوامل عديدة قد تدفعها للتصرف بهذا الشكل.
برأيها، من الأفضل أن يتصرفا بحذر ويراقبا كيرا خلال اليوم التالي لمعرفة ما إن كان هناك شيء خاطئ حقاً. وبمجرد أن يتأكدتا، ف—
"نعم، من فضلك أرسلي أحداً إلى منزل عائلة مايلن."
"....!؟"
فوجئت إيفلين، فالتفتت بسرعة نحو آويف.
هناك، وجدت آويف جالسة على السرير وفي يدها جهاز التواصل. وبينما كانت تتحدث إليه، التقت نظراتهما.
"لا أعرف مدى قوتهم، لكن كلما كانوا أقوى، كان أفضل. كم سيستغرق وصولهم؟ ساعة؟ هذا يكفي. يجب أن يكون لدينا وقت كافٍ. شكراً لكِ."
أغلقت جهاز التواصل، ثم رمت به جانباً وصفقت بيديها برضا.
"ها نحن ذا، هذا يكفي."
"...."
ساد صمت غريب بعد كلماتها. صمت استمر لثوانٍ قليلة قبل أن تفتح إيفلين فمها فجأة.
"هل... فعلتِ للتو...؟"
"أم؟ أوه، هذا؟"
وكأنها لاحظت حيرة إيفلين، أشارت آويف إلى جهاز التواصل خاصتها.
"لقد اتصلت بالمنزل وطلبت إرسال عدد من الحراس إلى القصر."
"لا، فهمت، لكن..."
"إيفلين."
نظرت إليها آويف فجأة، ثم تنهدت وهي تقف وتربّت على كتفها.
"إن كان هناك شيء واحد تعلمته خلال السنوات الماضية، فهو أن ما يبدو مريباً، فهو على الأرجح مريب."
"نعم، لكن.."
ربّتت آويف على كتفها بقوة أكبر.
"لا يوجد لكن. لا أريد المرور بالمزيد من الهراء مثل الماضي. لقد تعلمت من الدروس السابقة. فماذا لو كنت أُفكّر بشكل مبالغ فيه؟ الحذر خير من الندم، وأنا أميرة. لا وجود لإساءة استخدام السلطة بالنسبة لي... كاككاكا."
ضحكت آويف فجأة، مما أثار قلق إيفلين.
تلك الضحكة...
هل كانت كيرا هي الوحيدة التي عليها القلق بشأنها؟