كذبة.
"...عمتي، أنا أفهم كل شيء."
الحياة التي عاشتها كانت كذبة.
من المرأة التي كانت تكرهها أكثر، إلى التي أحبتها أكثر.
كلها كانت كذبة.
"أفهم أنكِ كنتِ ضحية أيضًا في كل هذا. أنا آسفة على الطريقة التي عاملتكِ بها في الماضي. لم تكوني يومًا الشخص السيء."
كل شيء. كلّه.
كان بسببها.
بسبب وجودها.
"...الآن أفهم من هو الشخص السيء."
لم تكن تعرف الحقيقة إلا الآن.
وفكرة ذلك...
حطّمت ما تبقى من قطع هشة كانت ما تزال تربطها بنفسها.
"لقد كنتُ أنا. كنتُ الشخص السيء منذ البداية."
ذلك الإدراك هو ما غيّرها.
فقدت القدرة على فهم مشاعرها، والظلام الذي كانت تخافه كثيرًا بدا فجأة مريحًا.
وفجأة، وجدت نفسها في حالة غريبة.
حالة كانت فيها محاطة بالظلام، تشعر بانسجام غريب مع العالم. لكن في الوقت نفسه، بدأت تفقد إحساسها بذاتها.
كانت...
تختفي.
نقطة...!
انزلقت دمعة دافئة على خدّها.
وهي تفتح شفتيها المرتجفتين، نظرت إلى عمتها التي كانت تحدق بها بفم مفتوح. لا، لم يكن نظرها موجّهًا إليها.
بل إلى اليوميات التي كانت في يدها.
'آه، صحيح...'
كيرا رمتها نحوها.
ارتجفت شفتيها وهي تحاول قول شيء، لكن الكلمات رفضت مغادرة فمها.
وفي النهاية، تمكنت من إيجاد كلماتها مجددًا.
"بإمكانكِ النظر إليها... إنها تخصّها."
ترددت عمتها قبل أن تمد يدها لليوميات، وأصابعها ترتعش وهي تلامس الغلاف المهترئ.
وفي النهاية، أمسكت باليوميات وفتحتها على الصفحة الأولى.
تغير تعبير وجهها بالكامل وهي ترفع رأسها ببطء لتنظر إلى كيرا، التي ابتسمت لها.
"أرأيتِ؟"
رغم ابتسامتها، كانت عيناها فارغتين.
"...أنا الشخص السيء، أليس كذلك؟ يجب أن أختف—"
"أنتِ محقة. أنتِ الشخص السيء."
قاطعتها روز فجأة، مما جعلها تتجمد.
أغمضت روز عينيها، وصوتها البارد تردد في المكان.
"أنتِ السبب في اختفائها."
"قاتلتها."
***
إيفانجلين مايلن.
ذلك كان اسمها.
اسم والدة كيرا وشقيقة روز.
كانت جميلة، طيبة، وذكية. تجسيدًا للكمال.
...لكن حتى أجمل الزهور لها عيوب.
بعضها كان بارزًا بوضوح، والبعض الآخر يكاد لا يُرى.
\[لا شيء أجمل من الربيع]
\[إنه حلو وحنون.]
\[...لكنه مؤلم أيضًا.]
\[لأنه يذكرني بالحرية التي لا يمكنني امتلاكها.]
\[ابنتي.]
\[أنا أكرهها.]
\[كلما نظرت إليها، أشعر برغبة مفاجئة في الرحيل.]
\[الأمر خانق.]
\[كلّه.]
\[ساعدوني.]
العيوب لم تكن دائمًا سهلة الرؤية.
البعض أخفاها، والبعض أظهرها بفخر.
إيفانجلين كانت من النوع الأول.
أخفت عيوبها عن العالم، ولم تسمح لأحد أن يرى حتى لمحة منها.
وذلك... هو ما التهمها في النهاية.
'...هل هذا حقًا ما تظنين أنه حدث؟'
صوت ناعم همس بجوار أذن روز، بينما كانت صورة إيفانجلين تجلس متربعة أمامها.
'هل تظنين أن السبب في رحيلي هو ذلك؟'
شدّت روز قبضتها على اليوميات، وأصابعها ترتجف على الغلاف المهترئ. ومع قراءة السطور الأولى، أصبح صدرها ثقيلاً. كل كلمة مزّقت أنفاسها، وخنقتها.
كلما قرأت أكثر، غرقت أعمق، وكأن الصفحات تسحبها إلى ظلمة لا مهرب منها.
ومع ذلك، وسط الظلمة التي في اليوميات، رأت روز شيئًا آخر.
شيئًا... ربما لم تره كيرا.
'أنتِ ترين، أليس كذلك؟ السبب الذي جعلني أرحل. أنتِ ترين، أليس كذلك؟'
عضّت روز على شفتها، وأخذت نفسًا عميقًا ورفعت رأسها. عيون مجمدة قابلت نظرتها بينما أغلقت روز اليوميات في يدها.
"صحيح. كنتِ السبب في موتها. لكن... لم تكوني الوحيدة المذنبة. أنا أيضًا قتلتها."
فتحت كيرا فمها، لكن روز لم تترك لها المجال للكلام.
"لم أكن أفضل أخت. من أجل أن تبدو مثالية، عانت والدتكِ كثيرًا."
السبب في كون إيفانجلين مثالية لم يكن فقط لإرضاء والديهما.
بل أكثر من ذلك.
كان أيضًا لأنها أرادت حماية أختها.
أن...
تمنحها الحرية التي لم تنلها أبدًا.
"كنتُ أعلم بمعاناتها، لكنني لم أفعل شيئًا لمساعدتها. لقد قتلتها، تمامًا كما فعلتِ أنتِ."
ارتجف صدر روز.
الكلمات كانت مؤلمة جدًا، ومع ذلك، شعرت بأنها تحررها.
"والدكِ أيضًا قتلها. كان صارمًا جدًا معكِ عندما كنتِ صغيرة. والدتكِ لم تحب ذلك، وكانا يتشاجران كثيرًا بسببه."
"ماذا تقولين..."
"وهناك أيضًا أن الربيع كان على وشك الانتهاء. لقد كانت تحب الربيع حقًا. ربما كان الفصل الوحيد الذي أحبّته."
الربيع...
كانت تحبّه، أليس كذلك؟
تذكرت روز سبب تعلّم أختها للرسم.
كان لتتمكن من التقاط جمال الربيع وتتذكره عندما يختفي.
"توقعات والدينا كانت أيضًا مما قتلها. أعتقد أنهم كانوا فخورين بها، لكنهم فشلوا في رؤيتها كإنسانة، ورأوها كأداة."
كانوا أول من قيدها بالسلاسل.
وكانوا أيضًا أول من سلبها حريتها.
"وهناك أيضًا أنكِ كنتِ دومًا متعلقة بي. انظري إلى نفسكِ—ربما تحملين ملامحها، لكن قلبكِ، وتصرفاتكِ... هي لي. أعتقد أنها كانت تغار."
'لم أكن أغار.'
كانت تغار.
أختها المثالية تشعر بالغيرة...
كانت فكرة مضحكة نوعًا ما.
"ها، ها."
كانت الفكرة عبثية بما يكفي لتجعلها تضحك، رغم أن الصوت الذي خرج منها كان مشدودًا ومختنقًا.
عضت شفتها، ونظرت روز إلى كيرا.
كانت تنظر إليها، والدموع تسيل من كلتا عينيها.
"خه..."
أمسكت روز بذراعها المبتورة وتألّمت.
بدأ الألم من القتال يضربها أخيرًا.
ومع ذلك، مدّت يدها المتبقية نحو كيرا.
"كنت صغيرة جدًا وغير ناضجة لأفهم مشاعر والدتكِ في ذلك الوقت. تجاهلت كل العلامات. ولهذا... فأنا من تتحمل الذنب الأكبر."
أغلقت روز عينيها، واحتدّ صدرها بألم جعل ألم ذراعها يبدو ضئيلاً، بل لا يُذكر.
وحين فتحت عينيها مجددًا، رقّ وجهها.
"...لكن ما فائدة الذنب؟ كنتُ صغيرة وساذجة حينها. ولهذا لم أستطع فعل شيء من أجلها. أما أنتِ، فكنتِ مجرد طفلة. ماذا كنتِ تستطيعين فعله من أجلها؟"
بعبارة أخرى...
"يمكن القول إن موت والدتكِ كان نتيجة للعديد من الظروف المؤسفة."
من الشجارات مع زوجها، إلى نهاية الربيع، إلى غيرتها، إلى...
"....."
توقفت روز.
بدأت عيناها تدمعان، ورؤيتها تزداد غشاوة.
وبينما نظرت للأمام، ظهرت شخصيتان.
كانت كيرا، وإيفانجلين.
كلتاهما كانتا تنظران إليها.
ارتجفت شفتا روز عند هذا المشهد.
"في... النّهاية، رغم الذنب، السبب الحقيقي في كل ما حصل هو... أنها لم تتعلم أن تهتم بنفسها."
درست لتُرضي والديها.
ودرست لتمنح أختها الحرية.
وتشاجرت مع زوجها لتمنح ابنتها الحرية.
لكن ماذا عنها؟
من قاتل من أجلها...؟
"ه-هل تعلمين ما هو عيبها؟"
هزّت كيرا رأسها، والدموع تنهمر من وجنتيها أكثر فأكثر.
ابتسمت روز حينها.
"كانت تحبّ كثيرًا."
لدرجة أنها نسيت أن تحبّ نفسها.
"...ذلك العيب الواحد هو السبب في أنها لم تعد بيننا."
لأن ذلك العيب هو من أخذها منهم.
"هاكِ."
فجأة، قلبت روز الصفحة التالية من اليوميات وأعطتها لكيرا.
هزّت كيرا رأسها، لكن روز لم تهتم وأعادت اليوميات إليها.
عندها وقعت عينا كيرا على اليوميات مجددًا، وقرأت السطور التي لم تصل إليها من قبل.
تجمد جسدها بالكامل عندها.
"آه..."
ارتجف صدر كيرا مجددًا.
\[كلما نظرت إلى ملامحها الناعمة والحنونة، لا يسعني إلا أن أشعر بالاختناق.]
بمجرد قراءة السطر الأول، كادت تسقط اليوميات من يدها مجددًا.
إنه مؤلم...
مؤلم جدًا.
\[أكره رؤيتها.]
لماذا يجب أن أقرأ هذا؟
\[أكره أنها تشبهني.]
توقفي، أنا...
\[لكن...]
تجمّد جسد كيرا كله.
\[...أنا أحبها أيضًا.]
\[أحبها كثيرًا.]
\[لدرجة أنني خائفة.]
\[خائفة من أن أحبها أكثر من اللازم.]
\[أنا لست شخصًا جيدًا. أنا بلا عيوب، لكنني ناقصة جدًا.]
\[لهذا أشعر بالاختناق حين أنظر إليها.]
\[لأنني خائفة أن تكبر مع أم ناقصة مثلي.]
\[لكنني حاولت.]
\[من أجل ابنتي، حاولت.]
\[حاولت جاهدة أن أبقى.]
\[لكن...]
\[...كلما بقيت، كلما بدأت أكره نفسي أكثر.]
\[كل عيب صغير بدا كضوء ساطع لا يمكن تجاهله. كل عيب كان واضحًا، لا يمكن إنكاره. كل شيء فيّ... كان تذكيرًا بعيوبي.]
\[جنبًا إلى جنب مع الكراهية، شعرت.]
\[باليأس.]
\[بالحزن.]
\[...وبالوحدة.]
\[كل يوم كان أكثر اختناقًا من الذي قبله. وكأن القليل من الحرية التي كنت أملكها تُسحب مني ببطء، وعندها عرفت أنني لم أعد أستطيع البقاء.]
\[حاولت، لكنني فشلت.]
\[...ولذلك أكتب هذا.]
\[لأنني فشلت.]
\[فشلت في تجاوز عيوبي. في تجاوزها.]
\[ليس ذنب أحد.]
\[أنا فقط... لم أكن من هذا العالم.]
\[و...]
\[في الفترة القصيرة التي كنت فيها هنا، في السنوات الأخيرة... كانت الأجمل.]
\[أنا أكره ابنتي.]
\[لكنني أيضًا أحبها أكثر من أي شيء في هذا العالم.]
نقطة. نقطة...!
سقطت عدة قطرات فجأة على اليوميات بينما وصلت كيرا إلى نهايتها.
ولأول مرة منذ فترة، استعادت عيناها بعض الوضوح.
وفي تلك اللحظة، سمعت مجددًا صوت عمتها.
"هي... لم تكن تكرهكِ على ما فعلتِ؛ ب-ل كانت تكره نفسها لأنها أحبتكِ بعمق، وفي ذلك الحب، رأت كم كانت تفتقر لقيمة ذاتها..."
تحاول جاهدة أن تسيطر على أنفاسها، أخذت روز نفسًا عميقًا.
"لهذا لا يمكنكِ أن تقولي إنكِ ترغبين في الاختفاء."
"ولا أن حياتكِ بلا قيمة."
"لأن من أحبتكِ أكثر من أي شيء آخر... كانت هي."
"...وأرادتكِ أن تعرفي ذلك."
دارت روز برأسها ببطء، مركزة على تلك الصورة الأخرى التي كانت تنظر إليها بابتسامتها المعتادة نصف الصادقة.
"أليس كذلك؟"
أليس هذا هو السبب في أنكِ ما زلتِ تطاردينني؟
———
مترجم: نتأسف عن التأخير. اي أخطاء ضعها في تعليق