تجمد القاعة، وساد صمتٌ واضح في الأرجاء. لكن ذلك الصمت لم يدم طويلاً.
وام!
"ماذا!؟"
"وارثٌ ثانٍ؟"
"كيف يمكن أن يحدث هذا؟! هذا أمرٌ جلل!"
وكأن وجود القديسة لم يكن كافياً، حتى أُسقطت قنبلة أخرى فجأة، مما جعل المكان كله ينفجر في حالة من الفوضى.
كان من الصعب السيطرة على هذه الفوضى، إذ بدأ الجميع يتحدثون فوق بعضهم البعض، يحاولون الحصول على مزيد من المعلومات من الإمبراطور. ومع ذلك، ظل الإمبراطور هادئاً، وتعبيره ساكناً.
جال ببصره بهدوء في الأرجاء، وحينها سقطت عيناي على المندوبين الآخرين من إمبراطورية فيردانت.
'إنهم مضطربون.'
رأيت شخصية مألوفة في قسم إمبراطورية فيردانت، شعرها الأحمر الفاتح يتمايل بخفة بينما حاجباها ينقبضان، وعيناها الزرقاوان تحملان بريقاً معيناً.
لم تكن سوى إليسيا جي. فيردانت، ولية عهد إمبراطورية فيردانت. لم تكن لديّ أذكر عنها الكثير من الذكريات البارزة، لكن مما أذكره، كانت موهوبة للغاية، وصلت إلى المرتبة السابعة في سن الثامنة والعشرين.
رغم أن ذلك لم يكن يبدو مبهراً بالنسبة لي، خصوصاً مقارنةً بديلايلا وبعض الشخصيات البارزة الأخرى التي التقيت بها، إلا أن الفجوة بين المرتبتين السادسة والسابعة كانت كبيرة جداً، وإنجازها كان يُعد مذهلاً بنظر الآخرين.
ويزداد ذلك وضوحاً عند الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الناس يقضون عقوداً وهم يحاولون اختراق الحاجز بين المرتبتين السادسة والسابعة.
قليلون فقط من استطاعوا كسر ذلك الحاجز، وكثيرون فشلوا.
كنت قد وصلت مؤخراً فقط إلى المرتبة السادسة، وأعلم تماماً كم سيكون صعباً أن أصل إلى المرتبة السابعة.
ولكن مع ذلك، كنت أعلم أيضاً أنني سأصل إليها قبلها بكثير.
'لا يمكن أن أبقى عالقاً في المرتبة السادسة لخمسة أعوام قادمة.'
لن أسمح لنفسي بأن أعلق لتلك المدة.
كنت واثقاً من ذلك.
'...يمكنني أن أرى أنها غير راضية. ليس فقط هي، بل أيضاً التابعين خلفها، إذ يبدو أنهم يهمسون لها بشيء ما.'
من طريقة تصرفهم والذعر على وجوههم، بدوا وكأنهم مذعورون بعض الشيء.
يبدو أن الإمبراطور فاجأهم بهذا الخبر المفاجئ.
'...لكن يمكنني أن أتفهم ذلك. فهي ولية العهد.'
داخل الإمبراطوريات، لقب "ولي العهد" أو "ولية العهد" يشير ببساطة إلى أن الشخص يقود السباق نحو الخلافة—عادةً لأنه وُلد أولاً.
ما إذا كانوا سيصبحون الإمبراطور أو الإمبراطورة لاحقاً، فهذا يعتمد على إنجازاتهم المستقبلية.
امتلاك الدم الملكي لا يضمن العرش لأحد.
مع عودة صوت الإمبراطور يتردد من جديد، عاد الهدوء إلى القاعة الصاخبة، وكل الأنظار تركزت عليه من جديد.
ولم يُكمل الإمبراطور حديثه حتى وصل الصمت إلى حد معين، ثم تنحنح وأكمل حديثه.
"أعلم أن كثيرين منكم مرتبكون، وهذا أمر مبرر تماماً. هذا خبر أخفيته لفترة طويلة. على الأقل، أردت أن أكون متأكداً من أنني قد وجدت ابني قبل أن أعلن عن ذلك."
انتشرت همهمات جديدة في القاعة بينما رفع الإمبراطور يده، ليوقف الضجة مرة أخرى.
"قليل منكم يعلم، لأنني أخفيت الخبر عن معظم العالم، لكن قبل عقود، اندلع حريق هائل في ممتلكاتنا الملكية. وفي ذلك الحريق، تحولت الممتلكات إلى رماد... وفقدت أحد أبنائي في ذلك الحريق."
أدار الإمبراطور رأسه باتجاه الإمبراطورة، التي جلست في الصف الأمامي، وملامحه أصبحت أكثر ليناً.
"...فاريث."
تمتم.
"هذا هو الاسم الحقيقي للابن الذي فقدته، وظننت أنه قد ضاع إلى الأبد. ولكن كما لو أن السامي أراد شيئاً آخر، فقد وجدته أخيراً."
رفع الإمبراطور رأسه، وركز نظره على ليون، الذي عبس. كان من الصعب قراءة تعبيره، لكنني استطعت أن ألتقط ملامح من الصدمة والارتباك—مخلوطة، بشكل غريب، ببعض الفهم.
'يبدو أنه ليس مصدوماً تماماً من الخبر.'
رغم أن ليون كان يبدو أحمقاً، إلا أنه لم يكن غبياً بالضرورة. بدا وكأنه مدرك جزئياً لاحتمال ارتباطه بإمبراطورية فيردانت، لكنه أيضاً، ولسبب ما، لم يكن مهتماً كثيراً بماضيه.
'انتظر، هل من الممكن أن تكون كلماته التي قالها لي من قبل بمثابة تلميح إلى أنه كان مدركاً نوعاً ما؟'
شعرت بشفتي ترتجف.
'تباً...'
غرقت في مقعدي واختبأت خلف ظهر الشخص الذي أمامي.
"آه؟ ماذا تفعل؟"
حتى الصحفية بجانبي نظرت إلي باستغراب من تصرفي.
لوحت لها بيدي وتمتمت، "اتركيني، هذا من أجل نجاتي."
"ماذا؟"
وبينما ركز الإمبراطور نظره على ليون، تركزت كذلك أنظار كل الحاضرين عليه.
"هل يعرفه أحد؟"
"أليس هو...؟"
تمكن البعض من التعرف على ليون، ومع النظر إلى عينيه، بدأ الناس يربطون الأمور ببعضها.
تماماً عندما كانت الفوضى على وشك الانفجار، جاء صوتٌ واضحٌ رنان.
"تمهّلوا."
لم أكن بحاجة للنظر لأعرف من المتحدث.
'غالباً ولية العهد.'
"كيف يمكنك أن تكون واثقاً أنه ابنك الذي فقدته؟ على حد علمي، هو فارس في إمبراطورية نيرس أنسيفا."
وبالنظر إلى حضورها للقمة، بدا أنها كانت على دراية تامة بهوية ليون. وكذلك كان كثيرون غيرها.
لذا، فإن إعلان الإمبراطور المفاجئ أثار كثيراً من الشكوك.
"إن كان حقاً ابنك، كيف انتهى به المطاف هناك؟ لا معنى لذلك بالنظر إلى بعد إمبراطوريتنا عن إمبراطورية نيرس أنسيفا. الصلة الوحيدة الممكنة هي عيونه الرمادية، لكن تلك ليست نادرة تماماً في إمبراطوريتنا. العائلة الملكية لم تلتزم كثيراً بالزواج الداخلي في السنوات الأخيرة."
جلبت كلماتها موجة جديدة من الهمهمات.
"هذا صحيح!"
"...العائلة الملكية تزوجت من خارج طبقة النبلاء مرات عديدة. لن يكون من الغريب أن يكون الدم الملكي قد انتشر عبر الأجيال. قد لا يكون مرتبطاً بهم أصلاً."
"ما الذي يجعلك تظن أنه ابنك الضائع؟"
تمكنت من معرفة أن معظم من يتحدثون كانوا من مؤيدي ولية العهد. والحقيقة أن بينما كان البعض يشك، كان معظمهم مهتماً أكثر بالدراما التي تتكشف.
وكأن الإمبراطور كان يتوقع هذه المعارضة، فقد ظل ثابتاً، ووجهه هادئ.
"أستطيع أن أتفهم شكوككم جميعاً، لكنه من دون شك ابني."
قاطعاً كل الشكوك، مدّ الإمبراطور يده، فتقدم أمل بسرعة وسلّمه ورقة.
"ما تلك؟"
ابتسم الإمبراطور وهو يفرد الورقة في يده، كاشفاً عن ختم ومقطع طويل من النص.
غير مكترث لتغير تعابير بعض الأفراد، عرض الورقة للجميع.
"هذه هنا هي دليل شرعيته."
'كيف يؤكد هذا أي شيء؟'
ضيّقت عينيّ لأنظر إلى الورقة، لكنني شعرت بالارتباك، إذ لم أر سوى نص طويل بالكاد يمكنني قراءته.
ومع ذلك...
"مستحيل، هل هذا حقيقي؟"
"ذلك الختم..."
نظرت حولي إلى من بجانبي، ووجوههم كانت واضحة الصدمة. أملت رأسي، وعقدت حاجبيّ من الارتباك.
"إذاً هذا حقيقي."
لاحظت أن الصحفية بجانبي تعرفت على الورقة، فشعرت برغبة في السؤال، "لماذا يتصرف الجميع هكذا بسبب تلك الورقة؟"
"هم؟"
التفتت الصحفية نحوي وأمالت رأسها.
"ألا تعلم؟"
"لم أكن لأسأل لو كنت أعلم."
"هاها، هذا صحيح."
وضعت قلمها على شفتيها وبدأت تمضغه بهدوء، ثم أشارت نحو الورقة.
"هذه هناك هي شهادة ميلاد. تُصدر عند ولادة كل وريث، وإذا نظرت إلى الختم، ستلاحظ أنه غير مزيف. هناك مجموعة محددة من الرموز، نظمها خبراء، تضمن أصالتها."
"حقاً؟"
لكن هذا لم يُجب على سؤالي فعلاً.
"...عند الولادة، يُطلب من كل وريث أن يضع قطرة من دمه على الختم، والذي يسجلها حينها. إذا أضاف شخص دمه لاحقاً، فإن الختم يتفاعل بحسب درجة التطابق."
"إذاً تقصدين أنه إن وضع ليون دمه هناك وتطابق، فهو مؤكد أنه ابنهم؟"
"تقريباً."
"آه..."
اتكأت أكثر في مقعدي. هذا كان منطقياً جداً.
كنت على الأرجح الوحيد الذي لا يعرف كيف تعمل تلك الشهادة، إذ تركزت كل العيون الآن على ليون، الذي جلس هناك بلا تعبير.
ومع ذلك، وتقبلاً للموقف، وقف ليون تدريجياً وسار نحو الإمبراطور.
خطوة. خطوتان. ثلاث خطوات.
كل الأنظار كانت عليه بينما كانت خطواته تتردد في أرجاء القاعة.
وأخيراً، تحت أنظار الجميع، توقف أمام الإمبراطور، الذي مدّ إليه الورقة، وعيناه دافئتان.
"لم لا تضع بعضاً من دمك هنا لتؤكد ذلك؟"
"....."
لم يقل ليون شيئاً، واكتفى بالتحديق في الورقة أمامه.
وأخيراً، ومع تقطيب شفتيه، رفع يده وحرّكها فوق الورقة. وكان على وشك وخز إصبعه عندما دوّى صوت فجأة.
"تمهل."
ولم يكن من أوقفه ولية العهد، ولا أحد من إمبراطورية فيردانت.
وفي النهاية، التفتت الأنظار جميعها إلى شخصية مألوفة، شعره المقصوص كوعاء يلفت الأنظار، ونظارته معلقة على أنفه الطويل.
لم يكن سوى الصحفي من اليوم الأول.
'انتظر، انتظر...'
انقلبت معدتي، وتوتر جسدي بالكامل وأنا أنظر إلى ليون. راودتني فكرة، وفجأة ابتلّت ظهري عَرَقاً بارداً.
"من أنت؟ ولماذا توقفه؟"
"لا تفهمني خطأ، أيها الإمبراطور. رغم أن أفعالي تبدو وقحة، إلا أنني أتكلم فقط لأني أشعر أن هذا الاختبار غير عادل."
"غير عادل؟"
انفجرت همهمات جديدة إثر كلمات الصحفي.
لم يتصاعد الوضع بعد، لكنني استطعت أن أرى إلى أين تتجه الأمور. نظرت حولي، أبحث عمّن قد يكون لاحظ أن شيئاً غير طبيعي يحدث—لكن لم يتفاعل أحد.
شعرت بمعدتي تنقلب.
"بالفعل، إنه غير عادل. رغم أنني أصدق أن الورقة حقيقية، أليس من المفترض أن يقف ممثلو الإمبراطوريات الأخرى هنا ليضمنوا عدم وجود تلاعب؟ لا بد أنك تدرك أن أمراً بهذه الأهمية يجب أن يُشهد عليه من الجميع. فهذا ليس أمراً بسيطاً، على أية حال."
'آه، تباً.'
بدأت عيناي تتنقلان في كل اتجاه، في محاولة لرؤية ما إذا كان أحد سيتحرك.
شعور مقلق اجتاح كل جزء مني في تلك اللحظة، وفور أن تكلم الصحفي مجدداً، وقفت.
"هذا شيء قد يغيّر كل شيء—"
"اجلس."
سوش، سوش—
اتجهت أعين كل من في القاعة نحوي بينما كنت أحدق مباشرة بالصحفي.
ثم، وتحت أنظار الجميع، صفّقت بأصابعي.
*فرقعة!*
"آاااه!"
صرخة اخترقت الصمت بعد لحظات قليلة، إذ فعّلت الختم الذي أعددته من قبل.
"كما قلت... اجلس."