كل شيء كان يسير كما خُطّط له.
جاكال كان قد رأى كل شيء مسبقًا. تصرّف وفقًا لما رآه.
ثقته كانت نابعة من رؤياه.
ومع ذلك...
"ك-كيف يكون هذا ممكنًا...؟"
تراجع خطوة إلى الوراء، محدقًا في جوليان، الذي لا يزال واقفًا. في يده سيف أسود غير ملفت للنظر، ورأسه منحنٍ للأسفل.
جسده بالكامل كان مغطى بالدماء، التي تجمعت تحته.
في حالته الحالية، كان ينبغي أن يكون ميتًا.
من فقدان الدم إلى السيف الذي اخترق جسده. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يظل واقفًا.
ومع ذلك...
"هذا غير منطقي؟"
"ما نوع هذه الحيلة...؟"
راودته فكرة وهو ينظر إلى جوليان. بدأت الأمور تتضح حينها.
"نيكرومانسي؟"
بالفعل، جوليان كان مستخدمًا للّعنات. لن يكون من الغريب أن يعرف شيئًا عن فنون الأموات. ربما السبب الوحيد لبقائه واقفًا هو نوع من القوة المرتبطة بالنيكرومانسي كان قد وضعها على نفسه.
"هكذا إذًا..."
رغم أن جاكال لم يكن متأكدًا، إلا أنه لم يشعر أن جوليان لا يزال يُشكّل تهديدًا.
بالنسبة له، الأمر قد انتهى.
"تتخبط حتى بعد الموت. يا له من أمر مثير للشفقة."
هزّ رأسه وتقدم خطوة للأمام، رافعًا سيفه استعدادًا لإنهاء الأمور.
وكان على وشك أن يوجه ضربته عندما—
".....!؟"
رفع جوليان رأسه، وعيناه خاويتان.
حدّق جاكال في عينيه، وشعر بعرق بارد يتصبب من ظهره. كان في نظرته شيء أزعجه بعمق.
وكأن هذا لم يكن كافيًا...
بدأ بالتحرّك.
"ماذا؟!"
تغيّر تعبير جاكال كليًا. خصوصًا عندما رأى جوليان يرفع سيفه ويوجه ضربة باتجاهه.
سوووش!
لم تكن ضربة مبهرة—مجرد ضربة واحدة. ومع ذلك... بدت وكأنها تتبعه، تنزل كأفعى مستعدة للانقضاض.
ومع ذلك، تمكن جاكال من تفادي الضربة دون كثير من الجهد.
وكان على وشك أن يرد الهجوم عندما جاءت ضربة جوليان الثانية.
سوووش!
هذه المرة، كانت أسرع، أدق، وأكثر قسوة!
لم يكن لدى جاكال أي وقت تقريبًا لاستيعاب الضربة قبل أن تصل إليه.
كلانك!
تطايرت شرارات في الهواء بينما تمكن جاكال من صد الهجوم.
لكن...
جاءت الضربة الثالثة.
وكانت أسرع من سابقتيها. لم يتمكن جاكال من الرد في الوقت المناسب. كل ما استطاع فعله هو التحديق في السيف القادم بصدمة، بينما بالكاد تمكّن من وضع جسد سيفه ليصد الهجوم.
بانغ!
لأول مرة، تم دفعه إلى الوراء.
"كيف يكون هذا ممكنًا؟!"
اشتدّت صدمة جاكال عندما رأى جوليان يقترب منه. بدا وكأنه في حالة غيبوبة.
يتبع مسارًا معينًا...
انكمش وجه جاكال حين رأى ذلك.
بهذه الوتيرة، كان سيخسر.
أخذ نفسًا عميقًا وأغمض عينيه لوهلة قصيرة. هدأت أفكاره بسرعة، وعندما فتح عينيه مجددًا، ظهرت أمامه عدة نسخ من جوليان، تهاجمه من عدة اتجاهات.
بدا العالم وكأنه يتباطأ في تلك اللحظة.
استطاع رؤية جميع المسارات الممكنة التي يمكن أن يسلكها جوليان لمهاجمته، وتصرف وفقًا لذلك، خافضًا جسده وهو يدفع قدمه للأمام استعدادًا للهجوم المضاد.
كانت هذه ورقته الرابحة.
كان هذا هو السبب الذي جعله لا يعامل جوليان كتهديد. مستواهما لم يكن مختلفًا كثيرًا، مع تفوّق طفيف لجاكال.
وكان سحر جوليان العاطفي قويًا جدًا، ومخيفًا إلى حد ما.
لكن بالنسبة لجاكال...
لم يكن شيئًا.
كان يرى كل شيء. كل ما خطط له جوليان، في اللحظة التي يُفعّل فيها قدرته، كان جاكال قادرًا على رؤيته.
...وبما أنه يرى كل شيء، لم يكن هناك أي طريقة يمكن أن يفوز بها جوليان.
أو هكذا كان يُفترض.
ششششينغ—!
صوت تهشّم دوى في ذهن جاكال عندما رأى النسخ السبع أمامه تتحطم دفعة واحدة، وسيف واحد يمر من زاوية لم تغطها الصور.
"...!؟"
اتسعت عينا جاكال عند المشهد، وتغير تعبيره بسرعة وهو يحاول تعديل وضعه لصد الهجوم.
ولكن كيف له ذلك؟
وكأن السيف كان يعلم تمامًا أين سيتحرك، فقد غيّر مساره في الهواء، واصطدم به من الأعلى.
كلانك!
تطايرت الشرارات مرة أخرى بينما تم دفع جاكال إلى الوراء، وتحطمت الأرض الخشبية تحت خطواته، فيما تدفق الدم من فمه.
"هويك!"
وهو ممسك بصدره، شعر بحرقة تتسلل عبر جسده بينما حاول جاهدًا استعادة توازنه.
لكن ذلك تبيّن أنه مهمة مستحيلة، إذ ظهر جوليان أمامه مجددًا، وقد بدا حضوره طاغيًا وهو يرفع سيفه عاليًا.
"آه!"
صرخ جاكال، وتحطمت رؤيته مجددًا بينما هوى السيف من الأعلى.
بانغ!
تم دفع جسده مرة أخرى بقوة، وارتطم بالحائط القريب بينما تدفق المزيد من الدم من فمه.
تومب!
سقط على وجهه، وأسقط سيفه الذي ارتطم بالأرض. شحب وجهه عندما رأى جوليان يقترب منه مجددًا.
"لا، لا..."
سارع للإمساك بسيفه، لكن بحلول ذلك الوقت، كان الأوان قد فات.
كان جوليان قد وصل إليه.
اتسعت عينا جاكال في تلك اللحظة عندما فعّل مهارته. حينها، رأى ذلك.
...الظلام.
كان هذا كل ما رآه.
وفي تلك اللحظة، أدرك الحقيقة.
"سأموت!"
"لاااا!"
صرخ برعب بينما كان سيف جوليان يهبط عليه، وعيناه تتحولان إلى اللون الأحمر، والطاقة السحرية داخله تتجمّع لتُشكّل درعًا.
سرعان ما وصل السيف إلى الدرع، ثم—
توقّف.
صمت.
"هاا... هااا..."
بينما ترددت أنفاس جاكال الثقيلة في الأرجاء، حدق في جوليان، الذي توقّف فجأة، وجسده كله متجمد في مكانه.
"م-ماذا؟"
مذعورًا، تراجع جاكال وهو يسعل بشدة ويتدفق الدم من فمه.
وبينما أسرع في التقاط سيفه، وجّهه نحو جوليان، لكن حتى في تلك اللحظة، لم يتلقَّ أي رد.
كما لو كان مجمّدًا في الزمن، توقف جوليان تمامًا عن الحركة.
وهنا، أخيرًا، أدرك جاكال الحقيقة.
"ميت..."
كان جوليان ميتًا.
وجهه كان خاليًا من اللون، وصدره لم يكن يتحرك. ولم يشعر جاكال بأي نبض.
"إنه ميت..."
تمتم بنفس الكلمات مجددًا، وارتجفت شفتاه قبل أن ينفجر فجأة بالضحك.
"كنت أعلم ذلك! هاهاها!"
ضَحِكُه دوى في الأرجاء بينما تقدم نحو جوليان.
"لم يكن بإمكانه النجاة من ذلك بأي شكل!"
كان واثقًا منذ البداية.
كيف يمكن لأحد أن ينجو من طعنة في الجسد؟ حتى لو كانت لديه مهارة تسمح له بالبقاء حيًا لبعض الوقت، لا يمكن له أن يبقى واقفًا بتلك الطريقة.
"هذا مستحيل!"
وقد ثبتت صحة ظنه.
لم يُضِع جاكال ثانية واحدة. تحرك خلف جوليان، وطعن سيفه في ظهره، مخترقًا قلبه مباشرة.
سبورت!
تناثرت الدماء على الجدران بينما سقط جسد جوليان مترنحًا للأمام.
تومب!
"هاهاها."
انفجر جاكال ضاحكًا مرة أخرى، ووجهه مشوّه وهو ينحني ومزق قميص جوليان، كاشفًا عن الجروح التي ألحقها به. وضع يده على ظهره، ووجهه ازداد جنونًا.
"حان الوقت لأستعيد ما يخصّني."
انبعث ضوء قوي فجأة بينما بدأت الدماء في جسد جوليان تتحرك وتتلوى قبل أن تبدأ بالاندماج تدريجيًا في جسد جاكال.
"هـ-ها."
ارتجف صدر جاكال بينما شعر بالدماء تنتقل من جسد جوليان إلى جسده. بدأت الجروح التي أصيب بها في هجوم جوليان الأخير بالشفاء بسرعة، فيما أصبحت رؤيته أكثر وضوحًا.
شعر بقوة غريبة، ولكن مألوفة، تبدأ بالاستقرار في ذهنه بينما أصبحت رؤيته أوضح وأوضح.
في تلك اللحظة، بدأ العالم من حوله ينفتح فجأة.
شعر جاكال وكأنه قادر على رؤية كل شيء وتوقّع كل شيء، صور غريبة تومض في ذهنه بينما استمرت الدماء بالتراكم داخله.
رفع رأسه وتشوّه وجهه نشوة.
في تلك اللحظة، شعر أخيرًا بالكمال.
أخيرًا، بدأ يشعر وكأنه السامي أوراكليوس.
"هااا."
بينما خرج هواء كثيف من شفتيه، سحب جاكال يده من جسد جوليان. تعبيره، الذي كان مشوّهًا قبل لحظات، هدأ وهو ينظر إلى محيطه.
"كل شيء... يبدو مختلفًا للغاية."
لم يستطع وصف الشعور الذي كان ينتابه، لكنه شعر بأن ذهنه أصبح أكثر صفاءً.
لكن مع ذلك...
"....."
خفض رأسه ونظر إلى يديه، وقطب حاجبيه حين لاحظ عروقًا زرقاء غريبة تغطي يديه بالكامل. شعر بإحساس رفض غريب من الدماء التي تَوَغّلت في جسده.
لكن لم يقلق كثيرًا.
"أعطِ الأمر سنة أو سنتين."
كان جاكال يدرك أنه لم يندمج بالكامل بعد مع الدماء. لا يزال الأمر يتطلب بعض الوقت، وخلاله، خطط للعودة إلى الكنيسة وامتصاص كل شيء ببطء.
وبحلول ذلك الوقت...
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه.
"...كنيسة أوراكليوس ستكون الكنيسة الوحيدة المتبقية."
رفع رأسه ببطء ونظر إلى محيطه، ثم خطا خطوة للأمام، واختفى جسده. وفي اللحظة التي اختفى فيها، اختفت معها أجساد كل من كان حاضرًا.
باستثناء جوليان، الذي بقي على الأرض، جسده بلا حياة.
تدريجيًا، بدأت البيئة المحيطة تتعافى، ولم يمضِ وقت طويل حتى عاد كل شيء كما كان من قبل.
تحطم الحاجز الذي كان يغطي المكان، وساد صمت غريب في الأرجاء.
...صمت لم يدم طويلًا، إذ كسره صوت طرق خافت.
توك توك—
"جوليان؟"
كان ليون.
جاء لزيارة جوليان ليأخذ بعض الأغراض التي كان قد تركها سابقًا. توقّع أن يجيبه جوليان على الفور، لكنه لم يتلقَّ أي رد.
"جوليان؟"
قطّب ليون حاجبيه، وجهه تعلوه الحيرة.
"أعلم أنك بالداخل. صاحب النزل أخبرني أنك عدت للتو. ولدي مفاتيحك أيضًا."
توك توك—
طرق مرة أخرى.
ومع ذلك، حتى بعد أن طرق مجددًا، لم يتلقَ أي استجابة.
وبينما بدأ يشعر بالضيق، وضع ليون المفاتيح في القفل وفتح الباب.
"أنا داخل..."
كليك!
فُتح الباب، ودخل ليون.
كان على وشك أن ينطق بشيء عندما رأى أخيرًا جوليان، ملقى على الأرض دون أن يتنفس.
"جوليان!"
تغيّر تعبيره على الفور.
"هيه، استيقظ! جوليان!"
حاول إيقاظه، لكن لم يكن هناك ما ينكر المشهد أمامه.
جوليان...
كان ميتًا حقًا. ( RIP جوليان 🙏 )