تحت الضوء الخافت، كان جسدٌ مسجى على السرير. ورغم أن لون وجهه كان ورديًا، إلا أنه لم يكن هناك نبض، ولا نفس.
لقد كان، بكل معنى الكلمة، ميتًا.
"إذًا...؟"
بينما تراجع شخص يرتدي ملابس سوداء، اتجهت عدة أنظار قلقة نحوه.
وفي صمتٍ بدا وكأنه سيستمر إلى الأبد، هزّ الرجل رأسه في النهاية.
"لا أشعر بأي نفس أو روح داخل الجسد. أخشى أن—"
"إنه ليس ميتًا. أنا واثق أنه ليس ميتًا."
وقف ليون فجأة من على الكرسي، مقاطعًا الكاهن في منتصف حديثه. كان شعره مبعثرًا قليلًا، وهالات داكنة تحيط بعينيه بينما ثبّت نظره على جوليان.
هو، أكثر من أي شخص آخر، كان يعلم أنه من المستحيل أن يكون جوليان ميتًا.
الدم... كان من المفترض أن ينجح.
ومع ذلك.
ومع ذلك...
"أنا أفهم من أين يأتي شعورك. هذه الحالة... إنها المرة الأولى التي أرى فيها شيئًا كهذا."
لم يُبدِ الكاهن أي انزعاج من تصرف ليون، بل هز رأسه بتفهم. في الحقيقة، لم يكن متأكدًا حتى لماذا تم استدعاؤه في المقام الأول. فهو يتعامل مع الأرواح وما يتعلق بها، وليس طبيبًا.
ومع ذلك، امتثل للأمر، نظرًا لمكانة الأشخاص الذين طلبوه.
"...لسببٍ ما، يبدو أن الجسد يحتفظ بوظائفه الحيوية الأساسية، مما يمنعه من التحلل. ولكن في الوقت نفسه، لا توجد روح بداخله. ولعدم وجود تعبير أدق، فهو مجرد قوقعة فارغة."
"أنا لا..."
شحب وجه ليون وهو يهز رأسه. رغم أنه كان يعرف الجواب بنفسه، فإن سماعه من الكاهن كان كطعنة في صدره.
غطى فمه الذي كان ينفتح وينغلق مرارًا. لكنه، كلما حاول التحدث، وجد نفسه عاجزًا عن العثور على الكلمات.
وفي النهاية، جلس منهارًا على الكرسي، عاجزًا عن استيعاب ما يحدث.
"كيف يكون هذا ممكنًا... لقد وصلت في الوقت المناسب... كان يجب أن يكون قادرًا على النجاة... لا معنى لهذا على الإطلاق."
بدا وجهه خاليًا من التعابير وهو يحاول استيعاب الوضع.
...ولم يكن وحده في الغرفة.
كان هناك عددٌ من الأشخاص الآخرين. أبرزهم أطلس وعدد من كبار الشخصيات في الإمبراطورية.
ولم تنتشر أخبار موت جوليان بعد. في الواقع، قلة مختارة فقط كانت على علم بالأمر.
"من فعل هذا؟"
رنّ صوت أطلس بهدوء عبر الغرفة.
وعندما رفع ليون رأسه، شعر بقشعريرة تسري في جسده لا إراديًا حين رأى نظرة أطلس الموجهة نحو جوليان.
لم يبدو عليه الغضب أو الحزن.
كانت ملامحه فقط... محايدة.
ومع ذلك، كانت تلك الحيادية بالذات كافية لتبث الرعب في جسده.
"ما زلنا لا نعلم."
أجاب شخصٌ آخر وهو يهز رأسه قبل أن يلتفت إلى ليون. بدا وكأنه أحد ممثلي عائلة ميغريل.
"إنه من وجد جوليان بهذه الحالة. ربما يعرف شيئًا أكثر."
أدار أطلس رأسه، وعيناه الصفراوان تخترقان ليون وهو يهز رأسه.
"أنا... لا أعلم. حقًا لا أعلم."
عند التفكير في كيفية وصول جوليان إلى تلك الحالة، شعر ليون بالضياع التام. المكان الذي وجده فيه كان نظيفًا تمامًا، دون أي علامات تدل على وجود معركة. ولكن، عندما تذكّر الجروح على جسد جوليان، علم أنه مر بالكثير.
'هل تم نقله إلى مكان آخر وأُعيد بعد ذلك؟'
كان هذا هو التفسير الوحيد الذي استطاع ليون التوصل إليه.
ولم يكن الوحيد الذي شعر بأن هذا هو ما حدث.
ولكن في الوقت نفسه…
"بالنظر إلى حالة جسده النقية، أخشى أنه ربما تعرض لنوع من سحر 'العقل' القوي—"
"هذا مستحيل."
قاطع ليون فجأة، مما أثار انتباه الجميع الحاضرين.
وبينما أدرك ما فعله، شحب وجهه، لكنه عض على أسنانه بإحكام.
في هذه اللحظة تحديدًا، كان بحاجة لمعرفة من المسؤول عن هذا. الحزن والمواساة يأتيان لاحقًا. أخذ نفسًا عميقًا، وهدّأ مشاعره المتقلبة، ورفع رأسه.
ثم بدأ في سرد كل ما حدث وكيف وجد جوليان.
"...عندما وجدت جوليان، كان مليئًا بالإصابات. حالة قميصه وملابسه دليل مباشر على ذلك."
كانت ملابسه ممزقة ومليئة بالجروح. وكان هذا وحده دليلًا كافيًا على أنه خاض قتالًا.
وبدا أن عدة أشخاص آخرين على دراية بذلك، ولكن—
"لقد لاحظنا ذلك أيضًا، ولكن جسده سليم تمامًا. كما أنني اختبرت جسده، ولا يبدو أن جوليان يمتلك أي قدرات علاجية تجريبية. كيف تفسر هذا؟"
"من الممكن أن من قاموا بذلك قد عالجوه لإخفاء آثار تقنياتهم."
قاطعهم ليون فجأة.
لم يخبرهم بأنه هو من عالج جروح جوليان. وكان ذلك لسبب واضح جدًا. وحتى لو أخبرهم، فلن يغيّر ذلك شيئًا.
فالذين فعلوا هذا كانوا حذرين للغاية.
"هذا صحيح…"
أومأ أطلس برأسه، وكانت نظرته هادئة بشكل مريب.
"ولقد فعلوها أيضًا بصمتٍ وسرية. إنهم ليسوا مجموعة عادية..."
رغم قوله هذا، بدا وكأنه يمتلك فكرة عن المسؤولين عن هذا. وفي الحقيقة، لم يكن الوحيد.
'من فعلها؟'
ارتجفت شفتا ليون بينما شعر بإغراء شديد لطرح السؤال، لكنه تراجع عندما لاحظ الشخصية الواقفة في زاوية الغرفة.
لقد كانت صامتة طوال الوقت، وجهها خالٍ من التعبير ويبدو كأنها غير متأثرة بأي شيء.
ولكن نظرتها... لم تبتعد عن جسد جوليان ولو لمرة واحدة.
لقد ظلت عالقة هناك طوال الوقت، أفكارها مجهولة.
نظر إليها ليون، حاجباه ينعقدان. وبالنظر إليها، بدت غير متأثرة، ومع ذلك...؟
"ها...؟"
رمش بعينيه.
لقد اختفت.
تبخرت. وكأنها لم تكن موجودة هناك أصلًا.
"ما هذا..."
لم يحاول حتى أن يبحث عنها.
بل عاد لينظر إلى جسد جوليان—وانهار تعبيره. بدأ فجأة يتذكّر كل ما مرّ به الاثنان معًا وبدأ صدره يثقل من جديد.
هل كان هذا... حقًا؟
***
"كيف هو الوضع؟"
دخلت ديليلا إلى غرفة متوسطة الحجم، جدرانها مزينة بلوحات هادئة بدت وكأنها تراقب في صمت. الأرائك المخملية اصطفت على الجانبين، وعلى إحداها جلس أورسون، تعبيره جاد بينما التقت عيناه بعينيها.
"هل هو...؟"
"نعم."
أجابت ديليلا، بنبرة باردة ومتزنة. بدت وكأنها غير متأثرة إطلاقًا بالموقف.
"إنه ميت. لا نفس فيه... على الإطلاق."
"أفهم."
أغلق أورسون عينيه واتكأ إلى الوراء.
"يا للخسارة. كان شابًا وموهوبًا للغاية. البعض قارنه بك من حيث الموهبة."
هزّ أورسون رأسه بإحباط. الأفراد الموهوبون مثل ديليلا نادرون للغاية، وحتى عندما يولد بعضهم، لا يعيشون طويلًا لينضجوا.
كانت ديليلا واحدة من تلك المواهب. ولولا أنه أخذها تحت رعايته، لكانت...
"هل هناك أي خيوط حول من المسؤول عن هذا؟"
"...لا."
هزّت ديليلا رأسها، وتوقف أورسون بينما نظر إليها. بدت طبيعية للوهلة الأولى، ولكن كان هناك شيء غريب بشأنها.
رغم معرفته بها جيدًا، كانت هذه أول مرة يراها تتصرف هكذا.
لقد كانت... باردة.
باردة جدًا. إلى حد أن الجو بدا وكأنه على وشك أن يتجمد.
'أظن أنها في حالة صدمة.'
عند التفكير بالأمر، كان جوليان مسؤوليتها بصفتها مستشارة مدينة "هايفن". في ذهنه، كانت ديليلا على الأرجح تشعر بالذنب لأنها لم تستطع إنقاذه أو ملاحظة أي شيء.
"لا تلومي نفسك كثيرًا، ديليلا. في النهاية، لم يتمكن أيٌّ منا من ملاحظة شيء. هذا—"
"أفهم."
أومأت ديليلا برأسها ببساطة قبل أن تتوجه نحو غرفتها.
ولم يكن بوسع أورسون سوى أن يراقبها وهي تدخل وتغلق الباب.
كلانك—
عندها أصبح وجهه أكثر جدية وهو يُخرج جهاز الاتصال الخاص به وسارع بإرسال رسالة للآخرين.
كان بحاجة لمعرفة حقيقة ما حدث.
*
من جهة أخرى، وبينما كانت تدخل غرفتها بهدوء، وجدت ديليلا نفسها محاطة بالظلام. لقد احتواها من كل جانب.
لم تكلف نفسها عناء تشغيل الضوء، وجلست، تحتضن الظلام.
"..."
جلست هناك بصمت، نظرتها ضائعة وباردة.
ظلّ البرود مستمرًا حتى أمسكت جهاز الاتصال الخاص بها. ورغم أن الأمر بدا بسيطًا، إلا أن يدها ارتجفت قليلًا وهي تفتحه للمرة الأولى منذ بضعة أيام.
وهنا لاحظت عددًا من الرسائل الفائتة.
كلها كانت منه...
"....."
ظلّت نظرة ديليلا باردة بينما كانت تحدّق في الرسائل. فتحت شفتيها، لكنها أغلقتهما سريعًا وهي تضغط على الرسائل وتبدأ في قراءتها.
\[كانت مزحة. أنا لا أتزوج حقًا.]
كانت هذه أول رسالة رأتها.
ظلّ وجهها بلا تعبير بينما انتقلت إلى الرسالة التالية.
\[...لا أعلم لماذا كانت ردة فعلك هكذا، لكنها كانت مجرد مزحة. ظننت أنك ستفهمين، ألم أكن واضحًا بما فيه الكفاية؟]
كانت هناك رسائل كثيرة.
كلها تقول الشيء نفسه، ولكن كلما تابعت النزول، كلما تغيّرت نبرة الرسائل.
\[...هل قرأت الرسالة؟]
لقد كان مُصرًا.
مُصرًا جدًا.
\[أعتقد أنك لم تفعلي]
\[هل أنتِ لا تزالين غاضبة مني؟]
نعم، أنا غاضبة.
\[أنا ذاهب إلى مؤتمر المجلس اليوم. سأحاول توضيح سوء الفهم. أراهن أنك ستجدين الأمر مضحكًا بعد أن ينتهي كل شيء.]
\[...إذًا أنتِ غاضبة فعلًا، أليس كذلك؟]
نعم، فتوقف عن الكتابة.
\[أنا آسف.]
توقف...
\[أنا—]
كلانك!
سقط جهاز الاتصال على الأرض بينما كانت يد ديليلا ترتجف وهي تلامس وجهها.
لقد اختفت اللامبالاة التي كانت تكسو ملامحها، وبدلًا منها، كان هناك ارتجاف مستمر لم تستطع إخفاءه.
وببطء، وضعت يدها على صدرها، حيث اخترقها ألم لم تشعر به من قبل.
لقد كان مؤلمًا.
مؤلمًا جدًا.
ظلت شفاه ديليلا ترتجف بينما انخفضت نظرتها نحو المذكرة الحمراء الصغيرة على مكتبها.
ومع انتقال نظرتها إليها، ازداد الألم في صدرها. ومع ذلك... لم تستطع منع نفسها من مدّ يدها نحوها، تتصفحها.
توقفت عيناها على كل النقاط التي كانت قد كتبتها.
بعض الإدخالات جعلتها تبتسم—لكنها لم تكن ابتسامة سعادة. فكلما ابتسمت، زاد الألم في صدرها.
وفي النهاية...
وصلت إلى الصفحة الأخيرة.
"....."
وبينما كانت تحدق في الصفحة الأخيرة، بدا وجهها خاليًا من أي تعبير. لقد كانت تخطط لملء المزيد منها.
كانت خطتها أن تملأ المذكرة بالكامل.
لكن...
لم يعد ذلك ممكنًا.
"آه..."
خرج صوت متكسر من بين شفتيها بينما كانت يدها ترتجف.
وفي النهاية، مدّت يدها نحو قلم، وكتبت في المذكرة.
آخر نقطة على الإطلاق.
[● من أُحب]
...والأكثر ألمًا. (🫡 تحية لافضل شخصية نسائية في الرواية)