منذ البداية...
أطبقت شفتي، وصدري يزداد ثقلًا بينما أحدق في الشخص الجالس مقابلي. وجهه كان مختلفًا. بنيته كانت مختلفة... وكل شيء فيه كان مختلفًا.
لقد كان مختلفًا تمامًا عن الأخ الذي عرفته.
وذلك...
ذلك الأمر آلمني أكثر مما توقعت.
(ما الذي مر به ليصبح هكذا؟)
"...كنت دائمًا هنا. تراقبني."
أغلقت عيني، وصدري يرتجف بينما يرتفع ألم معين من أعماقي.
كلما فكرت أكثر في الوضع وفي المعاناة التي مر بها نويل، زاد إدراكي لمدى عجزي كأخ أكبر.
أنا...
"لا أحتاج إلى اعتذارك."
قاطعني صوت نويل فجأة، قاطعًا الصمت.
حدق بي وتنهد.
"أنت دائمًا هكذا. لا تتغير... لكنني سعيد لأنك لم تتغير."
بدا مرتاحًا قليلًا وهو يتحدث.
فتحت فمي، لكن سرعان ما أغلقته. وذلك لأنني لاحظت تغيرًا مفاجئًا في تعبير وجه نويل وهو ينظر إلي.
أخذ نفسًا عميقًا، واتكأ على كرسيه. بدا وكأنه قد هدّأ مشاعره المتقلبة وأصبح أكثر هدوءًا.
هذا التغير فاجأني قليلًا.
لقد... تغير كثيرًا منذ آخر مرة رأيته فيها.
"ماذا؟"
وكأنه شعر بأفكاري، ابتسم نويل وهو ينظر إلي.
"...كنت تظن أنني سأبكي مثل الماضي؟ أنني سأركض نحوك وأعانقك حتى تواسيني؟"
"هاها."
أطلقت ضحكة مرة.
لقد كان محقًا تمامًا.
"كنت سأفعل، بصراحة."
كلمات نويل فاجأتني قليلًا. ومع ذلك، فإن كلماته التالية جعلت ملامحي تصبح أكثر جدية.
"...لكن لا أريد أن أفعل ذلك هكذا. على الأقل، ليس في الحالة التي أنا فيها الآن."
"ماذا تعني؟"
نويل لم يجبني. بدلًا من ذلك، بدأ بفك أزرار قميصه بينما يخلع سترته. عقدت حاجبي عند هذا المشهد، لكنني لم أفرط في ردة فعلي. كنت أعلم أنه يحاول أن يريني شيئًا.
...وسرعان ما خلع نويل قميصه.
"ما..."
تداعى وجهي بمجرد أن فعل ذلك، وشعرت بأن أنفاسي تُسلب مني.
حدقت في نويل، شفتاي ترتجفان بينما نظري ينخفض نحو صدره.
...أو بالأحرى، نحو الفجوة الواسعة في صدره.
بدأ جسدي كله يرتجف.
"لقد أخذوا قلبي."
بدأ الغضب يتصاعد من أعماقي.
لم أعد قادرًا على احتوائه.
"أنا حي، ومع ذلك، لست كذلك. أعمل كجثة تمشي بينما يستخدمون قلبي ليغذوا حياتهم، ويمنحونه بلا مبالاة كما لو كان جائزة ثمينة."
خشخش! خشخش!
اهتز السرير من تحتي.
بدأت أرى كل شيء بلون أحمر.
"...أشعر به في كل مرة يضغطون على قلبي ويستخرجون دمي منه. أشعر بكل شيء."
شحبت ملامح نويل.
"من المفترض أن أكون خالداً، ومع ذلك، أشعر أن قلبي يحتضر ببطء. لقد بدأوا يلاحظون ذلك أيضًا، ولهذا توقفوا عن منحه كالحلوى، وبدأوا يمنعون الآخرين من الحصول عليه."
خشخش!
ازداد الاهتزاز شدة، والغضب في داخلي على وشك الانفجار في أي لحظة. وقبل أن ينفجر، لمعت في ذهني ذكرى مفاجئة.
(لِمَ فعلت هذا؟ كنت أظن أننا في صفٍ واحد... كيف أمكنك؟ كيف أمكنك...؟!)
(صف واحد؟ ها...)
(أنت..)
(تورين، هناك أشياء أراها—أشياء تتجاوز إدراكك لدرجة أنها قد تمزق روحك إن لمحتها. إنها تلاحقني، بلا رحمة، في نومي، وتتسلل إلى أحلام يقظتي، وتطاردني كلما سنحت لها الفرصة.)
(لكن—)
(هذه الرؤى، هذه الحقائق... لم أطلبها، ومع ذلك، فهي عبئي، تسحبني إلى الهاوية سواء رغبت في النظر أم لا. أنا ملعون برؤية ما لا يستطيع الآخرون تخيله، وهي لعنة تنزف في كل لحظة من وجودي.)
(...أنت، لقد جننت، إيميت! لقد جننت!)
(هممم، ربما فعلت. لا، على الأرجح فعلت.)
(أه...!)
(لكن في جنوني، ما زلت عاقلًا بما يكفي لأدرك... لأدرك أنكم جميعًا يجب أن تموتوا.)
تلاشى الغضب على الفور تقريبًا.
بدأ كل شيء يتضح حينها بينما أغلقت عيني.
"نعم، لا بد أن يموتوا جميعًا..."
تنفست بصمت قبل أن أفتح عيني مجددًا وأحدق في نويل، الذي كان قد ارتدى قميصه من جديد. كان تعبيره هادئًا، لكنني استطعت رؤية الألم في عينيه وهو يجلس وينظر إلي.
"الآن بعد أن صرف تورين نظره عنك، تمكنا من تأمين بعض الوقت لأنفسنا. ينبغي أن نصمد حتى يموت الطُعم."
بمجرد أن قال "الطُعم"، فهمت على الفور ما يقصده.
كان يعني جاكال.
منذ البداية، كانت هذه خطة لاستخدامه كطُعم لجذب تورين بعيدًا عنا بينما نكسب بعض الوقت الثمين.
وأدركت أيضًا أن سيثروس كان على الأرجح على علم بهويتي كـ إيميت.
(ربما لم يفعل شيئًا لأنه كان يراقبني، أو ربما كان بجانبي طوال الوقت.)
آملت أن لا يكون الخيار الثاني هو الصحيح.
لقد نجحت الخطة بسلاسة، ولكن إن كان هناك أمر واحد خيب أملي، فهو أنني لم أعد أرى الرؤى. ليس هذا فحسب، بل اختفى النظام كذلك. نظرت إلى ورقة النفل ذات الأربع أوراق على ذراعي، فرأيت أن كل الأوراق كانت باهتة.
حتى لو حاولت الضغط على إحدى الأوراق، كنت أعلم أنها لن تؤدي إلى شيء.
لقد... فقدت فعليًا كل القوى المتعلقة بأوراكلوس.
وهذا تركني في حالة من الحيرة التامة. خاصةً أنني كنت أعتمد عليها بالكامل كي أتطور رغم ضعف جسدي.
الآن بعد أن لم أعد أملك وسيلة للتطور، شعرت وكأنني مُقيد.
ما الذي سأفعله من الآن فصاعدًا؟
"أنت تقلق كثيرًا."
واساني نويل كما لو كان يقرأ أفكاري.
"...بما أنك تنظر إلى ذراعك هكذا، أفترض أنك قلق بشأن قواك."
"نعم..."
ظهر تعبير معقد على وجه نويل في تلك اللحظة.
"إذن، لا داعي لأن تقلق كثيرًا. ستستعيدها في النهاية."
"أعلم."
لم يكن لدي أي شك بأنني سأستعيدها. كنت فقط حائرًا بشأن ما ينبغي علي فعله من الآن فصاعدًا.
"تعلم ذلك، ومع ذلك ما زلت تصنع مثل هذا الوجه؟"
"هاها.."
لم أتمكن إلا من الضحك.
"...أنا فقط أفكر في ما ينبغي علي فعله من الآن. من دون تلك القوى، أنا أضعف من السابق. أعلم أنني سأستعيدها، لكن كم من الوقت—"
"لن يطول الأمر كثيرًا."
قاطع نويل كلماتي، وتعبيره جاد.
جعلني ذلك أرفع حاجبي، وما إن هممت بسؤاله عن السبب، حتى فتح شفتيه.
"القوى التي نحملها ليست أشياء يمكن للبشر العاديين أن يحملوها. قُوانا... كلها قوى مُستعارة. لم نحصل عليها بأنفسنا أبدًا."
"ماذا...؟"
نظرت إلى نويل بحيرة، كلماته أربكتني. لم نحصل عليها بأنفسنا؟ ما الذي—
"أنت خير مثال، أخي."
"أنا؟"
أومأ نويل وهو يطلق زفرة طويلة.
وأشار إلي، وصوته أصبح مبحوحًا.
"...كنت أول من بيننا نحن السبعة يفقد نفسه في القوة."
"ماذا؟"
اتسعت عيناي. ومع ذلك، حين فكرت بالأمر واستعدت بعض اللحظات والمشاهد، عرفت أن ما يقوله هو على الأرجح الحقيقة.
"قواك كانت الأقوى بيننا جميعًا. بدأت تتغير فجأة. أصبحت مختلفًا. أكثر برودًا، وأكثر واقعية، وكل ما فعلته بدا وكأنه من أجل غاية ما. ربما لهذا السبب جعلت نفسك تمحو ذاكرتك. ربما..."
توقف نويل، وحدق في عيني مباشرة.
"...ربما كنت تخاف من أن تصاب بالجنون مجددًا."
أخذت نفسًا عميقًا عندما سمعت كلماته.
إن كان الأمر كما يقول، فحينها سيكون منطقيًا. لطالما تساءلت عن سبب وجودي في هذا العالم الغريب بذكريات بدت مختلفة تمامًا عن الحقيقة.
في النهاية، هل كان السبب هو أنني لم أرغب في أن أتذكر كل ما كنت أعرفه؟
...أم أن هناك ما هو أعمق من ذلك؟
لم أكن متأكدًا، لكن كان هناك أمر آخر كنت أكثر فضولًا حياله.
"قلت شيئًا عن أننا لم نمتلك هذه القوى بأنفسنا أبدًا. ماذا تقصد بذلك؟"
"أقصد ما أقوله."
أجاب نويل، مغمضًا عينيه قليلاً.
"هذه القوى لا تخصنا. لقد وُهِبت إلينا عندما سقط النيزك ودمر كل شيء. سمحت لنا بالوصول إلى المصدر مباشرة وجعلتنا 'ساميّين'."
"لكن...؟"
"لكن المصدر ليس شيئًا يمكن لأي شخص أن يلامسه بقوة مُستعارة. في النهاية، سيرفض أي شخص يحاول أن يقترب منه دون معرفة حقيقية به."
وبينما أصبح تعبيره معقدًا من جديد، نظر نويل إلي. لم يكن بحاجة لأن يقول شيئًا لأفهم ما يحاول الإشارة إليه.
"إذن في النهاية، اقتربت كثيرًا من المصدر فرفضني؟ وأصبحت مجنونًا؟"
"...هذه واحدة من النظريات التي توصلت إليها."
"هوه."
أطلقت زفرة قصيرة وحدقت في السقف بجمود.
"إذن في النهاية، هل من الممكن أن نصل إلى المصدر بدون القوة المُستعارة؟"
"بالطبع ممكن."
أومأ نويل، ونظراته تغيرت وهو ينظر إلي.
"ألم تفعلها للتو؟"
"هاه...؟ لكن—"
"لا يوجد دمك القديم في جسدك. لقد تمكنت من لمس المصدر بنفسك تمامًا."
"لكن ليس لفترة طويلة."
"لا يهم ذلك. ما زلت تمكنت من لمسه، وهذا يكفي كدليل لما يجب عليك فعله."
رمشت بعيني ببطء. دليل على ما يجب علي فعله؟
ما الذي—
"عليك أن تصبح الثامن."
اتسعت عيناي وأنا أحدق في نويل. لا تقل لي...؟
أومأ نويل ببطء، وتعبيره جاد كما كان دائمًا.
"...سيثروس يعلم بذلك أيضًا، ويعمل لتحقيقه."
ضغط نويل بيده على صدره.
"المفتاح هو كل ما تعلمته حتى الآن."
"المشاعر."
خرجت الكلمات من فمي دون وعي، وأومأ نويل.
"نعم، عليك أن تصبح الساميّ الثامن. الساميّ الثامن للمشاعر."
(مترجم: مشاعر او عواطف)