العين وقفت فوق المذبح.
كانت ضخمة، وحدقة عينها ملتفة إلى شق رفيع.
في اللحظة التي فتحت فيها، بدا وكأن كل ما يحيط بها قد تجمّد في مكانه.
العالم رفض أن يتحرك.
لازاروس، آن، وأنس لم يتمكنوا سوى من الوقوف بلا حراك، أجسادهم كلها متجمدة في مكانها بينما العرق البارد يتسلل على ظهورهم.
هذا كان...
هذا...
ما هذا؟
أعين الثلاثة كانت ترتجف، وأفكارهم بدأت تتلاشى.
شق الحدقة العمودي تمدد بلا نهاية، فراغ أعمق من الهاوية نفسها، ومنه انبعث توهج أحمر شرير ينبض كنبض القلب.
لم يكن ينظر إليهم فحسب.
بل كان يخترقهم بنظره.
كل غريزة صرخت لتأمرهم بالهرب، لكن أجسادهم كانت مشلولة. محاصرون في ذلك التوهج القرمزي، وكأن حتى فكرة المقاومة قد انتُزعت من عظامهم.
العين كانت تعرفهم.
كل سر.
كل خوف.
كل فكرة حاولوا دفنها ذات يوم.
كانت تعرف كل شيء.
…وفكرة ذلك وحدها كانت تخنقهم.
غمرهم شعور عميق بالعجز. كان شعورًا بالعجز نابعًا من تفاهتهم أمام الكائن الذي يقف أمامهم.
كانوا كذرات غبار أمامه.
ثم، بينما كان الأمل يتلاشى كليًا...
أغلقت العين.
وبدأت تتلاشى بعد ذلك بقليل، وتشقّق المذبح تحتها قبل أن يتحطم تمامًا.
بانغ!
بدأ الزمن يتحرك مجددًا بينما الثلاثة منهم ظلوا واقفين في أماكنهم، بعقول وأعين خاوية.
لم تكن هناك أفكار في أذهانهم وهم واقفون وسط الماء.
واستمر هذا الحال لفترة غير معروفة حتى بدأت أعينهم تستعيد بعضًا من وضوحها.
"أين ذهب سايلاس؟ هل هرب…؟ لا يجب أن يكون قد ذهب بعيدًا!"
كان صوت آن أول من كسر الصمت من حولهم بينما بدأت تنظر بسرعة من حولها، عيناها الزمرديتان تخترقان المحيط.
كان عليها أن تجده بأي ثمن.
لم يكن بإمكانها السماح لشخص مثله بالتجول في الأرض.
كان كارثة تمشي على قدمين.
حاولت آن أن تشعر بمحيطها، ولكن مهما حاولت، لم تستطع الشعور بوجوده على الإطلاق.
لقد اختفى.
…لم يكن في أي مكان قريب منهم.
"تبا."
تمتمت آن باللعن قبل أن توجه انتباهها نحو أنس ولازاروس. كان الاثنان واقفين بشرود، وتعابيرهم شاحبة بعض الشيء.
وجدت تصرفاتهم غريبة بعض الشيء.
"لا يمكن أن اختفاء سايلاس أثّر فيهم لهذه الدرجة، أليس كذلك؟"
كان الأمر غريبًا إن حدث.
لحسن الحظ، تعافى أنس بسرعة بينما نظر حوله، وجهه شاحب. كان هو الآخر يبحث عن سايلاس، خائفًا من أن يظهر فجأة ويهاجمهم.
ومع ذلك، لم يحدث ذلك.
لقد اختفى، وحتى عندما انتظروا، لم يظهر أبدًا.
وفي النهاية، وقعت نظراته على آن، وجسده تصلب. نظر إليها، تائهًا تمامًا، عيناه ترتجفان قبل أن تستقرا على لازاروس، الذي كان يخرج ببطء من شروده.
لا، ليس تمامًا...
لم يكن لازاروس حقًا.
بينما تومضت عينا جوليان، نظر من حوله، وعيناه بدأت تستعيدان تركيزهما المعتاد.
"ما الذي حدث للتو؟"
***
كنت أشعر بالضياع.
أنظر من حولي، وكنت في حيرة كاملة.
"لماذا فقدت تركيزي؟ لماذا أنا…؟"
كلما نظرت حولي أكثر، ازددت حيرة. في لحظة كنت أتعامل مع سايلاس، وفي اللحظة التالية، اختفى.
وكانت تلك أيضًا اللحظة التي خرجت فيها من شخصيتي.
لكن لماذا خرجت منها؟
…ما الذي قد يجعل تركيزي ينهار بهذه الطريقة؟
حاولت تذكّر أي شيء قد يكون تسبب في هذا الموقف، لكنني لم أستطع.
لا شيء.
لم أتمكن من التفكير في أي شيء، وذلك ما جعلني أشعر بالقلق الشديد.
كنت مرتبكًا وضائعًا تمامًا.
هذا الموقف لم يكن منطقيًا بالنسبة لي على الإطلاق.
"حسنًا، لا بأس. سأحاول العودة إليه."
حاولت العودة إلى لازاروس، لكن في اللحظة التي فعلت فيها ذلك، اخترقني ألم حاد، مما مزق تركيزي.
"....!"
وضعت يدي على جانب وجهي، وشفتي ترتجف.
ذهني...
كان منهكًا تمامًا.
لم أكن قادرًا بالكاد على التركيز بما فيه الكفاية لاستخدام أي من مهاراتي الكبرى. وكلما حاولت، عاد الألم من جديد.
"ما الذي يجري بحق الجحيم؟"
حاولت الاتصال بعقل الخلية، لكنني فوجئت أكثر بأنه لا يستجيب. بسرعة لمست مؤخرة عنقي لأرى إن كان لا يزال هناك، ولدهشتي، لم يكن كذلك.
"ماذا؟ كيف هذا ممكن...؟"
ألم يكن متصلًا بي؟ متى انفصل؟
كلما تكشفت خيوط الموقف، ازداد رعبه وغرابته، وقلبي يضغط على صدري.
خفضت رأسي ونظرت للأسفل.
"…..!"
حينها رأيت شعابًا مرجانية حمراء صغيرة، مختلفة عن البقية، بمنقار كبير يبرز من مركزها.
هل هذا هو شكلها الحقيقي؟
لم أتردد في النزول لالتقاطها.
"لا تزال حية، لكنها لا تستجيب…"
كان الموقف غريبًا للغاية. ولسببٍ ما، كان ذهني مستنزفًا تمامًا، وعقل الخلية، كائن من رتبة المدمّر، قد انفصل عن جسدي، وكأنه تعرّض لهجوم من شخص أو شيء قوي جدًا.
تعمق عبوسي أكثر بينما نظرت إلى الشعاب المرجانية الصغيرة في يدي.
لو أردت، كان بإمكاني سحقها وقتلها. كنت سأحصل على عظمها وأبيعه بمبلغ كبير.
كانت ضعيفة للغاية.
لكن…
"طالما أنها لم تؤذني، فلن أؤذيها."
كما أنني كنت أملك مالًا كثيرًا. لم أكن بحاجة لفعل هذا.
كان من الأفضل أن أجعل عقل الخلية حليفًا بدلًا من قتله.
كما أنني أردت أن أعرف إن كانت تعرف ما الذي يجري.
"سأنتظر حتى تتعافى قبل أن أسأل."
مع هذه الأفكار، خبأت الشعاب المرجانية ونظرت للأعلى لأجد آن وأنس يحدقان بي. ألقيت عليهما نظرة سريعة قبل أن أخفف الجاذبية من حولي وأبدأ في الصعود عبر الماء.
سحبت آن بصرها عني وأنا أتحرك للأعلى، وعيناها الزمرديتان تتوهجان بينما تنظر من حولها مجددًا.
"على الأرجح أنها تبحث عن سايلس."
كنت أنا أيضًا فضوليًا لأعرف مكانه. لكن للأسف، لم يكن بمقدوري إضاعة المزيد من الوقت هنا.
في الأصل، كان من المفترض أن أتمكن من البقاء هنا لوقت أطول.
كان لدي حوالي خمس عشرة دقيقة متبقية.
ولكن، الآن الوضع مختلف. لسبب ما، لم يتبقَ سوى بضع دقائق من الهواء في رئتيّ. كان الوضع سيئًا للغاية، في الواقع.
عليّ العودة إلى السطح بأسرع وقت ممكن.
لحسن الحظ، تخلّت آن عن بحثها عن سايلاس بعد قليل وهزت رأسها. مشيت من أمامها عائدًا بالطريق الذي أتينا منه.
"عليّ أن أسرع."
كان يجب أن أخرج من هنا بأسرع وقت.
رفعت الجاذبية من حولي وبدأت أجري خارج المعبد. ظننت أنني سريع، لكن مقارنة بآن، كنت بطيئًا جدًا. تجاوزتني كالبرق، صاعدة نحو الطوابق العليا.
نظرت إلى ظهرها، ثم رفعت يدي وأطلقت خيطًا في اتجاهها.
هذا الفعل البسيط اخترق عقلي وأنا أرتجف.
"كيف يؤلم هذا أكثر من خطوة القمع؟"
"…..؟"
عندما شعرت بالخيط، تباطأت آن واستدارت لتنظر إليّ.
عبوس طغى على ملامحها وهي تحدق بي. لم تبدُ مسرورة جدًا بما فعلته.
لم أهتم كثيرًا، وأشرت إلى أنفي ثم إلى الأعلى.
ارتفعت حاجباها.
ثم، وكأنها فهمت الموقف، اقتربت مني ومدّت يدها. أمسكت بها ونظرت خلفي لأرى أن أنس لم يكن بعيدًا، وقد مد يده أيضًا.
أمسكت كلينا، وانطلقت آن مبتعدة بسرعة.
"…..!"
في اللحظة التي بدأت فيها بالحركة، التوت ملامحي بينما ارتطمت المياه بوجهي. ولم أتمكن من التخفيف من ذلك حتى استخدمت طاقتي السحرية لحماية نفسي. ببطء، التفت برأسي ورأيت أن أنس يراقبني.
تعابيره كانت خاوية.
تكاد لا تُقرأ، وعيناه مفتوحتان على شكل دائرتين واسعتين.
ثم...
"بفتت."
بدأ يضحك.
"كك!"
لكن هذا لم يدم طويلًا، إذ أن ضحكته جعلته يفقد القليل المتبقي من الهواء في رئتيه.
"….إيوخ."
بدأت أضحك أنا أيضًا.
لكن…
"تبًا!"
"كه!"
أنا أيضًا فقدت الهواء وبدأت أقاوم تحت الماء بينما أغطي فمي بيدي. أنس لم يكن أفضل حالًا. وجهه أصبح شاحبًا تمامًا، وكان يتحول تدريجيًا إلى اللون البنفسجي. توقعت أنني أبدو مثله تمامًا.
كنت أحاول بكل جهدي ألا أظهر أي ردة فعل في هذه اللحظة.
رغم أنني لم أكن لازاروس، كان عليّ الحفاظ على وضوح شخصيتي.
"هذا الوغد، إنه يعيقني!"
رشّة!
لحسن الحظ، وصلنا قريبًا من سطح الماء، وأخذت أنفاسي الثقيلة والعميقة بينما بدأت أطفو على سطح البحر القرمزي.
"هاه.. هاه… هااا…"
خرج أنس بجانبي، يكافح أيضًا من أجل التنفس.
كان رأسي خفيفًا، وجسدي مستنزفًا تمامًا. بينما كنت أنجرف على سطح البحر القرمزي، نظرت بشرود إلى الشمس البيضاء في الأعلى وزفرت تنهيدة طويلة مرهقة.
"أنا أكره البحر بحق الجحيم."
لقد رسّخت هذه التجربة هذا الشعور داخلي.
كنت لا أمانع الشاطئ من قبل، لكن بعد هذا…؟
لم أعد حتى متأكدًا إن كنت سأستطيع الذهاب إليه يومًا ما مجددًا.
"هل تعافيتما بما فيه الكفاية؟"
أخرجني من أفكاري صوت معين، وعندما التفت برأسي، رأيت آن واقفة فوق سطح الماء، ملابسها جافة تمامًا وذراعاها متشابكتان.
"… لدي بعض الأسئلة التي أود طرحها عليكما."
ابتسمت.
"آمل ألا تمانعا ذلك."
أغلقت عيناي.
أنا أكره البحر فعلًا.
———
مترجم: نتأسف عن التأخير. لأي اخطاء متكررة ضعها في تعليق.
القاكم في الفصول القادمة إن شاء الله