“لم يغيروا أساليبهم.إنهم يفعلون الأشياء كما فعلوا في الماضي..”

ومضت في ذهن أطلس صورٌ معينة.

ماضٍ بعيد.

في ذلك الوقت، لم يُعر أحدٌ الموقف أي اهتمام.

كانوا جميعًا يظنون أنه مجرد مخدّر شائع ينتشر في السوق.

كان لكلٍّ منهم أمورٌ أهمّ ليعتني بها.

ولماذا قد يضيّع أحدهم وقته في أمرٍ يمكن للآخرين التعامل معه؟

مثل هذا التفكير على الأرجح هو ما أدّى إلى إخفاقاتهم السابقة.

لو أنهم أدركوا حينها أهمية إيقاف ما يُسمّى بالمخدّرات قبل أن تنتشر في أنحاء العالم،

لربما كانت الأمور قد سارت بشكلٍ مختلف.

“سمعت تقارير عديدة عن حدوث الشيء نفسه. كما تحققت من المادة بنفسي، وهي بالفعل الشيء ذاته.”

تابع أطلس كلامه موجّهًا حديثه إلى الرجل المقيّد بالسلاسل.

ومع ذلك–

لم يصدر أيّ ردّ.

ظلّ صامتًا، محدّقًا بالأرض.

لكن أطلس لم يُعر الأمر اهتمامًا، واستمرّ في الحديث.

“إن سمحنا لهم بالاستمرار، فلن يمر وقتٌ طويل قبل أن يكونوا جيشًا خاصًا بهم يمكنهم التحكّم فيه. ورغم أن لدينا الآن عددًا أكبر بكثير من الأشخاص إلى جانبنا مقارنةً بالماضي، إلا أن التعامل مع الوضع سيكون أصعب بكثير.”

“لحسن الحظ، لقد تعلمنا أيضًا من أخطاء الماضي.”

تلاشى بريقٌ في عيني أطلس وهو يُركّز نظره على الرجل المقيّد بالسلاسل.

وبعد لحظات، انخفض نظره نحو صدره.

“…لقد وجدنا علاجًا.”

انخفض صوت أطلس وهو يتحدث.

“دمك هو المضادّ المثالي لدمهم. ما دمنا نستخدمه ونعيد بناء أجساد كل من تأثر بهم، فسنتمكّن من إزالة تأثيرهم على الأجساد. وهذا بدوره سيساعدنا على منعهم من خلق بُعدٍ آخر.”

أظلمت نظرات أطلس عند هذه الفكرة.

“لقد اقتربنا كثيرًا من نيل الحرية. ولن أسمح بتكرار المأساة مرةً أخرى.”

وبعد أن أنهى ما أراد قوله، استدار أطلس.

لكن، وكأنه تذكّر شيئًا فجأة، انحنى طرف شفتيه بابتسامةٍ خفيفة بينما أعاد نظره نحو الرجل المقيّد بالسلاسل.

“أوه، صحيح.”

بدت في ملامحه لمحةٌ من شيءٍ ما.

هل كانت سخرية؟ أم قلق؟

"...لقد اكتشفت مكان جوليان. يبدو أنه في أراضي بانثيا."

ارتجف جسد الرجل المقيّد قليلًا، وبدأت أفكاره تضطرب مجددًا بينما رفع رأسه ببطء لينظر إلى أطلس.

وبينما ضمّ أطلس شفتيه، تمتم قائلًا:

“آمل أن يكون هو نفس جوليان الذي أعرفه. وإلا… إن علمت بانثيا بهويته الحقيقية…"

توقف أطلس عند هذا الحد، لكن كلماته كانت كافية لإظهار تشققات في وجه نويل.

كان هناك سبب لعدم رغبة نويل أبدًا في أن يكشف إيميت عن هويته لبانثيا، وتأكد من عدم حدوث ذلك.

كان ذلك لسبب بسيط، وسبب واحد فقط.

بانثيا...

كانت مهووسة بإيميت…

——

نادراً ما كان مقاعد سولاس يجتمعون معًا للتحدث.

فعادةً ما يكون كل واحدٍ منهم منتشراً عبر الأراضي الكبرى التي تحكمها بانثيا، ولم يكونوا يجتمعون إلا في أوقات الطوارئ.

“انتشار تلك المادة الغريبة مؤخرًا هو سبب الاجتماع المفاجئ. لست متأكدًا تمامًا من سبب استدعائهم لاجتماعٍ كهذا، لكن على ما يبدو أن الأوامر جاءت من سامية نفسها."

'هل أمرت به سامية؟'

لم تكن هذه المعلومة مفاجئة بالنسبة لي. فعلى الرغم من أن جميع ذكرياتي عن الماضي لم تعد بعد، إلا أنني كنت أستطيع تذكّر أجزاء متناثرة هنا وهناك. ومن خلالها، فهمت أن شيئًا مشابهًا قد حدث في السابق.

'كان الأمر يتعلق بنوعٍ من الحوادث المرتبطة بالمخدرات. لا أظن أنه كان شيئًا كبيرًا قبل موتي، لكن من الطريقة التي تسير بها الأمور الآن، ومع الاجتماع الطارئ المفاجئ الذي دعت إليه بانثيا، لا يسعني إلا أن أفترض أن ما يحدث حاليًا خطرٌ للغاية.'

“هاك، خذ هذا.”

فجأةً، ناولنا أنس أقنعةً برونزية.

كانت الأقنعة بسيطة للغاية، لا تحتوي سوى على فتحتين مجوّفتين للعينين، وتفاصيلٍ باهتة للأنف والفم، أقرب إلى الزخرفة منها إلى الشكل الحقيقي. كانت خفيفة الملمس، وبمجرد أن وضعتها، شعرت ببرودةٍ خفيفة تلامس وجنتيّ.

“ينبغي أن تكون هذه كافية لإخفاء هوياتكم. من الناحية الرسمية، لا يُسمح لنا بإحضار أي ضيوف، لذا أعتقد أنكم تدركون أن ما أفعله خطير جدًا بالنسبة لي.”

كان صوت أنس مثقلاً بالجدّية وهو يتحدث.

وقد فهمت السبب عندما لامست القناع على وجهي.

'صحيح… لقد كانوا دائمًا هكذا، حتى في الماضي. هؤلاء الناس لم يحبّوا يومًا إظهار وجوههم أو الكشف عن هوياتهم'

كانت القواعد أكثر صرامة بالنسبة للطبقات الدنيا، لكنها كانت لا تزال تُطبَّق حتى على كبار الرتب.

كان أنس بالفعل يُخاطر بفعلته هذه.

“بما أنني أدين لازاروس بجميلٍ كبير، فلا أمانع القيام بهذا. ومع ذلك…”توقّف فجأة ونظر إليّ بنظرةٍ غريبة جعلتني أعبس.

ما الأمر؟ ولماذا ينظر إليّ بتلك الطريقة؟ لسببٍ ما، بدأت أشعر بالإهانة قليلًا.

“فقط لا تفعل أي شيء قد يفضح هويتك. ابقَ صامتًا واكتفِ بالاستماع.”

“هاه؟”

أي نوعٍ من—

“…آه. فهمت الآن.”

“أعتذر مقدمًا.”

استدرت لأرى كيرا ، ليون، والبقية جميعهم يعتذرون.

شعرت بالظلم. إلى أي حدٍ يظنّون أنني مثيرٌ للمشاكل؟

ثمّ ألم يكونوا غاضبين مني أصلاً؟ ألم يكونوا من المفترض أن يظلوا متحفظين تجاهي خشية أن أكون ما زلت أتظاهر؟

فتحت فمي، على وشك الاعتراض، لكنني سرعان ما تراجعت.

في إعادة التفكير… لم يكونوا مخطئين.

فالمشاكل كانت فعلًا تلاحقني أينما ذهبت.

“لنذهب قبل أن أندم على قراري. الاجتماع سيبدأ في أي لحظة.”

قال أنس ذلك، ثم غادر منزله.

تبعته آن من الخلف، وفعلت أنا أيضًا، ونظرت إلى الوراء لأرى الآخرين يرتدون أقنعتهم.

بينما كنت أتبعه من الخلف، خطرت لي فكرة معينة.

…كيف ينبغي أن أتعامل مع المتاعب القادمة؟

دونغ! دونغ–!

دقّ جرسٌ عميق أصداءه في أرجاء المدينة، متردّدًا عبر كل شارعٍ وزقاق.

التفتت الرؤوس غريزيًا نحو الكاتدرائية العظيمة في مركز المدينة، حيث ارتفع برج الرماد شامخًا يخترق السماء الرمادية أعلاه.

فُتحت بوابات الكاتدرائية التي كانت مغلقة من قبل، ودخل مئات الأشخاص المقنّعين بأغطية رؤوسٍ وأقنعةٍ ملوّنة إلى المكان الذي كان هادئًا منذ لحظات.

وأثناء دخولنا الكاتدرائية، لم نواجه أي عقبات.

ويرجع ذلك أساسًا إلى نفوذ أنس، ولكن أيضًا إلى سحر عاطفي الخاص بي.

بحرٌ من الكُرات الطافية استقبل نظري، وبمجرد أن لاحظتُ أي شيء غير طبيعي، كنت أعدّله بسرعة.

وهذا ما مكّنني من تجنّب إثارة أيّ شكوك.

ولحسن الحظ، لم يكن هناك سوى عددٍ قليل من الحالات التي احتاجت إلى التعديل.

“…هذا المكان ضخمٌ حقًا.”

قلت وأنا أنظر من حولي.

على الرغم من أنني قد جئت إلى هنا من قبل، إلا أنني لم أقم أبدًا بأخذ الوقت الكافي للتأمل فيه. امتدت السقف عالياً فوقنا، مدعومًا بأعمدة بيضاء طويلة تضفي على المكان شعورًا بـ”القداسة”.

كانت الجداريات تغطي الجدران العليا، كل واحدة تُظهر مشهدًا مختلفًا، بألوان باهتة لكنها لا تزال حية تحت ضوء المكان.

وفي الطرف البعيد من الكاتدرائية، وقف منصة كبيرة، حيث تشكل شعاع ضوء واحد، نابع من الطريقة التي تتجمع بها أشعة الشمس المشرقة عبر النوافذ عند تلك النقطة تحديدًا.

بدا المشهد رائعًا، وعندما تحوّل تركيزي نحو الشعاع، بدأ صوت معين يلتقطه أذني.

خطوة.

كان صوت خطوة.

في اللحظة التي سمعتها، انجذب رأسي تلقائيًا نحو مصدرها.

لم أكن الوحيد.

كأنها تمتلك القدرة على جذب انتباه كل من يسمعها، التفتت جميع الرؤوس داخل الكاتدرائية نحو اتجاه الخطوة.

خطوة. خطوة.

وانضمت إليها عدة خطوات أخرى.

ساد الصمت أرجاء المكان بأكمله، وتحولت جميع الأنظار نحو الشعاع بينما بدأت عدة شخصيات بالظهور في آنٍ واحد.

اجتاحت الغرفةَ موجةٌ ثقيلة من الضغط، شعورٌ خانقٌ جعل الهواء نفسه يبدو أثقل، بينما أخذت تلك الشخصيات تكشف عن نفسها ببطء تحت الضوء.

كان كلٌّ منهم يرتدي غطاء رأسٍ مختلفًا، وتخفي وجوههم أقنعةٌ ذهبية اللون.

شعرت بوخزٍ خفيفٍ في مؤخرة عنقي عند رؤيتهم، وانقبض قلبي بشدة بينما توتر جسدي تلقائيًا.

'إنهم أقوياء حقًا.'

لم يكونوا أقوياء إلى درجةٍ مرعبة، لكنهم أقوياء بالفعل.

وبقدرٍ ما، كان معظمهم يقارب قوتي، بل إن بعضهم تجاوزني قليلًا.

توقّف أصحاب الأقنعة الذهبية أمام الشعاع، وظلوا ثابتين في أماكنهم، موجهين أنظارهم نحو الضوء المتوهج في أعلاه.

خيّم صمتٌ غريب على القاعة، وما إن بدأت أتساءل عمّا يفعلونه، حتى دوّى صدى خطواتٍ جديدة عبر الممر.

خطوة.

كانت هذه الخطوة مختلفة عن الخطوات السابقة.

أخفّ، وأقلّ وطأة.

ومجرد تلك الخطوة وحدها كان كافيًا لتبديد التوتر الذي خيّم على المكان، بينما دخلت شخصيةٌ جديدة بعد لحظات قليلة.

على عكس أولئك الذين يرتدون الأقنعة الذهبية، لم يكن هو يرتدي أي قناع.

تقدّم بخطواتٍ واثقة، وعلى وجهه ابتسامة، بينما كان جسده بأكمله يشعّ نورًا جعلني أضيق عيني من شدته.

لكن في اللحظة التي تمكّنت فيها من رؤيته بوضوح، توقف قلبي لوهلة.

هو…

“ يحيا لقدّيس الحيّ!”

“ يحيا القدّيس الحيّ!”

“ يحيا القدّيس الحيّ!”

دوّت الهتافات في أرجاء الكاتدرائية دفعةً واحدة، مما دفعني إلى الانضمام إليهم بانحناءةٍ خفيفة رأسي نحو الأسفل.

إنه ذلك اللعين…

ما زلت أذكره جيدًا.

إنه نفس الرجل الذي غادر المكان بينما كنت مشغولًا بالقتال ضد “ زاهورل”.

ورغم أنني لم أُلقِ اللوم عليه، نظرًا لأنه كان فقط يحاول حماية رجاله، إلا أن ذلك لم يمنع الأمر من أن يثير استيائي.

"إنه لأمر يسعدني كثيرًا أن أرى هذا العدد الكبير من الناس مجتمعين هنا اليوم. إيمانكم بسامية لم يتزعزع."

كان صوته ناعمًا، ومع ذلك وصل إلى كل زاوية من المكان.

نظرة واحدة إليه كانت كافية لمنح أي شخصٍ انطباعًا حسنًا عنه.

ارتجفت حاجباي قليلًا.

ذلك…

أليس هذا مألوفًا؟

فكرت للحظة قبل أن يتضح لي فجأة شيء في ذهني.

سحر عاطفي ؟ إنه مستخدم لسحر العاطفي-

"على الرغم من أنني سعيد بالحضور المفاجئ لهذا العدد الكبير من الناس، إلا أنني منزعج قليلاً من ظهور قلة معينة"

فجأة، شعرت بقشعريرة باردة تسري على طول ظهري عندما شعرت بنظرة ثاقبة موجهة مباشرة نحوي.

على الفور، التفتت جميع الرؤوس في اتجاهي.

آلاف العيون توقفت عليّ في تلك اللحظة.

اشتدّ إحساسي بالاختناق بينما ابتسم القدّيس الحيّ.

“يبدو أنك لست من أتباع سامية . كما أنك تبدو قويًا جدًا لشخص في مكانتك .”

تلاشى الابتسامة على وجه القدّيس الحيّ قليلًا بينما ارتجفت عيناه.

“من أنت…؟”

ضغطٌ غريب امتدّ إليّ، مسبّبًا توتر كل جزءٍ من جسدي.

لقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة لدرجة أنني بالكاد وجدت وقتًا للتصرّف.

الشيء الوحيد الذي استطعت فعله كان أن أضحك في نفسي.

'كنت أتوقع متاعب، لكن ليس بهذه السرعة…'

اللعنة!

—————

في فصلين زيادة لكن لا نعلم متى مؤلف ينشرهن

2025/10/31 · 114 مشاهدة · 1526 كلمة
𝒜𝒜
نادي الروايات - 2025