تقطّ. تقطّ.
استمرّ المطر في الهطول.
وقفت شخصيتان على طرفي نقيض.
(مترجم:"وقفت شخصيتان على طرفي نقيض” تستخدم للتعبير عن تباين شديد أو تعارض كامل بين شخصيتين)
إحداهما بدت وكأنها تندمج بسلاسة مع الظلام نفسه، بينما الأخرى تجسّد النور، إذ كان جسدها كله مغطّى بألوان متغيّرة تتلألأ بهدوء. ومع ذلك، لو نظر أحدهم عن قرب، للاحظ كيف بدأت تلك الألوان تتلاشى تدريجيًا، وكأنها تُستنزف ببطء.
كانت مصابة بوضوح.
“أيتها السامية ! أرجوكِ، اسمحي لنا بالقتال!”
“يا سامية !”
كانت إصابتها واضحة لكل من يشاهد.
ولذا، سارع أتباعها إلى عرض أنفسهم ليكسبوا لها بعض الوقت للتعافي أو الهرب.
“اسمحي لنا بأن نُضحّي بأنفسنا لأجلك!”
“أرجوكِ، امنحينا القدرة على مساعدتك! حياتي ملك لكِ، وسيكون أعظم شرف لي أن أُضحّي بها إن كان ذلك في سبيل تنفيذ إرادتك.”
“أ… أرجوكِ، افعلي ذلك."
لم تتردد السامية في استخدامهم.
كانت بحاجة إلى أكبر قدر ممكن من الوقت للتعافي. في نظرها، كان أتباعها موجودين لحمايتها.
كانت حياتها أهم بكثير من حياتهم. كانت تقاتل من أجل القضية الكبرى للبشرية، بينما كانوا هم مجرد بيادق على رقعة الشطرنج الكبيرة. كانوا قابلين للتضحية؛ أما هي فلم تكن كذلك.
ولكن الأهم من ذلك…
حدّقت كلورا في الشخصية الواقفة أمامها، وصرّت على أسنانها.
“ج-جبان.”
لقد جاء الهجوم بلا أي سابق إنذار، مفاجئًا إياها وتركها مصابة، لكن ما أزعجها أكثر لم يكن الإصابة نفسها…
ما أقلقها حقًا كان طبيعة الجرح نفسه.
لم يكن شيئًا يمكن للطب العادي أو الضوء علاجه. كانت العلامة تنبض بخفة تحت جلدها، تشع طاقة غريبة، غريبة جدًا، وكأنها تلتهم جوهرها مع كل ثانية تمر.
كانت تلك طاقة مألوفة جدًا بالنسبة لها.
'تلك القوة…'
تلك القوة البشعة كانت تلتهم روحها نفسها.
صرّت على أسنانها ، وتجهم وجهها عند رؤية الشخص الذي كان يقف أمامها.
'مُقزز! مُقزز! مُقزز! مُقزز! مُقزز! مُقزز! '
سوش! سوش!
تحرك أتباعها بسرعة، كلهم اندفعوا نحو الشخصية الوحيدة. ورغم وجودهم، بقيت هي ساكنة، تستمتع بالمطر الذي يتساقط من السماء، والقطرات الحمراء تمتزج بدماء الأتباع الساقطين.
لم يكن عليها أن تخبرني. ( على حسب الي فهمته انها عرفت كم دليلة قوية بدون ما دليلة تقول انها قوية)
“آرغ!”
“يوكه-!"
“آه!”
واحداً تلو الآخر، بدأت الشخصيات تسقط.
كانت العملية سريعة للغاية، إذ كانت الشخصية تقتلهم بمجرد نظرة. وكلما قتلت أكثر، زاد الضغط المنبعث من جسدها قوةً.
وسرعان ما-
كليك!
بدأت تتحرك نحو كلورا، وكل خطوة تميزت بنقرة كعبيها الثابتة على الحجر المبلل. تدفق المطر على جسدها في تيارات رقيقة لامعة، ممزوجة بالتوهج الخافت الذي لا يزال يحيط بها.
كل حركة كانت تحمل نوعًا من الرشاقة، وعيناها الداكنتان تتلألآن عند رؤية السامية .
كلما طالت نظرتها على كلورا، كلما بدأت الذكريات الكامنة العميقة في ذهنها بالاستيقاظ.
'…أوه؟ هل هي نوع من التجارب؟'
'ماذا ستفعلون بها؟ هل ستدمجون الدم في جسدها؟ هذا يبدو ممتعًا.'
'لا أظن أنّكم أضفتم ما يكفي. وماذا لو ماتت يمكننا ببساطة استخراج الدم منها واستخدامه على طفلٍ آخر.'
'لا تلوموني كثيرًا. أنا أفعل هذا لأجل البشرية فقط.'
'انظرو إليها. لم يعد يبدو بشريًا بعد الآن. هل نقتله فحسب؟'
'كم هذا مقزز. تعامَلْ معها من الآن فصاعدًا.'
لا تزال دليلة تتذكر الكلمات التي سمعتها من تلك المرأة في الماضي. كانت لا تزال حية في ذهنها، تتكرر مرارًا وتكرارًا.
لم تُظهرها للعالم أبدًا.
لم تُظهرها لأقرب الناس إليها.
هي… لم تُظهر أيًا من أفكارها.
ليس لأنها لم تستطع، بل لأنها كانت خائفة مما قد تصبح عليه إذا أطلقت كل شيء خارجها، وفي هذه اللحظة، وهي تحدق في أحد الأشكال التي عذبتها، انكسر شيء داخل عقلها.
'سأقتلك…'
سوووش!
أصبح العالم من حولها مظلمًا.
بدأت الأيدي تتحرك من تحت الأرض، تمتد نحو الحاكمة.
بعد أن وصلت إلى زينيث، لم تعد دليلة كما كانت من قبل. كأن العالم أصبح في متناول يديها. شعرت كل حركة تقوم بها بالسلاسة، ولم تعد بحاجة للتفكير قبل أن تفعل أي شيء.
العالم ببساطة كان يتفاعل معها.
”…كم هو مثير للاشمئزاز."
على الرغم من إصابتها، لم تكن السامية سامية بلا سبب.
لحضة التي أدركت فيها أن دليلة لن تتوقف، توهجت الألوان حول جسدها.
تحطمت الأيدي الداكنة التي كانت تحاول الوصول إليها على الفور.
تبع ذلك حرارة متوترة، غلفّت المكان ودليلة.
تجمّع العرق على وجه سامية وهي تتحرك.
“م-ماذا؟ ماذا يحدث؟”
شعرت بضعف مفاجئ، وكادت السامية تتعثر إلى الوراء.
“ماذا يحدث؟ لماذا قواي…”
“لا جدوى.”
همست دليلة بصوت بارد في الهواء.
"لقد تم وضع علامة عليكِ بالفعل. لا يمكنكِ الهروب."
طقطقة!
دوى صوت طقطقة كعبها مرة أخرى، مما دفع كلورا إلى التراجع خطوة إلى الوراء، وتغير تعبيرها بينما كان الجرح على كتفها يؤلمها أكثر.
'الجرح!'
وكان هذا أيضًا اللحظة التي أدركت فيها حقيقة معينة. كلما استخدمت قواها أكثر، كلما حاولت الإصابة أن تبتلعها.
‘مقرف. مقرف. مقرف.'
السامية لم تسمح لذلك أن يؤثر عليها.
كان هناك شعورٌ بالبرودة يختلط بالنار. اهتزت الأرض، وانطوت المساحة تحت دليلة بينما انهارت الصخور فوقها، محاولةً حبسها في الداخل.
عبست دليلة قليلاً، لكنها تجاهلت الهجوم.
لم تكن كلورا معروفة بقوتها القتالية. بين السامين ، كانت من الأضعف. وكان هذا أيضًا سبب اختيار دليلة لمواجهتها أولًا، والآن بعد أن أصيبت، لم تكن سوى خصم ضعيف أمام دليلة.
خطوة إلى الأمام، وتجنبت دليلة الهجوم بسهولة تامة.
تشنج وجه كلورا، لكنها لم تستسلم. تحرك الهواء. اهتزت الأرض. ارتفعت الحرارة.
كان الأمر كما لو أن العالم بأسره تحت أمرها.
بحركة من يدها، تلاشى الهواء حول دليلة.
للحظة وجيزة فقط، توقفت. نعم… الهواء اختفى. لم تستطع التنفس على الإطلاق.
لكن…
كليك.
استمرت في التحرك، وعيناها ثابتتان على سامية.
همست أصوات في عقلها.
‘…...انظر إلى عينيها. كم هي مقززة! إنها كدمية هامدة. ارمِها بعيدًا.'
'بدأتُ أُعيد التفكير الآن. لنتخلص منها الآن.'
'لماذا تريد الاحتفاظ بها؟ إنها خطيرة. دعني أقتلها. سأفعل ذلك من أجلك إن لم تكن مستعدًا.'
كلما تذكرت أكثر، أصبح قلبها أكثر برودًا.
تحولت عينا دليلة إلى مظهر أكثر فراغًا بينما ازداد الظلام الذي يحيط بجسدها وضوحًا.
تغير تعبير كلارا.
استطاعت أن تشعر بالتحول في جسد دليلة . القوة الطاغية التي أحاطت بدليلة أصبحت أقوى، وجاءت تلك اللحظة لتجلب إدراكًا معينًا لكلورا وهي تمسك بكتفها، شاعرةً بالجرح ينبض بخفة.
تغيرت الطريقة التي نظرت بها إلى دليلة .
“قواي… أنتِ…”
طنَّ صوت الكعب مرة أخرى.
قبل أن يدرك أحد، كانت دليلة واقفة أمام كلورا.
لم تقل دليلة شيئًا.
كانت تحدق فقط في كلورا، تعود صور الماضي لتطفو في ذهنها.
كلما ظهرت الذكريات في ذهنها، أصبح قلبها أكثر برودة.
"أنا..."
انفرجت شفتا كلارا مرة أخرى، وشحب وجهها بشكل ملحوظ.
أخيرًا، بدأ كل شيء يبدو منطقيًا بالنسبة لها.
سبب شعورها بالعجز هو الشخص الواقف أمامها. لم يكن ذلك لأنها أقوى، بل لأنها كانت تمتص قواها مباشرةً!
"يا-"
توقفت كلماتها فجأة عندما مدت دليلة يدها إلى رأسها. لمعت عيناها الضبابيتان للحظة وهي تنظر إلى سامية.
لم تقل شيئًا، لكنها لم تكن مضطرة لذلك.
نظرة واحدة كافية لجعل السامية تتذكر.
كانت كافية لتذكيرها بالفتاة الصغيرة التي قابلتها في الماضي.
التجربة الفاشلة.
الفتاة التي أرادت قتلها بسبب الخطر الذي شعرت به.
الفتاة التي سمح لها تورين بالعيش لمجرد نزوة منه.
"أها."
أخيرًا، أصبح كل شيء منطقيًا.
"أنا... أنا... أنا كنتُ على حق."
تحولت تلك الطفلة تمامًا كما توقعت.
لقد تحولت إلى الخطر نفسه الذي أرادت تفاديه.
“وا… وا… كان ينبغي أن أقتلك!"
تومضت عينا كلورا بشكل خطير،وارتفعت آخر بقايا الطاقة المحتبسة في جسده بينما كان عقلها يضطرب وبدأت في استغلال القوة التي كانت تحتفظ بها لفترة طويلة جدًا.
هدير! هدير!
اهتزت البيئة المحيطة. تحطمت التضاريس، وبدأت عناصر العالم في الهياج.
ظهرت قوة تجعل أي أحد يرتعش في أرجاء العالم.
لكنها لم تنتهِ بعد.
أغمضت عينيها وحاولت الاتصال بالمصدر.
هذه كانت الورقة الأخيرة لديها، وكانت تقريبًا الأقوى.
‘أردت أن أحتفظ بهذا لوقت لاحق، لكن لا خيار أمامي. يجب أن أقضي عليها قبل فوات الأوان!’
ولكن—
“ها؟”
فراغ.
الاتصال بالمصدر…
اختفى.
لقد اختفى تمامًا.
اتسعت عيناها، وتغير تعبيرها أخيرًا.
وهي تحدق في دليلة، ارتجفت شفتاها، وفتحت فمها محاولة قول كلمات أخرى، لكن دليلة لم تمنحها الفرصة أبدًا.
فرقع!
بحركة بسيطة من يديها، صدرت صوت فرقعة يتردد في الهواء.
انهار جسد بعد قليل.
خَبط!
بعيدًا عن اصوات المطر الخافتة، ساد الصمت العالم بأسره. واقفة وحيدة تحت زخات المطر، تركت دليلة القطرات الباردة تغمر جسدها وهي تحدق في الجسد المنهار أمامها
لم تشعر بأي عاطفة.
بل شعرت أن المشاعر الصغيرة التي كانت عالقة داخل جسدها بدأت تتلاشى ببطء بينما كانت نظرتها تحوم فوق الشكل أمامها.
بدأ الهالة الملونة المحيطة بالسامية تتفكك، مرتفعة إلى الأعلى في خيوط رقيقة تتمايل في الهواء وهي تصل ببطء نحوها.
أغلقت دليلة عينيها برفق بينما انتشرت حرارة لطيفة في جسدها، تسري في كل شبر منها مثل تيار هادئ.
ومع شعورها بالطاقة وهي تتدفق إلى جسدها، تحرك شيء داخلها.
كان هادئًا، لكنها كانت قادرة على الشعور به.
بدأت قوتها في التزايد، وعندما فتحت عينيها مرة أخرى، لم يبقَ من المرأة التي كانت تعرف سابقًا باسم السامية كلورا أي أثر.
إلا ندوب المكان الذي كان يومًا ساحة معركة.
في ذلك اليوم، قتلت صائدة سامين سامياً .
في ذلك اليوم…
أصبحت قاتلة السامين .
“واحد.”
كانت هذه كل الكلمات التي تمتمتها قبل أن تختفي تمامًا
——————
بعد كم ساعة بنزل فصل ثاني