“…هذا كل ما في الاجتماع. لقد قررتُ تخصيص فصيلةٍ كاملة لمساعدة أتباع كلورا. في هذه الأثناء، أرجو منكم البقاء في حالة تأهب. كما سيتم تطبيق نظام المكافآت ابتداءً من هذه اللحظة. إذا عثر أيٌّ منكم على ما له علاقة بالمادة التي تنتشر في أرجاء المنطقة، فعليه إبلاغنا فورًا. وسنعوّضه على ذلك بما يستحق.”

كانت تلك آخر كلمات “القديس الحي” وهو يُنهي الاجتماع.

شعرتُ بأكثر من عشرات العيون تركز في اتجاهي، وللحظة، كدتُ أبتسم.

'أنا متأكد أن سبب نظراتهم ليس لأنني وسيم، أليس كذلك؟'

لكن لا يمكن إنكار أنني كنت وسيمًا جدًا بالفعل…

“الجميع مُنصرف الآن.”

لم يغادر أحد حتى أعاد القديس الحي الحديث مجددًا، وعندها فقط استيقظ الجميع من شرودهم وغادروا القاعة.

الجميع… باستثنائي.

من النظرة السريعة التي ألقاها نحوي، أدركت أنه يريد مني البقاء.

“ما الذي تفعله؟ لقد أنهى الاجتماع، يجب أن نغادر.”

“لماذا ما زلت واقفًا هنا؟ لا تقل لي أنك تنوي إثارة المشاكل."

“هو بالتأكيد ينوي إثارة المتاعب.”

“لا شك في ذلك.”

ارتجفت شفتاي.

هؤلاء الأشخاص…

هل يظنون أنني بهذه التفاهة؟

لكن في الحقيقة… كنت فعلاً أخطط لإثارة بعض المتاعب. على الأقلّ، هذا كفيل بجذب انتباه السامية .

“أرأيتم؟ لقد كان ينوي فعل ذلك حقاً.”

“لا يُصدّق.”

لم أستطع دحض كلامهم.

فقد كانوا على حق…

لحسن الحظ، تكلّم القديس الحي في تلك اللحظة.

“هو سيبقى.”

على الفور، توقّف الذين كانوا يهمّون بالمغادرة. حتى أصحاب المقاعد الواقفين قرب المنارة أبدوا ردود فعل واضحة.

لكن قبل أن ينبس أحدٌ ببنت شفة أو يعترض، تحدّث القديس الحي مجدّدًا.

“هذا أمر من سامية . إنهما يعرفان بعضهما."

"…..؟!"

"…..!"

ازدادت النظرات الموجهة نحوي إزعاجًا أكثر فأكثر.

كان الكثيرون يرغبون في الكلام، لكن ما إن تذكروا أن السامية هي من طلبت وجودي، حتى لزم الجميع الصمت، إذ لم يجرؤ أحد على مخالفة أمرها.

وفي الوقت ذاته، لم يشك أحد في كلمات القديس الحي.

فكلماته تمثل كلمات السامية ذاتها، ولهذا لم يكن أمام الحاضرين سوى أن يغادروا بصمت.

“عليكم أنتم أيضًا أن تغادروا. السامية ترغب بالتحدث معه وحده.”

كان صوت القديس الحي موجهًا نحو ليون والآخرين. نظر الأربعة إلى بعضهم البعض، في حيرة واضحة، لكن انس هو من لفت انتباههم.

“هيا بنا. سأخرجكم جميعًا إلى الخارج. لا أظن أن ذلك سيستغرق وقتًا طويلاً. ولا أظن أن شيئًا سيحدث له. سامية لن تنزل إلى مستوى قتل كائن أدنى.”

هناك شيء في طريقة تسميته لي بـ”كائن أدنى” كان يثير في نفسي بعض الغرابة، لكنني تجاهلت الأمر لأنه كان يساعدني بصورة غير مباشرة بإخراجهم. الآخرون أيضًا شعروا بالحيرة من اختيار كلماته، لكن عندما ألقيت عليهم نظرة، انسحبوا جميعًا.

“تأكّد ألا تختفي لعدة أشهر. أكثر ما سأحتمله هذه المرة هو بضعة أسابيع. سأعتبرك ميتًا فور انتهاء تلك المدة. حتى لو ظهرت بعد ذلك.”

“وأنا كذلك."

“…لماذا أشعر وكأنه سيختفي مجددًا؟”

أوي، أوي، أوي…

حدقت في الفتيات بذهول.

لماذا بدت كلماتهن منطقية؟ بدا الأمر وكأنهن يضعن لعنة أو يتنبأن بما سيحدث.

لا، لا، لا.

لم تكن لدي أي نية للرحيل هذه المرة.

لقد انتهى الأمر بالنسبة لي.

لكن مرة أخرى، من يضمن أن السامية لن تفعل بي شيئًا؟

‘اللعنة…’

حتى ليون كان يرمقني بنظرة متشككة، وكأن عينيه تقولان: “المرة الماضية كانت ثلاث سنوات، فماذا عن هذه المرة؟”

أدرت بصري بعيدًا عنه، غير قادر على الرد.

وفي النهاية، غادر الجميع مبنى الكاتدرائية، تاركين إياي واقفًا وحدي في حضرة القديس الحي ومقاعد سولاس.

كان الصمت الذي تلا ذلك خانقًا، ونظرات الجالسين أقل من ودية.

خصوصًا الرجل الضخم من قبل، الذي بدا نظره أكثر عدائية من ذي قبل.

الشخص الوحيد الذي قابلني بابتسامة كان القديس الحي.

“نلتقي مجددًا، يا صديقي.”

قالها بهدوء بينما كان يشق طريقه نحوي، أرديته البيضاء تنساب فوق درجات الرخام حتى وقف أمامي في النهاية.

وعندما فعل، ألقى عليّ نظرة متفحّصة، ولم يتمكّن وجهه من إخفاء آثار الدهشة.

“لقد تفاجأت قليلًا عندما رأيتك. بصراحة، لم أظن أنك ستصبح بهذا القدر من القوة خلال ثلاث سنوات فقط. للحظةٍ، شعرت حتى ببعض التهديد.”

لم أكن متأكدًا من هذا الكلام…

صحيح أنني أصبحت قويًا، لكنني ما زلت بعيدًا عن مستواه.

سيستغرق الأمر بعض الوقت بعد.

“لا بد أنك مررت بعدة مواجهات مثمرة. ورغم أنني أودّ سماعها كلها، إلا أن السامية ترغب في الحديث معك. تفضل باتباعي، سأرافقك إليها.”

“شكرًا جزيلًا لك.”

تبعته بسعادة، أسير خلف القديس الحي بينما يقودني نحو الدرجات المألوفة التي تؤدي إلى برج الرماد.

لم يتحدث أيٌّ منا أثناء الصعود، وتوقف فقط أمام الباب الذي أعرفه جيدًا.

لم يكن بحاجة إلى قول شيء لأفهم ما يعنيه.

من دون أن أضيّع لحظة، مددت يدي نحو البابين ودفعتهما بقوة.

كلانك!

كانت الغرفة كما كنت أذكرها تمامًا. كانت بسيطة وخالية، بلا أي زخرفة تُذكر. مساحة مسدسة الشكل، وجدرانها الزجاجية توفر رؤية كاملة للمدينة من كل زاوية.

في الوسط جلست امرأة ذات شعر أشقر طويل يتدفق، وظهرها متجه نحوي.

كل شيء…

كان تمامًا كما في المرة السابقة.

لكن، إذا كان هناك شيء واحد لاحظته، فهو أن هناك شيئًا غريبًا قليلًا في السامية.

حضورها…

كان أقل بكثير مقارنةً بالماضي.

‘يبدو أن الإصابة تأكلها أكثر وأكثر!’

“لقد عدت مجددًا.”

حتى صوتها بدا ضعيفًا، وحضورها أقل إثارة للرعب مقارنةً بالمرة الأخيرة التي تحدثت معها فيها.

ومع ذلك، كانت لا تزال “ سامية ”.

لم تكن شخصًا يمكنني الاستهانة به لمجرد إصابة.

'هناك أيضًا حقيقة أن أتباعها أقوياء جدًا.حتى لو أردت أن أفعل شيئًا ضدها، فلنفس اللحظة التي أفعلها فيها، سأُبيد على يدهم.'

“أحيي السامية."

أخفضت رأسي إظهارًا للاحترام.

“أنت مختلف قليلًا عن المرة الأخيرة التي رأيتك فيها. أستطيع أن أرى أن قوتك قد ازدادت بشكل ملحوظ. أنت أكثر موهبة مما توقعت. ربما لهذا السبب اختارك نويل.”

“…أنتِ تبالغين في مدحي.”

جاريتُ ظنونها. فاعتقادها أنني تلميذ نويل كان أفضل لي. وبما أن علاقتي مع سامين الآخرين لم تكن على ما يرام، قررت أن أبقي الأمر سرًا.

من يدري ما الذي قد يحدث؟

هناك احتمال كبير أن تحاول مهاجمتي أو شيئًا من هذا القبيل.

لم أرد أن أخاطر.

“هذا ليس مدحًا مبالغًا فيه، أنت حقًا موهوب جدًا. لدرجة تجعلني أشعر بالغيرة. لو كنت تعمل من أجلي، لكنت بالتأكيد وصلت إلى أحد المقاعد.”

“مرة أخرى، تبالغين في مدحي.”

بدأت مجاملاتها تجعلني أشعر بعدم الارتياح.

لا أعلم لماذا، لكن في طريقتها بالثناء عليّ كان هناك شيء غير مريح.

هل تحاول ضمي إليها؟

هذا…

“كلورا توفيت.”

عاد انتباهي فورًا إلى السامية.

ماذا قالت للتو؟

“حدث ذلك مؤخرًا فقط. أستطيع أن أشعر بأن الرابط بيني وبينها قد انقطع. للأسف، لم تستطع الصمود بما يكفي حتى يتمكن أتباعي من الوصول إليها… يا للأسف، يا للأسف.”

بدت نبرة صوتها حزينة، لكن شعور الانزعاج الذي راودني من قبل بدأ يتضاعف أكثر فأكثر.

هل كانت حقًا حزينة…؟

لكن، بعيدًا عن ذلك…

هل دليلة تمكنت فعلًا من قتل سامية؟ هل أصبحت بتلك القوة…؟

شعرت بالصدمة الشديدة.

رغم أنني كنت أعلم أن دليلة كانت قريبة من بلوغ زينيث، إلا أنني لم أكن واثقًا من قدرتها على هزيمة سامي.

فهم كائنات عاشت لدهور طويلة، وحتى لو وصل أحد إلى زينيث، لم أكن أظن أنه سيصمد أمامهم.

لكن بطريقة ما، تمكنت دليلة من تحقيق ذلك؟

“يبدو أن صائدة السامين أقوى مما كنا نتوقع. يبدو أننا سنحتاج إلى توجيه اهتمامٍ أكبر نحوها. إن تركنا صائدة السامين تتحرك بحرية، فهناك احتمال أن تأتي بحثًا عني أنا أيضًا.

ظل صوت بانثيا هادئًا نسبيًا بينما بدأ جسدها يرتعش قليلًا، وكانت خصلات شعرها الطويلة تتطاير بصمت مع بدء انبعاث نوع من الضغط من جسدها.

“لكن هذا ليس أكثر ما يقلقني.”

هزت رأسها.

“أكثر ما يقلقني هو أن الأمور تتقدم كما في الماضي بالضبط. فالدماء تنتشر، ولن يطول الوقت قبل أن يُخلق بُعد جديد."

اشتد الضغط من حولها، وبدأ وهج ناعم يلف جسدها وهي تنهض ببطء على قدميها. حدقت، وضاقت عيناي بسبب السطوع المفاجئ.

مشرق…!

أصبح صوت بانثيا أكثر سماوية وغموضًا.

“لكن هذا ليس ما يقلقني أكثر. الانتشار ما هو إلا البداية. حتى لو فشلنا في إيقافه، فلن يؤثر علينا كثيرًا. ما يقلقني حقًا هو شيء آخر تمامًا…”

بحلول هذه اللحظة، كان التوهج قد ملأ الغرفة بأكملها لدرجة أنني لم أعد أستطيع إبقاء عيني مفتوحتين.

الشيء الوحيد الذي استطعت فعله هو سماع كلمات سامية بينما بدأ قلبي ينبض بسرعة هائلة، وعقلي يفيض بكل أنواع الأفكار.

ألم يكن الدواء هو مصدر قلقها الرئيسي؟

إذا لم يكن كذلك، فما هو إذن؟

الكائن خارجي؟، غزو مباشر؟ تكوين بُعد جديد؟

ماذا؟

ما الذي كانت قلقة بشأنه—

“ما يقلقني هو…”

توقفت عن الكلام، وكأن الضوضاء المحيطة توقفت مع أنفاسها.

ثم—

“ ظهور الكوارث ثلاث ."

2025/11/02 · 110 مشاهدة · 1315 كلمة
𝒜𝒜
نادي الروايات - 2025