"….."
"….."
"….."
كانت الوجوه التي يوجهها لي الجميع بعيدة كل البعد عن اللطف. في الواقع، كنت أستطيع أن أرى كراهية حقيقية في بعضهم. لكن أين الصدمة؟ وأين عدم التصديق…؟ لقد وصلت لتوي ومعي حاكمة بين يديّ.
هل صدقوني بهذه السهولة حقًا؟
‘قد يكون أيضًا أنهم يظنون أنني أمزح وأنهم غاضبون من هذه المزحة الطائشة. هذا منطقي…’
“في الواقع، أنا لا أمزح. هذه حقًا الحاك—”
“نعلم.”
“…لسنا أغبياء لهذه الدرجة. يمكننا بسهولة التمييز بمجرد النظرة.”
“هل تعتبرني أحمق؟ لستُ الأذكى، لكن يمكنني أن أقول إنك لا تكذب.”
"….."
توجهت نحو ليون.
كان يحدق بي بخيبة أمل، واضعًا يده على وجهه.
ما هذه التفاعلات…؟
أخيرًا، التفت نحو انس وآن. كان الاثنان يحدقان بالحاكمة وأفواههما مفتوحة على مصراعيها.
‘أخيرًا ردود فعل طبيعية!’
“هذا…."
استطعتُ أن أستنتج من رد فعل أنس أنه كان يُدرك جيدًا أنني لم أكن أكذب، وأن الحاكمة كانت بالفعل بين يدي.
فتح فمه وأغلقه بلا صوت، كسمكة ذهبية تكافح من أجل التنفس، وبعد أن شاهدته يتعثر في الكلام، قررت أن أقدّم له تفسيرًا.
“كنت أحاول التفاوض معها بشأن بعض الأمور، لكن الصفقة لم تتم.”
نظرت إلى بانثيا، وكان وجهها شاحبًا أكثر، وقبل أن أدرك ذلك، غابت عن الوعي بين يديّ. على الأرجح بسبب الألم.
"…."
أصبح انس أكثر صمتًا، وعاد نظره ليقع عليّ.
كان يبدو هادئًا بشكل مفاجئ رغم ما فعلته بالحاكمة التي يعبدها.
“إذاً قررت أن تختطفها؟” جاء صوت اويف من جانبها، حاجباها متجهمان وهي تنظر إليّ. وعندما التقيت بنظرها، أومأت برأسي.
“نعم، إلى حد كبير.”
الوضع كان في الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك.
ومع ذلك، لم يكن الوقت مناسبًا الآن لأخبرهم بكل شيء. “المقاعد والقديس الحي جميعهم على علم بالموقف. وبما أن الحاكمة في قبضتي، فلا يمكنهم فعل أي شيء، لكن أعتقد أن من الأفضل أن نغادر.”
حولت انتباهي نحو آن التي رفعت حاجبها، تحدق بي بدهشة.
“ماذا؟ ماذا تريد مني؟”
اكتفيت بابتسامة بسيطة، لكن ما إن فعلت ذلك حتى هزت رأسها بقوة.
“مستحيل تمامًا!”
“أنظري، أنتِ الوحيدة التي تملك سفينة. لم أكن لأطلب هذا لو كانت لدي أي وسيلة أخرى، لكن الآن، أنتِ الشخص الوحيد الذي يمكنني الاعتماد عليه لإخراجنا من هنا.”
“هذه ليست المشكلة!”
ارتفع صوتها.
“أنت في الأساس مطلوب للعدالة الآن! إذا ساعدتك، فسأحوّل كل من حولي إلى أعداء لي. ماذا سيحدث لي بعد أن أتركك؟ ماذا عن طاقمي؟ آسفة، لكن لا يمكنني القبول بهذا أبدًا. حتى لو كنت مدينة لك.”
كانت كلماتها منطقية.
حقًا، مساعدتي تعني معاداة الجميع من حولها، لكن كان هناك أمر نسيَت أن تأخذه بالحسبان.
“أنتِ قرصانة. أنتِ بالفعل عدوة للجميع هنا."
"….."
تجمدت آن في مكانها عند ردي، فقد أرادت أن تجادلني، لكن انس أوقفها.
“بصراحة، أود مساعدتك. لكن كما قالت آن، هذا سيعرّضها هي وطاقمها لخطر كبير. حتى لو افترضنا أننا تمكّنا من الخروج من هذا الموقف، فذلك سيعني أنها لن تتمكن من دخول البحر القرمزي مجددًا. صحيح أنها مطلوبة حاليًا، لكن هناك تفاهمًا ضمنيًا بينها وبين معبد النور. إذا أحرقت كل جسورها معهم، فحينها…”
تغيّرت ملامح انس إلى التعقيد، خصوصًا عندما نظر إلى حاكمة النور.
“حسنًا…”
حككت جانب وجهي بتردد.
بصراحة، لم أرغب في إجبارهم على القدوم معي. لقد تسببت لهم بما يكفي من المتاعب بالفعل بما فعلته، والحقيقة أن الأمور كما هي الآن تعني أنهم أصبحوا متورطين في مشكلتي بشكل أو بآخر.
ومع ذلك، لم أكن لأن أطلب مساعدتهم من دون مقابل.
“أتفهم مخاوفكم الحالية. لكن حتى لو لم ترغبوا في التورط، فأنتم متورطون بالفعل إلى حد ما. على الأقل، لن تكون إقامتكم هنا مريحة بعد الآن.”
تغير تعبير انس قليلًا نحو الانزعاج.
استطعت أن أقول إنه كان فخورًا بالمنزل الذي تمكن من شرائه.
عندما رأيته بهذا الشكل، شعرت بسوءٍ أكبر، لكن لم يكن هناك وقت كافٍ حقًا.
“لا أعلم إن كنتم قد أدركتم ذلك بالفعل، لكنني آتٍ من العالم الخارجي.”
“همم؟”
“…العالم الخارجي؟”
كلا انس وآن وجدا صعوبة في استيعاب الأمر.
“هل تعني أنك قادم من نطاق آخر؟ أم أنك تقصد…”
كان انس أول من أدرك المقصود، وتوقف تنفسه لوهلة من الصدمة، لكنها لم تدم طويلًا إذ وضع يده على ذقنه متفكرًا.
“الآن بعد أن أفكر بالأمر، لطالما راودتني الشكوك بشأن بعض الأشياء التي جلبتها معك في ذلك الوقت.”
“نعم.”
نقرت على خاتمي وأخرجت عدة سلع لا يمكن العثور عليها إلا في العالم خارج بُعد المرآة — أغلبها خضروات.
“نحن بالفعل قادمون من العالم الخارجي، و…”
حولت نظري نحو اويف، التي رفعت حاجبها وكأنها فهمت ما كنت أنوي قوله.
أشرت نحوها.
“إنها أميرة لأحد أكبر الإمبراطوريات في العالم خارج بُعد المرآة. أعلم أنكما قد لا تتمكنان من العودة إلى هنا مجددًا، لكن ما رأيكما بالقدوم إلى العالم الخارجي بدلًا من ذلك؟
"….!"
“ماذا…؟ إنها أميرة؟”
أظهر كل من آن و انس ردة الفعل المتوقعة عند سماع مكانة اويف، واتسعت أعينهما دهشة عند النظر إليها.
اكتفت اويف برفع يدها.
“نعم، لكن الأمر معقد.”
ثم التفتت نحوي.
“هل أنت متأكد أصلًا من أنهما يستطيعان القدوم؟ أجسادهما متكيفة مع هذا المكان. لا أعلم إن كانا سيكونان بخير في الخارج.”
“أعتقد أنهما سيكونان بخير.”
فانس وآن ليسا كائنين قديمين سُجِنا في بُعد المرآة. على الأرجح أنهما من نسل أشخاصٍ جاؤوا من العالم الخارجي في الماضي لتأسيس قوة داخل هذا البعد.
بالتالي، يمكنهما الخروج بسهولة تامة.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتتكيف أجسادهما، لكن كلاهما قويّ بما يكفي لتجاوز ذلك دون مشكلة.
المشكلة الحقيقية كانت أن مغادرة بُعد المرآة ليست بالأمر السهل.
فشقوق المرآة نادرة، وأقربها يقع بعيدًا جدًا من هنا.
وفوق ذلك، فهي محروسة بشدة من قِبل إمبراطوريات العالم الخارجي، مما يجعل الدخول أو الخروج شبه مستحيل.
لحسن الحظ، لم تكن هذه مشكلة بالنسبة لنا.
“أنا واثق من أن اويف يمكنها أن تساعدكما في إيجاد مكان مناسب للإقامة. والأمر نفسه ينطبق على طاقمك. أعلم أنكما مرتاحان هنا، لكن العالم الخارجي أفضل بكثير مقارنة بهذا المكان.”
كنت أحاول حقًا بذل كل ما بوسعي لإقناعهما. ليس فقط لأنني كنت بحاجة إلى مساعدتهما، بل لأن كليهما كان قادرًا بالفعل.
آن كانت قوية للغاية، و انس كان معينًا ممتازًا — أو لنقل… مساعدًا رائعًا.
"…."
"…."
وقف الاثنان في صمت، وملامحهما مشدودة بينما كانا يفكران بعمق في الموقف.
كنت أرغب في حثّهما على الإسراع في القرار، لكنني لم أرد أن أضغط عليهما.
‘الأمور يجب أن تسير على ما يرام.’
كان بإمكاني أن أشعر بعشرات العيون مركزة نحونا.
وبالطبع، بسبب قبضتي على الحاكمة، لم يجرؤ أحد على التحرك، لكن في اللحظة التي تسنح لهم فيها الفرصة، كنت متأكدًا أنهم سيفعلون شيئًا.
كان الأمر أشبه بالوقوف على حافة سيف، أحاول بكل جهدي أن أحافظ على توازني.
وأخيرًا—
“…حسنًا. سأساعدك. أعتقد أن الوقت قد حان لأغادر هذا المكان.”
استسلمت آن في النهاية.
عند رؤيته لها على هذا النحو، لم يكن لدى انس خيار سوى أن يتبعها.
“أعتقد أنه ليس لدي خيار أيضًا.”
شددت قبضتي.
“رائع!”
استدارت آن، مشيرة لي لأتبعها.
“هيا بنا. سأقودك إلى سفينتي. بدأت أشعر بعدم الراحة هنا.”
حاملًا جسد بانثيا الغائب عن الوعي، نظرت إلى الآخرين قبل أن أتبعها.
“لننطلق. قد نموت بالفعل إذا لم نسرع.”
⸻
ســبــلاش! ســبــلاش!
تحطمت الأمواج القرمزية على ميناء المدينة، وكانت الأرصفة فارغة بشكل مخيف بينما كانت سفينة وحيدة تبتعد، وتنجرف إلى أعماق البحر
القرمزي.
“…ماذا علينا أن نفعل؟”
جاء صوت عميق ينساب في الهواء، وأدار الرجل رأسه نحو الشخصية الواقفة في المنتصف. تراقصت نظرة القديس الحي، واستقرت على السفينة البعيدة وهي تبتعد أكثر فأكثر. حوله تجمّعت مقاعد سولاس.
على الرغم من بحثهم عن أي ثغرات لانتشال الحاكمة مرة أخرى، كان المعتدي حذرًا للغاية، فلم يترك لهم أي فرصة لذلك. ولزيادة الطين بلة، كلما شعر بشيء غريب، كان يضغط على جرحها فتتلوى من الألم.
تُركت مقاعد سولاس والقديس الحي عاجزين، غير قادرين على فعل شيء واحد، وهم يراقبون كيف تُحمل حاكمتهم إلى قارب وتبتعد بعيدًا.
“يا قدس—”
“لا تفعلوا شيئًا بعد.”
قاطع القديس الحي الرجل الضخم.
وبنظره المثبت على القارب البعيد، تحوّل صوته الدافئ المعتاد إلى برود، وتحول بصره إلى شيء شاحب بعض الشيء.
“سنتحرك في اللحظة التي يغادر فيها النطاق. حالما نتأكد أن الحاكمة باتت بعيدة ولا يوجد أحد حولها، سنقضي عليهم بضربة واحدة. لا يمكننا أن ندعهم يكتشفون أن الحاكمة جريحة. ذلك سيجعل النطاقات الأخرى تهاجمنا.”
“ها؟”
“ماذا…؟”
أطلق بعضهم أصوات دهشة.
“ولكن ماذا عن الحاكمة؟”
“لو هاجمناهم الآن فسنعرّض حياة الحاكمة للخطر. لا يمكننا…”
“الحاكمة تحتضر."
قطع القديس الحي صوته، وهو يبتعد عنهم متجهاً نحو الكاتدرائية.
“لقد أخبرتني بذلك صراحةً.”
“…..!؟"
تغيرت وجوه أعضاء المقاعد بشكل كبير . كانت حاكمة مصابة؟ هذا…! لم يكن من المستغرب أن القديس لم يتصرف بتهور. فلو انتشرت مثل هذه الأخبار، لكان ذلك سببًا في إثارة الفوضى في المكان بأسره. ومن دون شك، سيصبح الآخرون من المجالات الأخرى أكثر جرأة ويهاجمونهم.
“لهذا علينا أن نهاجمهم عندما لا يكون أحد موجودًا. هذا لضمان ألا يكتشف أحد إصابة الإلهة.”
“ولكن ماذا لو أذيناها؟ هذا سيكون-”
“لقد حان الوقت.”
توقف القديس الحي، وارتجفت عيناه مرة أخرى بينما توقف الجميع عن الكلام.
“…حان وقت رحيلها عن هذا العالم. لقد ناقشت هذا الأمر معها بالفعل. بعد موتها، سأصبح الحاكم الجديد.” (** أكيد ناقش موضوع لكن داخل عقله)
ارتسمت ابتسامة على شفتي القديس الحي.
“سأصبح حاكم النور لهذا الجيل.
———-
**مئوية ثامنة ! ! !