كانت الرحلة لعبور البحر القرمزي من الجنوب المتبقي طويلة إلى حدٍّ ما.

وبما أنني خضتُ هذه الرحلة من قبل، كنتُ مستعدًا نفسيًا لها، ولهذا جعلتُ نفسي مرتاحًا فور بدء السفينة بالإبحار.

ليون، وإيف، وإيفلين بدَوا بخير أيضًا.

لكن كان هناك استثناء واحد.

“أووووع!!”

انحنت شخصية على جانبي السفينة، ممسكة بالحافة بإحكام بينما تتقيأ بعنف.

كان المنظر كوميديًا نوعًا ما، خصوصًا مع سيل الشتائم الذي كان يرافق كل مرة تتقيأ فيها

“تبًّا لهذه السفينة اللعينة!”

“…أخرجوني من هذه القذارة اللعينة!”

“سأ—أووووع!!

لم أُعِر تقيؤها أي اهتمام وبدأت بالعمل، ساحبًا بانثيا إلى غرفة منفصلة قبل أن أثبّت نظري عليها. كانت ضعيفة بوضوح، لكن مع قوتها، لم يكن من المستغرب أن تتمكن من الهرب في اللحظة التي أخفض فيها حذري.

طنين!

أغلقت الباب خلفنا، ولم يبقَ في الغرفة سوى نحن الاثنين.

كان وجهها شاحبًا، وشعرها متشابكًا، وشفاهها جافة متشققة، أما اللهيب الذي كان يشتعل في عينيها فقد أصبح واهنًا، بالكاد يحافظ على وجوده.

“أين نويل؟”

سألتها لمجرد السؤال، فلم أكن أتوقع أن تجيب فورًا، لكن…

“هو في الواقع ليس بعيدًا من هنا. يجب أن يكون محتجزًا في نطاق فيلتروس.”

“هاه؟”

حدّقتُ في الحاكمة بذهول. هل أجابت فعلاً عن سؤالي؟

'لا، ربما تكون كاذبة.'

“ههه… أرى أنك لا تصدقني. ومع ذلك، لست أكذب. هو محتجز هناك، فيلتروس هو الوحيد القادر على صنع سلاسل يمكنها إبقاءه مُقيّدًا كما ينبغي.

صُدمتُ مرة أخرى.

'هل تقول الحقيقة حقًا؟'

لكن لِمَ كانت تخبرني بالحقيقة؟ ما سبب هذا التغيّر المفاجئ في الموقف؟

“…هذا يُهينني. هل ظننت حقًا أنني لن أجيبك؟”

ابتسمت بانثيا لي، وإن كانت ابتسامةً ضعيفة.

“يجب أن تعلم أكثر من أيّ أحد آخر كم أحبك. إذا كنتَ بحاجة إلى شيء… فبالطبع سأخبرك. أنت تريد رؤية نويل، أليس كذلك؟ إنه موجود في أراضي فيلتروس، بالقرب من أراضي كلورا.”

فتحتُ فمي محاولًا قول بضع كلمات، لكن وأنا أحدّق بها، لم أعرف ماذا أقول. ما زلتُ أجد صعوبة في تصديق كلماتها. كيف يمكنني ذلك؟

لقد كانت مجنونة تمامًا.

“…هاه، يبدو أنك ما زلت لا تصدقني.”

ابتسمت باتثيا مرة أخرى.

لكن هذه المرة، بدت ابتسامتها أقرب إلى التسلية منها إلى أي شيء آخر.

وفي خضم ارتباكي، بدأ جسدها يُصدر وهجًا خافتًا. وبشكل غريزي، مددت يدي نحو إصابتها، لكن يدي انزلقت عبر جسدها مباشرة، كما لو أنه تحوّل إلى هواء. وبعد لحظات، غمر الغرفة نور قوي، أعمى بصري بالكامل.

“أخخ!”

حاولت أن أتحرك، لكن الأوان كان قد فات.

وحين فتحت عينيّ مجددًا، كانت بانثيا تقف أمامي، وشفاهها منحنية بتلك الابتسامة الساخرة نفسها كما في السابق.

“أنظر إلى هذا؟ لقد تحررت.”

مدّت إصبعها إلى الأمام، رافعةً ذقني قليلًا، فتجمّد جسدي بالكامل.

'مـ… ماذا حدث للتو؟'

“لا تقل لي أنك ظننت فعلًا أنك قادر على إبقائي تحت سيطرتك، صحيح؟ هيهي.” ضحكت بانثيا بخفة وهي ترفع يدها إلى فمها. “رغم أنني كنت سأحب ذلك كثيرًا، إلا أن الأمر ببساطة غير ممكن. أنت لست قويًا بما يكفي بعد لتفعل ذلك. حتى وإن كنت تكبح إصابتي.”

كان ضغط ثقيل يخيّم على المكان مع كل كلمة نطقت بها الحاكمة، ومع ذلك، وبينما كنت أحدّق بها، شعرت أن هناك شيئًا غير طبيعي.

هي…

'لا يبدو أنها غاضبة مني على ما فعلت.'

“أنا منزعجة قليلًا مما فعلت، لكنني كنت بحاجة لأخذ قسط من الراحة من ذلك المكان. لقد منحتني العذر المناسب.”

قهقهت بانثيا مجددًا، تتراقص النيران في عينيها وهي تنظر إليّ.

“أستطيع رؤية الحيرة في عينيك، إيميت. ولن أنكر الأمر. لقد سمحت لنفسي بأن يتم ‘اختطافي’ على يدك. في الأساس لأنني أردت قضاء وقت أطول معك، وأيضًا لأن هناك أمرًا آخر أسعى لتحقيقه.”

ارتفع بصرها ببطء، متجهًا نحو البعيد.

“…لقد كنتُ متساهلة لفترة طويلة جدًا. الكثير من الناس داخل مجالي أصبحوا جشعين بعض الشيء. وإن لم أكن مخطئة، فقد يحاولون قتلي في اللحظة التي تغادر فيها مجالي.”

بصراحة، لم تفاجئني كلماتها.

“إنه القديس الحي، أليس كذلك؟”

ابتسمت بانثيا لي فقط كرد على كلامي.

كانت تبدو أكثر هدوءًا الآن بكثير مما كانت عليه سابقًا.

“بعض الناس… ببساطة لا يرضون بما لديهم. رغم كل ما قدمته لهم، فهم يريدون المزيد. من المؤسف ذلك نظرًا لمدى إخلاصهم لي، لكن هذه هي طبيعة البشر. لا يمكن للإنسان أن يكتفي أبدًا إلا إذا حصل على الشيء الذي يشتهيه بشدة.”

توجّهت عيناها نحوي مرة أخرى وهي تنطق الكلمات الأخيرة، مما جعل ظهري يرتجف بينما كانت النيران في عينيها تتراقص.

لم أتحرك، ولم أصدر أي صوت. كان ذهني يدور في كل اتجاه ممكن، يبحث عن طريقة للهروب من الموقف الذي وجدت نفسي فيه.

تبدو أكثر هدوءًا الآن، لكن لا أعلم ماذا قد تفعل لاحقًا. رغم أنها سمحت بأن يتم اختطافها، أنا متأكد من أنها غاضبة بسبب “خيانتي”. ماذا يجب أن أفعل؟ هل أفعل الشيء نفسه؟ هل سينجح ذلك حتى؟

بدأ شعور اليأس يتسلل إليّ.

هذا الوضع… كان واضحًا أنه ليس جيدًا.

ومن خلال ما أراه، كانت الحاكمة أقوى بكثير مما كنت أتوقع سابقًا. بدا أن مواجهة أمر مستحيل.

ثم…

“لا تقلق. لن أؤذيك أنت أو من هم هنا.”

أيقظتني كلمات بانثيا من أفكاري، ودفعني ذلك لأن أنظر إليها بطريقة مختلفة قليلًا.

“ألا تفعلين؟"

“لا، لن أفعل. في الواقع، لن أبقى هنا لوقتٍ أطول. كنت فقط أبحث عن عذر للمغادرة ومراقبة الوضع في مجالي عن كثب.”

“لكن… ألستِ حاكمة؟ لماذا لا يمكنكِ المغادرة ببساطة؟”

“…الأمر ليس بهذه البساطة.” أجابت الحاكمة وهي تُبعد خصلةً من شعرها الأشقر الحريري خلف أذنها. “بصفتي حاكمة، أنا مرتبطة بالناس داخل مجالي. معظمهم لن يلاحظ ذلك، لكن أولئك الذين يمتلكون قوةً كافية سيفعلون. في اللحظة التي أغادر فيها برج الرماد، سيشعرون بذلك فورًا عبر الرابط الذي يجمعنا.”

“ومع ذلك، أنتِ حاكمة. حتى لو قررتِ المغادرة، ماذا يمكنهم أن يفعلوا لإيقافك؟”

“لستُ كما كنتُ في الماضي.”

نظرت إليّ بانثيا نظرة عميقة.

“إصاباتي أسوأ بكثير مما تتخيل. في الوقت الحالي، لستُ أقوى بكثير من القديس الحي."

ارتفع حاجبي.

'هل هي ضعيفة لهذه الدرجة؟'

“سأستغل هذه الفرصة لأتفقد الوضع داخل مجالي بشكل صحيح. الآن بعد أن ابتعدنا عن المنارة والكنيسة، سيكون من الأصعب عليهم اكتشافي. هذا سيمنحني وقتًا كافيًا للاستعداد بالشكل المناسب.”

رفعت ذقني مرة أخرى بإصبعها، وأخذت تنظر إليّ جيدًا قبل أن يبدأ جسدها في التلاشي.

“…أنت لست تمامًا نفس إيميت الذي أحبه. أنت هو، لكنك أيضًا لست هو. يبدو أن ذكرياتك لم تتعافَ بالكامل بعد. سأنتظر حتى تلك اللحظة قبل أن أعود إليك.”

ارتجفت شفتاي عند سماع كلماتها.

فجأة، لم أرغب في استعادة ذكرياتي.

لكن قبل أن يختفي جسدها تمامًا، تركت بضع كلمات وداع أخيرة..

“وبما أن ذاكرتك ناقصة، أود أن أُذكّرك بشيء. لا تستهِن بنا نحن الخمسة. نحن لسنا بالضعف الذي تظنه. تمامًا مثل ذلك 'صائدة الحاكم'، هاها. سبق أن قلت إن كلورا قد ماتت، لكن… هل هذا صحيح حقًا؟ تلك الفتاة أكثر مكرًا مني حتى.”

“هاه؟”

اختفت بانثيا قبل أن أدرك ذلك.

“لا، انتظري.”

نظرتُ حول الغرفة، محاولًا العثور على أي أثرٍ لها. ومع ذلك، كانت قد اختفت تمامًا. ومهما حاولت أن أستشعر وجودها، بدا وكأنها تلاشت كليًا.

“ماذا كانت تقصد بذلك؟”

فجأة، بدأ ينتابني شعور سيئ. إذا كانت كلماتها صحيحة، فهل حدث شيء ما لدليلة؟

عضضتُ شفتي، وأخذتُ نفسين عميقين في محاولة لتهدئة نفسي.

‘لا، لا يجب أن أنخدع بكلماتها بهذه السهولة. دليلة قوية للغاية. أنا متأكد من أنه حتى لو كانت كلورا لم تمت، فلن تتمكن من هزيمة دليلة. رغم أن…’

خطر في بالي فجأة وضعي الحالي مع بانثيا — كيف أنها لعبت بي كما أرادت، واستغلتني لتحقق غايتها.

'صحيح أنني حصلت على ما أردت، لكنها كانت تخطط لهذا منذ البداية.'

لكن هل كان تصرفها الجنوني حقيقيًا أم مجرد تمثيل؟

لم أعد متأكدًا بعد الآن. ومع ذلك، لم يكن هناك أدنى شك في أنها كانت مهووسة بي تمامًا.

'ما زلت أرغب في إبقاء مسافة بيني وبينها، لكنني أعلم جيدًا أنني سأراها قريبًا.'

اضطربت معدتي لمجرد التفكير في ذلك، لكن كان هناك أمر آخر، أكثر إزعاجًا، عليّ التعامل معه في الوقت الحالي.

تذكرت كلمات بانثيا ووضعت يدي على جبهتي.

“إذا كان ما تقوله صحيحًا، ففي اللحظة التي نخرج فيها من نطاقها، ستأتي كنيسة النور وراءنا دون تردد. ربما يكونون قد أحكموا قبضتهم علينا بالفعل وينتظرون فقط أن نغادر.”

هذا…

عضضت شفتي، واستدرت لأتجه نحو الباب متجهًا مباشرة إلى السطح العلوي حيث كانت آن والبقية موجودين.

“أوييييخ! اللعنة…! أوييييييخ!”

تجاهلت كيرا التي تتقيأ، وتوجهت مباشرة لمواجهة آن.

“قد نحتاج إلى تعديل مسارنا قليلًا.”

“هاه؟”رمشت آن بعينيها، والارتباك واضح في نظراتها. قبل أن تتمكن من التعبير عن حيرتها، تحدثت أنا، “توجهوي نحو نطاق كلورا. هذا هو وجهتنا التالية.”

كان هناك شخص معين أحتاج لمقابلته.

شخص معين كنت آمل أن يكون لا يزال هناك.

وبينما كنت أفكر في كلمات بانثيا، بدأ شعور سيء يراودني.

'آمل حقًا أنها كانت تكذب.'

2025/11/06 · 107 مشاهدة · 1344 كلمة
𝒜𝒜
نادي الروايات - 2025