"هاا..."
أخذتُ نفسًا عميقًا، وحدقتُ في الرجل الواقف أمامي.
كان هناك كمٌّ هائل من الضوء الأرجواني منبعثًا من جسد السولارك، وبدأ يرتجف.
“ما… ما الذي فعلتَه…”
كان صوته مرتعشًا وهو ينظر إلي، وعيناه ترتجفان في الوقت نفسه. كان على الأرجح يشعر به.
…ذلك الخوف الذي غرسته عميقًا داخل جسده.
“لم أفعل الكثير.”
لم تكن هناك حاجة لأن أقاتل أكثر…
كل ما كنتُ بحاجة إليه في تلك اللحظة هو أن أحمي نفسي وأنتظر حتى تسيطر العواطف عليه.
الحزن، الغضب، الاشمئزاز، والخوف.
كانت هذه هي المشاعر الأربع “السلبية” ضمن المشاعر الأساسية: الحب، الغضب، الفرح، الحزن، الخوف، الاشمئزاز.
وهي أيضًا المشاعر الأربع التي كنتُ أحملها بوفرة… ليست حقًا مشاعري، بل وُلدت من الظلام الذي امتصصته من جوليان. في اللحظة التي زرعتُ فيها “الخوف” داخل جسد السولارك، تسلّل عميقًا تحت السطح، وانتشر كالسّرطان حتى بدأ يلتهم عقله من الداخل ببطء.
حتى الآن، كانت الكرة الأرجوانية تكبر.
“م-ما الذي…”
أمام سحر العواطف، تصبح أمور مثل الرُّتب والمستويات بلا معنى.
منذ اللحظة التي تمكنت فيها من وسمه، كنت أعلم أن الأمور ستتجه إلى هذا المسار.
“أ-أنت…"
اشتعلت عينا سولارتش، وتحولتا إلى بياض ساطع بينما كنت أعمى للحظة. تشوه الفضاء من حولي، وتمكنت من الإحساس بهجوم يتجه نحوي.
لكن قلبي كان هادئًا.
ثمار جهدي كانت قد بدأت بالظهور.
لم أنظر حتى. تشكل شعاع من الضوء بجانبي وحطم الوهم الذي ألقيته.
"…!"
اتسعت عينا سولارك في حالة من عدم التصديق، وتشكلت عشرات الدوائر السحرية في الهواء، كل منها أطلقت شعاعًا من الضوء انطلق في اتجاهي .
ولكن—
أصابت جميع النقاط… ما عدا المكان الذي كنتُ أقف فيه.
عقله يُلتهم.
كان الخوف يجعل التفكير صعبًا عليه. يجعله يقع في كل وهم صغير أرميه أمامه، ولم أستطع منع ابتسامة خفيفة من الظهور على شفتيّ عند رؤية ذلك.
حرّكت يدي قليلًا، فبدأ السيف بالتحرك فيما اقتربت من السولارك.
سووش! سووش! سووش!
“أين أنت!؟ لماذا لا أستطيع… إصابتك!؟”
استمرت هجماته بالجنون والاضطراب، لكنه كان يعتمد فقط على عينيه. الهدوء الذي يحتاجه المرء عادة للتعامل مع موقف كهذا اختفى، وحلّ مكانه التخبّط والتهوّر.
لم يدرك حتى أنني أصبحتُ واقفًا قريبًا منه جدًا.
“هـ-هاه!؟”
لكن حين أدرك ذلك… كان الأوان قد فات قليلًا، إذ مددتُ يدي نحو صدره.
“أنت—!"
ازداد اللون الأرجواني داخل جسده، وتشوه وجهه بينما فتحتُ فمي لأتمتم: “اهدأ.”
تداخل صوتي في تلك اللحظة، فتباطأت حركاته.
كانت مجرد لحظة خاطفة، لكنها كانت كل ما أحتاجه، إذ ضغطتُ يدي على صدره وتمتمتُ بهدوء: “خوف. خوف. خوف. خوف. خوف.”
“هـ-هاااا!”
اشتدّت الكتلة الأرجوانية التي غمرت جسده، واتّسعت عيناه بينما شحب وجهه بشكل ملحوظ. بدأ صدره يعلو ويهبط بشكل غير منتظم، ومن الطريقة التي كان ينظر بها إليّ، استطعت رؤية الخوف الحقيقي في ملامحه.
حاول أن يتراجع، لكنني لم أسمح له.
وضعتُ يدي على كتفه وأبقَيْتُه في مكانه.
“لاااا!!!”
صرخ، لكنه لم يجرؤ على مقاومتي.
لم يستطع مقاومتي.
كان ذلك واضحًا في عينيه.
في هذه اللحظة بالذات… كنتُ أكثر كيان يُرعبه على هذا الكوكب.
ومع ذلك، لم يكن الأمر قد انتهى بعد.
نظرتُ إلى الأوراق في يدي وضغطتُ على الورقة الثانية. وفي الحال تقريبًا، ظهرت صور وذكريات من الماضي في ذهني، فأغمضتُ عيني وبدأتُ باستيعاب كل شيء.
لم تستغرق العملية أكثر من ثانية واحدة حتى فتحتُ عيني من جديد وابتسمت.
“هل أنت خائف مني؟”
لم يُجب، لكن جسده ازداد ارتجافًا. كان الخوف واضحًا للغاية، واستغللتُ ذلك الخوف.
“أرى أنك تحاول إنكار الأمر، لكنك لا تستطيع إخفاء الخوف عني. أستطيع رؤية كل شيء.”
مشاعره…
كانت واضحة لي بشكل تام.
كنتُ أراها كلها بينما خفّضت صوتي إلى همسة.
“هل ترى الأشخاص هناك في الأسفل؟”
أشرتُ إلى اللومينارك الذي تعافى بالفعل وبدأ يقاتل مع الآخرين. بدا الوضع مزعجًا إلى حدٍّ ما، فالجميع كانوا بشكل أو بآخر في حالة تفوّق عددي ضدهم.
“هؤلاء جميعًا من كنيستك، أليس كذلك؟”
لم يُجب السولارك، لكن جسده اهتز للحظة.
“"كيف تقول إن إيمانهم يُقارن بإيمانك؟"
مرة أخرى، لم يرد.
ولم يكن بحاجة للرد.
“هل تظن أنهم مفيدون للقديس الحي بقدرك؟ من برأيك… تستحق حياته أكثر؟ حياتك أنت، أم حياتهم؟"
“هاه… هاه… هاه…”
كان صدر السولارك يرتفع ويهبط بشكل غير منتظم، وكل نفس يزداد خشونة أكثر بينما ضغطتُ يدي بقوة على كتفه.
“أنت، صحيح؟ أنا متأكدة أنك أكثر ولاءً للقديس الحيّ منهم جميعًا. أنا متأكدة أنك تعني له أكثر منهم أيضًا، ورغم أن موتهم قد يوجعه، إلا أنه لن يكون شيئًا مقارنةً بموتك. أنت أثمن بكثير من أيّ واحدٍ منهم.”
“هاه! هاا-! هاا!”
قرّبت وجهي من أذنه، والكرة البنفسجية تكبر أكثر فأكثر.
“سأدعك تعيش إذا تخلّصتَ منهم من أجلي. أنا واثقة أن القديس الحي سيتفهم ما فعلته. تأكد من أنك لا تتراجع على الإطلاق، حسنًا؟"
“حق–حقاً؟”
ارتجّ صوت السولارك، ونظر إليّ بعينين يحملان بعض التردد. بدا أنه لا يصدق كلامي بالكامل.
اكتفيت بأن ابتسمت له.
“لا تقلق. تخلص منهم وسأدعك تعيش. ما رأيك؟”
“أ-أدعني… أعيش؟”
ارتجّت عينا السولارك مرة أخرى، وللحظةٍ وجيزة رأيتُ حتى لمحات من الوضوح فيهما.
‘…لا.’
شدَدتُ قبضتي على كتفه أكثر، وصببتُ المزيد من تلك المشاعر السلبية التي تهيمن على عقلي، فاتسعت عينا السولارك رعباً بينما اختفى جسده من مكانه.
“هاااه!"
انطلق صرخة في الأرجاء بعد لحظة.
———
“أوخ-!”
خرج أنين من شفتي آويف، وشحبت ملامح وجهها وهي تحدق في الثلاثة الذين وقفوا أمامها. كانت عدة سيوف تحوم أمامها، تدور حول جسدها بينما كانت تيريزا جالسة بجانب كتفها، ووجهها الصغير شاحب وهي تشير إلى السيوف، التي تحول توهجها من الأحمر إلى الأسود.
قضمت آويف أسنانها ودفعت السيوف إلى الأمام، لتختفي أشكالها عن الأنظار قبل أن تعاود الظهور أمام اللومينارك، لامعة بدقة قاتلة.
شحب وجهها من الهجوم، لكن الأمور كانت أسوأ حين لم يُبدِ اللومينارك اهتمامًا كبيرًا بهذه الهجمات.
مع اضطرار آويف لتوجيه انتباهها نحو ثلاثة أشخاص في الوقت نفسه، لم تعد قادرة على الضغط عليهم كما كانت من قبل.
وبينما كان أحدهم يحجب هجماتها، اندفع اللومينارك الآخران فجأة نحوها من كلا الجانبين. تغيّر وجهها، لكنها علمت أنه فات وقت تفادي الهجوم.
توهّجت الأوردة السوداء التي كانت تنبض عميقًا داخل جسدها أكثر، وبدأت عدة سيوف أخرى في الظهور من حزامها. اندفعت السيوف واتحدت لتشكل درعًا واقيًا بينما أطلقت آويف بعض الكلمات قائلة: “ت-تيريزا…"
لم تقل الطفلة شيئًا، مكتفية برفع يدها مرة واحدة. توهجت السيوف بلون بني بينما تشكلت طبقة واقية من الصخر فوقها.
كان هذا درع آويف.
لكن رغم تكوّنه، كانت لا تزال تستعد للصدام.
كان “الدرع” قويًا، لكن في مواجهة الهجمات القادمة؟ تغيّرت ملامح آويف لتصبح جادة للغاية، بينما ارتفع صدرها مع سهولة التنفس.
لكن…
“هاه؟”
ظهر توهج ساطع فجأة في المنطقة المحيطة، مما أذهلها هي والآخرين للحظة. بدا وكأنه يأتي من الأعلى، ولحظة واحدة لم تستطع فيها الرد.
كان التوهج شديد السطوع وقويًا للغاية.
انفجر ضغط رهيب منه بعد لحظة، وتغيّرت تعابير وجه آويف.
“تبًا!”
أدركت بسرعة ما يحدث.
جوليان…
لقد فشل في التعامل مع السولارك!
“كيرا"
استدارت آويف فورًا نحو كيرا، المغمورة بالظلام، وكأنهما تشاركان نفس الأفكار، صرخت كيرا قائلة: “أنا… أحاول.”
لكن الأمر لم يكن سهلاً عليها أيضًا.
أحاط بها أيضًا اثنان من اللومينارك.
“تبا.”
تشوّه وجه ليون من شدة الضغط وهو يرفع نظره للأعلى. أمسك بسيفه بإحكام، مستعدًا لإطلاق أقوى ضربة لديه، وهو يعلم أنها ستستنزفه بالكامل، لكن قبل أن يضرب، حدث شيء غير متوقع.
“هاااا-!”
مزق صرخة الهواء.
جاءت من شخص لم يعرفه أي منهم، وعندما اتجهت كل الأنظار نحو الصوت، تغيرت وجوه بعضهم تمامًا.
انتظر…
بوم!
اصطدم جسد بشدة بالماء.
ووقف في المكان الذي كان فيه الجسد سابقًا، شخص مألوف يرتدي أردية حمراء، يحوم في الهواء بحضور هائل لا يمكن زعزعته. صمت الهواء عند رؤيته، وجذبت كل العيون نحوه بينما كانت نظرته تجوب المكان.
شعرت آويف بأن أنفاسها توقفت للحظة، وهي تشعر بإحساس بطيء من الرهبة.
‘ماذا علينا أن نفعل حيال هذا؟'
'…يبدو قويًا جدًا. ماذا علينا أن نفعل حيال هذا؟ إذا لم يخسر جوليان، لا، بل لم يخسر حتى… لو أنه فقط أخرّه قليلاً، ربما كانت الأمور لتختلف قليلًا. لا، في الحقيقة. ماذا لو لم يكن قد اختطف الحاكمة أبدًا؟ هل كانت الأمور ستظل هكذا؟'
همس الصوت في عقلها، مترددًا بصوت عالٍ بينما كانت آويف تنظر حولها، محاولةً فهم الموقف.
ذلك الجسد…
من كان؟
لمن كان ينتمي؟
ماذا حدث لجوليان؟
أين هو؟
رفعت آويف رأسها ببطء، ومع ذلك تجمدت تعابير وجهها. بجانبها، ضاقت ملامح المرأة، وتقلصت شفتاها في اتجاهين متعاكسين، بينما فوقهما، كان جوليان يحوم في الهواء، يطل على كل شيء بابتسامة خفيفة، وكأنها تحمل معرفة مسبقة.
ثم-
بوم!
سقط جسد آخر في الماء.
هذه المرة، لم تكن آويف بحاجة للنظر لتعرف ما حدث.
السولارك…
كان يهاجم شعبه الخاص!
————
كاتب جالس ينزل فصول قليلة بسبب ان الاحداث جالس تنزل في فصول مميزة مهمة جدا + سوف اتأخر ايضا في ترجمة بسبب الاختبارات ولكن عندما انتهي سوف اعوضكم ب15 فصل من فصول مميزة في يوم واحد.
*وفترة تأخير لا تتجاوز الأسبوع