بانغ-!
تردّد انفجار رهيب، محطّمًا كل شيء في الجوار.
تبع ذلك ضغط مرعب اجتاح المكان، أعقبه ضوء ساطع أعمى كل ما حوله.
سوووووش!
تلاشى الضوء بعد لحظات، كاشفًا عن كنيسة قديمة لا تزال واقفة على قمة تلة.
كانت الجثث متناثرة في كل مكان، وشخصية مظهرها مبعثر تقف خارج الكنيسة، ممسكة برأس آخر بين يديها، وتنفسه يزداد صعوبة شيئًا فشيئًا.
“أنت…”
وقفت بانثيا ليست بعيدة عنه، وملامحها هادئة.
"ما الخطب؟"
صوتها انتشر بهدوء في المكان، وعيناها مثبتتان على القديس الحي، الذي كان جسده كله مغطى بدماء الأشخاص الذين كان يظن أنهم إلى جانبه.
“هل هناك ما يزعجك؟ كنت تظن من المفترض أن تتولى مكاني وتصبح الحاكم الجديد. لكن انظر إلى هذا…”
جالت نظرتها على الجثث التي لا تعد ولا تحصى والأطراف المبعثرة في كل أرجاء الأرض، والدماء تتسرب من بين شقوق بلاط الكنيسة بينما كانت تهز رأسها ببطء.
“…لقد انتهوا.”
ارتجف جسد القديس الحي، وتحولت ملامحه عند رؤية الحاكمة أمامه.
ومع مرور الوقت، وعندما بدا أنه على وشك الانفجار، هدأ نفسه أخيرًا بينما ضاقت عيناه.
“لقد أخطأت عندما ظننت أن هذا يكفي. كما أنني أخطأت عندما ظننت أنك لن تلجئي إلى مثل هذه الخدعة. السبب في أن الوضع أصبح هكذا هو أنني فشلت في رؤية حقيقتك.”
“أوه؟”
رفعت بانثيا حاجبها.
“ماذا كنت تظن عني من قبل؟ أنا في الواقع فضولية الآن.”
“…كنت أظنك حاكمة ساذجة ولطيفة. شخصًا منعزلًا يحاول التعافي من إصاباته طوال الوقت. لم أتوقع أبدًا أن تكوني العكس تمامًا عما تخيلته. طوال هذا الوقت كنت أفكر هكذا، ومع ذلك…”
ارتجف جسد القديس الحي، وتشوّهت ملامحه مرة أخرى.
"لم أعتبركِ قط تلك العاهرة المجنونة التي أنتِ عليها!"
ارتسمت على شفتي بانثيا ابتسامة واسعة، وعيناها تلمعان بالفرح وهي تنظر إلى القديس الحي.
“ههه…”
بدأت حتى بالضحك.
“هل كان لديك حقًا صورة كهذه عني؟ ههه…”
تردد ضحكها في أرجاء المكان المتهالك.
غطّت فمها وتوقفت للحظة، مستغرقة بعض الوقت لتستجمع نفسها قبل أن تفتح فمها مرة أخرى.
“…يسعدني أن أعرف أن أنت والجميع كنتم تحملون صورة إيجابية عني. لقد حاولت بجد، لكن… ههه…”
ضحكت الحاكمة مرة أخرى، واتسعت ابتسامتها أكثر.
“ستكون ساذجًا لو ظننت أنني سأكون طبيعية. لا أحد منا من السبعة طبيعي."
أشارت إلى صدغها، واتّسعت عيناها بقدْر من الجنون.
"جميعنا مختلون عقليًا. لقد أثرت كل هذه السنوات على عقولنا، وما تبقى منا ليس سوى جنون. لو استطعنا، لأحرقنا العالم بأسره بأنفسنا... هههههه!"
انبعث وهج خافت من جسد الحاكمة، وتراقصت النيران في عينيها بجنون وهي تنظر إلى القديس الحي، الذي ازداد تشوّه ملامحه كلما سمع أفكارها.
وسرعان ما تلاشت ابتسامتها.
وحلّ مكانها بردٌ قارس اجتاحها في اللحظة التالية.
“اقتُل نفسك.”
دوووم!
لم يتردّد القديس الحي لحظة واحدة.
تحركت يده من تلقاء نفسها، متجهة نحو صدغه قبل أن تظهر دائرة سحرية وتتطاير الدماء في كل مكان.
ما تبقى من جسده سقط على الأرض بلا حياة بعد لحظات.
خَبط!
لبرهة، أصبح المكان صامتًا بشكل رهيب.
وقفت بانثيا في الصمت، ووجهها هادئ وهي تنظر إلى الجثة أمامها، قبل أن يصفر لون وجهها فجأة. تلاشى الابتسامة السابقة التي شوهت ملامحها، وأسرعت بوضع يدها على فمها.
خفّت النيران في عينيها بينما صار تعبير وجهها متوترًا بشكل متزايد. وفي النهاية، وبعد أن لم تعد قادرة على كتم الأمر، بدأ الدم يتسرب من جانب فمها بينما اختفى اللون المحيط بجسدها تمامًا.
“تبا…”
غادرت لعنة شفتيها في النهاية بينما عبست حاجباها.
لكن بينما بدأت تتماسك وتستعيد توازنها، همس صوت في الهواء.
“واو، يبدو أنك لم تتغيري طوال هذه السنوات. لا زلتِ مجنونة كما كنتِ في الماضي. من كان يظن أنك ستضعين مثل هذه الأختام داخل أجساد أتباعك؟”
تجمد تعبير بانثيا، ورفعت رأسها ببطء، وعيناها ثابتتان على الفراغ أمامها الذي بدأ يتحوّل ويتلوّى، حتى ظهر في النهاية شخص من الهواء نفسه.
ضيّقت بانثيا عينيها.
“…ساندرا.”
** الاسم الحقيقي لحاكمة العناصر؟؟
لكن سرعان ما ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها.
“كنت آمل حقًا أنكِ قد متِّ.يا للأسف."
——
“…نحن على وشك الوصول إلى اليابسة! الجميع، استعدوا!!”
وصل صوت آن إلى الجميع بينما بدأ طاقمها برفع المرساة، مستعدين للرسو في أي لحظة.
وأنا أحدق من على متن السفينة، شاهدت شظايا لا حصر لها من الجليد تسبح عبر البحر القرمزي، وحوافها الحادة تعكس الضوء الخافت. أبعد قليلًا، كانت كتل أكبر تطفو مثل جزر جليدية، لكن حتى تلك ستتفتّت إلى قطع عند أدنى لمسة من هيكل السفينة.
إذا كان جبل جليدي سميكًا جدًا، كان أحد أفراد الطاقم يتقدم لتفكيكه، أحيانًا بانفجار سريع من السحر، وأحيانًا الأخرى بضربة سلاح.
أبطأ ذلك الرحلة قليلاً، لكن ليس بما يكفي ليُحدث فرقًا حقيقيًا.
“الطقس أصبح حقًا باردًا، أليس كذلك؟”
ظهر ليون بجانبي، ممسكًا بسور السفينة الخشبي بيد واحدة وهو يحدق إلى البحر الداكن المتلاطم أدناه.
وقف بهدوء لوهلة، وملأ صوت الأمواج الصمت قبل أن يرفع بصره نحوي مرة أخرى.
“ما الخطة من هذه النقطة؟ لم تأتِ إلى هنا بدون خطة، أليس كذلك؟”
نظرت بعيدا .
في الحقيقة، لم يكن لدي الكثير من الخطط. كانت الفكرة ببساطة التوجه نحو أراضي فيلتروس، ومحاولة العثور على دليلة في الطريق.
من كلمات بانثيا، بدا أنها قد تكون في خطر.
وبالرغم من أنني لم اكن أعلم كيف يمكنني مساعدتها، وكنت أعلم أنني لست مستعدًا لمواجهة حاكم ، إلا أنني كنت لا أزال أرغب في رؤيتها.
لم يمض وقت طويل منذ آخر مرة رأيتها فيها، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لها.
لقد مرت ثلاث سنوات.
يمكن أن تتغير أشياء كثيرة في ثلاث سنوات.
ومع ذلك، هل ستكون الأمور بهذه البساطة حقًا؟
ما مدى سهولة العثور على دليلة؟
لم أعتقد حقًا أن الأمر سيكون سهلاً على الإطلاق. بل على العكس، ربما كان مستحيلًا.
بما أن الأمر كذلك..
“لنواصل التوغل في الأراضي ونرى. هدفي الرئيسي هو الذهاب إلى أراضي فيلتروس. أحتاج لإنقاذ أخي.”
“هم؟ لِينوس…؟ لماذا تحتاج لإنقاذ لِينوس؟”
"…."
نظرت إلى ليون بعجز.
أي لِينوس هذا؟
كنت واضحًا أنّي ك-
“أنا أمزح فقط. أعلم أنّك تتحدث عن مورتم.”
قدّم لي ليون ابتسامة خافتة ونصف مستسلمة قبل أن يعيد نظره إلى البحر. وقف هناك في صمت لفترة، وحملت الرياح صوته الهادئ عندما تكلم أخيرًا مرة أخرى.
“كيف… حاله؟”
“أخي؟”
“نعم. أي نوع من الأشخاص هو؟”
وجدت نفسي عاجزًا مرة أخرى. كان بإمكاني أن أرى أنّ السؤال صادق، وأنّه فضولي حقًا، لكن.
'كيف أخبره أنه يعرف أخي جيدًا؟ إنه رب الأسرة الذي كنا نخاف منه كلانا. وهو. وهو أيضًا من قام باختطافك منذ أن كنت صغيرًا.'
كنت حقًا أشعر برغبة في إلقاء نفسي من السفينة، لكنني تمكنت مع ذلك من الحفاظ على هدوئي.
“ظننتُ أنك التقيتَ به وتعلمتَ منه. يجب أن تكون على دراية بطريقة تصرّفه إلى حد ما.”
“لكن هذا مختلف.”
أجاب ليون وهو يميل قليلًا إلى الخلف.
“لم أتفاعل معه كثيرًا، وكل ما تعلمته كان في الغالب من الكأس. ما أود معرفته هو كيف يكون في الواقع. الجانب المختلف الذي لم تتح لي الفرصة لرؤيته.”
“أفهم.”
تشبثتُ بحافة السور، محوّل انتباهي نحو البحر أيضًا.
راقبت كتل الجليد المارة قبل أن أرفع كتفيّ باستهزاء. كيف يمكنني وصف نويل؟ كانت هناك الكثير من الكلمات تدور في ذهني، لكن كان عليّ اختيار القليل منها، سأقول: “أحمق ساذج.”
لقد كان أحمقًا ساذجًا.
على الرغم من أنه كان مختلفًا عن الماضي، إلا أنه كان دائمًا شديد الثقة.
ربما السبب في وقوعه في هذه الورطة هو أنه وثق بالأشخاص الخطأ مرات عديدة.
‘أعتقد أنني أنا أيضًا جزء من السبب.’
لم أكن قد أتيحت لي الفرصة لتعليم نويل بشكل صحيح في ذلك الوقت.
كنت مشغول جداً بالتعامل مع أمور أخرى.
لكن الأهم من ذلك—
“لديه قلب طيب."
من بين جميع “الحكام ”، كان نويل على الأرجح الأكثر لطفًا وطيبة. لقد تغير كثيرًا مقارنة بالماضي، لكنه لا يزال طيب القلب.
أو على الأقل، كنت آمل أن يكون كذلك.
‘ربما اختطاف طفل، وتعذيب صبي صغير، ومحاولة زرع أفكار معينة في ذهنه ليست من أفعال الطيبة، لكنه ربما قام بكل ذلك بأوامري. وهذا يمكن أن يُغتفر.’
لم أكن مثل نويل.
لم أكن طيباً .
كنت أناني ولا أهتم إلا بما يهمني.
هذا شيء كنت أعرفه دائمًا ولم أتردد فيه أبدًا. لم أكن شخصًا جيدًا، ولم أتظاهر أبدًا بأنني كذلك.
…نعم، لا أعتقد أن الأمور ستتغير في المستقبل.
كان هدف تورين “نبيلاً”، لكنني لم أهتم بأي شيء من ذلك.
كان هدفي مختلفًا، ولم أكن أهتم حقًا بالبشرية. لم أهتم إلا بنفسي وبالناس من حولي.
وبالطبع، بما أن مصير البشرية كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بسلامتهم، كنت أعلم أنني سأضطر في النهاية إلى مواجهة الكائنات الخارجية بنفسي، ولأجل ذلك، كان علي أن أكون مستعدًا.
كان علي أن أصبح أقوى.
“لقد وصلنا!”
هزّني صوت فجأة وأخرجني من أفكاري.
أدرت رأسي، فأبصرت ملامح مدينة شاسعة تتشكل أمام عينيّ. كانت الضبابية تلفُّ الأفق، فتحجب التفاصيل الدقيقة، لكن حجمها كان واضحًا رغم ذلك. سحبتُ يديّ عن الدرابزين وتقدّمت خطوة نحو مقدمة السفينة، منجذبًا إلى ذلك المشهد.
بدا الهواء يزداد برودة، وظهر أن العديد من الآخرين قد وصلوا أيضًا إلى المقدمة، إذ كانوا جميعهم يحدّقون في المدينة البعيدة.
“مرحبًا بكم في إيسيلرا.”
همست آن بصوت منخفض، مع وضوح ملامح المدينة أكثر، كاشفة عن مبانٍ شاهقة مصنوعة بالكامل من الجليد.
“…مدينة الجليد.”
نهاية المجلد [6].
——————
مؤلف:من المرجح أن يكون المجلد القادم هو قبل الأخير، لكنه سيكون أيضًا مجلدًا أكبر