مع كل إشعارٍ جديد يرتفع، كان الضغط الذي يغلف المكان يزداد ثِقلاً.

ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى وصل العداد مجدداً إلى 90.

غاص قلبي لرؤية ذلك.

لكن ذلك كان أقلّ مشاكلي أهمية، فحين ثبتت إيفلين نظراتها عليّ…

“أنت…”

تلونت عيناها بدرجة أغمق، وبدأ شعرها يرفرف مع هبوب الريح. وتوقفت سلسلة الإشعارات لوهلة، لكن بمجرد أن وقع نظرها عليّ، أدركت أن الوقت قد فات لفعل أي شيء… حتى لو استخدمتُ السحر العاطفي.

“لماذا…؟”

لم أجب، فقد شلّني الضغط المتفجّر من جسدها.

“لا، صحيح… كان يجب أن أعرف لماذا. كنتُ محقة.”

[+1]

[+1]

با… نبضة!

قفز قلبي من مكانه.

‘تباً… تباً’

كان “الماضي” يعيد نفسه. كنت أعلم أن عليّ أن أفعل شيئاً، لكن بينما أحدّق في إيفلين… لم أكن أعرف ماذا أفعل.

لم يكن سحري العاطفي يعمل، وكان من الواضح جداً أنها بدأت تتفوق عليّ. سارع ذهني للتفكير في حل، ولكن مع مرور الثواني، تومض المزيد من الإشعارات في رؤيتي.

[+1]

'فكّر! فكّر!'

بانغ!

ولزيادة الأمر سوءاً، بدأ فيلار يهاجم إيفلين أيضاً.

بدأ يكرر الكلمات نفسها كما فعل من قبل، بينما شحب وجه إيفلين. لكن رغم كل ذلك، بقي نظرها ثابتاً عليّ.

“أنت حقاً كنت تريد أن تأخذ الفضل مني. أردت أن تتأكد من أنني أبقى عديمة الجدوى بينما تسرق كل الأضواء. صحيح، قلتَ هذا… لماذا وجدتُ صعوبة في تصديق كلماتك؟ ما خطبي؟”

بدأت عيناها تزدادان قتامة.

وتزايد الضغط المنبعث من جسدها، وفي تلك اللحظة، شعرت وكأنني أقف مباشرة أمام دليلة

“أجبني!!”

صرخت إيفلين بأعلى صوتها، وارتجف المكان كله نتيجة لذلك.

وللحظة… كاد قلبي يتوقف.

لم يكن فيلار مختلفاً، إذ توقّف هو الآخر بعد أن شعر بالضغط المنبعث من إيفلين وأدرك أن شيئاً خطيراً كان يحدث. لكن رغم ذلك، حاول مهاجمتها مجدداً.

سووووش–!

تشكّلت دوائر سحرية في الهواء، وبدأ الهواء المحيط يبرد.

بدأ جسدي يرتجف.

لكن إيفلين لم تبدُ منزعجة إطلاقاً، إذ كانت تطيح بكل الهجمات بيدها.

“لا فائدة.”

تمتمت ببرود، وصوتها بدا وكأنه يتداخل مع صوت آخر.

وبينما تستدير نحو فيلار، ضاقت عيناها، وانطلقت عدة مجسّات داكنة من تحتها لتهاجمه.

تغيّر تعبير وجه فيلار بينما فاجأه الهجوم غير المتوقع.

بانغ!

'هذا سيء جداً.'

عضضت شفتي، محاولاً جاهداً أن أحافظ على تماسك ذهني.

لكن حتى ذلك… كان يصبح صعباً.

كان الضغط المتدفّق من جسد إيفلين خانقاً، وكلما تعرّضت له أكثر، ازداد عقلي خَدَرًا. بدأت الهمسات تتسلل إلى رأسي، ولم تمضِ لحظة حتى شعرت بشيء بارد يقبض على ذراعي.

“أخبرني.”

جاء صوت إيفلين المبحوح بعد لحظة، ونظراتها مركزة عليّ بشدة.

حاولت أن أحرّر نفسي، لكن دون جدوى.

“…أنا على حق، أليس كذلك؟ السبب في أنني أصبحت هكذا هو أنك منعتني من فعل أي شيء. أنت مصدر مشاكلي . أنت السبب في أنني أصبحت على ما أنا عليه.”

كان السواد قد استولى بالكامل على عينيها، وبدأت الظلمة تزحف حول المكان.

انقبض قلبي بشدة داخل صدري. فتحت فمي لأتحدث، لكن عندما رأيت ملامحها—النظرة البعيدة في عينيها، الارتجافة الخفيفة على شفتيها—تردّدت، وماتت الكلمات قبل أن تغادرني.

'لا فائدة.'

كانت إيفلين قد تجاوزت الحدّ بالفعل.

أي كلمة قد أقولها لن تجد طريقها إلى مسامعها.

وفي النهاية… لم أستطع فعل شيء

ما استطعتُ فعله هو الوقوف هناك، أُحدّق في الإشعارات وهي تتدفق، واحدة تلو الأخرى، تملأ رؤيتي حتى أصبحت كل ما أستطيع رؤيته. ازداد الظلام من حولي، وعندها أدركتُ أن الأوان قد فات لفعل أي شيء.

"لماذا؟"

دخل صوت إيفلين إلى ذهني مرة أخرى.

لعقت شفتي وحاولت التحدث، لكن إيفلين كانت تائهة للغاية.

"لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟ لــمــاذا؟"

لقد بدأ الظلام يستهلكها بالكامل، وعرفت أنه لم يعد هناك طريقة لأفعل أي شيء.

وعندما نظرت إليها، ذكّرتني بشي ما.

بشخص معيّن.

'جوليان…؟'

صحيح.

عند تفعيل المستوى الخامس من السحر العاطفي، أصبح جسدها بأكمله أسود.

كانت سوداء تماماً مثله.

لقد أحكم الظلام قبضته عليها بالكامل، وتوقف قلبي للحظة عند رؤيتها.

هذا.

لم يكن هذا مجرد صدفة، أليس كذلك؟

لم أفكّر حتى،

لقد تحرّكت فقط.

حركتُ يدي، ومددتُها نحو ذراعي اليمنى وضغطت على الورقة الثالثة.

وهذه المرة، لم أحتج إلى الانتظار طويلاً حتى تتفعّل الورقة.

ففي اللحظة التي ضغطتُ فيها عليها، تغيّر المشهد من حولي. اختفى البرد الذي كان ينهش جسدي تماماً، وبدلاً منه بدأت ناطحات السحاب ترتفع في كل اتجاه. صوت صفير حاد تردّد بعد لحظة، وازدادت كثافة الهواء.

“ما… أين…؟”

احتجتُ إلى لحظة لأستوعب الوضع بينما كنت أتلفّت حولي، وما إن طرفتُ بعيني حتى أفزعني صوت منبّهٍ عالٍ.

بييييب! بيـــيـــيـــب–!

"يا لك من أحمق! ابتعد عن الطريق!"

“آه…؟”

نظرتُ نحو مصدر الصوت، فرأيت رجلاً أصلع الرأس تقريباً يصرخ عليّ من خلف المقود. ظهرت خلفه عدة سيارات أخرى، جميعها تطلق أبواقها بلا توقف.

بييييييب!

“تحرك!!”

“…أسرع اللعنة عليك!!"

آه.

احتجتُ إلى لحظة حتى أستعيد وعيي قبل أن أسرع بعبور الشارع وسط سيلٍ من الشتائم من حولي.

أنا عدتُ إلى الماضي.

أو بالأحرى، عدتُ إلى عالمي القديم.

كنت متيقناً من ذلك.

من الشوارع المزدحمة إلى الهواء الملوث بالدخان—كل شيء كان كما أتذكره تماماً، بينما كنت أنظر حولي لأجد الكثير من الناس يحدقون نحوي. ولم أُلُمْهم، فأنا لم أكن مرتدياً ما يناسب هذا العصر. دون تفكير، فعّلتُ [عين الوجود] واستخدمتُ [ورثاء الأكاذيب] لتغيير ملابسي.

حدث كل ذلك في لحظة، وبمجرد أن انتهيت، عاد الجميع إلى طريقهم، متجاهلين وجودي تماماً بينما تابعت السير في الشوارع.

لماذا أُحضِرتُ إلى هنا عندما ضغطتُ على الورقة الثالثة؟ هل لهذا علاقة بإيفلين؟

لم أكن واثقاً من وضعي الحالي، وعندما نظرت حولي، بدا كل شيء مألوفاً… وغريباً في الوقت نفسه.

وعلى وجه الخصوص، عندما نظرت إلى ناطحات السحاب ولوحات الإعلانات، تجمّدت عند المشهد الذي استقبلني.

[أركان العالم السبعة](يمكن ترجمتها ايضاً 'أعمدة العالم السبعة')

سبعةُ أشخاصٍ كانوا يقفون على اللوحات الإعلانية.

لا حاجة للقول، كنت أعلم تماماً مَن يكونون وأنا أحدّق في نفسي على اللوحة الإعلانية. كنت واقفاً في المنتصف، بملامح جامدة وجدية، بينما الآخرون يبتسمون. حتى أنني رأيت نويل، وبجانبه كان هناك شخص يبدو أصغر منه سناً.

'تورين؟'

لم أكن متأكداً تماماً.

لكنني اعتقدت أنه هو بينما أتأمل المشهد أمامي.

أستطيع رؤية بانثيا أيضاً. لا تبدو مختلفة كثيراً عما هي عليه الآن باستثناء عينيها، لكن فضولي أكبر تجاه الآخرين.

كان هناك رجل ضخم ذو شعر أحمر ولحية يقف بجانب بانثيا. من المرجح أنه فيلتروس، بينما بدت كلورا امرأة ناضجة ذات شعر أسود وعيون متغيرة. وكان على وجهها ابتسامة خفيفة وهي تنظر إلى كل من يقف تحت اللوحة الإعلانية.

وأخيراً… كان هناك إيفانث.

كان يبدو رجلاً نحيفاً ذا شعر أسود طويل وعيون ضيقة. كانت بشرته شاحبة قليلاً، ومع ذلك كان هناك حِدّة معينة في ملامحه تجعله وسيماً بشكل لا يمكن إنكاره.

ضيّقتُ عيني وأنا أحدّق به.

كان أكثر حاكم غموضاً في نظري.

لم أكن أعرف الكثير عن كلورا أو فيلتروس، لكنني كنت أسمع بعض القصص المتفرقة عنهما. أما إيفانث… فكان الصمت يحيط به.

لقد أثار ذلك فضولي.

'ما حاكم الذي يمثّله…؟ هل من الممكن أن يكون هو الخائن؟'

ذكرياتي لم تكن قد عادت بعد، مما جعل معرفة الأمر صعبة، لكن لحسن الحظ، كنت على دراية جيدة بهذا العالم. كنت أعرفه كما أعرف كفّ يدي. ولهذا، وبعد لحظة الارتباك الأولى، توجهت إلى المكان الذي كنت أعيش فيه.

كان الهدف بسيطاً.

العثور على نفسي في الماضي وطرح بعض الأسئلة.

كنت واثقاً بأنه سيعرف بوجودي… وربما كان ينتظرني.

لكن بالطبع—

هل يمكن أن تسير الأمور بسلاسة؟

“عذراً، لا يعيش أحد هناك.”

وقفتُ أمام شقتي القديمة، والجارَة العجوز التي أعرفها تهزّ رأسها.

“المستأجرون السابقون غادروا منذ فترة طويلة. لا يزال المكان مُستأجراً، لكنني لم أرَهم منذ مدة. السبب أنهم مشهورون إلى حدٍّ ما، ولكن…” ضاقت عيناها، والشك يتسلل إلى نظرتها. “…ألا تعرف من هم؟ أم أنك تبحث عنهم تحديداً؟ لأنك إن كنت—”

“لا، أنا فقط أريد الاستئجار. هذا كل شيء.”

“هُمم.”

لم تبدُ السيدة العجوز مقتنعة بعذري، وكل ما استطعت فعله هو المغادرة وأنا أهز رأسي.

نعم، كان ينبغي أن أتوقع هذا.

بالنظر إلى مدى شهرتي آنذاك، كان من الطبيعي أن أنتقل من هنا.

لكن…

“إرر…”

نظرت حولي وأنا أرمش ببطء.

“…إلى أين من المفترض أن أذهب الآن بحق الجحيم؟"

2025/12/09 · 54 مشاهدة · 1266 كلمة
𝒜𝒜
نادي الروايات - 2025