“ما رأيك أنه أفضل طريقة لمنع شخص من الهرب؟”

كان سؤالًا مفاجئًا.

سؤالًا أربكني للحظة، لكن الجواب… كنت أعرفه تقريبًا في داخلي.

“…أن تجعله لا يملك سببًا للهروب.”

“نعم.”

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه وهو ينظر نحو الشق البعيد.

“ما الحاجة إلى سجن إذا اعتقد السجين أنه حر؟ امنحه الراحة، الروتين، وحتى شعورًا سطحيًا بالغاية، ولن يشكّ في أي شيء.ولن يبحث عن الحقيقة. ولماذا يفعل ذلك؟”

“…لأنه لا يعتقد أنه مسجون.”

“صحيح.”

ابتسم إيميت مرة أخرى، وعيناه الضبابيتان أصبحتا أوضح قليلًا.

“لقد تعلّموا من أخطائهم. إنهم يعرفون ما الذي يجب فعله في المستقبل، ولهذا من المهم ألّا تفشل في مهمتك.”

“أعلم…”

لم يكن عليه أن يذكرني.

كنت مدركًا جدًا للوضع بنفسي.

لكن هذا لم يغير حقيقة أنني كنت عاجزًا حاليًا.

لا، لست عاجزًا تمامًا.

لا تزال هناك عين أوراكل.

إذا استخدمت العين، فأنا متأكد من أنني أستطيع التكرار حتى أكتشف شيئًا ما، لكن هذا لن يؤدي إلا إلى تأخير الحتمية.

ليس هذا ما أريده. أحتاج إلى الحصول على إجابة قبل أن أُعاد إلى المستقبل!

للورقة الثالثة مدة زمنية.

لم يكن هناك سبب واضح لذلك، ولذلك كنت أعلم أنني لا أستطيع إضاعة المزيد من الوقت.

“…أعلم ما الذي تتحدث عنه.”

قلت ذلك وأنا أنظر إلى نفسي في الماضي. إيميت.

بصراحة، كان الأمر غريبًا وصحيحًا في الوقت نفسه أن أشير إليه بهذا الشكل.وكأنه كيان مختلف تمامًا.

هو… أنا … كان يبدو بعيدًا جدًا.

“لقد وصلتُ إلى مرحلة لم أعد قادرًا فيها على احتواء إحدى الكوارث. أنا متأكد أنك على علم بأنني استخدمتُ الورقة الثالثة للعودة إلى الماضي. لقد عدتُ أساسًا بحثًا عن إجابة، أو عن شيء… يساعدني على فهم كيفية التعامل مع الوضع، لكن بدلًا من ذلك وجدتُ نفسي هنا. ما زلت ضائعًا، ولا فكرة لديّ عن كيفية حل الأمر."

وضع إيفلين بدأ فقط بسبب اضطرابها العاطفي.

لكن رغم أنني استخدمتُ سحري العاطفي عليها، بدا الأمر بلا جدوى. أو على الأقل… لم يكن ذا تأثير حقيقي عليها.

لم يكن كافيًا لكبح الظلام الذي كان يتنامى داخل جسدها ويبتلع عقلها.

أو هكذا ظننت.

لكن—

“لديك الإجابة بالفعل.”

أشار إيميت إلى صدغه، وعيناه الضبابيتان مركّزتان عليّ.

“…قد تظن أنه غير كافٍ، لكنه كافٍ. سحرك العاطفي… هو مفتاح كل شيء.”

“لكنني حاولت.”

قطّبت حاجبي عندما سمعت رده.

“لم ينجح على الإطلاق. بالكاد أحدث فرقًا.”

“هذا لأن عقلها مغلق بالكامل في الوقت الحالي. لن تتمكن من الوصول إليها حتى لو أردت ذلك.”

“إذًا…؟”

“ستفهم قريبًا. لا يمكنني قول المزيد.”

“ماذا؟”

حدّقت بدهشة في نفسي القديمة.شعرتُ بموجة من الغليان ترتفع في صدري عندما رأيت الابتسامة الخفيفة على شفتيه، لكنني سرعان ما استسلمت عندما أدركت أنني لست مختلفًا عنه.

لا… أنا هو.

تنهدت.

هل كنتُ حقًا بهذا القدر من الإزعاج؟؟

“لم يبقَ الكثير من الوقت.”

قال إيميت وهو يوجّه نظره نحو الشق البعيد في السماء.

“عليّ إنهاء الأمور قبل أن تبدأ بالتعقيد.”

وضع يده على رقبته وبدأ بتدليكها. وبينما كان يفعل ذلك، التفت نحوي للمرة الأخيرة.

“تذكّر هذا.”

تحدث ببطء، حرصًا على أن أفهم كلماته جيدًا.

"في اللحظة التي يلاحظونك فيها، يكاد يكون من المستحيل الهروب من أعينهم وسيطرتهم. يمكنهم قراءة أفكارك. سماع كلماتك وحتى رؤية أفعالك. الطريقة الوحيدة لمنعهم من "اكتشافك" هي استخدام المصدر، أو..."

توقف إيميت، ورمش ببطء شديد.

“…بأن تتجسّد وتصبح شخصًا مختلفًا تمامًا.”

مرّت ومضة من الذكريات عبر ذهني.

'…أشعر وكأن أحدًا يراقبنا.'

'أنت لست مخطئًا. بإمكانهم قراءة أفكارنا. لكن ذلك يحدث فقط لمن حدّدوه كهدف'

تعلّم كيف 'تؤدي'.

'…اغمر نفسك في الدور'

'العالم الآن مسرحك. و'هم' جمهورك.

أصبح شخصًا لستَ عليه، وأخفِ أفكارك عنهم. هذا هو السبيل الوحيد للتسلل خارج مجال رؤيتهم. لكن بالطبع…'

'لا تفقد نفسك داخل ذلك الدور.'

وفجأة، بدأت عدة أشياء تتضح في ذهني.

“بأن تصبح شخصًا آخر، ستتمكن من الاختفاء عن رصدهم والتحرك بحرية تامة. لكن هذا يعني أيضًا أنك لن تتمكن من استخدام قواك بالكامل. الكثير من تحركاتك ستكون محدودة… لكن هذا هو الثمن الذي يدفعه المرء مقابل 'الحرية'.”

ابتعد إيميت عن حافة السطح، وأدار معصمه ليتفقد الوقت.

“همم. لم يبق الكثير. يمكنني الشعور بأنك ستُسحب من هنا قريبًا. وبما أن الأمر كذلك، دعني أمنحك هدية صغيرة.”

“هاه…؟”

رمشت بعيني.

ثم… ضربني الإدراك فجأة.

“لا، انتظرــ!"

قبل أن أتمكن من الرد، وضع يده على صدري ودفعني. وفي اللحظة التي فعل فيها ذلك، تشوَّه العالم من حولي—انحنى، وامتد، وكأن الزمن نفسه بدأ يتفكك.

بانغ!

وحين توقّف كل شيء، ارتطمتُ بشيء صلب.

“أغـه!”

اشتعل رأسي ألمًا، وكأن شاحنة صدمتني، وعندما بدأت أستعيد وعيي، وجدت نفسي في مكان مألوف.

هذا…؟

إنه قصر إيفينوس.

لم يكن هناك شك في ذلك. كل شيء في المكان كان ينضح بالرقي، من ممرات الحديقة المصقولة بدقة والمُحاطة بالأسوار المشذبة إلى القصر الشاهق الذي يقف في المنتصف. على الرغم من اختلافه بعض الشيء، إلا أنه لم يكن سوى قصر إيفينوس الذي أعرفه.

“انهض.”

تبعني صوت بعد لحظة.

رفعت رأسي، ورأيت إيميت واقفًا بجانبي، عيناه العاتمتان مائلتان إلى البياض بينما كان يحدّق بعيدًا.

تتبعتُ نظراته، وهناك وقعت عيناي على شخصين.

صبي صغير وفتاة صغيرة.

لم يكن إيميت بحاجة إلى قول أي شيء بينما قمتُ بتفعيل [رثاء الأكاذيب] ووقفتُ من مكاني، وتبعتُه من الخلف بينما كنا نتحرك نحو الطفلين البعيدين.

هيهيهي.”

ارتدّ صوت ضحكات ناعمة في الهواء.

“أمسكتك!”

ابتسم الطفلان بسعادة، يلعبان وحدهما في ساحة القصر، دون وجود أي بالغ قربهما.

وقفتُ بصمت، محوّلًا نظري نحو إيميت.

كان يحدّق في المشهد بلا أي تعبير.

لكن في النهاية، أشار إلى الصبي الصغير.

“لا تشتت انتباهك. انظر إليه جيدًا."

عابسًا، فعلتُ كما قال، لكن عندما نظرتُ إلى الصبي الصغير، لم يبدُ أي شيء في غير محله. بدا كأي طفل عادي، لا مبالٍ ومنغمس في عالمه الصغير.

ما الذي—

“أنت لا تنظر.”

“…؟”

وعندما التفتُّ نحوه، أشار إيميت إلى رأسه.

عندها فقط فهمت قصده، وضيّقت عينَيّ، مستدعياً المستوى الخامس من السحر العاطفي.

في اللحظة التي فعلتُ فيها ذلك، انفتحت عيناي على مصراعيهما.

هذا...!

"يبدو أنك تراه أخيرًا."

تردد صدى صوت إيميت الهادئ من جانبي بينما أخذتُ لحظة لأهدئ نفسي، مركزًا على المشاعر المظلمة التي كانت تتراكم ببطء داخل الصبي الصغير. لم تكن واضحة جدًا، لكنها كانت حاضرة دائمًا.

لكن لم يكن هذا هو الجزء الذي صدمني.

ما صدمني كان شيئًا آخر.

"كلما تعرض لها أكثر، زاد الظلام بداخله. لن يمر وقت طويل قبل أن يستهلكه الظلام."

لم أقل شيئًا. ماذا بوسعي أن أقول؟

لقد رأيتُ الظلام. بل وامتصصتُ ذلك الظلام ذاته.

وإن كان هذا صحيحًا، إذن…

“هي مصدر ظلامه.”

تسرّبت كلمات إيميت إلى أذني ببطء بينما كان ينظر بهدوء إلى الاثنين. لكن سرعان ما حوّل رأسه نحوي.

“لكن سبب اقترابها منه… هو أنا."

“طلبتُ من نويل أن يبقيها قريبة.”

“لا تخبرني أنك تشعر بالسوء تجاه ما يحدث، صحيح؟”

نظر إليّ إيميت بتركيز.

“ما تراه الآن هو أمر لا بدّ منه.”

“…لكن هناك طرقًا أخرى لإبقائها قريبة.”

خرجت الكلمات من فمي تلقائيًا.

“نعم، قد تكون هناك طرق أخرى.”

أجاب إيميت دون أن يتغير تعبيره.

“لكن هذا سيغيّر الضحية فحسب. لا توجد طريقة أخرى لتجنّب الأمر. الظلام شيء لا يمكن احتواؤه. إنه يفسد كل شيء، وكل من يتعرض له لمدة طويلة. حجمه الآن ليس كبيرًا، لكن لن يمر وقت طويل قبل أن تبدأ التغيّرات بالظهور. ولهذا السبب…”

رفع إيميت يده فجأة، فغمرها وهجٌ خافت بينما ازدادت عيناه قتامة، وامتدت طبقة رقيقة فوق جسدي الطفلين. وفي تلك اللحظة بالذات، تركز الظلام المتسرب من جسد إيفلين بالكامل نحو جوليان.

توقف الطفل الصغير لوهلة، وبدأت ملامحه تنحرف ببطء.

“…من الأفضل أن تبقى الفساد محصورًا داخل شخص واحد. هذا الجسد هو الأنسب للاحتواء. قد لا تكون مدركًا للأمر، لكن الموهبة التي يمتلكها هذا الجسد في الجوانب العاطفية هي من بين الأفضل على الإطلاق. وهذا أيضًا سبب اختياري له.”

استمرّت عينا إيميت في التحديق بالطفل الصغير، الذي بدأت ملامحه ترتجف مع بدء الظلام في السيطرة عليه.

“قد لا يتمكن أبدًا من إدراك الأمر بسبب الظلام داخله، لكنني متأكد أنك، من بين الجميع، تدرك الحقيقة. وحده شخص مثله قادر على احتواء الظلام داخل الجسد.”

توقّف صوت إيميت بينما خفّض يده.

توقف الطفل الصغير تمامًا في تلك اللحظة، وازدادت ملامحه قتامة بينما التفتت إيفلين لتنظر نحوه.

“جوليان…؟ ما الذي يحدث؟ لماذا توقفت؟”

بدت عليها القلق وهي تقترب منه.

لكن، وما إن كادت يدها الصغيرة تلامسه—

انقلب تعبير جوليان.

صفعة!

أبعد يدها بعنف، موجّهًا لها نظرة حادّة.

“ابتعدي عني!”

“هيييك!”

صرخت إيفلين بفزع.

في تلك اللحظة، تغيّر تعبير الفتاة بينما استمرّ جوليان في التحديق بها بغضب. وفي الوقت نفسه، رفع يده وكاد أن يصفعها مرة أخرى، لكنه توقّف.

حدق بها في صمت، ثم أدار وجهه بعد لحظة.

حدّقت إيفلين في ظهره وهو يبتعد، وبدأت عيناها تلمعان بالدموع.

وبعدها مباشرة—

بيتا! بيتا!

بدأت الدموع بالانهمار على وجهها.

وأثناء حدوث ذلك، كان إيميت يشاهد كل هذا ببرود.

وفي تلك اللحظة أدركت نوع الشخص الذي كنت عليه في الماضي.

انطبقت شفتاي بإحكام.

2025/12/10 · 92 مشاهدة · 1367 كلمة
𝒜𝒜
نادي الروايات - 2025