104 - العهد الذهني الروحي

104 – العهد الذهني الروحي

جلس باسل مرة أخرى بعد مغادرة الإمبراطور شيرو الذي كانت تعتلي وجهه نظرة عميقة، يجب عليه التقرير بسرعة الخيار الأفضل، إزالة نظام العبودية الموجود منذ العصور السحيقة ليس بأمر هين، فضلا عن منح حق التلقيب و العهد الذهني الروحي، هذا شيء لا سابقة له حقا

جلس باسل بعد مغادرته فحدق به الجميع، و من بينهم أنمار التي جلست بجانب الكبير أكاغي بهدوء من دون أن تفعل أي شيء. لاحظ باسل نظراتها فتنهد ثم جلس بينما يفكر بداخله "من الجيد أنها لم تفعل شيئا، لكن يبدو أن كل شيء سينفجر مرة واحدة عندما تجد الفرصة" صعدت القشعريرة مع باسل ثم تناسى الأمر للوقت الحالي

بعد لحظات من الصمت القاتل، حك الرئيس هوانغ يديه مع ابتسامة راغبة و قال "سعادة الجنرال الأعلى باسل، ألم يحن الوقت لنتحدث عما ستفعله بشأن طريقة صنع هذه الإكسيرات و الأدوات؟"

حدق به الجميع و تنهدوا على تصرفاته الخالية من الخجل، ألم يكن قبل قليل يقوم بمعارضة باسل؟ إنه ليس لديه أي شرف حقا، يتملق من يرى أنه مصدر الربح الأكبر

مع أن باسل لا تعجبه نوعيته، لكنه لم يمانع طالما لم يتجاوز الحدود، و إن كان التعامل معه بالمال سيجعله تحت الأقدام، فهذا شيء جيد، إن كان يحتاج للمال ليطيع، فليسرع و يطيع فقط، لأنه سيغرق في الأموال التي يحبها

عندما بدأ باسل يبيع الأدوات عبر عائلة كريمزون، كان له خمس أرباحها، و الذي أصبح ثروة ضخمة للغاية في مدة وجيزة فقط، لو علم الرئيس هوانغ مقدار ثروة باسل الحالية في عمره هذا لسعل الدماء

مع أن باسل قد أخذ خمس الأرباح، لم يؤثر هذا و لو قليلا على أرباح عائلة كريمزون، بل و أصبحت غنية لدرجة لا توصف، حتى أن باسل لم يكن مهتما في المال الذي تجنيه عائلة كريمزون أبدا، لكن الكبير أكاغي أصر على إعطائه نصيبا مما يجنونه. في البداية أراد منحه ما يشاء، فأخبره باسل بعدما استسلم من محاولة إقناعه بأن يمنحه عُشُر الأرباح، لكن الكبير أكاغي أراد منحه النصف، و بإصرار الكبير أكاغي و محاولة باسل إقناعه، أصبح باسل يحصل على عشرون بالمائة من الأرباح نتيجة لذلك

تميز سحرة المستويين الأول و الثاني بعدم الفقر و كانوا قادرين على عيش حياة رغيدة من دون الحاجة للقلق على بطنهم في هذا العالم الذي يحكمه طبقة النبلاء، كما كان سحرة المستوى الثالث و الرابع من الطبقة الغنية، و كان سحرة المستوى الخامس أكثر غناء لندرتهم، فقط بخدمتهم لعائلة ما يتلقون معاملة جيدة للغاية و يكونون تحت حماية هذه العائلة أكثر مما يتلقاه السحرة الأقل منهم مستوى، أما سحرة المستوى السادس، فكانوا هم الجنرالات، هؤلاء، كان لهم الحق في تلقيب أنفسهم و صنع عائلتهم النبيلة الخاصة، و بالطبع ثروتهم تزداد مع الوقت، فيكون لديهم عندها أراض و جنود من الجيش يخدمونهم

فمن أصبح جنرالا، غالبا لا تجده يريد أن يخدم عائلة أخرى بما أنه بإمكانه صنع واحدة خاصة به، و هكذا على مر العصور تغيرت المراتب، و أصحبت عائلات كانت تتميز بجنرال إلى أخرى تحمل لقب النبالة فقط، كما ولدت عائلات جديدة بجنرال و استطاعت بلوغ أعلى المراتب كعائلة كين الذي تسلق رئيسها تشارلي المراتب و كون عائلة قوية كالتي توجد الآن

و العائلات التي صمدت لأطول وقت كانت عائلة كريمزون إضافة لعائلة غرين و العائلتين التابعتين لها – عائلتي هويز و غين – اللتين لقيتا نهايتهما في انقلاب الاسترداد الأخير. كانت المنافسة شرسة جدا، و إن فقدت عائلة ذات مرتبة عالية جنرالها الخاص، تسقط من تلك المرتبة و تأخذها عائلة أخرى أنتجت جنرالا

و فوق مرتبة الجنرالات، لدينا الأمراء، بعد ذلك نجد المرتبة قبل الأخيرة و التي هي الجنرال الأعلى. لذا عندما استوعب الرئيس هوانغ حقيقة غدو باسل الجنرال الأعلى، و رأى أنه هو صاحب القرار هنا، تغيرت تصرفاته بسرعة و بدأ يلعق أحذية باسل

تكلم باسل "ماذا تقصد بهذا أيها الرئيس هوانغ؟"

استغرب الرئيس هوانغ من سؤال باسل، لا شك أن هذا الأخير قد فهم قصده، و يبدو أنه يحاول إثارته فقط. كان الرئيس هوانغ يعرف كيف يعامل من يرى أنه سيتحصل على مال منه، لذا قال باحترام "حسنا، يمكننا الكلام إن أردت حول طريقة الصنع، و عندها إن كان بإمكان قلبك الواسع إطلاعنا عن هذه الطريقة، فبعد فعلك لذلك سنكون شاكرين للغاية"

وضع باسل يده على ذقنه و بدى على وجهه القلق، ثم قال بعدما فكر لقليل من الوقت "أممم، هذا حقا قرار صعب لاتخاذه، أنا لا زلت لا أعرف معدنك بعد أيها الرئيس هوانغ، فكيف لي أن أمنح لك مثل هذه البطاقة؟"

بدى باسل حذرا للغاية في تحدثه عن الإكسيرات، و بدأ يعقد حاجبيه أكثر و أكثر بينما يفكر كثيرا. هذا الأمر جعل الرئيس هوانغ يخاف من أن لا يقبل باسل و بدأ العرق البارد ينزل على وجنته بينما يحك يديه و يقول "يمكنك إذابة معدني و إعادة تشكيله كما تريد، كل كلماتك ستتلقى السمع و الطاعة كرد لها، فبعد كل شيء، ألست أنت الجنرال الأعلى العظيم الذي سيتقدم بنا للأمام؟ من لم يتبعك فهو غبي فقط، قل الكلمة فقط و ستراها قد تحققت طالما تكون في وسعنا"

بدأ الرئيس هوانغ يمدح باسل كثيرا حقا، و الذين يعرفون شخصية باسل جيدا، كتموا ضحكاتهم بالسر و شاهدوا هذا الأمر الممتع، أن هناك رجلا معمرا يخال نفسه ذكيا أمام الفتى المتردد و لا يدري أنه الشخص المربوط بخيوط بتحكم الفتى

حك باسل ذقنه ثم قال مع نظرة متشككة "حقا؟ ألن تخونني؟"

تفاجأ الرئيس هوانغ و قال بعد أن ضحك محاولا تلطيف الجو "كيف لي أن أفعل هذا لسعادتك؟ لن ترى من جهتي سوى الولاء"

ابتسم باسل أخيرا في وجهه معطيا للرئيس هوانغ نظرة مفرحة و رفع من آماله كثيرا، فابتهجت نظرات الرئيس هوانغ الذي قال من دون أن يشعر "إذا..."

فقاطعه باسل مع إبقاءه لتلك الابتسامة "سأفعل إذا قمت بعهد ذهني روحي معي"

أصبح وجه الرئيس هوانغ متفاجئا و صنع نظرة غبية على وجهه، فتحت عينيه على مصراعيهما لعدم تصديقه ما سمعت أذناه، فتلكم باسل مكملا بنفس التعبير "قلت أنك ستفعل كل أي شيء أطلبه منك، العهد الذهني الروحي لن يكون بمثابة طلبي منك الموت من أجلي، أليس كذلك؟ أو ماذا؟ ألم تكن ستجعل من كلماتي حقيقة طالما أنها ممكنة بالنسبة لك؟"

تغيرت تعبيرات الرئيس هوانغ و أصبحت قاتمة بعدما كانت مشعة، في لحظة اكتشف أنه وقع في شرك الفتى، ظن أن هذا الأخير مجرد فتى في النهاية بغض النظر عما أنجزه، و انطلاقا من تصرفاته السابقة، تأكد له هذا الأمر و بدأ يسايره في الكلام فقط، حتى أنه قال أنه سينفذ جميع ما يقول له باسل، و من دون أن يدري وجد نفسه قد وقع بسبب طمعه و جهله بالذي يطمع فيه

حدق جميع الجنرالات بالرئيس هوانغ، هذا الأخير قد أعلن مصرحا أمامهم بتنفيذ طلبات باسل مهما كانت. هم علموا أنه كان يساير تساؤلات فتى صغير فقط، لكن الكلمات التي تخرج لا يمكن إعادتها، و خصوصا إن كانت تأتي من فم جنرال و رئيس لعائلة، رفضه لكلامه الخاص سيجعل من كلامه ذو وزن خفيف، و لن يثق به أي أحد آخر، فكيف لهم أن يفعلوا هذا بشخص لم يستطع الحفاظ على وعود خرجت من فمه قبل قليل فقط؟

وجد الرئيس هوانغ نفسه محاصرا، كل النظرات من كل الجهات تحيط به، و هذه النظرات كانت كلها لأشخاص يساوونه مرتبة، لذا تصرفه القادم سيقرر مصيره في العالم الجديد من الآن فصاعدا

"أنا أنتظر جوابك أيها الرئيس هوانغ" تكلم باسل مرة أخرى مع حفاظه على نفس التعبير الذي جعل الموقف أسوء بالنسبة للرئيس هوانغ، ففي لحظة، الابتسامة التي كانت تبدو مشرقة و بلهاء أمام مخططاته، قد أصبحت تبدو كما لو أنها ابتسامة الحكيم الماكر

عض الرئيس هوانغ شفتيه و قال تلك الكلمات التي خرجت متقطعة كما لو أن كل حرف منها يقطع معه جزءا من روحه قبل أن يخرج "سأستمع لطلبات الجنرال الأعلى، لكن أيمكنك إخباري عن ماذا سيكون فحوى العهد الذهني الروحي؟"

أزاح أخيرا باسل تلك الابتسامة من على وجهه ثم قال بعد أن ربت على كتف الرئيس هوانغ الذي صعدت معه قشعريرة بسبب ذلك "لا تقلق، إنه ليس بالشيء الكبير، كل ما ستفعله هو العهد بعدم إعطاء هذه الطريقة لأشخاص آخرين غير الموثوق بهم من عائلتك و الذين ستجعلهم يطبقون نفس العهد الذهني و الروحي بألا يفشوا عما علموه فقط"

حدق الرئيس هوانغ في باسل بتعجب كبير، و بعدما كان في ظلام عميق بأفكاره، أصبح فجأة في نور منبثق بسبب ما سمعه. أهذا هو العهد الذهني الروحي؟ لقد تخيل أنه سيطلب منه شيئا فظيعا، كأَنْ يجعله يتبعه طوال حياته أو شيء مثل هذا، لكنه كان مخطئا و ليس هذا فقط، بل حتى أنه لم يعتقد أن العهد الذهني الروحي سيكون في مثل هذه البساطة و السهولة

لذا، ابتهجت نظرات الرئيس هوانغ و قفز قلبه من الفرح ثم قال "سمعا و طاعة"

تفاجأ الجميع حقا بما حدث، في وقت قصير، في محادثة واحدة، كان باسل قادر على ترويض وحش الطمع و الجشع ذاك، مثل هذا الأمر جعل القشعريرة تصعد مع أجسادهم، و مرة أخرى زاد حذرهم أكثر من باسل كما فعل احترامهم له

جلس باسل على الأرض متقاطع القدمين كما فعل الرئيس هوانغ ثم فعّلا طاقتهما السحرية و بدآ يقومان بالتناسق الذهني الروحي. بعد اتصال ذهنهما نُقِل العهد من الرئيس هوانغ لباسل الذي استقبله و قبله ثم قاما بإنشاء الختم بعد ذلك عن طريق روح باسل و الذي طبق على روح الرئيس هوانغ

تمت العملية بسلاسة و هدوء، و الآن، إن نقض الرئيس هوانغ هذا العهد ، سيتلقى حكما قاسيا من الختم الروحي الذي وضع عليه من طرف باسل يودي بحياته، كان البقية يشاهدون هذا الأمر بنظرة متعجبة، من كان يعتقد في يوم من الأيام أن الرئيس هوانغ سيكون مستعدا ليقوم بعهد روحي يمنعه من كسب ربح أكبر؟

وقف باسل ثم تحدث "حسنا، أيها الرئيس لان، ما رأيك أن تقوم بالأمر أيضا، إنه ليس بذلك الصعوبة كما رأيت"

وقف الرئيس لان و حدق في الرئيس هوانغ بغرابة، حتى الآن لا زال عقله لم يصدق ما رأته عينيه. الرئيس لان كان الشخص الذي قبل اقتراح الجنرال رعد بالانضمام. كان الرئيس لان، أو عائلة آو عائلة محايدة تماما، لم تتدخل في الحروب أبدا. لكن بعدما شاهد الرئيس لان الجنرال رعد المعروف بكرهه للصراعات الداخلية بين العائلات و الذي كان سببا في عدم أخذه للقب النبيل و عدم بدءه في إنشاء عائلته قد انضم لتلك المؤامرة، لم يكن بوسعه سوى المشي في الطريق الممهد

و الآن، بعد اقتراح باسل، و بعد ما حدث مع الرئيس هوانغ، قرر الرئيس لان أيضا القيام بالعهد الذهني الروحي

مر الأمر بسلاسة أيضا، فوقفت الرئيسة فايوليت و أرادت التكلم لكن باسل قد سبقها "حسنا، هل انتهى الاجتماع؟"

تفاجأت كثيرا و كذلك فعل الرئيسان لان و هوانغ، ما الذي يحدث؟ ماذا عن الآخرين؟

تكلمت الرئيسة فايوليت "هل انتهيت؟ أهذا يعني أنك لن تعطي الإكسيرات للباقي بما أنك لم تقم بالعهد الذهني الروحي معهم؟"

أجاب باسل بهدوء "لا، بل سأعطيهم"

استغربت الرئيسة فايوليت كثيرا، كما فعل الرئيسان لان و هوانغ اللذين سألا عن السبب. فأجاب باسل "لأنني أثق بهم"

سكت الرئيسان عن الكلام و فهما، فبعد كل شيء، معنى العهد الذهني الروحي هو عدم الثقة في الطرف الآخر، لكنه لن يحتاج لفعل ذلك إن كان يثق به

تكلم الكبير أكاغي "أيمكنك إخباري عن وجهتك؟ فاليوم سيكون اليوم الأول لظهور الإكسيرات في العالم و أفضل وجودك هنا"

رفع باسل ذراعه و أشار بيده نحو اتجاه الكبير أكاغي ثم قال "نحو الجنوب، سأزور وكر قبائل الوحش النائم"

"ماذا ! ؟"

صاح الجميع غير أنمار بصوت مرتفع غير مصدقين لما سمعوه

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/11/23 · 1,131 مشاهدة · 1800 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024