109 – فن قتالي

تكلم باسل موجها كلامه لثلاث أشخاص صعدوا للمنصة. بعدما شرع قادة التشكيل في تصفية المتقدمين الذين لا يتحركون، أصبح طريق أولئك الثلاثة نحو باسل خاليا تماما، فكيف لهم أن يفوتوا مثل هذه الفرصة بعدما ظهرت؟

بعدما تكلم باسل مخاطبا إياهم، تكلم كيكان "لقد سمعت بليلة التطهير التي قمت بها، لذا أتيت لأرى ما معدنك، أتمنى ألا تخيب أملي"

كما قال كوبيكيري "إنهم يسمونك قاتل الدم القرمزي، أتمنى أن تكون أهلا للقبك"

أما سولو، فقد حافظ على هدوئه من دون التكلم، و بدل ذلك بدأ يشحذ طاقته السحرية، و فعل الاثنين الآخران نفس الشيء تباعا له

قال باسل بعدما وجه يده نحوهم "لديكم أسباب مختلفة، لكنها تشترك في هدف واحد، اهتمامكم بي"

أخذ باسل وضعية قتال غريبة، وقف بشكل مستقيم من دون أن يحدث أي اعوجاج بجسده و رفع يديه، اليد اليمنى أعلى بقليل من اليسرى، لكنهما اتخذا نفس الشكل. حرّك أصابع يده الأربعة مشيرا بذلك للثلاثة ليأتوا مع قوله "أنا مستعد كليا لكم، فلتقوموا بأفضل ما لديكم، هكذا ستكونون قادرين على الخروج بأقل قدر ممكن من العظام المكسورة"

عبس الثلاثة فتحرك كيكان أولا بسرعة خاطفة و وصل سريعا أمام باسل ثم لوح بسيفه الذي جلب معه عدة سيوف مائية حادة يمكنها تقطيع الحديد بكل سهولة. عندما كان السيف متوجها، كان يحيط به عدة نسخ مائية من الأعلى و الأسفل، كما كان السيف السحري نفسه محاطا بعنصر الماء الذي تشكل كماء فعلي و دار بشكل مخيف حتى أن سرعة دورانه كانت تسمع من بعيد، كان الماء المحيط بالسيف ذو حجم رقيق للغاية و بدورانه اجتمعت الرياح حول السيف

أصبح مدى السيف المحاط بعدة نسخ مائية منه يستطيع قتل عدة وحوش سحرية في تلويح واحد و المرور عبر الحوائط كأنها قطعة من الورق

في مواجهة الهجوم الآتي من جانبه الأيمن، تحرك باسل بسرعة خاطفة للأمام قليلا عن طريق تنفيذه لخطوات خفيفة محاولا صنع مسافة أطول بينه و بين السيف السحري ثم ركل جنب كيكان الأيمن بشكل خلفي جاعلا إياه يفقد التوازن

كان يبدو الأمر من الوهلة الأولى شيئا بسيطا، لكن عند تحليله، ستجد أن ساحرا من المستوى السابع و لن يكون بمقدرته التحرك بمثل هذه السرعة و تجنب هاته الهجمة القريبة منه هكذا، و لم يقتصر الأمر على التجنب فقط، بل مواصلة التحرك بهجوم مضاد جعل هجمة العدو عديمة النفع

مع ضرب جنب كيكان، انتقلت صدمة الضربة عبر جسده بالكامل جاعلة إياه يتراجع لبضعة أمتار

تكلم باسل بعدما أعاد وقوفه على نفس الوضعية التي اتخذها بالأول "الخطوة الأولى : قيادة الرياح"

شهق و زفر باسل بشكل متواصل. حدق فيه كيكان و الآخران بشكل مستعجب، ما الذي فعله قبل قليل؟ لقد كانت خطواته غريبة للغاية، لم يفهموا ما حدث بالضبط ! لقد بدا كما لو أن رجليه قد انزلقتا مع الرياح، كما لو أن رجليه لم تتعرضا لأي مقاومة من الرياح التي تنتجها سرعة تحركه

لكن بما أنهما لم يفهما لم يفكرا في الأمر أكثر. قام سولو الذي كان أول من شحذ طاقته السحرية برفع سيفه للأعلى ثم نزل به من دون أن يخرج حرفا واحدا

*وووش*

مع نزول السيف السحري، نزلت سحابة تحمل خاصيتين، الصوت و البرق، قام الصوت بفرقعات مدوية بالهواء، معطية المجال للعقل ليتخيل ماذا سيحدث لو أصيب أي شخص بسحابة مثل هذه ! سوف يتعرض جسمه لصدمات صوتية تجعل أعضاءه من الداخل تنفجر. لكن هذه السحابة جلبت معها برقا أيضا، مما زاد من الأمر خطورة، قد لا يكون البرق الذي تكونه هذه السحابة بقوة الخاص بساحر البرق، لكنه مع ذلك كاف لشوي أي شخص لم يدافع عن نفسه بشكل جيد

في مواجهة السحابة الطويلة و التي توجهت من الأعلى للأسفل بسرعة كبيرة - بنفس سرعة سولو في إنزال سيفه – لم يفعل باسل أي شيء حتى شارفت السحابة على ضربه، في لحظة، اختفى باسل من أمام ناظر سولو ليجده بعد ذلك خلف ظهره

"الخطوة الثانية : ركوب الرياح" تمتم باسل ثم ركل سولو بركلة خلفية مرة أخرى في وسط ظهر سولو جاعلا إياه يبتعد لعدة أمتار كما حدث لكيكان

دهش الثلاثة مرة أخرى، كيف يفعل هذا بالضبط؟ إنها ليست فقط السرعة، بواسطة هذه الأخيرة فقط لن يكون كافيا لمراوغة هجوم عن بعد مليمترات فقط، سيكون هذا مستحيلا، لكن مع ذلك قام باسل بمراوغة هجوم سولو في آخر لحظة قبل الاصطدام و ليس هذا فقط، بل حتى أنه قطع كل تلك الأمتار من دون أن يلاحظ بشكل جيد

التقت السحابة بالأرض فانفجرت بصوت مدو تاركة آثار حرق، لو لم تكن المنصة مدعومة بسحر من المستوى السابع لظهرت حفرة عميقة في وسطها. قوة الصوت و حرارة البرق، هذان الاثنان معا كافيان ليحدثا حفرة عميقة في وسط الأرض إن تم تنفيذهما عن طريق هجمة بهذه القوة، ناهيك عن سرعة السحابة التي حملت هاتين القوتين، مما يجعل مثل هذا الهجوم صعب تجنبه و مستحيل الخروج بجسد سالم بعد تلقيه لو لم يكن هناك وسيلة دفاع جيدة

لكن باسل راوغ هذا الهجوم بكل بساطة، و هذا الأمر جعل الثلاثة يصدمون تماما، فهو لم يستخدم أي سحر، لكنه مع ذلك كان قادرا على التحرك بمثل هذه الخفة حتى أنهم لم يستطيعوا تتبعه بعيونهم، بدت هذه المرة قدماه كما لو أنها استطاعت ضرب الهواء و القفز لمسافات بعيدة بخطوة واحدة

لكنها في الحقيقة لم تضرب الهواء، و إنما جعل باسل الرياح التي تنتجها سرعة تحركه تساعده بدلا من أن تحد من حركته، كما لو أنه يركبها. عند تحرك أي شخص يصطدم برياح نتيجة لذلك، و هذه الرياح تزداد شدتها كلما زادت سرعة التحرك، لكن بدا كما لو أن باسل باستطاعته ركوب هذه الرياح و جعلها تزيد من سرعته بدل إنقاصها، لذا بدا كما لو أنه يركل الهواء

تباعا لهجوم سولو، أمرَ كوبيكيري الذئب الفضي الذي توجه نحو باسل مع تفعيله لسحر البرق و بدأ يطلق شرارات برقية نحو عدوه بالفعل قبل أن يستهدف باسل بقرنيه

مرة أخرى، اختفى باسل و ظهر خلف الذئب الفضي ثم لوح برجله راكلا إياه بشكل خلفي. ضُرِب الذئب الفضي بجنبه الأيسر فحلق لأمتار هو الآخر بينما يصرخ من الألم

لكن بمجرد ما أن ركل باسل الذئب الفضي حتى وجد سيفا سحريا يتكهرب قليلا يستهدف رقبته. في هذه اللحظة، اعتقد كوبيكيري أنه قد أنهى أمر باسل تماما و لا شك في هذا، فهو بدأ يرى التقاء سيفه السحري برقبة باسل

و في لحظة

*ووش*

*بام*

"الخطوة الثالثة : مواكبة الرياح" تكلم باسل بهذا بعدما ضرب ظهر كوبيكيري بركلة خلفية و جعله ينضم للذئب الفضي

هذه المرة، صعق الثلاثة كليا، هذا مستحيل تماما، لقد شاهدوا السيف يبدأ بلمس رقبته بلا شك، لم يعد هناك أي مجال للمراوغة بتلك اللحظة، و مع ذلك، كان باسل قادرا على الانسلال و ركل العدو مرة أخرى

لم يسع الثلاثة سوى التحديق به بغرابة كبيرة و لم يعد بإمكانهم معرفة ماذا يفعلون بعد الآن، فمحاولاتهم كلها كانت من دون فائدة. و الأكثر إدهاشا في الأمر هو قدرة باسل على مراوغة هجماتهم مع ردها في نفس الوقت بدون استخدام و لو قدر قليل من الطاقة السحرية

في الحركة الأخيرة، كان باسل قادرا على كسر جميع مفاهيمهم التي اكتسبوها من خبراتهم القتالية، ففي المرة الأخيرة، لم يستطيعوا رؤية أي شيء أبدا، لا الظاهر و لا الخفي

ابتسم باسل ثم قال بداخله "أتفهم صدماتهم تلك، فعند إتقاني لهذا الفن كليا البارحة، لم يعد بإمكاني منع نفسي من الشعور بنشوة لا توصف"

كان باسل قادرا على التحرك بهذا الشكل بسبب تنفيذه لفن قتالي كان يتعلمه طوال سنتين تقريبا باستمرار، لكنه لعدم وصول جسده للمستوى المطلوب، لم يكن باستطاعته إتقانه مهما حاول. لكن بعد الحرب، و بدءه التدرب من جديد، وجد نفسه قد تطور كثيرا عما سبق، و جسده وصل للمستوى المطلوب

أخبره معلمه فيما سبق أن يتدرب باستمرار و من دون توقف على هذا الفن القتالي الذي علمه إياه حتى لو لم يكن باستطاعته إتقانه حاليا، فعلى الأغلب سيكون بإمكانه فعل ذلك بعدما يصل لقمة المستوى السابع

لكن بسبب التطورات الغير متوقعة التي حدثت لباسل، كان جسده قادرا على الوصول للمستوى المطلوب بشكل أسرع و أتقن الفن القتالي كليا، و البارحة فقط كان قد أكمله تماما، لذا هذه أول مرة يستخدمه في معركة حقيقية

سبب عدم فهم الثلاثة لما يحدث بسيط، هذا الفن القتالي غير موجود بهذا العالم أبدا، فباسل الذي تدرب على الفنون القتالية منذ صغره، تفاجأ بالفرق الشاسع بين الفنون القتالية التي هنا و هذا الفن القتالي الذي علمه معلمه له

كانت ذاكرة باسل جيدة للغاية، حتى أنه يتذكر أبسط التفاصيل و يراها بذاكرته كما لو أنها صورة أمام عينيه، و هذا الأمر ساعده كثيرا في حل الألغاز و الأحجيات، إضافة للفنون القتالية التي كان يستطيع تنفيذها بمجرد المحاولة لمرات قليلة فقط لحمله صورة الحركة في ذاكرته بكل وضوح

و مع ذلك، كان إتقان هذا الفن أمر صعب للغاية، فقد مرت تقريبا سنتين على أول مرة بدأ يتعلمه فيها، و النتائج التي تحصل عليها باسل من ذلك أخيرا جعلته يتجاوز مزاجه المعكر بسبب ما حدث في الأيام الأخيرة و يرجع له مزاجه الجيد مرة أخرى

سمع باسل من معلمه أن هذا الفن القتالي مجرد فرع صغير جدا من جزء بسيط من واحد من الفنون السامية الأربعة عشر. مما جعل باسل يتساءل عن مدى قوة الفنون السامية الأربعة عشر إن كان مجرد فرع صغير جدا منها يحمل معه كل هذه الإمكانيات

و بالطبع، الفنون السامية الأربعة عشر شيء لن يستطيع فهمه و لا استيعابه حاليا، فما بالك بتعلمه و إتقانه؟ من بين السحرة الروحيين، من يستطيع استخدام جزء بسيط من الفنون السامية الأربعة عشر يكون بمقدوره ذبح سحرة روحيين أرفع منه في المستوى حتى. فقط بإدراكه لجزء بسيط يهابه الجميع و يصبح في مكانة خبير فنون سامي

الآن، أتقن باسل مجرد فرع صغير جدا من جزء بسيط من فن سامي، و مع ذلك، هذا الفرع الصغير جدا باستطاعته أن يكون ذو فائدة عظيمة في مواجهة سحرة، فكما حدث ضد الثلاثة، كان باسل قادرا على مراوغة هجماتهم ببساطة مع ردها بشكل غريب، لا يعرفون متى و كيف راوغ أو من أين رد الهجوم

ابتسم باسل و أحس بشعور مرضٍ للغاية، لقد أثمرت جهوده أخيرا، كم كان من المرهق الاستمرار لأكثر من سنة و نصف في التدرب على فن قتالي لا يمكنه رؤية صورة مستقبلية لإتقانه إياه

اتخذ وضعية القتال مرة أخرى و تكلم مخاطبا الثلاثة "هذه المرة لن أدافع فقط و أرد الهجوم"

عبس الثلاثة و أغلقوا جميع ثغراتهم الدفاعية و رفعوا من حذرهم لأقصاه مع قيامهم بالمثل لحواسهم

مع حفاظه على ابتسامته على وجهه، قال باسل بداخله "الفنون السامية ! لقد أثارت اهتمامي الآن، فقط هذا الفرع الصغير جدا بهذا المستوى ! يا له أمر مثير للاهتمام، يا له أمر يجعل فضولي يغلي"

كان هذا الفرع الصغير جدا عبارة عن فن قتالي أصله من فن سامي، و بناء على كلام معلمه، علم باسل أن اسم هذا الفن القتالي كان 'خطوات الرياح الخفيفة'

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/12/03 · 1,069 مشاهدة · 1695 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024