117 - لطالما كانت النساء جزءًا من انهدام و ارتقاء الممالك و الإمبراطوريات

117 – لطالما كانت النساء جزءًا من انهدام و ارتقاء الممالك و الإمبراطوريات

استغرب القاضي الأكبر من كلام الجندي، لم تريد هذه الأميرة ملاقاته؟ لم يستطيع ربط مجيئها بشيء آخر. و فجأة، اتسعت عيناه و طرأت فكرة بعقله

"هل يمكن أن كريمزون أكاغي قد اكتشف أنني أرسلت بعض الأشخاص من أجل قتل ذلك الغر؟ لا، لا يمكن، يجب أن يكون هناك خطأ ما، لا يمكن اكتشاف مخططي بهذه السهولة. فأولئك الأشخاص كنت أخبئهم عن الضوء و لا يعرف أحد أنهم ينتمون إلى هنا"

"سيدي ! ماذا نفعل؟" سأله الجندي باحترام

وضع القاضي الأكبر يده على ذقنه ثم قال بداخله "يجب أن تكون قد أتت لتحييني أو شيئا مشابه لذلك فقط" ثم أكمل كلامه موجها إياه للجندي "فلتدخلوها، يجب أن نرحب بأميرة إمبراطوريتنا"

فتحت بوابة القاعة الرئيسية فدخلت أميرة شقراء بعينين زرقاوين. بضرب الرياح لشعرها، بدت كما لو أنها حوراء* تركت الجبال و الغابات، البحيرات و الجداول، و أتت لترفرف بشعرها الجميل الذي يسلب القلوب. فتحت عينيها المغلقتين، فإذا بسماء زرقاء تتشكل بكل واحدة منهما مع وجود بحيرة في وسطهما. كما لو أنك عندما تحدق بالسماء تجذبك و تجعلك عبدا لجمالها، و عندما ترى البحيرة، ترى انعاكسك فتشتم نفسك و تعرف قيمتك أمام السماء التي تحملها

(م.م : حوراء هي أنثى صغيرة تظهر في الطبيعة حسب ما تذكر الميثولوجيا الإغريقية و الميثولوجيا الرومانية وهي نوع من الإلَهَات وتوصف بأنها من روح الحيوانات وتتسم بالجمال والإثارة والعفة وأنها تحب الرقص والغناء، تظهر في الأماكن الطبيعية الجميلة من الجبال والغابات والبحيرات والجداول وكذلك هي لا تموت أبداً ولا تكبر ولا تمرض، بإستطاعتها إنجاب أولاد خالدين يصلون لدرجة الألوهية )

بدخولها للغرفة، تغيرت الأجواء فبدت كقمر أتى منيرا المكان. و بتكلمها، راقت القلوب لصوتها العذب فسرى و انجرّ أصحابها معه كما لو أنه نهر غلاب

"مرحبا أيها القاضي الأكبر. أنا كريمزون أنمار، الأميرة الثانية لإمبراطورية الشعلة القرمزية. تشرفت بمعرفتك"

بعدما سها القاضي الأكبر لوقت محدد في جمالها، استيقظ أخيرا من أحلام اليقظة و أجاب "آه، آه، مرحبا بك، لقد نورت ليلتنا المقمرة أكثر من البدر ذاته، هنا هنا"

قاد القاضي الأكبر أنمار نحو الطاولة ثم جلسا معا و أكمل كلامه باحترام تجاهها "لقد شرفتنا بحضورك إلى هنا. لقد تفاجأت حقا بخبر وجود أميرة لإمبراطوريتنا غير الأميرة الأولى كريمزون سكارليت، لكن ما صدمني أكثر هو جمالك الذي يمكن أن يكون سبب صراع الممالك و الإمبراطوريات"

نظرت له أنمار بعينين نصف مغمضتين فشعر بشيء ما غريب و بدأت الشكوك تتخله، لكنها تبددت بعدما تكلمت أنمار "إنك تعرف كيف تمدح الناس أيها القاضي الأكبر، و يبدو أنك تختص في ثناء النساء خصيصا، كما هو متوقع من متزوج بأربع"

"هاهاها" ضحك القاضي الأكبر ثم أكمل "على مر العصور و الأزمان، لطالما كانت النساء جزءا من تشكيل الممالك و الإمبراطوريات، و دوما كنّ سببا في دمارها. و المرأة الغانية التي تحمل الجمال الملكي، استلطفها الملوك و الأباطرة، فتنافسوا و تصارعوا عليها"

أتت خادمة ثم قدمت الشاي لأنمار و القاضي الأكبر قبل أن تنصرف

حملت أنمار الكوب و أخذت رشفة قبل أن تحرك شفتيها الورديتين لتخرج تلك الكلمات التي صعقت القاضي الأكبر "إنك تملك فما يخرج كلمات وردية حقا، تمنيت لو كان لباسل واحدا مثله" ثم بعدما انتهت بدا عليها كما لو أنها تذكرت أمرا ما ثم أكملت كلامها "آه، لو كان يملكه لَلَاحق النساء و لحِقنه. كما توقعت، باسل أفضل كما هو عليه"

اتسعت عينا القاضي الأكبر و أغلق فمه صامتا لمدة طويلة كما لو أنه بلع لسانه قبل أن يخرج صوتا غريبا "كيْ..."

حدقت فيه أنمار ثم استغربت "كيْ؟"

أكمل القاضي الأكبر كلامه بعدما بلع ريقه "كيف حال الجنرال الأعلى باسل؟"

لم يعتقد أبدا أن هذه الأميرة التي ظهرت لها علاقة بذلك الغر، حتى أنه كاد يسأل عن سبب معرفتها له و لمَ تسأل عنه، لكنه تدارك أمره و استجمع نفسه و غير السؤال. كان جزء لحاق باسل للنساء و لحاقهن به من كلامها موجها له في الحقيقة، لكنه تصرف كما لو أنه لم يسمع ذلك، فبعد كل شيء، لقد جذبه موضوع أهم

تكلمت أنمار مغلقة العينين بعدما شربت من الشاي "ماذا؟ هل أنت قلق عليه؟ لم أعلم أن بينكما مثل هذه العلاقة القريبة ! لقد أخبرني أنه أتى إلى هنا، لكنه لم يقل و لا كلمة عن مصادقته لك. فبعد كل شيء، ذلك الفتى ليس لديه أصدقاء آخرين"

فتحت أنمار عينيها فتدلت رموشها الطويلة ثم أكملت بينما تحدق في الشاي "هل يمكن أنك قد نجحت في مصادقته؟ سأشيد بك لو فعلت حقا، فليس بإمكاني تخيل ذلك الذئب الوحيد يشكل صداقة ! "

حدق القاضي الأكبر بأنمار مطولا قبل أن يسأل "يبدو أن علاقتك بالجنرال الأعلى باسل قريبة لتتكلمي عنه هكذا"

أجابت أنمار بكل هدوء "بالطبع، فهو زوجي المستقبلي"

تزحزح قلب القاضي الأكبر، لقد بدأ يشك في سبب مجيء أنمار إلى هنا. لكنه علم أنه لا يجب عليه التكلم عن باسل بشكل واضح، يجب عليه الحفاظ على هدوءه. سأل بعدما صنع ابتسامة هادئة "زوجك المستقبلي؟ يبدو أن علاقتك بالجنرال الأعلى أكبر مما توقعت أيتها الأميرة. لكن، ألا تتكلمين عنه بقساوة مقارنة بما صرحت به عن علاقتكما؟"

ابتسمت أنمار و قالت "لن تكون قساوة إن كان الشخص المعني يحب أن ينادى بذلك، فباسل يقرّ أنه لا يحتاج لأي أصدقاء، و يحب الوحدة أكثر من الرفقة. وصفه بالذئب الوحيد ليس شيئا أقذفه به، بل هو مدح بالنسبة له"

استغرب القاضي الأكبر من جواب أنمار. تكلمت هذه الأخيرة مرة أخرى لكن بصوت منخفض بدى كالهمس "لكن ماذا سيفعل بعدما نتزوج؟ هل سيبقى محافظا على تفضيله للوحدة علي يا ترى؟"

ضاقت عيني القاضي الأكبر، هناك سؤال لا يستطيع إزاحته عن عقله مهما حاول إنه يريد تجنب التحدث عن باسل، لكنه لا يستطيع تجاهل التحدث عن هذا الموضوع لذا تكلم أخيرا "أ هذا يعني أنه سيكون الإمبراطور التالي بعدما يتزوجك إن تسلمتِ العرش من جلالته؟"

انتشرت الأخبار عن إرادة الإمبراطور أكاغي في تسليم العرش لأنمار إن أرادت ذلك كالنار في الهشيم، فابنته سكارليت لم تحبذ تمرير مقعد رئاسة العائلة لها قبل أن ترجع عائلة كريمزون لحكمها، و لم يكن من الممكن تمرير المقعد للجنرال منصف طالما كانت زوجته لا ترغب في قبوله

فعندما كان يتم تسليم مقعد الرئاسة للابنة إن لم يوجد الابن لتصبح الرئيسة، يصبح زوج هذه الابنة فيما بعد الرئيس. لكن سكارليت لم ترغب في ذلك، لذا كان الكبير أكاغي ينتظر حفيده الصغير كارماين ليكبر ثم يمرر له مقعد رئيس العائلة

كان حال مقعد رئيس العائلة نفسه الخاص بالعرش، فعندما تكون عائلة ما هي الحاكمة، يكون رئيس العائلة هو الحاكم أيضا

لذا الآن، عوض قول تمرير مقعد الرئاسة لأنمار، يجب قول تمرير العرش لها

ابتسمت أنمار بعدما قرّبت فنجان الشاي لفمها، لذا لم تظهر تلك الابتسامة التي تبدو كما لو أنها تلميح عن المجيء بالفريسة للشباك التي تعتبر بوابة الهاوية. تكلمت بعدما أخذت رشفة من الشاي "إن قبلت بالعرش، فنعم، سيصبح تلقائيا الإمبراطور. ماذا في ذلك؟ هل هذا غريب؟ ليس كما لو أن هذا لم يحدث من قبل"

تكلم القاضي الأكبر بابتسامة متصنعة "و لكن..."

حدقت أنمار أخيرا به ثم قالت "و لكن ماذا؟"

تكلم القاضي الأكبر "اعذريني على وقاحتي أيتها الأميرة، لكن أهو رجل مناسب لك؟ أهو رجل مناسب ليصبح الإمبراطور؟ فأصوله ليست معروفة حتى، و لا بد من أنها ليست بالكبيرة بما أنها ليست معروفة. لقد كان هناك أشخاص أصبحوا أباطرة عبر التزوج من الإمبراطورات، لكنهم كانوا كلهم أولاء أصول رفيعة على ما أظن"

حملقت به أنمار ثم قالت "لا تقلق من هذه الناحية، فبعد حق التلقيب الذي أُعلِن عنه قبل شهرين، سيكون الكل له أصل يستطيع التفاخر به بعدما ينميه، لكن إن كنت تقصد المكانة و السلطة، أليس باسل هو الجنرال الأعلى لإمبراطوريتنا؟ كيف يمكن ألا يكون مستحقا للزواج بي؟"

اختفت ابتسامة القاضي الأكبر و تحولت لعبوس قبل أن يتكلم صاحب التعبير "لكن... هذا لم يحدث من قبل؟"

أجابت أنمار "العصر يتغير، العالم يتطور، حضارات تهدم و أخرى ترقى، و مع ذلك طبيعة الإنسان لا تتغير بتلك السهولة. قد يكون لم يحدث من قبل، لكن ذلك كان عندما لم يكن هناك حق في التلقيب، و عندما لم يكن الجنرال الأعلى هو المعني بالأمر. ألا ترى المغزى هنا أيها القاضي الأكبر؟ لن تهم أصوله، فبعد كل شيء، هو يمكنها صنعها بيديه، و بما أنه الجنرال الأعلى بالفعل، فليس هناك مجال آخر للتشكيك في الأصل الذي سيصنعه"

حدق القاضي الأكبر في كوب الشاي ثم صمت و لم يقل شيئا. برؤيته، تكلمت أنمار "يبدو كما لو أنك لست براض بهذا، هل تكره الأمر لهذه الدرجة؟"

"لا..." لم يجد القاضي الأكبر ما يقوله

تكلمت أنمار مرة أخرى "لكن هذا إن تسلمتُ العرش، و إن أراد باسل في المقام الأول أن يصبح إمبراطورا، سنسمع منه هذا الأمر عندما يأتي، يبدو أنه أراد التحدث معك مرة أخرى حول موضوع معين، هل حقا لم تصادقه؟ لأنني بدأت أشك في هذا ! "

"هذا..." بدا الإمبراطور كما لو أن الروح قد عادت به. فهو غرق في أفكاره و نسي شيئا مهما للغاية، لقد كان يحاول التحدث عن باسل كما لو أنه لا يعرف شيئا عما يحدث له في معقل التشكيل. لكنه بسبب هذا نسي و تماشى مع كلام أنمار حتى النهاية. لم يجب عليه عناد أنمار و إثبات رأيه لها، فبعد كل شيء، إن لم يكن هناك 'باسل'، فكيف يمكن لـ'باسل' الغدو إمبراطورا؟

تحول وجه القاضي الأكبر الشاحب لواحد مشرق بكثير عما كان ثم قال بعد ذلك "ما كانت سبب زيارتك بالمناسبة؟ هل يحتاجني جلالته في أمر ما"

أجابت أنمار ببراءة "آه، لا، لقد أرسلني باسل إلى هنا، لقد قال أنه يحتاج مني التحدث إليك قبل أن يأتي هو إلى هنا حول حلف ظل الشيطان، لقد شك في أنهم ربما قد يكونوا وضعوا أقدامهم هنا. هو لديه بعض الأعمال الأخرى، لذا أراد أن يكون بعلمك ما سيخبرك به قبل أن يأتي، فهذا سيوفر الوقت له كثيرا، و كل ما يحتاج لفعله عندما يلتقي بك هو تقرير النهاية"

"هكذا إذا" فهم القاضي الأكبر ما يحدث ثم سأل بعدها "إذا، ألا يعلم أحد آخر عن مجيئك إلى هنا؟"

أجابت أنمار ببراءة "نعم، كل من يعلم بهذا هو سائق العربة الذي أتى بي إلى هنا، إضافة لأعضاء محكمتك الذين رأوني"

التوت حافة فم القاضي الأكبر ثم قال "هكذا إذا، هكذا إذا. لقد فهمت جيدا"

كان يعلم القاضي الأكبر أن باسل بالمعقل، و كان لديه اليقين أن مصيره سيكون الموت. لذا طرأت فجأة فكرة بذهنه

وقف القاضي الأكبر من على كرسيه ثم حدق بأنمار مطولا قبل أن تظهر على وجهه ابتسامة عريضة

قال القاضي الأكبر بعدما رفع ذراعيه للأعلى و بصوت مرتفع "آه، يا لها من ليلة مقمرة ! آه، كم ستكون طويلة هذه الليلة ! و آه، كم أشرق الجمال بنوره علينا ! "

حدق القاضي الأكبر في أنمار التي بدا عليها الاستغراب و الخوف قليلا بسبب تصرفه المفاجئ ثم أكمل "يبدو أنني كنت محقا بعد كل شيء أيتها الأميرة. لطالما كانت النساء جزءا من انهدام و ارتقاء الممالك و الإمبراطوريات. فكما أشرقتِ ليلتي بجمالكِ الخلاب، من كان يتوقع أنك ستشرقين حياتي كلها بحياتك الواهنة؟"

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/12/17 · 1,123 مشاهدة · 1726 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024