121 – كلٌّ بوجهة

(في مكان بعيد جدا عن عاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية)

تحركت حوافر بشكل سريع للغاية جارة وراءها عربة بجانب قرية ما. لم يكن الخيل و لا العربة أقل شأنا من الآخر. كان كلاهما خلابان للغاية، و هذا أشار لأهمية الأشخاص الراكبين بتلك العربة. طريق هذه الأخيرة كان خاليا بسبب ابتعاد الناس عنه.

تناقلت الأقوال بين الناس و عرفت هوية الشخص الذي بداخل هذه العربة.

"إنه الإمبراطور غلاديوس. يبدو أنه عائد إلى إمبراطوريته. لكن لم يعود لوحده؟ الإمبراطور شيرو لا زال هنا. هل حدث شيء ما خاطئ؟"

"لقد سمعت أنه غادر بسبب عدم تلقيه الاحترام المناسب أو شيء مثل هذا."

"حسنا، هذا لا يهم. المهم هو عجلته هذه ! "

كانت العربة التي يجرها خيل ملكي تنطلق بسرعة كبيرة للغاية كما لو أنها تنزلق مع الرياح و تندفع كالعاصفة. من خلال مشاهدة هذا المنظر، كان يمكن لأي شخص تخمين الأهمية القصوى التي تجذب هذه العربة لها.

(بداخل العربة)

"اللعنة. لقد غبت لشهور فقط و ها أنا ذا أجد إمبراطوريتي يتخللها الأعداء. يا أصيل، كم تبقى لنا على البحر؟"

أجاب الجنرال أصيل الذي كان يجلس أمام الإمبراطور غلاديوس بوقار محدقا به بنظرات شاخصة: "مسيرة يوم كامل يا سيدي."

أحكم الإمبراطور غلاديوس قبضته و لعن مرة أخرى. لقد تسلق جبلا شاهقا للغاية و لف ذراعه حول العرش بشدة، فأصبح الحاكم الآمر الناهي بإمبراطورية الرياح العاتية. و مع ذلك، بمجرد ما أن أرخى ذراعه لقليل من الوقت حتى وجد العرش في طريقه للانسلال منه كليا. ليس هناك ما هو أشد ذلا و هوانا من ذلك. بالنسبة له، كالشخص الذي بلغ ما لم يبلغه رجل من قبل بإمبراطوريته، كان يحمل فخرا و كبرياءً عظيما. و بمشاهدته يغلي في مكانه، كان بالإمكان التخمين بكل سهولة مدى جدية الوضع الحالي بالنسبة لإمبراطورية الرياح العاتية.

رافق الإمبراطور غلاديوس في رحلته إلى إمبراطورية الشعلة القرمزية جنرالان. أحدهما كان الجنرال أصيل، و الآخر كان الجنرال كريم. هذا الأخير تكلم بعدما صنع نظرات غير راضية: "اعذرني يا سيدي على كلامي التالي، و لكن..."

قاطعه الإمبراطور غلاديوس متكلما بنبرة حادة: "يا كريم، إن كنت ستقول شيئا تعلم أنه سيغضبني أكثر مما أنا عليه، فأنصحك بإبقاءه في قلبك."

سكت الجنرال كريم مرة أخرى و لم يخرج حرفا آخر.

أكمل الإمبراطور غلاديوس: "ما يهم الآن هو العثور على الحل الأنسب و المثالي. لأنني مقسم على عدم ترك العرش الذي مررت بالطريق الدموي و الجهنمي من أجل الحصول عليه يؤخذ مني. لاسيما من حقراء لم يتجرؤوا على إعلان وجودهم سوى مؤخرا في هذا العالم معتبرين أنفسهم حاكمينه."

غطت وجوه الثلاثة نظرات الشك، الحيرة، الارتياب، و بعض الحزن الذي كان سببه مختلفا من واحد للآخر. كما استمرت العربة في التحرك بسرعتها القصوى.

كلما كبُر ما تمتلكه، كلما صعُب فقدانه.

*****

(عاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية)

تحدث رجل بدرع فضي امتلك حضورا مهيبا: "لقد ظننت أن السيد الصغير باسل كان ينوي التعامل مع أولئك المطالبين شخصيا."

هذا الشخص كان هو الجنرال منصف، و كان يوجه كلامه للكبير أكاغي و باقي رؤساء العوائل الكبرى إضافة للجنرال رعد و أنمار التي أخذت جانب الكبير أكاغي جالسة على كرسي ملكي. جلس كل الجنرالات على كراسي محيطين بطاولة الاجتماع.

أجاب الكبير أكاغي الذي اتخذ العرش مقعدا له كالعادة: "قال أن ننتظره ليتعامل معهم، لكنه لم يقل أنه سيفعل ذلك بيديه. لقد أعطى لي خيارين و اللذين وجدتهما معا مناسبين. لذا أردت تقرير هذا الأمر معكم بما أنني لم أرد الحسم لوحدي."

أعطى الجميع آذانهم للكبير أكاغي الذي استأنف كلامه من جديد: "الخيار الأول: استخدام القوة. سنقوم بجعل كل واحد من المطالبين يقاتل ضد متطوع منكم. و إن صمد لأكثر من عشر دقائق فله الحق في حقه المدّعى."

تفاجأ الجميع من الفكرة ثم انتظروا الخيار الثاني و الذي كان كالتالي: "أم نعلن عن اختلاف المقياس الذي أصبح يحدد الجنرال عما كان. لن يكون بعد الآن المستوى السادس هو المطلوب لتصبح جنرالا."

تفاجأ المستمعون أكثر من السابق. تكلم الجنرال رعد رافعا يده حاملا نصف ابتسامة على وجهه: "كما هو متوقع من الفتى القرمزي. لنكن صريحين يا جلالة الإمبراطور. بعد النظر في الخيارين معا بشكل معمق، ستجد أن الخيار الأول هو نفسه الثاني، و لا فرق بينهما سوى الطريقة. لم يكن هناك سوى خيار واحد من الأول. كل ما فعله الفتى القرمزي هو منحنا الخيار في تقرير الطريقة التي تعجبنا."

فهم الكل تلميح الجنرال رعد. معه حق. كان الخيار الأول عبارة عن إثبات اختلاف مرتبة الجنرال عما قبل باستخدام القوة. أما الثاني فتضمن الحوار و النقاش بهدف جعل المطالبين يفهمون أنهم ليسوا بالأشخاص الوحيدين الذين تغيروا، و إنما كذلك الأحوال.

تكلم الرئيس تشارلي: "و ما كان رأي الجنرال الأعلى؟"

أجاب الكبير أكاغي بعدما ابتسم: "إنه رأيكم. لكن إن سألتموني عن رأيي، فسأجيبكم. ببساطة سوف أختار الطريقة الأسرع و الغير مزعجة. فنحن في عالم مهدد يحتاج للنمو السريع لا البطيء. عجزة بلغوا المستوى السادس الذي طمحوا بلوغه طوال حياتهم لن تنفع معهم الطريقة اللطيفة. في مثل هذه الحالة، إن كان القلم بيدي، فسوف أحرص على استخدامه كسلاحي النهائي بدل الكتابة به لإرسال رسالة التفاوض. و بالطبع هذا رأيي فقط. كما قلت من قبل، إنه رأيكم. افعلوا ما شئتم."

أنهى الكبير أكاغي الرسالة بقوله: "هذا ما قال."

"هاهاهاهاها." ضحك الرئيس تشارلي بصوت مرتفع للغاية قبل أن يقول: "إنه كما قال الجنرال رعد تماما. و ليس فقط منحنا خيارا واحدا بطريقتين مختلفتين. بل حتى أنه أقنعنا بالطريقة التي نختارها. أو لست محقا يا سادة؟"

"بلى"

خرجت الكلمة بابتسامة من الجميع.

تكلم الكبير أكاغي الذي ابتسم بعدما مر كل شيء كما هو متوقع: "الطريقة الأولى إذا"

تكلم الجنرال رعد تباعا له: "ها نحن ذا. لم تقل الخيار الأول و إنما الطريقة الأولى."

ابستم الكبير أكاغي و البقية قبل أن يضحكوا كلهم مجتمعين.

بعدما انتهى الجميع من الضحك، تحدث الكبير أكاغي بجدية: "حسنا، لما لا نتكلم الآن حول الموضوع الجدي. قبل مغادرة الجنرال الأعلى باسل، أخبرني عما سيفعله بشأن الإمبراطورين. و خصوصا الإمبراطور غلاديوس الذي لم أكن أفهم لم انتظره حتى يغادر."

استمع الكل بحذر لكلام الكبير أكاغي الذي قال: "بالمناسبة، هل حدث و أن رأى أيّ منكم تشكيل الجنرال الأعلى مؤخرا؟"

تعجب الجميع من السؤال. لكن بما أنه أتى من الإمبراطور، فلم يتجرأ أحد على التشكيك في علاقته بالموضوع. لذا قاموا بتشغيل ذاكرتهم حالا ليجيبوا عن سؤال الكبير أكاغي.

تفاجأ البعض قبل أن يتفاجأ الجميع في النهاية. تكلم الجنرال رعد بنظرة تعجب على وجهه: "المعقل الذي كان يعج بالمتدربين و الجنود هادئ."

أكمل الجنرال رعد بعدما طرأت فكرة في باله: "تحدثت قبلا عن الإمبراطور غلاديوس و مغادرته. نورنا بالعلاقة التي بينهما يا جلالتك."

ابتسم الكبير أكاغي قبل أن يقول: "التشكيل اتخذ وجهة كما فعل سيده."

*****

(في أقاصي جنوب إمبراطورية الشعلة القرمزية، أقاصي شمال إمبراطورية الأمواج الهائجة)

نقطة جمعت بين الإمبراطوريتين. وكر قبائل الوحش النائم. بمحيط آلاف الأميال، كان المكان يبدو من السماء العالية كغابة شاسعة امتدت لآلاف الأميال. كان يتخللها بعض التلال و الهضاب و حتى القليل من الجبال. و يتمركز هذه الغابة الهائلة شجرة عملاقة كانت قمتها أشبه بعش ضخم للغاية. اتخذت هذه القمة شكلا دائريا، و من محيطها امتدت أغصان شرسة و أصيلة نحو الأعلى بمئات الأمتار ثم التقت بالمركز في السماء مكونة بذلك غطاءً طبيعيا هائلا. و بذلك، كانت قمة الشجرة العملاقة التي وصل علوها لآلاف الأمتار تلُوح كعش محاط بقفص.

أما جذع الشجرة، فكان يبدو عتيقا للغاية حيث حمل عليه نقوشا غير مفهومة للأغلب. كما كان مملوءا بالطحالب و عليه خدوش كبيرة للغاية كما لو أن وحشا أسطوريا خلف آثاره عليه واضعا بصمته موضحا ملكيته. كان قطر هذا الجذع عريضا للغاية فكان بنصف قطر القمة. مثل هذه الشجرة العظيمة، لم يكن يستطيع أي شخص التعبير عن رأيه عنها بغير الإعجاب بجمالها الخلاب و الآسر.

هذه الشجرة العملاقة، أصبحت في ناظر كل من باسل و أبهم الذي يرافقه بعدما صعدا لقمة جبل حاول منافسة علو الشجرة العظيمة. و في ذلك الموقع، كان أبهم غير قادر على التنفس بشكل صحيح. لكن للأسف لم يكن هذا بسبب المنظر الخلاب أمامه و لا بسبب السحب البيضاء التي تطفو فوق رأسه. و إنما بسبب ما مر به من جحيم في الأيام الثلاث الماضية.

كانت أقسى و أطول ثلاث أيام اختبرها أبهم في التسعة عشر سنة التي يبلغها. بعدما كان على الأربع يحاول استجماع أنفاسه، شاهد ابتسامة عريضة على وجه باسل الذي رفرف شعره كما فعلت ملابسه البيضاء الراقية بسبب الرياح القوية الموجودة بالارتفاع الذي هما عليه.

لم يسع أبهم سوى التساؤل بعدما رأى نظرة باسل المتطلعة. و لم يكن بإمكانه منع نفسه من طرح هذا التساؤل على باسل: "لم أنت فرح هكذا يا سيدي؟"

تكلم باسل بينما يبقي نظره على الشجرة العظيمة: "ألستَ كذلك؟ بعد رؤية مثل هذه الشجرة المثيرة للاهتمام، لا يسعني سوى الشعور بالفضول في أصلها و كينونتها. لقد قرأت و سمعت عنها من قبل، لكن السماع و الرؤية لشيئان مختلفان كل الاختلاف. إنها بعيدة بآلاف الأميال، و مع ذلك بإمكاني رؤية ظلها يخترق السماء و الإحساس بجبروتها من هنا."

"آه." أخرج أبهم مثل هذا الصوت فقط. أما باسل، فلم تذهب تلك الابتسامة عن وجهه أبدا.

قال أبهم: "حتى أنت تتفاجأ ببعض الأمور يا سيدي ! "

أجاب باسل بعدما نظر لأبهم أخيرا: "إن كان هناك شيء واحدا قد تعلمته من الأفضل، فهو أن العالم أوسع بكثير مما أتخيل. منذ صغري و أنا أريد فقط اكتشاف الأشياء المثيرة. قد أبدو لا أتفاجأ بالنسبة لك، لكن هذا بسبب المعرفة التي اكتسبتها فقط. معرفتك قليلة مقارنة بالخاصة بي، لذا تجدني أعلم بالفعل عما يفاجئك."

'الأفضل'. بقوله لهذه الكلمة، جعل أبهم يتساءل عن هوية هذا الشخص الذي يتحدث عنه باسل. قد يكون اقتنع بقوة باسل، لكنه لا زال غير مقتنع أن مثل هذا الفتى الصغير يعرف و يعلم هذه الأشياء كلها لوحده و من تلقاء نفسه. و هذا الشخص الذي يناديه باسل بالأفضل دائما هو الذي مرر معرفته هذه له.

خلال رحلته مع باسل، اكتشف أبهم الكثير من الأشياء. كما بدأ يستشعر طريقا طويلا لا زال لم يبدأه بعد. فبناء على كلام باسل، أصبح أبهم يعلم أنه سيفتح باب هذا الطريق فعليا بعدما يخترق للمستويات الروحية.

الأشخاص الوحيدون الذين أخبرهم باسل حتى الآن بحقيقة المستويات التي تأتي بعد المستوى السابع كانوا قادة التشكيل و باقي أتباعه المقربين. ثم الكبير أكاغي بجانب الجنرال منصف. و الرؤساء تشارلي، براون، و كورو. إضافة للجنرال رعد. أخبر باسل الرؤساء بمشاركة تلك المعرفة مع المقربين منهم الذين يثقون فيهم بشكل أعمى أيضا. و أخيرا، و بعدما اتخذه رفيقا في هذه الرحلة، أخبر أبهم أيضا.

بعد مدة من الوقت، لن يكون هذا سرا بعد الآن. و سيصبح معلومة عامة و طبيعية كشروق الشمس و غروبها.

تكلم باسل "سنكمل تدريبك بالليل أيضا. سنخيم هنا هذه الليلة قبل أن نستكمل رحلتنا. يمكنك النوم للآن، سأوقظك عند الوقت المناسب."

أبهم الذي كان على الأربع، ارتخت أطرافه فنام في مكانه. لم ينم لثلاثة أيام كاملة، و التي لم تكن مجرد أيام عادية.

بعدما نام أبهم، تحدث باسل عبر خاتم التخاطر: (كيف هي الأمور يا تورتش؟)

وصل الصوت المجيب على السؤال على شكل أفكار لذهن باسل و التي كانت كالتالي: (تمام بالتمام يا سيدي. الرحلة لإمبراطورية الرياح العاتية تمر على خير، لا زلنا على البر، مقتربين من البحر. ماذا عنك يا سيدي؟)

ابتسم باسل ثم قال: (يمكنك القول أن مزاجي جيد للغاية الآن. جيد للدرجة التي يمكن للجزرة الحلوة المرافقة للوحدة الهادئة أن تجعلني عليه. أعتمد عليكم.)

أجاب تورتش (تم.)

وقف باسل ثم بدأ يتدرب على الفن القتالي الأثري. كان هذا الأخير يساعد في تعزيز البنية الجسدية للساحر و الساحر الروحي على حد سواء. فهو يتطلب من الشخص قدرة عقلية و موهبة راقية لاستيعاب التعاويذ الذهنية الروحية و ترجمتها لفن قتالي متصل ببحر الروح أو الروح. بسبب هذا الاتصال، يكون هناك فائدة عظيمة على الجسد و الروح معا. يتغير الجسد تدريجيا كما يصقل بحر الروح أو الروح مع مرور الوقت و الممارسة.

لو علم أبهم أن باسل كان يرتدي أثقالا تصل لنصف طن بينما يتدرب على فن قتالي أثري يتطلب القوة الجسدية المرتاحة و الكاملة، لعض شفتيه و خجل من نفسه على تذمره بشأن الأثقال التي حملها و تدرب بها.

كان الوقت عصرا. و لم يتوقف باسل عن التحرك الشاق و المرهق إلى أن وصل منتصف الليل. في الحقيقة، و للتكلم بشكل أدق، توقف باسل لمدة قصيرة من الوقت بسبب المنظر الجذاب الذي صنعه غروب الشمس و ما أتى أسفله من احمرار و اصفرار حيث رافقهما دفء مريح.

تكلم باسل في تلك اللحظة بينما يحدق في أبهم المنكمش كالرضيع: "لقد فاته منظرا منعشا."

*****

من تأليف Yukio HTM


السلام عليكم يا رفاق.

لقد مرت فترة. اشتقت للكتابة كما اشتقت لتعليقاتكم و التفاعل معكم. انتهت اختباراتي البارحة أخيرا، لذا سأستأنف التنزيل مرة أخرى إن شاء الله.

أتمنى أن يكون الفصل قد أعجبكم. و لدي خبر لكم.

لقد أنشأت مدونة جديدة، و سأنزل من الآن فصاعدا الفصول بها قبل أن أنزلها هنا بيوم أو اثنين.

و كمفاجأة، هذا الفصل ليس الوحيد اليوم. هناك فصل آخر، و قد وضعته بمدونتي: Yukio Novels

رابط المدونة: https://yukionovels.blogspot.com

ستجدون الفصل 122 بعنوان ' خط الجَوْن ' هناك.

قراءة ممتعة.

2018/01/18 · 1,139 مشاهدة · 2025 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024