122 – خط الجَوْن

في طريق وعر كان بواد عريق تخللته أصوات وحوش دبت الرعب في جسد أبهم الذي كان يلحق باسل الهادئ.

تكلم أبهم: "ما الذي نفعله هنا الآن؟ صعدنا القمة البيضاء، عبرنا النهر الأحمر، و زرنا مقبرة السحرة، بالإضافة للعديد من الأماكن الموحشة التي لم نمر بها إلا و زرناها. ألم تقنع بعد يا سيدي؟"

أجاب باسل الذي كان يضع يديه وراءه بينما يتحرك بخطوات سريعة و هادئة في نفس الوقت: "هيا يا رجل، أين هي روح المغامرة؟ أ وضعت رومانسية الرجال بمكان آخر؟ أم أنك جبان حقا و لم تكن تدعي عندما التقينا بأول مرة؟"

"ها؟" انزعج أبهم ثم أكمل قائلا بعدما هدّأ من نفسه: "لن تستفزني بهذا يا سيدي، لقد تعلمتُ الدرس مما سبق."

ابتسم باسل من ردة فعل أبهم.

أكمل أبهم تذمره: "من يصعد للقمة البيضاء ليشاهد شجرة الوحش النائم؟ من يعبر النهر الأحمر ليرى كم من الوقت سيكون قادرا على تحمل حرارته و كم هو عمقه؟ و من يحاول الحفر في مقبرة السحرة باحثا عن الكنوز؟ "

"أنا" أجاب باسل كما لو أنها إجابة مقنعة.

تكلم باسل باسترخاء بعدما شاهد نظرة أبهم الغير مقتنعة: "هيا هيا، لا تكن مملا. أتعلم كم بقيت داخل العاصمة و كم من الوقت لم أدخل لمنطقة محظورة؟ إنها حوالي 9 شهور يا هذا. القليل من المتعة في الطريق ليست بالشيء الكبير. لا يمكنني أن أنسى هدفي الأولي في غدوي ساحرا. إضافة إلى أنها كانت كلها أشياءً أجربها لأول مرة."

سكت أبهم و لم يتكلم أكثر لقليل من الوقت حتى طرأت في عقله فكرة ما فأسرع بقولها: "ألم تكن تقول أن هذا العالم يحتاج للنمو بأسرع وقت؟ أليس ضم قبائل الوحش النائم لنا له الأولوية القصوى الآن؟"

حدق باسل بانزعاج في وجه أبهم ثم تكلم: "إنك قاتل للمتعة حقا."

بدا على باسل الاقتناع أخيرا فتنفس أبهم الصعداء قائلا: "وا فرحتاه، هيا لنخرج الآن يا سيدي و نأخذ الطريق العادي ! "

التفت باسل ثم ابتسم قبل أن يقول: "بالطبع سنفعل ! " ازدادت ابتسامته اتساعا قبل أن يكمل: "بعدما تجد حلا مع ضيفك الجائع."

التفت أبهم ببطء محركا عنقه رغما عن نفسه التي لا تريد رؤية ما بالخلف بينما يقول: "لا تقل لي ! " فإذا به يجد كلبا بثلاث رؤوس و بارتفاع ثلاثة أمتار. أنيابه ظهرت بعدما تدلت ألسنته الثلاث التي جعلت الدم يتوقف عن الدوران بجسد أبهم.

كان هذا الكلب بالمستوى الخامس. و كان هذا الوادي الذي به باسل و أبهم حاليا يعرف بوادي الكلب الملك. كنية على نفس الكلب الذي كان أمام أبهم. عُرِف هذا الكلب بسحر الجليد. يقال أنه بالقسم الأخير من المستوى الخامس. و عرف بحكمه الملكي للوحوش التي توجد بهذا الوادي حيث كانت الوحوش هنا يتنوع مستواها من الثالث للخامس.

قفز باسل عاليا ثم جلس على حجر يتدلى من الوادي قبل أن يقول: "الكلب الملك هو تدريبك التالي. قاتله، و أعدك بإكمال الطريق مباشرة نحو الوكر دون التفكير في أي شيء آخر عدا الوصول له."

"ها؟" صرخ أبهم ثم قال: "لقد بلغت المستوى الرابع لتوي ! كيف لي أن أهزم مثل هذا المخلوق؟"

ابستم باسل ثم قال: "ليست مشكلتي. لكن أتعلم شيئا؟ ذلك الكلب لن يلاحقني أبدا طالما لم أتدخل في قتله لك. و السبب بسيط، لأنه غير مهتم حاليا بي. فجل تركيزه على رائحة دم أتباعه."

ابتسم أبهم نصف ابتسامة قبل أن يقول بسخرية: "و التي تصدر مني."

ابتسم باسل ثم عض جزرة. فعض أبهم إبهامه ثم رسم على يده بدمه نقشا دائريا كان أشبه بقمة شجرة النورس ثم فعل طاقته السحرية و صرخ متحولا.

انقض أبهم على الكلب الملك الذي قام حالا بتفعيل سحره و زفر الجليد مع انقضاضه على أبهم الذي أصبح ذئبا أسودا منطلقا كالسهم.

التقى الاثنان ثم خلقا تموجا في الهواء. اصطدما ببعضهما البعض بكثير من المرات جاعلين الوادي يهتز. كان أبهم يدافع عن نفسه من سحر الجليد بسحر الظلام الخاص بتحوله. زادت المعركة حدة مع الوقت. كما استشاط الكلب الملك غضبا في كل مرة يفشل بها هجومه.

*لهث* *لهث*

كان أبهم يلهث بصعوبة كبرى. كان أمامه الكلب الملك لا يزال واقفا و يزمجر برؤوسه الثلاث. أبهم الذي كان جسده مغطى بالدم غير قادر على الحركة، كان ينتظر الكلب الملك لينقض عليه كي ينهي حياته. و بالطبع، في آخر اللحظات قبل أن يغمى عليه، شاهد باسل يقف أمامه.

تكلم باسل: "لقد قاتلت جيدا. و الآن فلتنم."

سقط أبهم مغميا عليه. فزمجر الكلب الملك في وجه باسل ثم انقض عليه لوقوفه في طريقه. عندها، تحرك باسل.

*وووووش*

اختفى ثم ظهر في لحظة بجانب الكلب الملك كما لو أنه انتقل آنيا، ثم قام بركلة خلفية حملت معها نيرانا انفجرت بملامسة رجله لجنب الكلب الملك.

*بووووووم*

أرسِل الكلب الملك محلقا لمئات الأمتار. حلق جسده بسرعة كبيرة للغاية ثم اصطدم أخيرا بحائط. و مع ذلك، مع أنه كان قد مات بفعل الانفجار الناري الذي حدث له، إلى أن جسده لم يتوقف و اخترق الحائط الذي كان عبارة عن واجهة لهضبة شكلت جانبا من الوادي بسرعة كبيرة. قطع جسد الكلب الملك عشرات الأمتار بداخل الهضبة قبل أن يتوقف أخيرا. لكنه لم يتوقف بسبب انخفاض سرعته، و إنما بسبب تآكل الجسد نفسه بالنار النهمة التي أكلت جسده إلى آخر جزء منه حتى لم يتبقى منه سوى القليل من الرماد.

تكلم باسل بعدما رأى القوة التي أنتجتها الركلة: "ليس سيئا. لقد أصبحت الخطوات أسرع مما أنتج قوة دفع أكبر و اصطداما أشرس. جسدي قد أصبح أقوى و قدرة شفائه غدت أسرع أخيرا من الضرر الذي يحدث له."

في اليوم التالي الذي استيقظ فيه أبهم. مع فتحه لعينيه، وجد نفسه يطير بالسماء، و عندما أدرك ما يحدث، علم أن باسل كان يحمله بينما يقفز بجبل مرارا و تكرارا نازلا للأسفل. كل قفزة كانت عالية كفاية لتسبب سكتة قلبية لأبهم.

تكلم باسل: "استيقظت أخيرا. إذا أنت على رجليك. واكبني و إلا فأنت لوحدك."

بعدما أدار أبهم رأسه وجد حشدا من الوحوش يتبعهم بسرعة كبيرة للغاية. فإذا به يتكلم صارخا: "ألم تقل أنك ستذهب مباشرة للوكر؟"

"هذا ما أفعله. و الآن انزل، لا أحبذ حمل رجل قادر كفتاة عاجزة." قالها باسل ثم أنزل أبهم بينما يجري بسرعة كبيرة.

قال باسل مكملا بينما يحاول أبهم اللحاق به: "لقد أشربتك إكسير العلاج البارحة فقط. اعتبر نفسك ميتا إن تعرضت لإصابات بالغة."

انطلق الاثنان بسرعة كبيرة للغاية مخلفين وراءهما الغبار و اللاحقين.

(بعد مرور القليل من الأيام)

"أخيرا وصلنا." تكلم أبهم.

قال باسل: "نعم، أخيرا فعلنا ! " كان نظره موجها للأعلى على مسافة بعيدة للغاية. كان يركزه على شجرة الوحش النائم التي أحس بهيبتها أكثر من السابق. أكمل باسل كلامه: "و يبدو أنهم أتوا ليرحبوا بنا."

تحرك باسل و أبهم الذي لم يسمعه بشكل جيد. تقدما للأمام فوجدا نهرا صغيرا. و بمجرد ما أن قفز الاثنان و وضعا الخطوة الأولى بالجهة الأخرى من النهر الصغير حتى وجدا أمامهما المئات من الأشخاص الذين ظهروا من العدم على حين غرة. هؤلاء، كانوا كلهم يرتدون أقنعة متنوعة الأشكال، و كلها كانت تعود للحيوانات و الوحوش. كانوا يرتدون نصف لبس. غطوا نصفهم الأسفل فقط. و أغلب ملابسهم مصنوعة أو متكونة من جلود الوحوش و الحيوانات. كان يضع العديد منهم وشوما غريبة.

و كلهم صرخوا في نفس الوقت مكونين صرخة موحدة جعلت بعض الوحوش في المناطق المحظورة المجاورة تهبّ فارّة خائفة. مثل هذا المنظر الغريب للغاية جعل أبهم يرتعد. كما جعل باسل متعجبا من القوم الذي أمامه.

الصرخة أتت بصرخات بعيدة كما لو أنها كانت تتجاوب مع بعضها. و في ثوانٍ، كانت المئات قد أصبحت آلاف. مكونة كلها من الرجال و النساء اللواتي ارتدين ملابس غطت صدورهن و أنصافهن السفلى فقط. و مثل رجالهن، ارتدين الأقنعة كذلك و صرخن كما فعل أزواجهن، أبناؤهن، و إخوانهن.

بعدما رأى باسل مثل هذا المشهد الغير متوقع. اتسعت قلتا عينيه ثم ابتسم قبل أن يقول: "يا له من قوم متماسك متشابك."

حدق به أبهم بنفس قدر الغرابة التي شعر بها عندما رأى هؤلاء الناس يخرجون من اللامكان. قد يكون هذا القوم عجيبا، لكن ردة فعل باسل كانت بنفس المقدار من العجب !

عادة، سيخاف الناس و يرتعدون من هذا الموقف الذي سيجدون أنفسهم به. فقط تلك الصرخات كانت كافية لبث الرعب في قلوب الناس بسبب العدوانية و الضراوة التي تحملها معها. و مع ذلك، ما الذي يحدث مع هذا الفتى على هذه الأرض؟ كيف له أن يصرّح بتعليق كهذا؟

أكمل باسل المبتسم: "قبائل الوحش النائم. 55 سنة من الانعزال."

تحرك باسل متقدما للأمام و بمجرد ما أن فعل حتى وجد آلاف الأسهم السحرية متوجهة مرة واحدة نحوه مستهدفة إياه. كانت هذه الأسهم تحمل جميع عناصر سحر الطبيعة معها.

السحرة الذين لا يملكون سحرا من الطبيعة مثل سحرة الاستدعاء و سحرة التحول يكونون قادرين على استخدام سحر الوحش الذي سواء أ تحولوا له أم استدعوه بنسبة معينة. سحرة الاستدعاء يستخدمون حوالي ثلاثة إلى أربعة من عشرة من الطاقة السحرية التي يملكها الوحش المستدعى. و سحرة التحول يوظفون حوالي سبعة من عشرة من الطاقة السحرية التي يملكها الوحش المتحوَّل لهيئته.

آلاف الأسهم اتجهت كلها نحو نقطة واحدة بالضبط من دون أن يخطئ سهم واحد منها أبدا. هذه النقطة كانت باسل. و هذا الأخير توقف فقط في مكانه من دون أن يتحرك عنه و أحكم قبضته ثم لوح بها.

*بااام*

انفجرت الأسهم كلها من دون أن يتبقى منها شيئا بفعل النار التي انطلقت من قبضة باسل على مدى واسع للغاية.

تكلم أبهم بصوت منخفض بحيث سمعه باسل فقط: "أغبياء. هل تظنون أنكم قادرين على إطاحة الجنرال الأعلى بمثل هذا الهجوم السخيف؟"

كان باسل لا زال محافظا على ابتسامته. قال: "لا، لقد كان هذا مجرد تحذير لطيف لأنني تقدمت خطوة. إنهم يخبرونني بعدم التقدم أكثر فقط."

صدم أبهم مما قاله باسل. تقدّمَ خطوة واحدة، و بدل أن يطلقوا سهما واحدا أو بعضا، أطلقوا الآلاف ! كل واحد منهم أطلق سهما.

قال باسل: "معنى هذا أنه غير مرحب بنا على الإطلاق. فكل واحد منهم عبّر عن ذلك بسهم منه. يبدو أن الكراهية متبادلة بين إمبراطورية الشعلة القرمزية و القبائل بنفس الدرجة. و مع ذلك، إني لست بمغادر إلا و معي الكلمة منهم."

حرك باسل رجله مرة أخرى. و هذه المرة، قبل أن يضعها على الأرض ليكمل خطوته. دب صوت عميق للغاية من خلف الحشد المكون من الآلاف.

"البث و اثبت. خط الجَوْن. لا أوصي بتجاوزه."

أرجع باسل قدمه لموضعها و أجاب بنفس الابتسامة التي اعتلت وجهه منذ أن شاهد هؤلاء الناس: "حقا؟ لنرى إذا إن كنت سأجد النور أم الظلام. الأبيض أم الأسود. فهذا يثير اهتمامي ! "

من تأليف Yukio HTM

الفصل 123 على المدونة: https://yukionovels.blogspot.com

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/01/20 · 1,068 مشاهدة · 1648 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024