123 – فضيلة كرَم

"الفتى الفتى. 55 سنة. إمبراطورية الشعلة القرمزية و وكرنا العظيم. إنهما الآن عبارة عن الماء و الزيت. لقد مرت فترة طويلة منذ أن رأينا 'خارجيا'. لكن هذا شيء عادي أن يحاول خارجي الدخول لوكرنا العظيم. الغير عادي هو أن هذا الخارجي عبارة فتى يحاول تسلق السماء مع أنه لم ينضج بالكامل و لا زال غير مجنح."

تحدث الصوت العميق مرة أخرى مخلفا وراءه جوا هادئا بسبب الصمت القاتل. تحركت الأشجار فسُمِعت خشخشتها. و عندما نطق باسل مرة أخرى، طارت المحلقات عاليا هاربة كما لو أنها كانت تنتظر الصمت لينكسر.

"الخفي الخفي. الفتى غير مجنح، لكنه يعرف كيف يميز على الأقل ما السماء التي يستطيع تسلقها و التي لن يلحق نهايتها. و الفتى يعلم جيدا أين يقف الآن، لكنه لا زال لا يعرف مع من ! لما لا تظهر و نناقش الأمور بما أنك تحب التحدث و الدردشة."

"هذا هذا ! " قالها الصوت العميق قبل أن يكمل: "ما المؤهلات؟ و هل أنت أهل لها؟"

باسل الباسم قال: "إنني هنا. أليس هذا كاف لك؟"

تحدث الصوت العميق مرة أخرى: "لا. إنه غير كاف."

"همم ! " اصطنع باسل التعجب ثم قال: "هذه مشكلة إذا. ماذا عن هذا إذا؟"

تكلم باسل بداخله مفكرا: "لم أكن أريد استخدامه. لكن هذا لا يهم حاليا. طالما يمنحنني سببا للجلوس و التحدث فسوف أصرح به، و عندها أتحدث بصفتي باسل."

قال باسل أخيرا بصوت واضح: "أنا الجنـ..."

*وووووووووووووش*

*بااام* *بااام* *بااام*

فجأة، و قبل أن يكمل باسل كلامه، حدثت عدة انفجارات في السماء. هذه الانفجارات لم تكن بسبب النار، و لا بسبب أي عنصر سحري آخر. و إنما كانت بسبب الصوت الناتج عن تحرك لمخلوق ضخم ثقب الهواء و اخترق الصوت مولدا صدمات منفجرة عبر مسافة تمتد لمئات الأميال قبل أن يصل إلى السماء أعلى باسل و الآلاف من أعضاء القبائل.

تكلم أبهم بعدما رفع رأسه كالجميع: "سحابة؟ ! "

كان الجميع مستغربا من المنظر الذي في الأعلى. ما حدث قبل قليل لا يوصف ! هل تلك السحابة البيضاء هي السبب في الضوضاء المرعبة قبل قليل؟ الكل تساءل. أما باسل، فضاقت عينيه و ركزهما أكثر محاولا رؤية شيء آخر غير السحابة البيضاء التي ظلّلت الكثير.

"جنرال إمبراطورية الشعلة القرمزية الأعلى. قاتل الدم القرمزي. باسل. لست مخطئة، أليس كذلك؟"

تكلم صوت من السماء. هذا الصوت كان رقيقا و ناعما على عكس الصوت العميق التي أتى من حشد قبائل الوحش النائم. لكنه كان يجعل الأبدان تقشعر. كما لو أن هذا الصوت الناعم كان لجنية دماء أو حورية ماء. وراء صوتهن الناعم دائما ما تجد النية المستبدة.

"الجنرال الأعلى؟"

"من يتحدث؟"

"مع من يتحدث؟"

"ما الذي يجري هنا؟"

انتقلت الهمسات و الأصوات. بدأت الأوضاع تشوش الجو كما فعلت أفكار الحاضرين. و الشخصان اللذان كانا يعلمان من المقصود، أحدهما كان مندهشا من الصوت القادم من السحابة البيضاء و الآخر تغيرت نظراته، ابتسامته التي كانت تعتلي وجهه بالكامل قد اختفت و استُبدِلت بتعابير متحجرة خالية من المشاعر بينما توضح مدى جدية الوضع الذي أدركه.

حدق باسل بالأعلى و قال بنظرة ضيقة: "لقد كان هذا أسرع مما توقعت ! " ثم أكمل مرة أخرى بنبرة حادة: "ابتعد ! "

استغرب أبهم لأنه لم يعرف أ الكلام موجه له أم لا ! لذا قام باسل بالتكلم مجددا بعدما نظر إليه بتلك العينين الباردتين: "ابتعد بعيدا قدر المستطاع لتتجنب الصدمة."

نهض أبهم غير مدرك لما يحدث حتى الآن ثم ابتعد لعشرات الأمتار عن باسل. هذا الأخير وضع قبضتيه على الأرض و انكمش كالكرة في مكانه قبل أن يفعّل سحر النار الذي أحاط به في دائرة و شُحِن للحظات قبل أن يختفي باسل من على الأرضية.

*بوووم*

انفجرت الأرضية تحت باسل الذي ارتفع لعشرات من الأمتار بسبب انطلاقته المدوية و الثاقبة نحو السماء. كان باسل كالسهم الناري الذي أتى من سيد روحي.

باسل الذي حلق عاليا وصل لارتفاع السحابة البيضاء الضخمة. و بمجرد ما أن تساوى معها في الارتفاع حتى لكم نحو الأعلى مولدا انفجارا آخر جعله يتوقف. في الأخير، تكونت عاصفة نارية صغيرة تحت قدميه حملته بالسماء.

كل من على الأرض شاهد هذا المنظر و فتح فمه مصدوما مما حدث. تكلم الصوت العميق من بين الحشد في الأسفل: "ساحر بالمستوى السادس؟ ! بالقسم النهائي؟ ! فتى بهذا الصغر في مثل هذا المستوى؟ ما الذي يحدث في هذا العالم بالضبط؟"

أما باسل الذي وقف أخيرا في السماء متساويا مع السحابة البيضاء، تكلم أخيرا: "الرّخ. أشخاص محددون فقط من يمكنهم وضع قيد روحي في هذا العالم على وحش بمثل هذا المستوى. حلف ظل الشيطان. أعلن عن هويتك يا أيها المنادي. أمامك الجنرال الأعلى لإمبراطورية الشعلة القرمزية كما سألت."

"الجنرال الأعلى؟ لقد قال الجنرال الأعلى ! "

اضطربت الأوضاع على الأرض مرة أخرى. قال واحد من الحشد: "أيها الزعيم. أليس الجنرال الأعلى هو الشخص الأقوى في العالم الخارجي حسب تاريخ الأجداد؟"

كان هذا الشخص عبارة عن شاب في العشرينات. لا يعلم عن العالم الخارجي أبدا و لم يسبق له أن زاره. حاله كحال الأغلب. كلهم كانوا ينتظرون الجواب على نفس السؤال.

تكلم الصوت العميق من بين الحشد مرة أخرى: "الجنرال الأعلى؟ ! ما الذي يحدث في هذا العالم بالضبط؟ فتى بالمستوى السادس و هو الجنرال الأعلى؟ هل هذه عبارة عن مزحة؟ لم نتصل بالخارج لـ55 سنة فقط و تغير العالم لهذه الدرجة؟ كيف لهذا أن يحدث؟"

بدل أن يعطي الزعيم إجابته للمتسائلين، زاد من حيرتهم فقط بأسئلته هو الآخر.

"و ألم يقل قبل قليل الرّخ؟"

"نعم لقد سمعته يقول هذا ! "

تكلم الزعيم مرة أخرى بصوته العميق: "الوحش المعروف بجزره للرحالة الذين تجرؤوا على الدخول إلى منطقته بقارة الأصل و النهاية قبل 500 سنة. قيل أنه في مستوى خيالي لم يستطع أحد معرفته."

"انتظر..." ارتعد الصوت العميق لقليل من الوقت قبل أن يصرخ: "هل نحن أعمياء؟ إنه الرخ في الأساطير. حامل الفيلة و مدمر الأساطيل. حاكم الجبال الأوتاد و الجو. يا إلهي. إنها نهاية وكرنا العظيم. ما هذه النهاية المفاجئة التي حلت علينا؟ ! "

داخ الكل من الوصف الذي صرح به الصوت العميق. كان هذا الكلام جنونيا. لم يكن يحتاج لوصف الوحش حتى. كل ما كان عليه فعله هو تأكيد وجوده فوقهم. و هذا سيجعلهم كما فعلوا بالفعل أولاء ركاب فاشلة غير قادرة على الثبات في أماكنها.

عدم وضعهم لاحتمالية وجود مثل هذا الكائن في مثل هذا المكان، جعلهم أعمياء تماما من رؤية هذا المخلوق المتجبر الذي يعوم فوق رؤوسهم. بعدما فشلت ركاب غالبهم، بدأت أجساد الكثير منهم ترتعد.

من بين القصص الأسطورية التي تناقلت عبر الأجيال بينهم، كانت قصة الرّخ من بين الأعظم و الأكثر إخافة. حتى أصبح الرّخ يستخدم كقصص إخافة للأطفال الصغار و يضرب به المثل.

خسرت قبائل الوحش النائم الكثير من أعضائها في المذبحة قبل 500 سنة. لذا ترك الوحش المرعب الذي كان السبب في هذه المجزرة ندبا غير قابلة للشفاء.

تكلم الصوت الرقيق الناعم القادم من السحابة البيضاء مرة أخرى: "أقدم لك نفسي."

بدأت صورة شخص ما تظهر من على ظهر الرخ الذي اتضح جلوسه على سحابة بيضاء تغطي عشرات الأمتار في السماء. كانت الصورة تعود لامرأة في الثلاثينيات. بشعر أحمر و عينين خضراوين. ارتدت فستانا أسودا حالكا يكشف الجزء الأوسط من بطنها على شكل معين حيث توسطته سرّتها، إضافة لساقها اليسرى البيضاء. كانت عبارة عن امرأة جذابة للغاية. يمكنها أن تجعل لعاب الرجال يسقط كما تفعل قلوبهم من أجلها. كان بإمكانها أن تتحكم في أفعالهم آمرةً إياهم مستخدمةً جمالها الفاضل.

حركت شعرها الأحمر بيدها مزيحة إياه عن وجنتها الوردية قبل أن تقول بنظرتها الساحرة: "فضيلة كرَم، هذا اسمي. و أنا قُدمى كبيرة من القدماء الكبار الستة خدم سيدنا ظل الشيطان حاكم العالم و قائده للسيادة العظمى."

تكلم باسل متحدثا بنبرة هادئة: "ساحرة الليلة الحمراء. مبيدة مدينة الأوردة الشمالية من إمبراطورية الأمواج الهائجة. لقد سمعت عنك."

أغمضت فضيلة كرم عينيها ثم داعبت شعرها قبل أن تقول: "يبدو أن شاهين قد فتح فمه أكثر مما هو متوقع."

عبس باسل قليلا. يا له من هدوء لديها هذه المرأة. يا لها من هالة قاتلة تلك التي تحيط بها. كان باسل يحس بشفرات حادة تقطع جسده مع أن تلك المرأة لم تقم بأي تحرك حتى الآن. غير أنها رمقته بنظرة أخيرة بعدما انتهت من التكلم. تلك النظرة لوحدها كانت كافية لتنقل نية قتلها الشرسة لباسل.

ما فاجأ باسل هو صفاء نية قتلها التي كانت خالصة للغاية. لم يحس وراء هذه النية بأي شيء آخر. لا رغبة أخرى غير نية القتل فقط. عادة ما يكون المحاربون و المقاتلون يحملون بـنيّة قتلهم كراهيتهم، أسبابهم، و رغباتهم في قتلهم للعدو. لكن هذه المرأة لم تكن نية قتلها تحوي أي شيء من ذلك. كما لو أنها قالت أنها ستقتل باسل و لم يكن هناك سبب و لا دافع. لا شيء. كما لو أنها سلاح فقط و ليست بإنسان.

هذا ما جعل باسل يشعر بشفرات باردة تخترق جسده من جميع النواحي. كانت هذه أول مرة يواجه فيها شخصا من هذا النوع. و بما أنه اختبر نية قتل مثل هذه لأول مرة. شعر باسل بعدم الراحة و رفع من حذره لأقصاه. النملة سيحس بها إن حاولت التقدم نحوه.

تكلمت فضيلة كرم مرة أخرى: "أتيت إلى هنا لأتكلم."

قال باسل بعبوس: "همم؟ تكلُّم؟ ركوب الرّخ و الدخول بدَوْي. لا أدري إن كنت سأسمي هذا نية في التكلم ! "

تصرفت فضيلة كرم كسيدة راقية فقالت: "عذرا إذا. ركوب الرخ كان لأصل بسرعة. و الدوي كان نتيجة للسبب. و الآن، لما لا نتكلم؟"

"قولي ما عندك." حرّك باسل يده و أكمل: "أنا مستمع ! "

فتحت فضيلة كرم عينيها ثم حدقت بهما في وجه باسل. كانت عيناها خاليتان تماما من أي تعبير. و هذا كان سببا في ازدياد جمالها فقط. وجهها الصافي و الأبيض كان يعطي شعورا بالراحة و الاطمئنان. لكن بمجرد ما أن تطيل التحديق في عينيها الفارغتين حتى تجد نفسك غرقت في الهاوية.

قالت: "انضم لحلف ظل الشيطان. أطع و اخضع فتجنب الصرع الوهيط. اعصي و عارض فواجهه. اختر ما شئت."

ضاقت عيني باسل ثم قال: "عندما تنوين تهديدي المرة القادمة. لا تستخدمي كلمة جميلة كـ'التكلم'. لكن..." أخرج باسل سيفيه الأثريين و قال: "لن يكون هناك حاجة للقلق بهذا الشأن بعد الآن."

قالت فضيلة كرم مرة أخرى: "نيتي هي التحدث فقط. لا أكثر و لا أقل. لم آتي للقتال."

أجاب باسل: "ليس هناك كلام مع الأرواح الفقيرة. و لن يكون هناك أبدا."

شحذ باسل طاقته السحرية ثم استعد للقتال.

تنهدت فضيلة كرم ثم قالت مغمضة العينين: "لا مفر. إنه الصرع الوهيط."

فتحت فضيلة كرم عينيها فامتدت منهما نية قتلها التي جعلت الأشخاص الذين على الأرض يسقطون على الأرض واحدا تلو الآخر، من الأضعف للأقوى. كانت نية قتلها هذه تزداد حدة مع الوقت. و أخيرا، أخرجت رمحا ذو مقدمة بثلاث رؤوس. كان الرمح يحمل نقوشا أثرية، و كان لونه قرمزيا. و بتكثيف طاقتها السحرية به، موّجت فضيلة كرم الهواء بهالتها و تخللت هذه الأخيرة الجو جاعلة العديد من الأشخاص يضغطون للأسفل غير قادرين على الوقوف بشكل صحيح.

قالت أخيرا: "فلتذعن أمام حكم ظل الشيطان ! " حركت فضيلة كرم يديها من الأعلى للأسفل جالبة معها كارثة سوداء.

*ووووووش*

من تأليف Yukio HTM


الفصلان 124 و 125 بالمدونة

https://yukionovels.blogspot.com


أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/01/24 · 1,062 مشاهدة · 1737 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024