126 - مطاردة

حدق الجميع في باسل الذي هدأ فجأة و أحاطه سكون و هدوء عميقين للغاية.

تكلم صوت الزعيم من بين الحشد: "إنه يتدبر. لقد دخل في حالة الصفاء الذهني و الروحي بوسط معركة. أهو مجنون؟ سوف يتعرض للقتل على هذا الحال."

حدقت فضيلة كرم بباسل غير مدركة لمقصده من فعله هذا. لكنها بعدما رأت تلك الاختراقات المتتابعة، كانت مستوعبة أن الهدف وراء فعل باسل عميق. لا يمكنها أن تعرف ما هو، لكنها تعلم أنه سيعزز من قدراته مرة أخرى.

لم يكن من الممكن لفضيلة كرم السماح بمثل هذا الشيء أن يحدث على الإطلاق. شحذت رمحها مرة أخرى بعنصريها ثم قفزت للسماء عاليا ملتفة حول نفسها بشكل سريع للغاية فأطلقت الرمح الذي ثقب الهواء و صنع ضوضاء كما لو أن هناك نيزكا يخترق السماء.

*بوووم* *بوووم* *بوووم*

ارتفعت سرعة الرمح في كل دوي بالسماء فقطع عدة أميال في لمح البصر و بلغ هدفه.

*بااااااااااام*

كان الرمح سريعا للغاية. و الكل فتح فمه مرة أخرى من قوته المدمرة بعدما شاهدوا صنعه لحفرة عميقة و واسعة للغاية في الأرض. اعتقد الجميع أن باسل قد تحول لغبار بعدما أصيب بهذا الرمح الذي ترك آثارا كارثية.

و مع ذلك، كانت فضيلة كرم أول من رمقت ظلا تحرك بخطوات خفيفة غير تارك البصر يدرك خطوته حتى يكون أخذ بعدها خطوات عدة.

كان هذا الظل هو باسل الذي بدأ يستخدم الفن القتالي الأثري خطوات الرياح الخفيفة متحركا بسرعة جنونية في كل مكان.

في حين، كانت جراحه قد بدأت تلتئم شيئا فشيئا كما حدث المثل مع تصدعات عظامه.

حدقت فضيلة كرم بباسل الذي ينتقل من بين الأشجار الضخمة محاولا التخفي.

فضيلة كرم التي عادت و وقفت على ظهر ذلك المخلوق، صفقت بيدها فحركت السحابة الضخمة التي تحمل المخلوق الضخم فانطلقت بشكل سلس و هادئ نحو المكان الذي يتوارى به باسل.

كان باسل يتحرك كثيرا من غير توقف على طول أميال ذهابا و إيابا عرضا و طولا. كانت تحركاته عشوائية. و مع ذلك، بالنسبة لفضيلة كرم، ساحرة المستوى الحادي عشر، لم يكن من الصعب رصد تحركاته هذه. في لحظة حلقت و وقفت أمام طريق باسل ثم حدقت فيه بعمق و إذا بها تتفاجأ بما رأته.

كان باسل يتحرك باستخدام الفن القتالي الأثري و يتدبر في نفس الوقت. كانت إحدى عينيه مغلقة و الأخرى مفتحة. برؤيتها لهذا المنظر و دهشتها منه. قالت فضيلة كرم من دون أن تشعر: "انقسام الوعي؟ ! "

شعرت فضيلة كرم بالرعب مما فعله هذا الفتى. إنه يتدبر و يتحرك في نفس الوقت. هذا شيء لا يمكن سوى للخبراء العظماء من السحرة الروحيين القيام به. حتى هي لا تتقنه.

لم تشعر فضيلة كرم بالرعب من باسل و إنما من إمكانياته. لا تعلم ما الذي قد يصل إليه هذا الفتى. و كل ما شغل بالها في هاته اللحظة هو متى قام باسل بتعلم انقسام الوعي !

حتى بعد رؤيتها للفن القتالي الأثري الذي يستخدمه باسل حاليا، لم يتزعزع قلبها و لو قليلا. لكن انقسام الوعي كان أمرا غير متوقع على الإطلاق.

في هذه اللحظة.، بانقسام الوعي، كان بإمكان باسل أن يكون بداخل بحر الروح و خارجه في نفس الوقت.

(بداخل بحر الروح)

تكلم باسل مبتسما: "يبدو أنها انطلت عليها الخدعة بما أنه لم يحدث لي شيئا. لقد كان تدريبا شاقا ادعائي بأني قسمت وعيي. حتى أكبر الموهوبين العظماء لن يستطيعوا فعل شيء مثل انقسام الوعي الذي يتطلب بلوغ المستويات الروحية كشرط أساسي."

تذكر باسل كونه مع معلمه حيث تعلم طريقة يمكنها أن تجعل العدو يعتقد أنه لا زال واعيا كليا تاركا العدو يأخذ حذره كما كان و لا يهاجمه بعدما يدخل لحالة الصفاء الذهني و الروحي.

تدرب باسل على التدبر بأعين مفتوحة و بالوقوف و بالتحرك. عندما كان يدخل لبحر الروح كان يتوقف عن التحرك. لكنه استطاع تتبع تعليمات معلمه و أتقن الطريقة الصحيحة في معركة ضد معلمه.

استطاع باسل أن يجعل من حواسه ترتفع للحد الأقصى فيجعلها تستشعر الخطر من بعيد. هكذا كان قادرا على تحريك جسده لا إراديا بعيدا عن كل ما يمكن أن يصيبه بأي خطر. كما لو أن جسده يتجنب الخطر تلقائيا.

لم يستطع باسل إتقان هذه الأمر على الإطلاق حتى وضعه المعلم في موقف حياة و موت. عندها كان باسل قادرا على تسخير حواسه بالكامل و تجنب هجوم معلمه الذي حمل نية قتل لم يرى باسل مثلها إلى يومه هذا.

"ربما كانت نية القتل المستبدة تلك ما أنشط حواسي."

و مع ذلك، لم يكن بإمكان باسل الاستمرار في التحرك لوقت أطول. لكنه بعدما أتقن استخدام الفن القتالي الأثري، أصبح بمقدوره التحرك بدوام.

حدق باسل في القطعة الأرضية ثم تكلم من جديد: "لقد ازداد كبرها بحوالي سنتمتر."

بمجرد ما ان تذكر باسل شكل القطعة الأرضية من السابق كان قادرا على ملاحظة نموها الصغير. و هذا الأمر جعله يخمن سبب هذا. استطاع باسل الاستنتاج أن الطاقة التي تشفطها القطعة الأرضية ثم تركزها و تنقيها محولة إياها لطاقة روحية هي ما جعلتها تنمو هكذا.

حدقت فضيلة كرم في باسل الذي انطلق كسهم ثاقب نحوها ثم غير طريقه في آخر لحظة قبل اصطدامه بالسحابة الضخمة.

استغربت من تحركاته هذه لكنها كانت تأخذ حذرها كالسابق بما أن باسل لا زال واعيا بالأحداث هنا و يمكن لأي ثغرة في دفاعها أن تتسبب في قتلها.

تحدثت فضيلة كرم: "سيكون من الصعب اللحاق به في كل مرة. إن أراد اللعب بالفنون القتالية الأثرية، فله ذلك."

قفزت فضيلة كرم من على المخلوق للأرض ثم وقفت و تنفست ببطء قبل أن تفعل التعاويذ الذهنية الروحية ببحر روحها مطلقة العنان لهالة ثقيلة. لم تكن هذه الهالة ناتجة عن أي طاقة سحرية أبدا. السبب الذي جعل من حضور فضيلة يتكثف كان تفعيل الفن القتالي الأثري المتصل بنقط أصلها و بحر روحها.

كان الفن القتالي يعزز من القدرات البدنية، السحرية، الروحية، و الذهنية. و لهذا كان الساحر الروحي الذي يتقن و لو جزءا بسيطا -الجذع الأول- من الفن السامي يوصف و يلقب بخبير الفنون السامي. كان يستطيع قتل السحرة الروحيين و صنع المجازر التي تخلد اسمه عبر التاريخ و يجعله موضوعا بين أسماء أكثر الشخصيات الأسطورية.

فعلت فضيلة كرم طاقتها السحرية كذلك و استخدمت كلا عنصريها فازدادت هالتها شراسة مرة أخرى و استطاع الناس على بعد أميال من الشعور بقوتها و جبروتها العظيمين.

كان باسل لا يزال يتحرك بشكل عشوائي في كل مكان. كان يجري بسرعة كبيرة للغاية. جسده أصبح شبه معافى. و في كل مرة يقترب منها بالاصطدام من شيء ما، يضرب بقدمه على الأرض مغيرا اتجاهه في آخر لحظة مخلفا بذلك حفرة كبيرة وراءه.

ضربت فضيلة كرم برمحها على الأرض و اختفت من أمام ناظر الجميع بعدما انجلى الغبار. كان هذا الأمر غريبا للغاية و لم يفهم أي أحد ما حدث أبدا.

*خطوة* *خطوة*

*وووووش*

*خطوة* *خطوة*

*وووووش*

بينما يتحرك باسل. كان هناك شيء ما يزحف لاحقا إياه أينما ذهب. كان هذا الشيء عبارة عن ظل أسود بالأرض يتحرك بسرعة خاطفة كان بإمكانه مجاراة تحركات باسل.

*بوووم*

في لحظة، عندما كان باسل يتحرك بمحاذاة جبل ما، لم يعرف ما الذي حدث حتى كان هناك رمح أسود يصنع أصوات مدوية يمكنها كسر العظام و صعقات برقية بمقدورها شوي اللحم.

هذا الرمح استهدف عنق باسل. لكن هذا الأخير استجاب له بحواسه الخارقة و قفز للأعلى قبل أن يضرب بقدمه على الجبل الذي انهدمت واجهته تلك بفعل قوة الرمح الكبيرة و يكمل جريه كالسابق.

الناس الذين اقتربوا ليحصلوا على رؤية جيدة للقتال، صدموا و لم يعرفوا ما حدث بالضبط حتى تكلم واحد منهم معبرا عما رآه بنبرة مهتزة: "هل انبثق ذلك الرمح المرعب من الأرض قبل قليل؟ ! "

"لقد رأيت الأمر نفسه. لا شك في أنه خرج بسرعة كبيرة من الأرض من دون سابق إنذار."

*وووش*

فجأة، امتد ظل أسود حالك ثم التف على نفسه بشكل دائري قبل أن يتشكل و يتخذ هيئة امرأة.

جعل هذا الأمر الناس ترتعب قبل أن يظهر من الظل الأسود فضيلة كرم المرتدية للفستان الأسود الحالك. جعل هذا الشيء المشاهدين يصعقون تماما و يصرخون برعب.

"ما الذي فعلته هذه المرأة قبل قليل؟ ! "

"لقد ظهرت من الأرض بشكل سلس و غريب. ما الذي حدث؟"

"لقد ظهرت من ظل ما."

"كما لو أن ظلا ما خرج من تحت الأرض و أصبح هذه المرأة."

تكلم الزعيم من بين الحشد: "كما لو كانت داخل ظلها و خرجت منه."

حركت فضيلة كرم شعرها ثم تمتمت: "هناك شيء ما غريب ! "

أما باسل الذي كان في بحر الروح. كان يتحكم في تعاويذ تلتف حول الجسم الأبيض. تعابيره لم تكن بالمرتاحة و حاجبيه كانا مشدودين في حين كان يعصر يديه على ركبتيه.

كان وعيه كله مركز على التعاويذ حيث كان يحاول جعلها تطبق هيمنتها على القطعة الأرضية التي أطلقت نورا ساطعا و طاقة لا مثيل لها غير تاركة أي ثغرة للتعاويذ كي تسيطر عليها.

كانت هذه القطعة الأرضية بإرادة لا يمكن كسرها. استمر باسل في الهجوم بالتعاويذ التي ضغطت بقوة كلمات الفن السامي مطبقة بذلك إرادة مستخدمها و عزيمته.

تكلم باسل بعينين ضيقتين بينما يطلق نيته تجاه القطعة الأرضية التي تصده كالجدار الغير قابل للاختراق: "هذا بحر روحي. لن أسمح لأي شيء أن يقف في مساري الروحي أبدا. الأرواح الفقيرة من تبيع روحها و تجعلها خاضعة. لن يتحكم بي أحد كما لن يأخذ مني أحد. بحر روحي ملكي، و لن أسمح بفقدان و لو شبر منه لطاقة غير قابلة للسيطرة من قبلي. أنا المالك الحقيقي، و أنا الحاكم المتحكم المطلق هنا. ارضخي و استكيني."

صرخ باسل بالكلمتين الأخيرتين كما توهجت التعاويذ أكثر مسببة تذبذبا كبيرا في بحر الروح بأكمله و زعزعة جعلت هيئة العنصرين تختل.

استمر باسل في الصراخ بشدة كما استمر الاحتكاك العنيف حتى وصل لنهايته في الأخير.

*بووووووم*

انفجرت الطاقة من القطعة الأرضية فكسرت تشكيل التعاويذ و جعلته من دون فائدة.

أحس باسل بالخلل في نقط أصله و كان يتنفس بصعوبة مما أثر على جسده و على سرعته أيضا فبدأت فضيلة كرم التي اندمجت مع ظلها و سارعت في الانسلال بالأرض لاحقة باسل الذي بدأت سرعته تقل شيئا فشيء.

*ووووش* *ووووووش*

اقتربت فضيلة كرم أكثر و أكثر و عندما أصبحت بالقرب الكافي حيث كان باسل يبعد عنها بأمتار فقط، قفزت للسماء مندفعة من الظل على الأرض و أرجعت يدها للخلف ثم أطلقت رمحها الذي كان مشحنا بكامل طاقتها السحرية المشحوذة.

*زباااااااااااام*

صنع الرمح الظلامي دويا ثاقبا و ضجيجا كان آتيا من السحب التي التقت ببعضها بداخله و البرق الذي امتد على عنصر الظلام النهم.

*ججججج*

الرمح الذي انطلق من يد فضيلة كرم وصل بسرعة غير معقولة إلى هدفه و التقى به.

*بااااااااااااااام*

التقى الرمح بباسل فحدث انفجار هائل محى جزءا كبيرا من الجبل الذي كان باسل قريبا منه.

بقي الكل فاتحا لفمه حتى كادت أذقانهم للأرض مع صعودها و نزولها المستمرين بسبب خوفهم مما رأوا قبل قليل. لقد كانت تلك قوة مدمرة للغاية.

*بووووووووووم*

و قبل أن يرتاحوا حتى. انفجر ضوء ساطع من بين الغبار الذي غطى المرأى كله. كل من كان موجودا لقي نفسه على ركبتيه الفاشلتين. لم يهم من كان، كل شخص ثنيت ركبتيه جاعلته على الأربع.

كان هناك الآلاف من الأشخاص على الأرض مما صنع منظرا غريبا للغاية. كلهم لم يستطيعوا الوقوف و البعض منهم من استطاع رفع رأسه فقط ليرى ما الذي يحدث.

كانت فضيلة كرم الوحيدة الواقفة على رجليها مع شعورها بالهالة الطاغية التي تأتي من الضوء الساطع من الغبار.

في تلك اللحظة، تكلم صوت هادئ للغاية متحدثا: "يبدو أنني كنت الجاهل هنا. فلم أعلم أنني كنت أهاجم و أدافع في نفس الوقت."

من تأليف Yukio HTM

الفصول من 127 إلى 134 بالمدونة: https://yukionovels.blogspot.com

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/02/15 · 1,022 مشاهدة · 1795 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024