131 - مخططات

"حقا؟ لم نكن نعلم شيئا عن هذا ! لطالما كرهت فكرة الانعزال الكلي عن العالم الخارجي. كان يجب على الكبار اتخاذ الأمور بحكمة أكثر. تغير حاكم الإمبراطورية مرتين في غضون خمسين سنة فقط ! هذا ليس بشيء سهل . " أكملت لمياء قائلة: "لقد سمعت من سلفي عن عائلتي غرين و كريمزون. قبل خمس و خمسين سنة، حاولت إمبراطورية الشعلة القرمزية استعباد الكثير من أعضاء قبائلنا. لذا، كان هناك صراع حاد بين الطرفين استمر لست أشهر. في النهاية، بسبب تلقي كلا الطرفان أضرارا وخيمة، توصلا لاتفاق يقوم على عدم التدخل و التداخل فيما بينهما لمدى الحياة."

استغرب باسل و أبهم من القصة. هناك العديد من الأشياء المريبة التي شغلت ذهن باسل. قبل خمس و خمسين سنة كان أب الكبير أكاغي هو الحاكم. و لم يعرَف عنه أي شيء كالطغيان على العامة أو القبائل الخارجية. على العكس، كان معروفا برحمته و عطفه. كان يزور بعض النبلاء و يحرر الكثير من العبيد. هكذا حرر الرئيس تشارلي أيضا.

تكلم باسل واضعا يده على ذقنه: "هذا أكثر من أن يكون مجرد صدفة ! "

تعجبت لمياء و أبهم فسألت الأولى: "ما الذي تعنيه؟"

"لقد أتيت إلى هنا و بنيتي اكتشاف سبب الحرب قبل خمس و خمسين سنة ثم التوصل لحل مناسب. لكن، قلت أنك سمعت عن عائلة غرين من سلفك. هذا يعني أن اتصالا من نوع ما كان بينهما. قد لا يكون هناك من الوهلة الأولى أي علاقة واضحة. لكن عندما تضيفين قصتك على الخاصة بي و تفكرين في المدة بين الحرب و الانقلاب التي كانت قصيرة للغاية."

فتحت لمياء عينيها بشدة كما لو أنها تنورت أخيرا و قالت: "هل يمكن...؟"

أكمل باسل: "إنها عائلة غرين. قبل خمس و خمسين سنة اندلعت الحرب. بعدها بأقل من خمس سنين تم الانقلاب. إنها أكثر من أن تكون مجرد صدفة. عندما تضع في الحسبان مخططات عائلة غرين التي استمرت لآلاف السنين، سيصبح الأمر منطقيا أكثر."

"لكن، كيف؟" قالت لمياء متسائلة: "كيف لهذا أن يكون ممكنا؟ حتى قبل الحرب قبل خمس و خمسين سنة كانت قبائل الوحش النائم غير ودودة مع العائلات الخارجية و اتبعت قوانينها الخاصة. كيف يمكن لعائلة غرين أن تنشب حربا بيننا و بين إمبراطورية الشعلة القرمزية؟"

قطب باسل و قال بنبرة هادئة: "أحقا أنت بحاجة للسؤال؟ أم أنك لا تريدين التفكير بالأمر فقط؟"

بادلته لمياء القَطب ثم تكلمت بعدما أحكمت يدها على العصا الخاصة بها و التي تضعها على حجرها: "خائن ! " اهتزت الأرض من تحتها ثم ضربت بقبضتها نحو الأسفل حافرة حفرة وصل قاعها لثلاث أمتار. لم تكن هذه الحفرة عريضة لكنها كانت عميقة. و بدت كما لو أنها ثقب صنع من طرف سحر ضوء حارق صنع طريقه للأسفل عبر حرارته المفرطة.

صعدت القشعريرة مع جسد أبهم الذي شاهد هذا الأمر كما لمعت عيني باسل أكثر. سمع بأجساد أعضاء قبائل الوحش النائم الخارقة و قرأ عنها في بعض الكتب التي تهتم بالقبائل، لكن الفرق بين الرؤية و السمع أو القراءة مثل الفرق بين السماء و الأرض. اهتز جسد باسل أيضا. لكنه لم يكن مثل أبهم الذي ارتعد من قوة المرأة التي كانت ساكنة قبل أن تنفجر فجأة، و إنما كان متحمسا و غير قادر على إيقاف فضوله و رغبته في اختبار هذه الأجساد بنفسه.

تكلم باسل بعدما هدّأ من نفسه: "أتفهم شعورك، لطالما كان الخائن مكروها في جميع الأماكن و الأزمان."

صرخت لمياء بغضب و سطوع بارد ومض من عينيها: "أنت لا تفهم ! الخائن ليس فقط مكروه بقبائلنا. إنه عار أسود. وصمة فاحمة قاتمة. قبائل الوحش النائم الفخورة. عندما يصبح معلوما أن هناك خائنا بيننا، كيف لنا أن ننادي أنفسنا بالفخورين؟ كيف لنا أن نحتفظ بعزنا و كرامتنا؟"

لاحظ باسل نظرة التحسر البادية على لمياء. مع أنه في مثل هذا الموقف، ظهرت ابتسامة على وجهه جعلت أبهم مستغربا. أما لمياء، فلم تراها لأنها كانت تحدق بعينيها الغاضبتين نحو الأسفل.

لم تكن ابتسامة باسل شيطانية أو مصطحبة معها أي نوايا غدر أو مكر. حتى أن أبهم الذي استغرب في الأول، فهم في الأخير لم ابتسم باسل. كانت ابتسامة هذا الأخير تقديرا للشخص الذي أمامه. برؤيته لتصرفات لمياء، لم يكن بوسع باسل سوى الابتسام كأنه فرحان. أما أبهم، بمشاهدته لباسل، ابتسم هو الآخر من تصرف سيده و شعر أنه بدأ يفهم باسل أكثر شيئا فشيئا.

رفعت لمياء رأسها فحدقت بباسل فوجدته يبادلها النظر بنظرة جدية. فلمحت بعد ذلك أبهم مبتسما. عندها، ظهر وميض خفيف من عينيها جعل القشعريرة تصعد مع جسده. حدق أبهم في باسل بنظرات كما لو أنه يلومه على خداعه.

قال باسل: "نحن لا نعرف من هو هذا الخائن حتى الآن. لكن لا شك في أنه ذو نفوذ. قد يكون من الكبار الخمس ! "

نبض قلب لمياء بسرعة أكثر و فتحت عينيها مرة أخرى: "هذا... ! "

أكمل باسل: "هذا مجرد توقع مني. لا زلنا لا نعرف من هو. لكن لا شك في أنه شخص ارتفع نفوذه أكثر مما كان عليه قبل خمسين سنة. فإن كان هناك أي اتفاق بينه و بين عائلة كريمزون، لابد من أنه تلقى مكافأة ساعدته في الارتقاء. لكن هذا بحكم أن عائلة غرين وفت بوعدها له."

تكلمت لمياء بعدما فكرت لقليل من الوقت: "لا، ليس هناك أي شخص كهذا. لقد ظل الكبار الخمس هم نفسهم و لا زال نفوذهم هو نفسه من دون أي تغير. هناك العشرات من القبائل الأخرى. أنا لا أعلم عن وضعية كل واحدة منها. سوف أبحث في هذا الأمر أكثر."

ابتسم باسل عندها و قال: "لا، لا تحتاجين لفعل كل هذه الأمور المتعبة. أسهل طريقة لكشف الخائن هي منحه ما خان من أجله."

لم يفهم أبهم و لا لمياء المقصود من كلام باسل.

*****

هناك ثلاث قارات عظيمة في هذا العالم. قارة إمبراطوريتي الشعلة القرمزية و الأمواج الهائجة و التي تسمى بـ'القارة العظيمة'. و بشمالها الأقصى، تتواجد قارة إمبراطورية الرياح العاتية و التي تلقب بـ'القارة المتوسطة'. و أخيرا قارة الأصل و النهاية التي اتخذت غرب القارتين معا كموقع لها.

إضافة لهاته القارات الثلاث، كان هناك أرخبيل يطلق عليه أرخبيل البحر العميق. كان هذا الأرخبيل يتموضع بشرق القارة العظيمة و القارة المتوسطة. كان هذا الأرخبيل شاسعا للغاية و لم يكن من المبالغ وصفه بالقارة الرابعة الصغرى.

لكن بما أنه كان كله منطقة محظورة، لم يجعله الناس منطقة مأهولة و كان مثله مثل قارة الأصل و النهاية. و مع ذلك، هذا لم يمنع ذلك الشخص من اختيار هذا المكان كقاعدة لحلفه. بما أنه كان يأتي بشرق الإمبراطوريات الثلاث كلها، كان الموقع المثالي الذي يحتاجه. فإن أراد أن يهجم، لن يكون عندها سوى قارة الأصل و النهاية أمام الهاربين منه.

بقلب هذا الأرخبيل، كان هناك مقر حلف ظل الشيطان. كان الأرخبيل عبارة عن آلاف الجزر التي صنعت شكلا يشبه مثلثا شاسعا للغاية امتد لعشرات آلاف الأميال.

كانت حيتان قلب البحر العميق تقفز في الجو بأعداد كبيرة للغاية مكونة منظرا رهيبا. لم تكن هذه الحيتان لطيفة كباقي حيتان العالم. بل كانت شرسة جدا و تتحرك في مجموعات لصيد الوحوش السحرية من سواحل جزر أرخبيل البحر العميق. فبالرغم من أنها لم تكن وحوشا سحرية، إلى أنها كانت وحوشا طبيعية بإمكانها افتراس كل ما يقف في طريقها.

أسرع كائن غير سحري بالبحر هو خيل البحر الملكي. لكن عندما تأتي للتكلم حول أقواهم، لا يمكنك سوى الإقرار بهيمنة هذه الحيتان هائلة الحجم إذ يتراوح طولها بين الخمسين و المائة متر. و كانت تتنقل عبر المحيطات و البحار من أجل توسيع سيطرتها و حكمها.

هذه الوحوش الهائلة التي تعتبر من حكام البحر العميق، كانت في هذه الأثناء تنقل عشر سفن عملاقة. كانت الحيتان مربوطة بأختام سحرية تجعلها تنصاع للأقوى منها. كانت مربوطة بالسفن جارة إياها وراءها بسرعة كبيرة.

بتحرك الحيتان، تولدت أمواج بيضاء هائلة و فيضانات صغيرة. و وصل عددها لحوالي المائة. كل سفينة يجرها عشرة حيتان. و هكذا انطلقت هذه السفن التي تحمل جيشا عظيما وصل عدد جنوده لخمسين ألف متجهة نحو القارة المتوسطة التي تحكمها إمبراطورية الرياح العاتية.

حدق شخص ما يركب على إحدى السفن في الأفق و الشمس الغاربة التاركة وراءها قبل اختفائها لونا برتقاليا محمرا مكوِّنا شفقا لا مثيل له يجعل النفس مشوَّقة و مشتاقة لظهور الجرم السماوي مرة أخرى بالفجر و التمتع بسطوعه الذي سيكمل دوره في جعل النفس تشتاق للغروب مرة أخرى.

تكلم هذا الشخص بعد تنهيدة طويلة: "في ذلك اليوم، لقد أقسمت على اتباع سيدي باسل و قررت موالاته إلى مماتي. لقد غير حياتي كلها كما فعل لحياة الكثير من الأشخاص. سوف أنجز هذه المهمة مع تشكيلك يا سيدي على أتم وجه من دون فشل. لذا فلتطمئن فقط."

تنهد ناصر مرة أخرى تنهيدة طويلة. في هذه الأثناء، كان تورتش يقف بعيدا عنه و سمع ما قاله. ضحك في البداية على تصرف ناصر، لكن نظرته تحولت لتصبح جدية أكثر من أي وقت مضى بعدما رأى نظرة ناصر الوقورة و أحكم قبضته ثم شد عزيمته أكثر و غادر للطرف الآخر من السفينة ثم بدأ يتدبر بعدما شرب إكسير التقوية ممضيا الليالي القادمة على ذلك الحال.

حل الليل و هبت رياح مشؤومة من جهة أرخبيل البحر العميق. ركع شخص ما على ركبة واحدة ملقيا التحية عبر شبكه لقبضته بيده الأخرى قائلا: "سيدي سعير. لقد مرت مدة من الوقت، و لم تظهر أي علامات لمحاولة الإمبراطور شيرو في التوصل معنا. ما خطوتنا القادمة؟"

كان هذا الشخص هو واهج الذي اختطف الأميرة شيرايوكي. و كان يوجه كلامه لسيده أحد القدماء الكبار سعير. قطب سعير ثم قال: "سيدنا حلف ظل الشيطان وقع في غرام الأميرة المهقاء. لا يمكننا سوى التماشي مع الأمر. أما الإمبراطور شيرو، فأظن أنه سيقترض مساعدة المدعو باسل. لكن لا داع للقلق بهذا الشأن. لأنه في النهاية شيء متوقع. خطفت الأميرة ليتم جذب ذلك الغر إلى هنا في المقام الأول و ليس الإمبراطور شيرو."

"لقد أخبرتنا ساحرة الليلة الحمراء عن قوته و مكانه الحاليين. في الواقع، كانت قوته صادمة على غير المتوقع. لكن لا داع للقلق. كل شيء سوف يتم هدمه من سيدنا هدام الضروس ظل الشيطان المختار من السادة العظماء و قائدنا للسيادة العظمى."

أحنى واهج رأسه و قال باحترام شديد: "كل العالم ملك لسيدنا العظيم ! "

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/03/07 · 1,006 مشاهدة · 1577 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024