134 – اتصال روحي

بعد الدخول عميقا في السلاسل الجبلية الحلزونية و القبول على الليل، بدأ باسل يتكلم مع معلمه أثناء المسير: "أيها المعلم، قلت أنك اكتشفت السبب في امتلاكي لطاقة روحية. أيمكنك إخباري به؟"

كان يتحرك الاثنان بخفة كبيرة للغاية بينما يتوغلان للداخل أكثر. و عندما سمع إدريس الحكيم سؤال تلميذه، عبس قليلا ثم قال: "لقد حدثتني عن المخطوطات الروحية التي وجدتها. في الأول، عندما لم يكن هذا بعلمي، فلم أستطع التفكير في أي سبب. لكن، بعدما علمت عن المخطوطات، كل ما كان علي فعله هو استخدام القليل من المجهود و سأكون مستنتجا السبب."

ابتسم باسل متحمسا و أكمل أسئلته: "إنك حقا لمدهش أيها المعلم. كانت لدي شكوك فقط. و حتى أن هذه الشكوك تولدت من سيطرتي مؤقتا على القطعة الروحية، لكن من كان يظن أنك..."

توقف المعلم فجأة بمكانه جاعلا باسل يتوقف عن الكلام سائلا إياه: "ماذا هناك أيها المعلم؟"

"سيطرت على القطعة الأرضية؟" سأله إدريس الحكيم بنظرات مندهشة للغاية. كما لو أنه لا يصدق ما قاله باسل.

لم يفهم باسل ما الذي يقصده المعلم حتى الآن فأجاب مستغربا: "نعم. عندما كنت أقاتل العدو، دخلت لبحر روحي و استطعت إتقان السيطرة عليها. لقد فهمت فيما بعد أنها متصلة بإرادة بحر روحي و الذي بدوره متصل بإرادتي الخاصة. و لم يكن علي القيام بأي شيء سوى إيصال نقط الأصل الخاصة بي و إرادتي بالقطعة الأرضية نفسها و من ثم بإرادة بحر روحي لأكون قادرا على استخدام جزء من قوتها."

بقي إدريس الحكيم متجمدا بمكانه قبل أن يقول: "قلت أنك تعرف السبب أيها الفتى باسل. أخبرني ما تعلمه."

لا زال باسل لا يعلم عن الشيء الذي يجعل معلمه يتصرف هكذا، لكنه أجاب بالرغم من ذلك: "أظن أن المخطوطات الروحية كانت قادرة على إقراضي بعضا من الطاقة الروحية أو شيئا ما كهذا. ليس لدي علم عميق بالطاقة الروحية، لذا كل ما كان بإمكاني تخمينه هو أن السبب في امتلاكي طاقة روحية هو المخطوطات الروحية. فهي الشيء الوحيد الذي زاد بي قبل قتالي للعدو قبل ثلاثة أشهر. و هي روحية بعد كل شيء."

"أيها الفتى باسل..." تكلم إدريس الحكيم بنبرة حادة: "لا شك في أن المخطوطات الروحية هي السبب في امتلاكك للطاقة الروحية. لكن السبب أعمق مما تعتقده بكثير."

تعجب باسل. ماذا يمكن أن يكون السبب بالضبط؟

اعتلى وجه إدريس الحكيم تعبيرا قاسيا قبل أن يقول: "يبدو أنني تأخرت. فعلى ما يبدو، لقد أتممت الاتصال كليا بالمخطوطات الروحية. كنت أنوي استخدام بعض الطرق و الأساليب السيادية لفصل علاقتك بها نهائيا، لكن يبدو أن هذا لم يعد ممكنا."

لا زال باسل مستغربا غير فاهم لما يتحدث عنه إدريس الحكيم. تكلم هذا الأخير مكملا: "أيها الفتى باسل، ما جعلك تمتلك طاقة روحية هو بلا شك المخطوطات الروحية. لكن كيفية حدوث هذا هو الأهم. بعدما التقطت هذه المخطوطات الروحية و بقيت عندك لمدة طويلة، حتى أنك قاتلت و هي معك، اتصلت إرادتها و نية مالكها بإرادة بحر روحك. بسبب التحديات التي واجهها بحر روحك في آخر مرة، تفعّل الاتصال بين بحر روحك و هذه المخطوطات السحرية."

"الاتصال هو القطعة الروحية نفسها. القطعة الروحية من نطاق الأرض الواسعة. لكني كنت قادرا على الفهم بأن أي مخطوطة قادرة على صنع اتصال بإرادة بحر روح شخص آخر بإرادة و نية سيدها فقط فضلا عن إجبارها هذا الاتصال من دون موافقة الطرف الآخر حتى لو كان بمستويات الربط فقط، فلا شك أنها تعود لشخصية عظيمة للغاية."

لا زال باسل غير مستوعب للكثير من الأمور حتى الآن لكنه يواكب. أكمل إدريس الحكيم: "بما أنها تعود لشخصية عظيمة، فلا شك أنها تحمل قوة لا تقهر بها. مما يعني أنها قادرة على منحك قوة أكبر من التي تأتي من نطاق الأرض الواسعة فقط. لكن يبدو أن إرادتها و نيتها قد قامت بالحسابات جيدا. فمما رأيت في المرة السابقة التي عالجتك بها، لاحظت أن الطاقة الروحية التي بجسدك هي أقصى حد يمكن لبحر روحك تحمله في تلك اللحظة. قل لي، يجب أن تكون قد لاحظت نموا و لو كان طفيفا بالقطعة الأرضية."

عندها، تذكر باسل اللحظة التي دخل بها لبحر روحه و لاحظ نمو القطعة الروحية بسنتمتر من جميع الجهات. صدم تماما من معرفة معلمه بهذا أيضا فسأل مسرعا: "كيف أيها المعلم؟ كيف لك أن تعرف هذا؟"

ظل إدريس الحكيم محافظا على عبوسه قائلا: "لقد قلت لك. إن المخطوطات الروحية بإمكانها منحك طاقة روحية أكثر بكثير، لكنها لا تفعل لأن هذا سيحطم بحر روحك. لكن، ألا تنمو أنت و بحر روحك أيضا؟"

تفاجأ باسل و فهم. قال عندها: "هكذا إذا، كلما ازداد مستواي ازدادت الطاقة الروحية التي تمدني بها المخطوطات الروحية."

قطب إدريس الحكيم أكثر ثم قال: "هذا صحيح. لا زلت لا أعرف السبب بالضبط لما اختارتك هذه المخطوطات الروحية، لكني لا أستشعر شيئا جيدا."

لاحظ باسل عبوس معلمه المستمر فسأل: "ما الخطر أيها المعلم؟"

"هناك بعض الوسائل لتغيير الأجساد، يتم هذا بالاستبدال الروحي، أو الاستيلاء الروحي، أو بيع الروح. هذا الأسلوب الأخير سبق و أن شرحته لك لأنه يتضمن وهب الروح مقابل الحصول على شيء، لكنه لا يشمل هذا فقط، بل أيضا يستطيع الشخص السيد الاستحواذ على جسد الخاضع."

تغيرت تعابير باسل قليلا. فهو فهم ما يحاول معلمه قوله. بمعنى آخر، هناك من يحاول الاستيلاء على جسده الخاص.

أكمل المعلم: "لكنه يستخدم الاتصال الروحي و الذي يجعل روحين متصلتين ببعضهما البعض. لكني لم أسمع أبدا عن جعل هذا الأسلوب كوسيلة لتمرير الطاقة الروحية و الاستيلاء بها على جسد شخص آخر. لقد أتممت الاتصال كليا عندما استخدمت المخطوطات آخر مرة. قلت أنك ربطت إرادتك بالقطعة الأرضية و من ثم بإرادة بحر روحك. هذا خطير حقا."

أحكم إدريس الحكيم قبضته ثم ظهرت القليل من نية قتله التي جعلت الوحوش السحرية في السلاسل الجبلية الحلزونية بأكملها تهتز من الجزع و الفزع هاربة عائدة لأوكارها. كانت نية القتل هذه مستبدة للغاية و جعلت باسل الذي أمامها يمر بوقت عصيب.

تحركت الأشجار ذهابا و إيابا بسبب هالة تسببها أحكام جبارة قاهرة تجعل النفس تفزع كثيرا. في الوقت نفسه، ظهرت ثلاث كرات بضوء أزرق فاتح أقرب للأبيض فوق رأس إدريس الحكيم فجعلت الجو أثقل و صعب التنفس به، و بدت كأنها تحمل بداخلها كواكبا و نجوما و مجرات.

التفّ حول هذه الكرات الثلاث حروف رونية جاعلة من كل شيء مرئي و واضح لها، و كل شيء مخفي و غامض بها. و بدت كما لو أنها تحمل معرفة شاملة و لغزا عظيما حول ما يقع و يقبع بتلك الكواكب و النجوم و المجرات. كأنها تحوم حول تلك الكرات الثلاث و تحللها جاعلة من كل شيء تحت حكمتها التي تستطيع قراءة جميع الأوضاع و الرؤية عبر كل شيء بتلك الكرات الثلاث.

دارت الكرات الثلاث حول رأس إدريس الحكيم بسرعة مجنونة كما فعلت الحروف الرونية حول الكرات و صنعن جوا خانقا و مهيمنا كما لو أن العوالم بأكملها تحاول الانبثاق في هذا العالم. كان شعورا غريبا للغاية و لا يمكن وصفه.

سقط باسل على الأرض من شدة الضغط فتكلم إدريس الحكيم بعدها بصوت غير مألوف لباسل أبدا. كان صوته عميقا للغاية و حادا كثيرا و لم يكن كصوت عجوز كما كان من قبل، كما كان يحدق بباسل لكنه حدق عبره: "تتجرأ على لمس طالبي؟ أنا إدريس الحكيم، مالك الحكمة السيادية، أتعهد بفصلك عن تلميذي و ابني بالتعليم طالما أنا حي. لا تظن أنك ستنجح و أنا موجود هنا. و إن فعلتَ، فلتكن اللعنة علي."

حدق إدريس الحكيم بباسل أخيرا قائلا: "حالة الصفاء الذهني و الروحي أيها الفتى باسل. سنقوم بالاتصال الروحي نحن الاثنين. هذا لا يفلح إلا بين أشخاص امتلكوا روحا كاملة مكتملة و طاقة روحية. لكن أنت حالة خاصة. لدى بحر روحك إرادة و لديك طاقة روحية حتى لو لم تكن خاصة بك فعليا. لكني سأحاول. فأنا أيضا لست بذلك الشخص العادي."

شعر باسل فجأة بالراحة و اختفى الضغط الذي كان حوله، لكنه كان لا يزال بالأرجاء. جلس متربعا و دخل لبحر الروح متدبرا متعمقا بحالة الصفاء الذهني و الروحي.

دارت الكرات الثلاث بشكل أسرع فأسرعت الحروف الرونية المحيطة بها من دورانها أكثر و نشُطت طاقة إدريس الحكيم الروحية كما انبثق من صدره تعاويذ ذهنية روحية و جعل كل هذا الجو المحيط بباسل أثقل.

تكلم إدريس الحكيم عندها: "لا أعلم من الشخص الذي يتجرأ على الاتصال بطالبي روحيا من دون إذني، لكن هذا لا يهم، لأنه سيتلقى عقابا من حكيم الفنون السامي السيادي. لم أشعر بغضب كهذا لمدة طويلة. حتى لو لم أستطع فصل اتصالك كليا حاليا، لا تظن و لا في أحلامك أنك ستكون قادرا على تقوية هذا الاتصال أكثر."

اتسعت المسافة بين رأس إدريس الحكيم و الكرات الثلاث أكثر حتى أصبحت هذه الأخيرة تحيط باسل كذلك. ثم ارتفعت قليلا قبل أن يسقط منها ضوء ملكي على الاثنين، و بداخل هذا الضوء التقت طاقات و هالات ببعضها البعض مكونة حاجزا عن العالم و جعلت الاثنين بعالم خاص بهما لوحدهما فيه.

نبض قلب باسل أسرع و تسارعت دورته الدموية بشكل كبير للغاية و بدأ بحر روحه يهتز أكثر و أكثر فشعر باسل بشيء ما يحاول اختراقه.

في تلك اللحظة، انبثق صوت بعقله: "أيها الفتى باسل. حاول التركيز و السماح لنيتي و إرادتي بالتوغل ببحر روحك. هكذا سأكون قادرا على إنشاء اتصال بيني و بينك بالرغم من أنك لا تملك روحا كاملة مكتملة."

ركز باسل أكثر و حاول استخدام ما فعله سابقا في المعركة ضد فضيلة كرم فجعل التعاويذ الذهنية الروحية و نقط أصله و عنصراه السحريان إضافة لإرادته يتصلون بالقطعة الروحية و بإرادة بحر روحه مؤقتا ريثما يسمح لإدريس الحكيم بالدخول.

كان من المستحيل القيام بالاتصال الروحي مع باسل حتى لو كان يمتلك طاقة روحية و إرادة بحر روح. لكن إدريس الحكيم كان حيكما سياديا بالدرجة الثالثة و كان خبير فنون سامي سيادي، و كان نطاقه مرتفعا للغاية. السبب الأول لوحده كان كافيا لجعله يتوغل لبحر روح باسل. لكنه لم يكن قادرا على ذلك إلا في حالة باسل. و بهذا كانت هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن لشخص أن يتوغل لبحر روح شخص آخر.

بعد لحظات، تكلم صوت. لكن باسل أحس بقربه و لم يحس كأنه بعقله. كان شعورا غريبا و مختلفا. كأنه صوته الخاص و ليس صوتا آخر. كأنه هو الشخص الذي يتحدث.

عندما التفت وجد شخصا شابا بحوالي العشرينات، بشعر فضي طويل يصل للكتفين، بعينين زرقاوين، كان البؤبؤان زرقاوين للغاية، و كان الأيمن حوله ضوءان فضيان من الجهتين يبدوان كنجمين في السماء، و الأيسر كان حوله نجم واحد فقط. كان مكان هذه النجوم المضيئة يتغير ببطء حول البؤبؤان كما لو أنها متوقفة، و بدت زاهية للغاية و متألقة لحد كبير. فجعلت ذلك الشخص أكثر وقارا و هيبة. لم يكن بذلك الجمال الخلاب بالأصل، لكن عيناه و هالته جعلاه يتحدى جمال الكثيرين الذين يفتخرون بأنفسهم و يعتقدون أنهم أولاء جمال ملائكي. ارتدى رداء فضيا منقوشا بنقوش غير مفهومة لباسل لكنه علم أنها روحية. و أحاطت به تعاويذ ذهنية روحية.

كان شخصا غريبا كليا لباسل. كان هذا الشخص تحيط به هالة ملكية و جعل من كل شيء حوله يبدو دونيا و بدا كمخلوق جبار ينظر لكل شيء بانحطاط. سواء أكان رداؤه أم هيئته أم هالته، كلّ على حد سواء كان سياديا. حمل معه جوا هادئا جعل كل ما يحيط به يعصف.

تكلم هذا الشخص بنفس الصوت الذي أحس به باسل عندما تكلم به معلمه و هو غاضب: "يبدو أنني نجحت. إنها المرة الأولى لي أيضا. إنه شعور غريب أن أكون ببحر الروح بعد أكثر من ألف سنة."

اعتلت باسل نظرات غبية و مندهشة قبل أن يقفز للخلف مصعوقا: "المعلم؟"

ابتسم ذلك الشخص بوجهه الشاب و الفضي ابتسامة مشرقة قبل أن يضحك: "هوهوهوهو..."

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/03/09 · 951 مشاهدة · 1802 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024