135 – اختراق أنمار

حدق باسل بالشخص الشاب أمام عينيه مصدوما و حَدَقَتا عينيه ضيقتين. قال ذلك الشخص كلاما غريبا جعل باسل يعتقد أنه معلمه. حتى أنه ضحك نفس ضحكة معلمه.

توقف ذلك الشخص الفضي عن الضحك ثم حدق بعينيه الزرقاوين كثيرا الحاملين للنجوم الثلاث بباسل قبل أن يقول: "أظن أن علي تفسير بعض الأمور. لكن لما لا نكون الاتصال كليا لأستطيع ختم الاتصال الذي بينك و بين المخطوطات أولا."

حدق باسل بهذا الشخص الغريب كليا عنه.

*****

بقاعة القصر الإمبراطوري الرئيسية بعاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية، تكلم الكبير أكاغي: "لقد انعزل صهري أيضا بعد مدة من انعزال حفيدتي و الجنرال رعد. هناك خطر بالانعزال للانتقال للقسم الثاني من مستويات الربط. إن لم يتم التحكم و السيطرة بشكل جيد على الطاقة السحرية الخارجية و جعلها تصبح ثابتة ببحر الروح، سوف تهيج و تسبب انكسار بحر روح. يجب أن يأخذ الشخص الحيطة و الحذر الكليين. على الساحر وضع جل تركيزه في التحكم و ربط الطاقة السحرية الخارجية بنقط أصله و من ثم ببحر روحه."

فكر الكبير أكاغي بالكلام الذي وجهه للإمبراطور شيرو الذي يجلس عابسا متوترا كثيرا غير قادر على الهدوء.

حدق به الكبير أكاغي بتعبير متعاطف و قال: "لن أقول لك لا تقلق أيها الإمبراطور شيرو. لكنني أثق بحفيدتي، و صهري، إضافة للجنرال رعد. سأفضل الأمر لو فعلت المثل و استرخيت قليلا. كثرة التفكير لن تفيد بهذا الوقت. فالجواب واحد لا اثنين. سواء ألبيت طلباتهم أم لم تفعل، فلن يوفوا بوعدهم."

قطب الإمبراطور شيرو ثم قال: "لن أرضخ و لن أسلم عرش أجدادي طالما هناك فرصة لإنقاذ ابنتي بطريقة أخرى. لست غبيا كفاية لأصدق أكاذيب الأعداء. عرشي ورثته من والدي الذي مات يوصيني. إن ذلك العرش عليه دماء و أرواح الأجداد، فكيف لي أن أسلمه للأعداء؟"

كان الإمبراطور شيرو هادئا في الحقيقة بالرغم من أنه كان يبدو متوترا. فقد حافظ على هدوئه داخليا و فكر بمنطقية أكبر. لكن حتى لو كان يفهم و يعلم، لم يجعله هذا يتوقف عن التفكير بابنته التي سلبت من يديه أمام عينيه.

قال مرة أخرى: "أقسم أني لمنتقمٌ جالبا فخري و عزتي معي. إنّي أنا أزهر شيرو لمنتقمٌ و لو بحياتي ! "

*****

قبل مدة معينة، بعد أن غادرت أنمار بأيام. بكهف بجبل بجنوب العاصمة، تواجدت هناك فتاة بالخامسة عشر. كان الجو المحيط بها راقيا للغاية و بدت كملاك بجمالها الخلاب. لم تكن هذه الفتاة سوى أنمار. كانت تجلس متربعة واضعة يديها على ركبتيها لمدة. كانت تتدبر بشكل عميق للغاية و دارت حولها طاقة غير مرئية جاعلة الهواء يتحرك مكونة رياحا تتسارع بمرور كل ثانية رافعا فستانها الأسود لتظهر كجنية خالدة أتت راكبة عاصفة.

عندها، كانت قد تكونت عاصفة صغيرة حولها و دارت بشكل سريع للغاية. عبست أنمار و ضغطت براحتي يديها على ركبتيها كما لو أنها تتألم. استمر ذلك الأمر لساعات، و مع ذلك، كانت لا تزال بعد مرور خمس عشرة ساعة في نفس الحالة و الوضعية. مر يوم كامل، يومين، أسبوع. و لا زالت أنمار بنفس الحالة التي هي عليها.

كانت تحاول جذب الطاقة الخارجية لبحر روحها. في الحقيقة، ينمو الساحر عن طريق طاقة العالم أو ما يسمى بالطاقة السحرية الخارجية بالعوالم السحرية. تستمر نقط أصله في شفط الطاقة دون توقف كما لو أنها طريق و مسار لهذه الطاقة السحرية نحو بحر الروح. هذه الطريقة الطبيعية لنمو أي ساحر، لكن السحرة يشربون إكسير التقوية فيحفزون نقط الأصل أكثر و يقوون من سرعة نقط الأصل في شفط هذه الطاقة السحرية الخارجية ليرفعوا من مستواهم.

لكن، عندما يحتاج الساحر أن يخترق للقسم الثاني من مستويات الربط، يستوجب جعل بحر الروح يتقبل طاقة سحرية خارجية. و هذا يحدث عن طريق نقط الأصل التي تكون قد نمت كفاية عند بلوغ قمة المستوى السابع. هكذا يستطيع الساحر اكتساب عنصره الثاني.

تزداد قابلية نقط الأصل لجذب الطاقة السحرية أكثر من السابق بقمة المستوى السابع، فيكون باستطاعتها عندها شفط طاقة سحرية خارجية أكثر كفاية ليستطيع الساحر تكوين عنصره الثاني.

تميز باسل كون جسده إضافة لبحر روحه يجذبان الطاقة السحرية الخارجية أو ما يدعى بطاقة العالم من غير حدود. لذا كان مميزا عن السحرة الذين يحتاجون للقيام بهذا الأمر بأنفسهم. ففي القسم الأول من مستويات الربط، تقوم نقط الأصل بهذا العمل لوحدها.

مرت عشرة أيام منذ أن بدأت انمار انعزالها و تدبرها، و كانت غارقة في العرق. كان إجبار نقط الأصل على شفط طاقة سحرية خارجية أكبر من التي اعتادت عليها أمرا شاقا للغاية و مرهقا لدرجة كبيرة. فكان بعض السحرة يمضون عاما أو حتى اثنين بالتدبر المنعزل غير قادرين على الاختراق. و كان هناك أيضا أشخاص في المقابل يستطيعون الاختراق بأشهر فقط.

و اليوم، ظهرت عبقرية أخرى في هذا الوجود. فبعد مرور خمسة و عشرون يوما فقط، كان بمقدورها جعل نقط أصلها تعتاد على الوضع الجديد و نجحت في البدء بشفط الطاقة السحرية الخارجية. ثم دخلت بالمرحلة الموالية حيث يجب عليها التحكم في هذه الطاقة السحرية الخارجية و جعلها تهدأ بعدما كانت هائجة و غير مستقرة.

كانت هذه المرحلة صعبة للغاية كذلك. و مع ذلك، مع أن الناس العاديون يمضون مدة تصل لأسابيع أو شهور. استطاعت أنمار بموهبتها التي تقارع موهبة باسل أن تستخدم تحكمها الشبه مثالي جاعلة الطاقة السحرية الخارجية تحت تحكمها بمدة لا تزيد عن عشرة أيام.

كان هذا الأمر صاعقا للغاية. كان باسل قادرا على التحكم بالطاقة السحرية الخارجية التي توغلت لجسده بسرعة كبيرة، لكن لم يكن هذا راجع لموهبته في الحقيقة، و إنما بسبب الختم الموضوع عليه أصلا. لذا ساعد هذا الأمر في جعله يهدئ تلك الطاقة الهائجة التي كانت قد بدأت تدمر بحر روحه.

لكن، عندما سيحاول مرة أخرى الاختراق للقسم الثاني من مستويات الربط، سيحتاج أن يجعل نقط أصله تعتاد على شفط الطاقة السحرية الخارجية. و في ذلك الوقت، لن يكون هناك ختما ليساعده، و بالطبع لن يكون موجودا أيضا لإيقاف الطاقة السحرية الخارجية عن التوغل لجسده. سيكون حينها على باسل التفكير في طريقة لتجاوز تلك المحنة التي تنتظره و التي كانت قريبة أكثر من أي وقت مضى.

استطاعت أنمار التحكم في هذه الطاقة السحرية الخارجية و إصلاح التصدعات التي حدثت لبحر روحها، كما استطاعت ربط طاقة العالم هذه بنقط أصلها كليا و ببحر روحها. بذلك الوقت، كانت أنمار قد اكتشفت ما هو عنصرها السحري الثاني. و كما حدث معها عند اكتسابها السحر، لم تتغير تعبيراتها أبدا و تنفست بعمق فقط ثم وقفت و غيرت ملابسها لأخرى نقية تمثلت في فستان يشبه الذي سبقه، أو يمكن القول أنه نسخة منه. خرجت من الكهف لتنظر أمامها على بعد عدة أميال نحو كهف آخر بجبل آخر حال الجنرال رعد.

عندها، ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهها ثم أدارت رأسها لتحدق باتجاه آخر، فلمحت صورة الجنرال منصف بكهف آخر بجبل آخر بنفس الابتسامة تعتلي وجهها.

قفزت من الجبل قائلة: "لما لا نزور السلاسل الجبلية الحلزونية أولا. فأنا أحتاج لمنطقة محظورة مثلها لا أقل."

كانت تهبط من الجبل حتى وصلت للأسفل فصنعت ضوضاء ضخمة مخلفة حفرة عميقة نسبيا وراءها. تقدمت أنمار بينما تفكر في شيء ما: "يجب أن أحرص على التدرب على الفن القتالي الأثري أكثر لإتقانه. لقد فهمت الغصن الأول، لكنني لا زلت لا أستطيع إتقانه. يجب أن أقوي جسدي أكثر."

في الحقيقة، الآن بعدما أصبحت أنمار بالمستوى الثامن، سيتطور جسدها أكثر مع الوقت و يصبح أكثر شدة و حدة و صلابة. لكنها كانت متحمسة على غير عادتها و طبيعتها الهادئة بهذا الشأن، و أرادت إتقان الفن القتالي الأثري في أسرع وقت.

انطلقت أنمار جنوبا نحو السلاسل الجبلية الحلزونية غير مدركة أنها تتوجه في الحقيقة للمكان الذي يقبع به باسل و معلمهما. ففي الواقع، لم تسنح الفرصة لها و باسل للتحدث بهذا الشأن.

قطعت آلاف الأميال، لكنها استغرقت بعض الأيام في ذلك. و في اليوم الذي كانت ستضع به قدمها داخل السلاسل الجبلية الحلزونية، شعرت بهالة شرسة و هائلة تريد الضغط عليها و أحست أنها تقترب من مكان لا يجب عليها المغامرة بالدخول له.

في تلك اللحظة، ظهر رجل عجوز أمامها من حيث لا تدري فجعل نية قتلها تنطلق فجأة، و بدت كما لو أنها وحش شرس رأى فريسته أو عدوه. كانت نية قتلها قاهرة للغاية بالرغم من كونها عاشت خمس عشرة سنة فقط. كان تعبيرها هادئا بالرغم من نية قتلها و حذرها الحادين. و بعد لحظات، اختفت هذه الهالة التي أحاطت بها و تحول تعبيرها من الهادئ للمتفاجئ ثم تكلمت مندهشة: "المعلم؟ ! كيف؟"

بدا على أنمار تعبير الدهشة كما تذكرت شيئا فانحنت بعدها مباشرة قليلا و شبكت قبضتها قائلة: "التلميذة تحيي المعلم. اعذرها على عدم انتباهها."

استغرب إدريس الحكيم الذي وقف أمامها ثم قال: "أظن أنه لم يخبرك. إن باسل هنا أيتها الصغيرة أنمار. لا بأس، بالأحرى، هذا جيد. تذكرين عندما أخبرتك أنني سأشرح لكما أنتما الاثنين بعض الأمور عندما تكونان مجتمعين و نلتقي مجددا، أظن أنه ذلك الوقت. اتبعيني."

فعلت أنمار ما أخبرها معلمها أن تقوم به. تكلم إدريس الحكيم عندها: "يبدو أنك اخترقت للقسم الثاني بالفعل. هذا جيد. يبدو أنني رزقت بثلاثة تلاميذ جيدين."

استغربت أنمار من كلام المعلم. فهي لم تفهم ما قصده بثلاثة تلاميذ. لكنها لا تعلم الكثير عن معلمها أيضا و لم تسأل بما أنه توقف عند ذلك الحد.

أكمل إدريس الحكيم: "كم استغرقت؟"

أجابت أنمار التي اعتلاها تعبير هادئ من جديد: "حوالي خمسة و ثلاثون يوما."

حك إدريس الحكيم لحيته و ضحك: "هوهوهو. الفتى فاخر الفخور وريث عشيرة الينبوع الذهبي العتيق احتاج لخمسين يوما. قد تكونين أنت الشخص الأكثر موهبة خالصة على ما أظن."

ضحك مرة أخرى إدريس الحكيم ثم تكلم بداخله: "سنعرف هذا عندما تكسب روحا كاملة مكتملة. عندها، ستبدأ في تشكيل عالمها عبر نطاقاتها و نرى مدى تطورها." ابتسم إدريس الحكيم بدون أن تلحظه أنمار التي كانت تفكر بشيء آخر في تلك الحظة.

استمر إدريس الحكيم في التفكير: "إنني حقا لمتشوق لرؤية تطورها أكثر من الآخريْن. لنتمنى عمرا مديدا يكفي لمشاهدة هذا الأمر يحدث." ابتسم إدريس الحكيم أكثر قبل أن يقول بصوت مرتفع ضاحكا: "هوهوهو، يبدو أنني تأثرت بعادة الفتى باسل حقا."

استيقظت أنمار من سرحها و حدقت بمعلمها مستغربة من تصرفاته الغير مفهومة لها مرة أخرى.

سأل المعلم: "بالمناسبة، لم أتيت إلى هنا إن لم تكوني تعلمي بوجودنا هنا أصلا؟"

قالت أنمار مجيبة: "هذا لأنني احتجت لزيارة منطقة محظورة بها وحوش بمستوى مرتفع. و كانت هذه هي الأقرب."

ابتسم إدريس الحكيم و قال: "إن كان هذا هو الأمر، فأنت في المكان الصحيح. لقد تطورت الوحوش أكثر بالأشهر الأخيرة و بلغت إحداها المستوى التاسع. خصوصا بالمناطق المحظورة الكبرى، و خصوصا الوحوش من المستوى السابع فما فوق."

*****

في هذه الأثناء، كان العالم في فوضى عارمة بسبب تلك الإكسيرات الغامضة و الأسلحة النادرة التي ظهرت فجأة و جعلت كل شخص مصعوقا. انقلبت الأسواق رأسا على عقب كما فعلت قوات العالم. لكن، و لا شيء من هذا اقترب من آذان باسل و أنمار و معلمهما. أو حتى من قبائل الوحش النائم المنعزلين عن العالم.

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/03/09 · 1,007 مشاهدة · 1694 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024