14 – التأديب

أمضى باسل الأسبوعين المتبقيين في محاربة الدببة، عند هزيمتهم يأكل مع معلمه و يذهب للصيد خارج الكهف ثم يعود بالوقت الذي تكون الدببة قد تشافت فيه و من ثم يكمل قتاله معهم، تطورت قدرات باسل كثيرا و أصبح 'وادي الظلام العميق' مثل بيته الثاني، كان يتجول فيه بحرية و من دون خوف، الوحوش التي تواجهه يهزمها بسرعة و يكمل طريقه

و أخيرا انتهت فترة تدريبه هنا و حان موعد خروجه للعالم الخارجي و الذهاب لرؤية أمه و شم بعض الهواء النقي و رؤية ضوء الشمس و التمتع بالنجوم ليلا كما اعتاد أن يفعل

كان باسل خارج الوادي مع معلمه "حسنا أيها المعلم، أنا ذاهب، و كما قلت لي، سأرتاح للأسبوع القادم"

ذهب باسل في طريقه بعد أن ودع معلمه متجها نحو المنزل

فتح باسل باب منزله لتراه أمه، دمعت عيناها عند رؤية ابنها الوحيد عاد بسلام ثم ذهبت و حضنته، كانت عينا باسل تحمل نظرة حنونة جدا ثم قالت له أمه "حمدا على سلامتك" ليجيبها "لقد عدت يا أمي"

جلس باسل مع أمه و حكى لها بحماس عن الأحداث و الوحوش التي واجهها من دون أن يذكر لها الأخطر منها و أمه تستمع له مع ابتسامة مرسومة على وجهها

أكل باسل الفطور مع أمه ثم خرج قاصدا السوق. لقد مرت فترة طويلة منذ آخر مرة زاره بها، مع أن زياراته كانت من الأول قليلة لأنه يصادف الحرس الشخصي للملاك 'أنمار' و هذا كان يزعجه قليلا لأنهم في كل مرة يقومون بشيء غبي

*همس، همس، همس*

عندما دخل باسل للسوق بدأ العديد من الفتيان يتهامسون فيما بينهم. مع أن باسل قد لاحظهم، قام بتجاهلهم و استمر ماشيا في السوق يشاهد البائعين و الجو الصاخب كالعادة هنا. رأى باسل عجوزا مألوفا له و ذهب إليه

وقف باسل أمام العجوز بائع الجزر ثم قال "كيف حالك أيها الجد 'علي'، ألا زلت تبيع جزرا رائعا كالعادة"

رفع العجوز 'علي' رأسه وقال بصوت مرتفع "أوه، أوَ ليس هذا باسل، كيف حالك يا فتى، لم نعد نراك بالأرجاء في الشهور الأخيرة"

وضع يده على رأسه و ابتسم بينما يقول "آه لقد كنت مشغولا هذه الأيام و لم أجد وقتا لآتي لهنا"

قال علي "أمم، هل اعتكفت بالمكتبة أم ماذا؟ هي هي هي"

أجاب باسل "هاهاهاها، إنك تقول شيئا مضحكا أيها الجد، إنك تجعلني أبدو كمهووس بالكتب، المهم، هل هناك جزر رائع كالعادة؟"

أجاب الجد علي "نعم، لقد كان محصول هذا العام جيدا، هناك جزر حلو و غني بالماء كما تحبه تماما"

قال باسل "أووه، كما هو متوقع من الجد علي، أعطني البعض من فضلك"

أخذ باسل كيسا مملوءا بالجزر و عندما أراد أن يغادر قال الجد علي "يا باسل، احذر من أولئك الفتيان، إنهم يحومون المكان باحثين عنك كل يوم"

أجاب باسل "آه، لا تقلق أيها الجد، أو ليس هذا الشيء المعتاد فقط" ذهب باسل في طريقه و زار عدة دكاكين و كان معروفا عند الجميع مع أن شعبيته لم تكن بمثل الخاصة بأنمار لكنه كان يملك معجبات به هو الآخر مع أنه كان مكروها من الفتيان، كان لديه شعرا قرمزيا و عينين حمراوتين كانتا مليئتين بالفخر، وجهه الوسيم كان يسحر الفتيات في كل مكان تحله قدمه. كان جيدا اتجاه من يعامله بالمثل و طالحا في وجه من يسيء له أو للأقربين منه

كان باسل خارجا من السوق لكنه عندها سمع ضوضاء آتية من البعيد، فعاد ليرى ما الذي يحدث. عندما وصل شاهد شيئا لا يعجبه و عبس ثم أحكم قبضتيه بشدة

كان شخص ما عاقد يديه على عنق الجد علي و يصرخ في وجهه بينما هناك عدة أشخاص من الوراء يسبون العجوز "تكلم بسرعة أيها العجوز الخرف"، تكلم الشخص الذي يمسك الجد علي "لقد حذرناك سابقا، آه، ألم نفعل؟ لقد قلنا لك إن رأيت ذلك الصعلوك فلتخبرنا في الحال، أ ظننت أننا كنا نمازحك؟"

أنزل باسل الأمتعة و تقدم نحو تلك الجماعة *همس، همس، همس*

"إنه باسل"، "هذا سيء لقد أتى"، "إن رأوه سيكون في مأزق"، "كان ليكون الأمر جيدا لو كان سيكون في مأزق فقط"

وصل باسل لتلك الجماعة ثم قال "أيتها الحثالة المجتمعة هناك". التف الجميع ليرى من الشخص الذي يتكلم "ألا تخجلون من أنفسكم أبدا يا ناس؟ تهددون رجلا عجوزا في مثل عمر جدكم"

عندما رأت مجموعة الحرس الشخصي للملاك 'أنمار' عدوهم اللدود ابتسموا كلهم ثم أفلت ذلك الشخص يده من عنق الجد علي و اتجه نحو باسل قائلا "هووه، لقد أتيت بقدميك لهنا، لقد بحثنا عنك ليلا و نهارا لكننا لم نجدك أبدا، لكن أن تأتي إلينا بنفسك إنك حقا لشخص غبي أيها الصعلوك"

ضحك أعضاء الحرس الشخصي جميعا على باسل بينما يمدحون قائدهم الذي كان فتى يبدو في الخامسة عشر من عمره "هاهاها، لا تقسو عليه أيها القائد 'عثمان'، خذ بالاعتبار شجاعته عندما قرر أن يأتي و يواجهنا بعد أن كان يختبئ كالفأر طوال هذا الوقت"

أجاب القائد عثمان "هاهاها، معك حق" ثم التف لباسل و أكمل " قبل أن نشرع في تأديبنا لك، أجبني أولا، لم قررت الظهور الآن بعد كل هذه المدة و أنت مختبئ؟"

حدق باسل في وجه عثمان بغضب ثم قال "أجبني؟ ألم تنس 'من فضلك يا سيدي' أيها الحثالة؟ أنسيت بالفعل ما الذي حدث قبل سنة؟ أتريدني أن أذكرك بذلك الدرس من جديد؟"

اسودّ وجه عثمان ثم انقض على باسل بغضب "لا تغتر بنفسك كثيرا أيها الصعلوك الغبي". أحكم عثمان قبضته و وجهها نحو باسل، هذا الأخير لم يتحرك مما جعل عثمان يظن أن عدوه خائف، لكن قبضته توقفت في مكانها في لحظة، فتح عثمان عينيه و فمه من شدة الصدمة حيث رأى لكمته متوقفة بسبب إصبعين فقط من يد باسل

عندما أوقف باسل لكمة عثمان بسبّابة و وسطى يده اليمنى قال له بهدوء لكن بنبرة حادة "إنك حقا حثالة، ألم أقل لك إنها 'من فضلك يا سيدي'، ليست 'الصعلوك الغبي'، يبد أنك حقا تحتاج لدرس آخر" نكز باسل قبضة عثمان بإصبعيه ليسقط (دفع قبضته بإصبعيه) ، ثم تقدم نحوه

عثمان الذي كان ساقطا كان يقطر بالعرق ثم قال بخوف "اهجموا عليه، اهجموا بسرعة، اخرسوا فمه الملعون"

*ياااااااااه*

هجمت جماعة الحرس الشخصي باسل في آن واحد و عندما رأى عثمان هذا المشهد قال بضحك "هاها، أنت من أردت هذا لنفسك، كنت ستنجو بضربات إن استسلمت فقط، هاها" بعد أن قال هذا الكلام بدأ يضحك بصوت مرتفع لكن ضحكته بدأت تقل حدتها شيئا فشيء "هاه....ماذا؟ ما الذي يحدث، أنهوا أمره بسرعة"

*لهث، لهث، لهث*

قال واحد منهم "إننا نحاول أيها القائد، لكن، و لا واحدة من ضرباتنا تصيبه، إنها كما لو أنها تمر من خلاله

كان باسل يراوغ العشرات من اللكمات الموجهة له في آن واحد من دون أن يلهث أو يصاب بالعرق أبدا، كان سريعا جدا أمام نظر الحرس الشخصي لدرجة أنهم اعتقدوا أن لكماتهم تمر من خلاله كما قالوا تماما

كان باسل يراوغ هجماتهم بسهولة تامة، ثم بدأ يلكم كل شخص يقترب منه محاولا مهاجمته. بدأ عدد الأشخاص الذين يهاجمون يقل حتى بقي عدد الواقفين خمسة، كانوا يلهثون بينما يضعون يدهم على ركبهم ثم سمعوا صوت باسل

"هل تريدون الاستمرار، إن أردتم هذا، فهذه المرة لن أكتفي بالمراوغة ولن أضمن لكم الخروج بسلام من مواجهتي

اعتلت نظرة خوف على وجه الخمسة. "كما لو أننا سنستسلم لك أيها الصعلوك" أتى الصوت من عثمان الذي نهض و انضم للخمسة "أحيطوا به من جميع الجهات بحيث لن يكون هنالك مخرج له ليهرب منه"

أحاط الستة بباسل و ضحك عثمان بينما يقول "هاهاها، لنرى الآن إن كانت ستنفع خدعك معنا أبها الصعلوك، اهجموا". انقض الجميع من كل الجهات على باسل

*دو، دو، دو، دو، دو*

سقط الخمسة جميعهم في لحظة انقضاضهم بينما كان عثمان محمولا من عنقه من طرف باسل حيث بدأ هذا الأخير بالقول له "استمع أيها الحثالة جيدا، لن أكرر كلامي، أنا لن أكون أكون رحيما معكم من الآن فصاعدا، إن آذيت شخصا قريبا مني مرة أخرى أو خططت لشيء ما ضدي لن تخرج سالما بهذا، و إني لست بتارك منك لحما و لا عظما، من الآن فصاعدا لا تلاحقني في الأرجاء، أنا لم يعد لدي وقت لأضيعه معكم، أفهمت ما أقول لك؟"

أماء عثمان برأسه موافقا ثم أنزله باسل و قال "و الآن اجمع جماعتك و اذهبوا للاعتذار من الجد علي، إن رأيت أدنى فتور في اعتذاركم، اِعلم أنكم سترجعون لمنازلكم تزحفون"

قال عثمان الذي كان يرتعد بينما هو ساقط على الأرض بسبب رجليه اللتين لم تستطيعا حمله "حاضر يا سيدي"

قال باسل "أوه، يبدو أنك تذكرت درسك، و الآن هيا اسرع"

نهض عثمان من مكانه ثم أيقظ الذين أغمي عليهم من مجموعته، و أخذ جماعته التي كانت مصدومة مما حدث قبل قليل ثم ذهبوا أمام الجد علي و انحنوا قائلين "نحن آسفون و نعتذر عما بدر منا من إهانات و سوء تصرف تجاهك، من الآن فصاعدا سنكون حريصين في معاملتنا لك"

كان الجد علي مصدوما مما حدث أمام عينيه، في الحقيقة ليس هو فقط، عندما سمع الناس أن باسل قد التقى بالحرس الشخصي، اجتمعوا بالمكان، حيث كان الحديث الذي يدور بينهم كله عن مدى سوء وضع باسل، لكنهم كلهم صدموا بالوضع الذي أمامهم. فتى في الثانية عشر من عمره أبرح عصابة مكونة من حوالي ثلاثين شخصا و لوحده فقط و أدبهم جاعلا إياهم يعتذرون

"حسنا و الآن انقلعوا من أمامي و لا تجعلوني أرى وجه أي واحد منكم ثانية"

عندما سمعوا صوت باسل اسودّ وجههم بالغضب و الخزي و ذهبوا في طريقهم و عيونهم تنظر إلى أرجلهم و لا يستطيعون رفعها في وجه الناس. كم كان مخزيا هذا الأمر لهم يا ترى؟ لقد كانوا واثقين في أنفسهم بعددهم الذي زاد عن قبل بتجنيد المزيد من الأشخاص الذين كانوا بالأصل من قائمتهم السوداء. أوسعوا كل من بالقائمة ضربا و جعلوه عبدا مطيعا لهم

اليوم سمعوا خبر مجيء باسل للسوق و أنه تحدث مع العجوز بائع الجزر، فجاءوا ليتفقدوا المكان آملين في إيجاد الشخص الوحيد الذي بقي في قائمتهم السوداء

لكن الأمر لم يسر كما تمنوا و جلبوا العار لأنفسهم فقط. الناس كانوا يضحكون عليهم بشدة، هنا عرفوا أنهم كانوا مكروهين من الناس في القرية

ذهب باسل نحو الجد علي و مد يده له مساعدا إياه على الوقوف بينما يقول "هل أنت بخير أيها الجد، لماذا لم تقل هذا من قبل إن كانوا يعتادون عليك هكذا بسببي؟"

كان الجد علي متفاجئا كثيرا فهو لم يخبر باسل بالأمر كي لا يذهب لينتقم له و يُبرح ضربا فقط، لكن بعد ما رآه الآن عرف أنه كان مخطئا. وقف ثم قال لباسل "شكرا لك أيها الفتى باسل"

أجاب باسل "لا تشكرني أيها الجد، لقد كان هذا كله بسببي من الأول، آسف عل هذا"

*واااااااااااااه* *تصفيق، تصفيق*

ارتفعت الأصوات من كل مكان "أحسنت أيها الفتى باسل"، "لقد كنت رائعا يا ولد"، "كياااه، إنك قوي أيها الأخ باسل، لقد وقعت في حبك من جديد" كانت الهتافات تأتيه من كل مكان و هذا جعل 'باسل' خجلا قليلا و فرحا كثيرا. ظن أن جميع الناس يكرهونه لكنه كان مخطئا بشأن هذا، فكل من كان يكرهه هم أولئك الحثالة. تغير مزاج باسل للأفضل و ذهب في طريقه عائدا للمنزل

من تأليف Yukio HTM


أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجوا الإشارة لأي أخطاء إملائية أو تركيبية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/06/17 · 1,496 مشاهدة · 1730 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024