141 - أفكار تشغل بال إدريس الحكيم

141 – أفكار تشغل بال إدريس الحكيم

انغلق الباب مرة أخرى وراء إدريس الحكيم بعدما دخل. عاد الحاجز ليصبح كما كان من قبل. كان مغمض العينين حتى الآن، وعندما فتحهما أخيرا شاهد منظرا مدهشا. لم يكن ما أدهشه هو ما رآه من نقوش روحية تشكل أحكاما طُبِّقت على الوجود لتشكل تلك المناظر الغريبة أمام عينيه، بالأحرى، كان سبب اندهاشه هو الفتى المتربع المحاط بتلك النقوش الروحية من كل مكان.

كان هذا الفتى هو باسل، وكان يتحكم في نقوش روحية. للدّقة، لم يكن يتحكم فيها، وإنما كان يدرسها ويلصق النقش الروحي بالآخر موصلا إياهما كما لو أنه يحاول حلّ أحجية معقدة، لكن من خلال العرق المتساقط منه ووجهه الشاحب، كان بالإمكان معرفة أنه يواجه وقتا عصيبا للغاية.

كان باسل يقرأ الكتب ويحلّ الأحاجي والألغاز منذ صغره. حتى أنه اهتم في بعض الفنون القتالية فتعلمها من تلقاء نفسه باتّباع الخطوات المذكورة في الكتب المرشدة. لم يعد هناك كتاب بمكتبة القرية لم يدرسه. كلّ ذلك كان سهلا بالنسبة له بعدما مارسه لبعض الوقت، لكن دراسة هذه النقوش الروحية أخذ منه كل طاقته العقلية، والسحرية، والجسدية. أرهِق تماما.

ابتسم معلمه عندما رآه قبل أن يبادله المتعلم الابتسامة التي ظهرت مع تقيؤ للدماء. ومع ذلك، لم يتوقف باسل عن ترتيب النقوش وإيصالها ببعضها بعضا. كان يعاني بآلام سببتها مقاومة النقوش الروحية أو يجب القول القوة المتطلبة لتحريكها. حتى أن الألم بلغ بحر روحه مما جعله أكثر إرهاقا. ألم بحر الروح لوحده كافٍ ليجعل الشخص يمر بجحيم.

مرّ باسل بالكثير من التجارب منذ صغره بسبب فضوله اللّامتناهي. واجه مخاطرا كثيرة كادت تودي بحياته. بعمر صغير كان يدخل الغابات والوديان. مع أنها لم تكن مناطق محظورة، إلّا أنّها كانت قادرة على قتل الرجال حتى. وهو كطفل يدفعه فضول كبير استمر في المغامرة بحياته ليكتشف فقط.

كانت أول مرة يدخل بها لمنطقة محظورة هي المرة التي التقى بها معلمه. ومن حينها، لم يجرب آلاما كما سبق، بل وازدادت عمّا كانت بأضعاف كثيرة، ومع مرور الوقت، اختبر باسل آلاما ضعف مئات المرات مما كان يختبره قبل أن يلتقي بمعلمه. وهذا كله بغض النظر عن آلام طاقة العالم التي كانت تجعل جسده وبحر روحه يتعرض لآلام كثيرة في كل مرة يرتفع بها في المستوى ويضعف الختم فتزداد كمية الطاقة السحرية الخارجية التي تتوغل لجسده.

لكنه مع ذلك، تجاوز كل تلك المحن. كان معلمه يقول له دائما تلك الجملة التي كانت تحفزه أكثر. "يمكن للشخص الاختراق فقط بتجاوز الحدود." ألم اليوم يصبح قوة تحمّلٍ للغد. استمر باسل في تجاوز الكثير من المحن حتى الآن. حتى أنّه تجاوز آلام بحر الروح.

فكيف له أن يستسلم الآن بسبب مجرد آلام فقط؟ وخصوصا عندما يكون متأكدا من أنّه سيجني منها شيئا. فبعد كل شيء، لم يسبق لألم نتج عن تدريب أعطاه له معلمه أنْ كان عديم الفائدة. كل شيء يتم أمره بفعله يزيد من قدراته أكثر.

والآن، أخيرا كان سينتهي من التدريب الذي منح له. عندها أخبر المعلم بالقدوم عن طريق التكلم فقط. بتحدثه فقط كان المعلم قادرا على سماعه. فبعد كل شيء، كان هذا المجال مصنوع من إدريس الحكيم وكانت نيّته تحكمه. أي شيء يحدث بالداخل يكون لديه العلم التام عنه.

"يبدو أنّه شارف على الانتهاء ! " قالها إدريس الحكيم متعجبا حقا. إنّه يعلم كم هو باسل نابغة بهذا المجال، ومع ذلك، حتى هو في الحقيقة لم يسبق له أن رأى شخصا بمثل تطوره.

كان المكان بالداخل تتخلله مناظر غريبة. فمرة تكون السماء بالأعلى مظلمة مليئة بالنجوم. وتارة أخرى تحيط العوالم بهما من كل الجهات مع شموسها وأقمارها. وتارة يتحول المنظر ليصبح هادئا فيكونا واقفين على بحر لا تُرى نهايته كبحر الروح.

كانت المناظر بداخل هذا المجال تتغير بشكل متكرر ومستمرّ. وكان على باسل التأقلم مع كل هذه التغيرات التي تحدث حوله. كل هذه التغيرات سببتها النقوش الروحية التي طبقت أحكامها على الوجود. كانت هذه مصفوفة صنعها إدريس الحكيم.

إدريس الحكيم، سيد الفنون القتالية السامي، الحكيم السيادي. كان اسمه يجعل الأعداء يهلعون بسماعه فقط. كم من مذبحة قام بها في الحروب الماضية؟ وكم من عالم ثانوي استطاع اختراقه؟ مع أن نموه الروحي بطيء قليلا، إلّا أنه استطاع تعويض هذا الفارق كلّه بالحكمة السيادية. فحتى مع موهبته الضعيفة، باستخدام الحكمة السيادية كان بإمكانه اختصار الطرق.

صنع مثل هذه المصفوفة ليدرب باسل على النقوش الروحية. مع أن باسل لا زال بمستويات الربط فقط، إلا أن دراسة النقوش الروحية لا يستوجب المستويات الروحية على عكس استخدامها وصنعها.

بمشاهدته لباسل، فكّر إدريس الحكيم بذلك المكان الموجود بقارة الأصل والنهاية. عبس قليلا ولم يستطع إبعاد تلك الأفكار عن ذهنه أبدا. كانت قوة تمثال واحد من تلك التماثيل المائة كبيرة للغاية. بمشاهدته لكلّ تلك القوة، كان بإمكانه المعرفة أنّ تلك المصفوفة باستطاعتها ذبحه بكلّ سهولة. هو حكيم الفنون السامي السيادي لم يكن هناك خيار آخر أمامه سوى الانصياع والمغادرة.

قالت تلك النية السامية أن ذلك المكان يحق للأشخاص من العالم الواهن فقط ولوجه، لكنه عندما كان مغادرا، قالت النية مرة أخرى أن ذلك لن يكون بهذا السهولة. لم يعلم هل عنت بذلك فك المصفوفة أم لا، لكن كل ما بإمكانه فعله الآن هو تدريب باسل ليصبح قادرا على دخول ذلك العالم.

عالم ثانوي لا يستطيع هو نفسه دخوله سيكون بلا شك به كنزا ساميا من العصور القدمى. لابدّ أن تلك نية سامية لساحر روحي بلغ قمم المستويات وأمسك بكفه ذات مرة الكون كله. فقط بالتفكير في ذلك، أحس إدريس الحكيم بالقشعريرة حقا.

"حكيم مبتدئ، هاه ! " تذكر إدريس الحكيم كلام تلك النية مرة أخرى وابتسم متحسرا على نفسه. هو الحكيم السيادي الذي بلغت شهرته كل العوالم الروحية يعتبر مجرد حكيم مبتدئ بنظر تلك النية. كم هو مستوى صاحب تلك النية فقط؟ وكيف لشخصية عظيمة كهذه أن تتواجد نيتها بالعالم الوهن؟ والسؤال الأهم، من هي هاته الشخصية العظيمة بالضبط؟

مر الكثير من الشخصيات الصاعقة عبر التاريخ. ففي العصور القدمى، قبل أن تكون هناك حربا مباشرة بين الملك الأصلي وملك الشياطين بعصور، تسلق كل شخص الجبل الذي سمّي آنذاك بـ'القمّة السيادية السامية'. لا يعلم أحد معنى هذا كما لا يعلم الكثير من الأشخاص عن هذا الشيء. هناك قلة فقط يعلمون عن هذا. حتى إدريس الحكيم لديه بعض المعلومات فقط عن هاته القمّة السيادية السامية.

في العصور القدمى، تسابقت الأجناس والأعراق بمختلفها غير مهتمين بأصولهم. كل ما كان مهمّا حينذاك كان هو بلوغ تلك القمّة الأسطورية الخرافية. دار عقل إدريس الحكيم أكثر، فحتى بحكمته السيادية لم يستطيع معرفة لمن كانت تعود تلك النية. لابدّ وأنها تعود لشخصية عظيمة من العصور القدمى حينما كان السحرة الروحيون يتقاتلون كلهم في تسابق لبلوغ تلك القمّة. كل شخص أراد في ذلك الوقت الحصول على القوة للوقوف على القمّة.

لسبب ما، اختفت كل السجلات عن تلك العصور وعن تلك القمة التي حاول العظماء من قبل بلوغها. شعر إدريس الحكيم أنّ لذلك العالم الثانوي علاقة بهذا ويمكن الكشف عن بعض الغموض بدخوله بما أن فرصة كون تلك النية تعود لشخصية عظيمة من العصور القدمى كبيرة.

فجأة، فكّر إدريس الحكيم بالملك الأصلي. ذات مرة، جلب هذا الموضوع للملك الأصلي فقام هذا الأخير بإخباره بنسيانه. "يجب نسيان الأساطير القديمة والخرافات التي خلّفها الأسلاف والأجداد والنظر نحو المستقبل. هكذا سيكون المرء قادرا على بلوغ القمة."

أصبح مثل هذا الكلام يقلق إدريس الحكيم أكثر. مع أن الملك الأصلي أخبره بنسيان هذا الأمر، إلا أنه صادف بعض التلميحات في الكثير من الأماكن التي جعلته فضوليا أكثر. ومع ذلك، بناء على أمر الملك الأصلي، لم يحفر أكثر واكتفى بما يعلمه واكتشفه.

ملأت الأفكار رأسه كثيرا وبدأت بعض الأشياء تصبح أكبر مما يمكنه أن يهملها ويتجاهلها. حدّق إلى باسل وفكّر: "سوف يستغرق الأمر وقتا طويلا للغاية ليصبح قادرا على فهم مثل تلك المصفوفة السامية."

عبس إدريس الحكيم ثم وضع يده ذقنه واستمر في التفكير: "هل يجب علي نقل بعض المعرفة من الحكمة السيادية له؟ سيكلفني هذا كثيرا لكن..."

نظر إدريس الحكيم إلى باسل ثم تحسّر أكثر. كـحكيم سيادي، يمكنه القيام بالكثير من الأشياء، وأحدها نقل المعرفة من الحكمة السيادية لطرف آخر، لكن هذا يكلفه ثمنا باهظا. فقط بما أن هذه الفكرة طرأت في باله، فلا شك أن ذلك يستحق، لكن... كان الثمن باهظا حقا لدرجة جعله يفكر في هذا لمرات عديدة حتى قرر أخيرا أنه لن يفعل. فليست هناك حاجة للتسرع. لازال بإمكان باسل بلوغ المستويات الروحية وتنمية روحه ومعرفته حتى يكون في استطاعته دخول ذلك العالم الثانوي.

تنهد إدريس الحكيم ثم تقدم نحو باسل.

تحركت النقوش الروحية كما تغيرت المناظر حول باسل وإدريس الحكيم. كان ذلك المجال مستقلا كالعالم لكنه لم يكن عالما. كان شيئا أقرب للعالم فقط. شخص بمستوى إدريس الحكيم لن يستطيع صنع مثل هذا المجال السامي الذي تتخلله مصفوفات متعددة. فقط حكيم سيادي كإدريس الحكيم باستطاعته القيام بمثل هذا الشيء بمستواه الروحي هذا.

التقت النقوش الروحية الأخيرة ببعضها بعضا وصنعت مسارا مرّت به الطاقة الروحية الخالصة حتى بلغت الأعمدة الأربع عشرة في النهاية. بعدها، تكسر الحاجز المتشكل كما لو أنه زجاج ضرب بالحديد.

سقط باسل من الإرهاق مباشرة بعدها. كانت الدماء تسيل من فمه وأنفه وأذنيه.

اقترب منه إدريس الحكيم وقال: "لقد تجاوزت المستوى الأول. فلترتح جيدا وركز على استعادة الطاقة لا نموها، ثم سنستمر بالانتقال للمستوى التالي."

"حاضر أيها المعلم. ! "

أغمض باسل عينيه محاولا النوم، لكن، وفي تلك اللحظة مباشرة، أتاه اتصال عبر خاتم التخاطر علم أنه من الكبير أكاغي فأجاب مباشرة قبل أن يغط في النوم: (ماذا هناك أيها الكبير أكاغي؟)

(حمدا، حمدا ! يا لسعادتي لإجابتك أخيرا ! خبر عاجل يا حليفنا ! بعد أيام معدودة سنكون في حرب ضد إمبراطورية الرياح العاتية ! لقد تغير إمبراطورها فأصبح شهاب جرم من حلف ظل الشيطان ! )

"ماذا ! ؟"

صرخ باسل بذلك جهرا حتى. نهض من مكانه فجأة ناسيا آلامه، لكنه سقط على ركبتيه بعدها مباشرة.

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/03/17 · 981 مشاهدة · 1522 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024