143 – سكون بصراخ

انتقلت شحنات القتل بين الطرفين قبل أن يلتقوا حتّى. كانت هناك أميال فقط على وصول العدوّ، لكن بسرعة حيتان قلب البحر العميق، فسيصل في لحظات فقط.

في تلك اللحظات القصيرة، تصاعد التّوتّر بين جنود جيش إمبراطورية الشعلة القرمزية وأصبح العاديون منهم يحسّون بالرعب أكثر. أمّا السحرة فكانوا في أقصى درجات حذرهم. كلّ ذلك بسبب الجيش العظيم المتقدّم.

جيش عظيم ضد جيش عظيم كوّن حربا عظيمةً. لا يهم من كان سيفوز، فلاشك أنّ كلا الطرفين سيخسران أعدادا هائلة من القوّات. هذا ما جعل الجنود العاديون يرتعبون. فبمثل هذه الحرب العظيمة، أكّد التاريخ دائما فناءهم وإبادتهم لآخر واحد منهم.

ساحر بالمستوى الأول سيسحق جنديا عاديا كالحشرة. كان المستوى بينهما مختلف كثيرا. لذا كانوا شاكرين لموقعهم الحالي، فالكبير أكاغي قد وضعهم بمؤخرة الجيش وليس بالمقدمّة. جعلهم مجرّد دعم صغير وليس قوّة أساسية. قد يكون هذا إهانة لفخرهم كمحاربين للإمبراطورية، لكن لاشكّ أن ذلك سينقذهم من موت بلا فائدة.

ذلك ما فكّر به الكبير أكاغي، خصوصا بعد ظهور الإكسيرات في الشهور الأخيرة. ارتفع مستوى السحرة أكثر ممّا سبق أن كان عليه بدرجات فـصار سحرة المستوى السادس يظهرون بسرعة كبيرة. فلقد كان هناك سحرة بقمّة المستوى الخامس، لكن بسبب كبرهم في السّن لم يعُد بإمكانهم الاختراق، وبمجرّد ما أن ظهرت الإكسيرات استطاعوا الانتقال للمستوى التالي.

خمّن الكبير أكاغي كثيرا في هذا الأمر، في الواقع، كان قد تكلم مع باسل ذات مرة حول هذا. حينذاك، قال له باسل أنّه في القريب العاجل لن يكون هناك حاجة للجنود الطبيعيين في القتال بعد الآن. سيكون هناك حاجة للسحرة فقط.

ما يزال الآن الجنود العاديون بإمكانهم إظهار تغيّر ولو كان بسيطا في مجرى الحرب، لكن من خلال كلام باسل، علم الكبير أكاغي أنّه في ذلك الوقت الموعود، لن يكون هناك أيّ مجال للجنود العاديين على الإطلاق أن يحدثوا أيّ تغيّر طفيف. سيكون مصيرهم الموت بدون القيام بأيّ حركة.

في الجانب الآخر، كان هؤلاء الجنود العاديون هم مقدمة الجيش. لم يكن هناك 'كريمزون أكاغي' ليشفق عليهم. كان أحد قدماء حلف ظل الشيطان الكبار هو الموجود. لم يهتم شهاب جرم بموت كلّ أولئك الحشرات الذين لا فائدة منهم. لو كانوا سيصنعون أيّ فارق فذلك أمر مسعِد، ولو ماتوا فقط فلم يحدث شيئا.

في مجرد لحظات وجيزة تصاعد التوتّر لمرحلة جديدة وأكل قلوب الضعفاء. لكن ضعفاء العدوّ المتقدم لم يكن هناك أمامهم خيار على ما يبدو. فباقترابهم أصبح جليّا سبب حماسهم المروع ذاك. ببساطة، لم يكن ذلك حماسا على الإطلاق، كان مجرّد غريزة لدى كل مخلوق حيّ.

الخوف !

الخوف من الشيء المرعب جعلهم في هذه الحالة المهولة. فبدل أن يرتعدوا من العدوّ الذي أمامهم، كانوا في الواقع يهابون الشخص الذي يقودهم. لا أحد يعلم ما فعل بهم، لكن لاشكّ في أنّه أمر جعل من الجنود يتمنّون الموت في الحرب على عصيان أمره.

حتّى السحرة من إمبراطورية الشعلة القرمزية جعلهم هذا المنظر البشع يحسون بالبرد يتخلل عظامهم. فقط ما الذي يمكنه جعل جندي طبيعي أن يجعل ساحرا ماهرا يخاف. كلّ هذا أظهر لهم طبيعة العدوّ المريعة. وبالتفكير في ذلك، لم يسعهم سوى التوقّف عن التفكير خشية أن تهرب منهم عزيمتهم.

مرت اللحظات الوجيزة كقرن من القتال النفسي على جيش إمبراطورية الشعلة القرمزية. لكن لحسن الحظّ ما زال أثر كلام الكبير أكاغي موجودا. نعم، هذا صحيح، لو خافوا هنا فماذا عن أعزائهم؟ لو سمحوا للعدوّ بالمرور الآن، فلن يبقى لهم موطن ولا مواطن ينتظرهم. كل ذلك سيصبح رمادا.

كانت هذه هي الحرب العظيمة !

انتهى التعذيب النفسي قبل أن ينهي عزيمة الجيش، وحدث الاصطدام.

توقفت حيتان قلب البحر العميق عن التحرك كما فعلت السفن التي تجرها. كان أسطولا عظيما وصل عدد سفنه إلى المائة. وبمجرّد ما أن توقفت السفن حتى طار الجنود العاديون أوّلا منها فكان عددهم يصل لمائتي ألف. كلهم اندفعوا نحو الواجهة الأمامية للعدو.

*ووش* *ووش* *ووش*

انطلقوا بأقصى سرعاتهم، لكن وا أسفاه، كان أمامهم سحرة المستوى الرابع. انطلق هؤلاء السحرة بشكل موحّد وكان يبلغ عددهم خمسين ألفا.

كانت النتيجة واضحة، بالرغم من هيجان المائتي ألف وحماسهم غير الطبيعيّ، لم يكن بإمكانهم الصمود أمام الاندفاع للسحرة. بنية ساحر بالمستوى الأول الجسدية تساوي ثلاثة أضعاف الشخص الطبيعي، ناهيك عن السحر. لذا بعد التقائهم فقط، أباد سحرة المستوى الرابع ربع المائتي ألف من الجنود الطبيعيّين. كل ساحر قتل واحدا، فأضحت المائتا ألف مائةً وخمسين ألف.

كان هذا هو الفارق الذي لا يمكن زعزعته. تأكّد الكبير أكاغي أكثر بعد رؤيته لهذا المنظر. لم يكن هناك مثل هذا العديد الكبير من سحرة المستوى الرابع قبلا، لذا كان المنظر مرعبا للغاية. خصوصا للجنود الطبيعيين من إمبراطورية الشعلة القرمزية، فهم شعروا أنّهم الأشخاص الذين يذبحون.

مباشرة بعد ذلك، انطلق سحرة إمبراطورية الرياح العاتية كذلك ونشبت الحرب العظيمة الحقيقيّة. بدت الرؤوس تتطاير كالحجارة التي يلعب بها الأطفال. قُطِعت الأجساد كتقطيع الخشب لصنع الحطب. وصنِعت أمطار من الدماء كيوم عاصف.

تزلزلت الأرض بتحرّك الطرفين فاشتدّ هرْجهم وترامى مرْجهم. وعندما كاد ينتهي أخيرا أمر الجنود الطبيعيّين، انكبّ جيش إمبراطورية الرياح العاتية كلّه مرّة واحدة على عدوّه. صدر صوتٌ دبّ الرعب في قلوب الحلفاء والأعداء على حد سواء. لم يكن الصوت غاضبا ولا هادئا.

"اليوم هو آخر يوم لإمبراطورية الشعلة القرمزية. كل القوات، هجوم ! "

بسبب ذلك، لم يعد بإمكان أيّ جندي من إمبراطورية الرياح العاتية التوقّف وهلعوا نحو العدوّ وازدادت المعركة حدّة. وصلت شرارة القتال لجنود إمبراطورية الشعلة القرمزية الطبيعيّين أيضا فأدخِلوا رغما عنهم في المعركة.

كان بذلك الوقت شهاب جرم ما يزال بإحدى السفن منتظرا. قال ذلك الكلام لسبب واحد؛ أراد أن يظهر ذلك الشخص بأقصى سرعة.

تمتم بينما يجلس على عرشه: "لقد استخدمت البحث السحري من منطقة لأخرى، لكنّني لا أستطيع إيجاد أيّ ساحر بالقسم الثاني. أمازال بالوكر؟ ظننت أنّه سيهرع إلى هنا ويكون ينتظرني ! ما الذي يؤخرّه؟"

كان شهاب جرم يفكّر طيلة الوقت في باسل. كلّ ما أراده في الواقع هو ظهوره ليقاتله. حذّره الأقدم الكبير سعير بشأنه لكنّه لا يهتم إن كان ذلك صحيحا بالفعل أم لا. بناء على كلام فضيلة كرم، لاشكّ في أنّ ذلك الفتى يملك ورقة رابحة. لكن يبدو أنّه لا يستطيع استخدامها كما شاء وإلّا كان قد قتل فضيلة كرم في أول فرصة سنحت له.

بمثل هذا التفكير، لم يمانع قتاله. أراد أن يخرج غليله الذي يكبحه من أجل باسل. هو حتّى الآن مازال هادئا. فتلك كانت طبيعته بالرغم من وجهه العابس بشكل طبيعيّ. أصبح أقدما كبيرا قبل سنتين. كان شخصا تائها فيما قبل ويبحث عن طريق يتبعه. في ذلك الوقت ظهر أمامه سيّده ظلّ الشيطان. وبنفس الوقت، علم أنّه وجد الطريق الذي لطالما بحث عنه.

كشخص كان عبدا طوال حياته حتّى حدث الدمار الشامل، كان هذا الطريق مغريا له للغاية وبدا كمسار يحمل معه كلّ ما أراده في حياته بأكملها وسعى له. في الواقع، لا يهتم أبدا ما إذا كانت السيادة العظمى التي تحدث عنها سيّده حقيقية أم لا. ربّما كلّ ما أراده قد تحقّق بالفعل. لذا نادرا ما كان يغضب أو ينفعل. شعر أنّ كلّ شيء في هذا العالم غير مهمّ حقا. فكّر شهاب جرم في هاته الأشياء لمدّة طويلة، وأحسّ أنّه اقترب من الإجابة شيئا فشيئا.

وفي تلك اللحظة، تفرقع الهواء بعيدا في السّماء وأحدث صوتا كبيرا. شدّ هذا الصّوت انتباه الجميع مع أنّهم لم يتوقفوا عن القتال. لحظة من التوقف تعني موتهم الأكيد. لن يخاطروا بفعل هذا الشيء !

وباقتراب هذا الصوت من بعيد، لاحظ بعض الأشخاص أنه شخص يطير. لم يعلم أحد من هو، لكن باقترابه ظهرت ابتسامة على وجه الأقدم الكبير شهاب جرم الذي جلس بداخل السفينة.

*بووم*

انفجرت إحدى السفن فظهر منها شهاب جرم تلتفّ حوله النار. صعد للسماء بعاصفة نارية صغيرة أسفل قدميه وحدّق إلى الشخص القادم محلقا.

اقترب ذلك الشخص أخيرا وظهرت صورته جيدا بعدما توقف.

قال تورتش بفرح بعدما رأى ذلك الشخص: "سيدي باسل ! "

"الجنرال الأعلى؟"

"قاتل الدم القرمزي؟"

انتقل الخبر بين صفوف الحلفاء والأعداء.

حدق باسل بعينين قاتمتين نحو ساحة المعركة ثم عبس وتمتم: "حقّا أكره رائحة الدم ! "

بعد رؤيته لباسل يحلّق في السماء، قطَب أخيرا شهاب جرم ذو الوجه العابس طبيعيا ثم تكلم: "لقد أت..."

وقبل أن يتكلم حتّى صدر صوت باسل المرتفع للغاية المرافق لنيته وهالته. نزل صوته هذا على ساحة المعركة وانتقل عبرها متخلّلا أجساد كلّ شخص موجود.

"توقّفوا عن القتل الذي لا فائدة له ! "

لم يعلم أحد ما الذي يقوله باسل، لكنّه لم يتوقف عند ذلك الحدّ وأكمل: "أنا لا أحب سفك الدماء بدون سبب. سأفضل لو لم تعيقوا طريقي. فكلنا يعلم، هناك عدوّ واحد، وهو حلف ظلّ الشيطان. وواحد من قدمائهم الكبار هناك أمامكم ! لمَ الحاجة لغضّ النظر عن ذلك؟"

مع أنّ باسل قد تكلم، إلّا أنّ جيش إمبراطورية الرياح العاتية لم يتوقّف واستمر في القتال بجنون ممّا جعل جيش إمبراطورية الشعلة القرمزية يواصل القتال أيضا كي لا يموت. استمرّت الدماء في الرشّ وطلِيت الأرض باللون الأحمر. وكلّ ذلك زاد من شدّة رائحة الدم في الأجواء.

ابتسم شهاب جرم ورفع يده قبل أن يقول: "إنّ ذلك بلا فا..."

ومرّة أخرى، قبل أن ينهي كلامه، اقتطعه باسل بصراخه: "لقد قلت توقفوا ! "

كان صوته كقنبلة فسمعها كلّ شخص رغما عنه وصعقهم. هذه المرّة لم يحمل صوته نيته فقط وهالته. لقد اصطحب معه نية قتله وعزمه وحسمه. لم يكن يحتوي فقط على مستواه السحري، وإنما وجوده نفسه. كانت صرخة قاتلة تجعل الروح تتزعزع.

عمّ الهدوء مباشرة بعد ذلك في ساحة المعركة بأكملها. وكما لو كان هناك ضباب يغلف أعين جيش إمبراطورية الرياح العاتية فانجلت لهم الرؤية الواضحة أخيرا وأصبحوا واعيين. اتسعت حدقاتهم ونظر كلّهم بدون استثناء، أيّ شخص موجود بساحة القتال وجه عينيه نحو باسل العائم في السماء.

قال بعد ذلك باسل: "حسنا، نحن جيّدين الآن."

كان باسل يفكّر في المستقبل لا الآن. لو لم يكن هناك خيار آخر حقا سوى القتال، فلن يتردّد في القتل. فذلك حدث مع عائلة غرين. علم آنذاك أنّ ليس هناك طريق آخر غير القتل. فحتى لو كانت عائلة غرين قد استسلمت، لم يكن باسل سيرحمهم. من يجب أن يموت يمُت. فعلت عائلة غرين أشياء أكثر ممّا يمكن مسامحتها. على الأقلّ ليس بالعالم الذي يطمح باسل صنعه.

تعلّم باسل ماهية القتل في السنتين اللتين تدربهما مع معلمه بلحمه ودمه. جرّب القتل لأول مرة بالثالثة عشر، واستمرّ في أخذ ذلك الطريق منذ آنذاك. لو لم يكن هناك خيار سوى القتل، فلا مفرّ. واجَه عدوّا يحمل نية قتل تجاهه يبادله بالمثل. مازال كلام معلمه يتردّد بعقله في كلّ مرّة يواجه بها خصما بنية قتل؛ "واجه نية قتل بنية وئام وستجدُك مواجها الحِمَام ! "

لكن، لم يكن هناك حاجة ولا سبب في قتل جيش إمبراطورية الرياح العاتية. على العكس، كلّ ما سينتج عن ذلك هو مزيد من الخسائر الضارّة. سيتعرض كلا الطرفين لخسارة مهولة، وتنقص القوّة اللازمة عند الوقت اللازم. لم يكن جيش إمبراطورية الرياح العاتية كعائلة غرين.

حدّق باسل أخيرا إلى الأقدم الكبير شهاب جرم ثم قال: "يبدو أنّك كنت ستقول شيئا. حسنا، أظنّه غير مهمّ. لمَ لا نبدأ فقط؟"

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/04/03 · 969 مشاهدة · 1710 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024