144 – شهاب جِرم

حملق باسل إلى الأقدم الكبير شهاب جرم بعدما أنهى كلامه بنظرات مستحقرة.

في المقابل، كان حاجب شهاب جرم يهتز وأحكم قبضته. كان شخصا لا يغضب بسهولة، ودائما يحافظ على هدوئه في كلّ الحالات. لكن كانت هناك حالة لا يمكنه التحمّل فيها ويرتفع غضبه لأقصى الدرجات. كان ذلك عندما يقاطعه شخص ما عن الكلام ولا يعطيه أيّ اهتمام.

لم يقم باسل فقط بتجاهله، بل وقاطعه ثم حدّق إليه كأنّه حشرة. لم يستطع شهاب جرم الصبر أكثر وبدأت عروقه تبرز بوجهه مع اهتزاز حاجبيه معا فأطلق هالة قاتلة. انتشرت هذه الهالة بساحة المعركة بأكملها والتقت بالخاصة بباسل فحدثت مشاحنة بينهما ممّا جعل كل شخص موجود يشعر بالارتجاف من ذلك الصراع.

حينذاك، غطّت طاقته السحرية الأرجاء وأظهر مستواه السحري الذي جعل من كلّ السحرة أسفلهما يبدون كحشرات فقط. كان بالمستوى العاشر، ولم يكن ممكنا لسحرة قسم مستويات الربط الأوّل الوقوف لمجابهته.

ومع ضغط هالته، صدر صوته الغاضب: "أيها الوغد، ألم يعلّمك والديك السكوت عندما يتكلّم الكبار؟"

انتشر صوته حاملا نية قتله في الساحة ممّا جعل الجنود على الأرض يجرّبون نفس الإحساس الذي شعروا به عندما أوقفهم باسل. مع أن هذا الكلام لم يكن موجّه نحوهم ولا تلك النيّة، إلّا أنّهم ارتعدوا من قوة شهاب جرم التي أمكنها جعل كلّ شخص يفهم أنّه بإمكانه سحقهم كالصراصير. فقط بخطوة منه يمكنه جعلهم في خبر كان.

لم تتزعزع عينا باسل أبدا وحافظ على هدوئه المخيف ذاك ونظراته المهينة تلك. قال بنبرة سلسة: "نعم معك حقّ. عندما يتكلم الكبار يجب أن يخرس الصغار. أوليس ذلك ما فعلتُ بالضبط؟"

كانت كلمات باسل مستصغرة كما فعلت نظراته. كان في تلك الحالة يبدو كأنّه الكبير ويحادث الصغير الوقح. كان هذا هو تصرّف باسل تجاه أمثال حلف ظلّ الشيطان.

لم يخمد غضب شهاب جرم فقط بل وازداد هياجه. شحن طاقته السحرية لأقصاها ثم استل سيفه الأثري ووجّه طاقته السحرية إليه، ففعّله مطلقا العنان لقوّة السيف التي عزّزت من الطاقة التي تلقاها ومرّرها عبر النقوش الأثرية التي أضافت نكهتها.

كان السيف الأثري محاطا بالنار، وبعد لحظات رُكِّزت تلك النار وجُمِع اللهب المتشتت فبدى كأنّه يعود للسيف الأثري الذي كان مصدره الأصلي. كان شهاب جرم في تلك الأثناء يتحكّم بسيفه الأثري.

أصبحت طاقة السيف الأثري هادئة ولم تعد تهتزّ كقبل. فبدى بعد ذلك السيف كأنه أصبح لهب. كأنه نصل مصنوع من اللهب وليس من المعدن.

حدّق باسل إلى السيف الأثري الذي تحوّل إلى نصل لهبيّ، فضاقت عينيه قليلا ثم تمتم: "يبدو أنّه لم يبلغ التحكم المثالي كلّيا. لكن... لم يتبقّ له سوى خطوة عن ذلك فقط ! والأكثر أهمية، يستطيع التحكم بذلك الإتقان في سلاح أثري بالدرجة الخامسة ! إنّ قوّته أكبر ممّا سمعت. يبدو أنّ كلّ القدماء الكبار يخفون قوّتهم الحقيقيّة للّحظات المناسبة. الأمر نفسه كان مع فضيلة كرم."

تذكّر فضيلة كرم وموهبتها الخارقة. كانت موهبتها صادمة ويمكن مقارنتها مع الخاصة به. لم يرد تركها على قيد الحياة لأنّها ستكون خطرا كبيرا للغاية، لكنّها فلتت من قبضته.

كان باسل حاليا يطير بالسماء مثله مثل شهاب جرم عن طريق عاصفة نارية. فهذه الأخيرة كانت السبب في الضوضاء التي صنعها عندما أتى. ولم يبدُ عليه التفكير كثيرا في الطاقة السحرية التي تضيع منه بطيرانه ذاك.

كان جلّ تركيزه حاليا على الأقدم الكبير شهاب جرم الذي انتهى أخيرا من استعداداته. ساحر بالمستوى العاشر بتحكم شبه مثالي؛ في مواجهة مثل هذا العدوّ، ما كان باسل مهملا.

لكن، بالرّغم من مشاهدته لمستوى شهاب جرم، لم يكن متوتّرا أو خائفا. فاجأته قدرات شهاب جرم لكنّها لم تزعزع قلبه.

أخرج باسل سيفيه الأثريين ثم شحذ طاقته السحرية بهما فأصبحا نصلين لهبيّين بسرعة كبيرة. كان ذلك هو تحكّمه المثالي. لكن يبدو أن بلوغ التحكّم المثالي في السيفين الأثريين بالدرجة الثالثة أصبح أسرع له ممّا كان فيما قبل. في لحظات فقط استطاع التحكّم فيهما مثاليا.

كان الاثنان مستعدين بالكامل، ومع ذلك، لم يقم أحدهما بالتحرّك لمدة طويلة وعمّ السكون أكثر ممّا كان فأصبحت الرياح فجأة تبدو كأنّها تحمل بردا قارسا جعل كلّ شخص على الأرض يرتعد ويقف شعر جسده كلّه.

كان ذلك هو الإحساس الذي أطلقه الساحران في السماء من خلال رفع حذرهما لأقصى الدرجات وتبادلهما القتال الذهني قبل الجسدي.

*بووم*

انفجرت النيران تحت قدميّ الأقدم الكبير شهاب جرم فقلصّ المسافة التي بينه وبين باسل إذْ كانت نصف ميل فأصبحت عشرين متر.

رفع يده للأعلى ونزل بها فخلق ارتجاجا بالهواء. تشكّلت نار كان مصدرها السيف الأثري فكانت عبارة عن سيف ناريّ ضخم للغاية. كان هذا السيف الناري العملاق حارا للغاية وبدى كما لو أنّه يستمدّ قوته من الشمس لا من السيف الأثري. ومع نزول ذراع شهاب جرم، هبط السيف العملاق الناري على باسل.

*زبااام*

كانت قوّة ذلك السيف مرعبة للغاية فكان بإمكانها جعل سحرة المستوى السابع رمادا بمجرد الاقتراب منها. كانت تلك النار جحيميّة ويمكنها إبادة كل ما تلمسه فتلتهمه.

وسُعت حدقات الحاضرين وارتعبوا من ذلك الهجوم. خصوصا الجنود العاديين وسحرة المستوى الثاني إلى الثالث؛ لو أنّ المئات منهم حاولوا صدّ ذلك الهجوم فلن ينجحوا وسيتعرض أغلبهم للموت بينما الباقي سيكون نصف ميّت. أما باقي السحرة فعلتهم قوّة ذلك الهجوم يرتعدون كثيرا. في مواجهة هجوم كذاك لن يكون مصيرهم سوى الاحتراق لرماد.

لكن، ظهر باسل بعدما انجلاء البخار واقفا في مكانه غير حادث له أي شيء. كما لو أنه لم يتعرّض لذلك السيف العملاق الناريّ أبدا. حتّى الأقدم الكبير شهاب جرم تفاجأ برؤيته لباسل سليما كلّيا وبدون أيّة جروح ولو طفيفة.

كان في تلك الأثناء حاجز يمتد من جسد باسل ويحيط به من كل زاوية. بدا الحاجز كأنه عبارة عن طاقة تحيط جسد باسل. كان ذلك عنصر التعزيز الذي امتدّ من جسد باسل وكوّن حاجزا فحماه من كل الأضرار. كان هذا الحاجز مدعمّا بقوّة السيفين الأثريّين أيضا.

سلاح أثري بالدرجة الثالثة بتحكم مثالي يكون كسلاح أثري بالدرجة الخامسة. ومع أنّ شهاب جرم كان يتحكم في سلاحه الأثري بشكل شبه مثالي، إلّا أنّه لم يستطع التفوّق على باسل.

كان هذا مستحيلا ! يمكن لسيفي باسل الأثريّين مجاراة سلاح أثري بالدرجة الخامسة بشرط ألّا يكون مستخدمه يتحكّم بشكل جيّد فيه كشهاب جرم، لذا في مثل هذه الحالة لم يكن يجب أن يكون ذلك ممكنا.

كان هناك تفسير واحد لا غير. مع أن الأقدم الكبير شهاب جرم لم يرد تصديق ذلك، إلّا أنّه لم يجد توضيحا آخر غيره.

تكلم غير مصدّق لما يقول: "هل عنصر التعزيز الخاص بك يتجاوز المستوى العاشر؟"

حملق باسل إليه ولم يجب. أثناء قتال باسل لفضيلة كرم، عندما بلغ القسم النهائي من المستوى السابع وضعُف الختم أكثر، صارت طاقة عنصر التعزيز تصل للمستوى العاشر. لكن، يبدو أنّها أقوى من المستوى العاشر الآن.

تراجع الأقدم الكبير للخلف. أخمد النار تحت قدميه ونزل على الأرض منتظرا باسل ليفعل المثل. كان يستهلك الاثنان معا طاقة سحرية بالتحليق في السماء، لذا لمّح شهاب جرم للقتال بالأرض.

وبالطبع، استجاب باسل لطلبه ذاك بما أنّه ينفعه هو الآخر. ابتسم شهاب جرم عند مشاهدته لنزول باسل وأخرج سيفا أثريا آخرا. حدّق إلى باسل بنظرات متعجرفة بوجهه العابس ذاك كما لو أنه يخبره أنّه ليس الشخص الوحيد الذي يمكنه استخدام سلاحين أثريّين في آن واحد.

ارتفعت طاقته السحرية أكثر وانتشرت هيمنته على المحيطين فجعلهم يهربون إلى أقصى بعد ممكن لتجنب المعركة التي تحدث بين الاثنين. فقط بوقوفهم بساحة معركتهما سيندثرون.

نقُص تحكم شهاب جرم الشبه مثالي لكنّه لم يضعف كثيرا ومازال أفضل من سيفي باسل الأثريّين ولو بالتحكم فيهما مثاليا.

وبمجرد ما أن نزل باسل على الأرض حتّى غرس شهاب جرم سيفيه الأثريين في الأرضية أسفله وصرخ: "فلتنفجر ! "

*بووم*

كما لو أنّ النار انتقلت من خلال الأرض وصعدت من تحت باسل، انفجرت المنطقة أسفل باسل واتجهت نحوه حجارة ملتهبة كانت كشظايا نيزك بعد سقوطه. انطلقت تلك الحجارة النارية في كلّ مكان مصاحبة الانفجار وقتلت العديد من الجنود الذي ظنوا أنّهم في مأمن.

سرعة تلك الحجارة كانت كبيرة للغاية وقطعت أميالا بسهولة. وأول من قُتِل بسببها كان الجنود الطبيعيّين الذين اخترقت أجسادهم كقطع من الورق. وبعض سحرة المستوى الثاني والثالث قتلوا كذلك بالرغم من دروعهم السحرية. فقط واحدة من الشظايا كانت شفرة آتية من ساحر بالمستوى العاشر.

فقط سحرة المستوى الرابع فما فوق استطاعوا تجنب الشظايا واحدة بواحدة، لكن لو وجدوا أنفسهم أمام مجموعة منها فيُخترقون أيضا بالرغم من دفاعاتهم.

كان باسل حاليا في مواجهة هذا الهجوم. للدقة، كان في مركزه، ومعظم الشظايا بمختلف أحجامها استهدفته. كانت هناك حجارة بحجم القبضة والأخرى بحجم جذع الإنسان. وكلّها كانت مدعمة بعنصر النار.

لم يكن شهاب جرم ليستطيع القيام بمثل هذا الهجوم لولا امتلاكه ذلك العنصر بالضبط. كان ذلك العنصر هو سحر الأرض.

طبقا لتحكم شهاب جرم، أصبح عنصر الأرض ممرّا لعنصر النار بباطن الأرض وانفجر الاثنان معا عندما بلغ سحر النار المنطقة أسفل باسل. كان هذا عنصر شهاب جرم الثاني والذي استطاع أن يلائمه مع عنصر النار بشكل مثالي.

*بااام*

انفجرت النيران فظهر باسل من وسط العاصفة الحجرية النارية التي صنعها شهاب جرم بعدما تشتّت. كانت هناك بعض الجروح الطفيفة عليه لكنّها لم تكن بمشكلة له على الإطلاق.

عبس شهاب جرم ثم قال: "حتّى مثل هذا الهجوم لا ينفع إذا."

استخدم باسل هذه المرّة عنصريْ النار والتعزيز معا لينجو. لكن، مازال شهاب جرم يستغرب ويتعجّب. لقد أظهر باسل للتّو طاقة سحرية من عنصر التعزيز كبيرة للغاية. حتى أنّها تجاوزت القسم الأولي من المستوى الحادي عشر. كانت أقوى من التي أظهرها سابقا.

تكلم باسل: "يبدو أنّ موهبتك في التحكّم جيّدة للغاية. لكن، ليست أفضل منّي للأسف. كنتَ قريبا ! "

مع أن الأقدم الكبير دمج عنصريه وتحكم فيها بشكل جيد للغاية ثم هاجم باسل، إلّا أنّ هذا الأخير كان مستواه في التحكم أكثر إتقانا. دمج باسل عنصريْ التعزيز والنار فشكل حاجزا ناريا معزّزا حماه قبل أن يفجّرَ هذا الحاجز نفسه ليشتّت تلك العاصفة من الشظايا الحجرية النارية.

صرّ الأقدم الكبير شهاب جرم أسنانه وقرّب سيفيه من بعضها بتقريب يديه ثم غرسهما في الأرض مرّة أخرى.

هرب الجنود إلى مكان أبعد عندما شاهدوه يفعل ذلك خوفا من الموت. لكن هذه المرّة لم يكن الهجوم كالسابق، هذه المرّة لم تنفجر الأرض وإنّما تشققت بدل ذلك ثم صعد منها كرات حجرية بحجم الإنسان. كانت هذه الكرات الحجرية ملتهبة وتبدو كأنها من قاع بركان.

باستخدامه لعنصري النار والأرض معا. أخرج من الأرض أحجارا ساخنة من الباطن قدر ما استطاع أن يتعمق. ثم عززها بعنصريه فجعل تلك الكرات الحجرية تصبح كنيازك صغيرة يمكنها إبادة مئات الجنود بالمستوى السادس بكل سهولة.

أخرج سيفيه من الأرض وصرخ: "فلنرَ كيف ستنجو من هذا الآن ! "

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/04/06 · 948 مشاهدة · 1632 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024