147 - خبر صاعق !

لم يكن باسل يحاول هزيمة العدوّ بكلّ ما أملكه، لو فعل ذلك لما كان قادرا على تطوير قدرته على استيعاب طاقة سحرية خارجية أكثر. والآن، أصبح راضيا وبمزاج جيد بالرغم من رائحة الدماء السائحة بساحة المعركة. لقد مرّ بشهر عسير للغاية. لم يكن هناك وقت له في الشهر الماضي ليتنفس الصعداء حتّى !

وفوق ذلك، لم يكن الشهر الفائت هو الوقت الوحيد الذي مرّ عليه عويصا. بل المدّة التي قبلها أيضا كانت كذلك إذْ أخذ تدريبات من معلّمه بالنقوش الروحية والمصفوفات. لم يرتح لمدّة طويلة من التدرّب الشاق حتى الآن. لكن بعد رؤيته نتائج الشهر الماضي ومذْ بدأ استخدام السحر، ارتأى التعبَ مستحِقّا.

حدّق باسل إلى الأفق وبدأ يفكّر فيما سيفعل الآن. هل يأخذ طريقه نحو عرين حلف ظلّ الشيطان وينهي الأمر برمّته؟ أم ينتظر العدوّ ليقوم بخطوته التالية بينما يستعد هو له بشكل كلّي؟ حاليا، كان باسل واثقا من أنّه إن لم يكن شخصا أقوى من الأقدم الكبير شهاب جِرم بمستويين على الأقل، فلن يكون بمنافس له أبدا. ومع ذلك، اعتقد أنّ دخول عرين الأعداء مباشرة ليس خيارا حكيما.

جلت بذهنه العديد من الأفكار قبل أن يرجع بصره لساحة المعركة. كانت هناك عشرات آلاف الجثث الملقية على الأرض. لم يكن ذلك بالشيء المثقل على قلب باسل في الواقع، لكنّه شعر بالأسف نوعا ما. فقط لو وصل إلى هنا بوقت أسرع لاستطاع الحفاظ على أرواح الكثيرين.

لكن، لم يصل باسل لدرجة لوم نفسه على ذلك. كلّ شخص حرّ في نفسه، وكلّ من أتى إلى هنا مسؤول عن نفسه. كانت تلك حرب عظيمة، ولم يكن غريبا موت مئات الآلاف بها إلى أن يُحسم أمرها فيُقرّر الفائز. ومع ذلك، استطاع إنقاذ مئات الآلاف تلك من ذلك المصير.

لم يكن سيهمّ باسل ما يحلّ بالعالم أبدا لولا علمه بقدوم الشياطين مرّة أخرى. عندما سمع من معلّمه أنّه المختار للحفاظ على التوازن وأنّه الطفل الأخير وتلك الأشياء، لم يهتمّ أبدا وقرّر اتباع معلّمه فقط لأنه يعجبه شخصيا ويجده قدوة. كشخص عاش منذ صغره يحفر في عالم المعرفة مدفوعا بفضوله وإثارة اهتمامه، كان وجود شخص مثل إدريس الحكيم كالكنز له.

لكن، كان هذا سببه الثانوي فقط. أمّا السبب الآخر والأهمّ كان حماية المقربين له وخصوصا أمّه التي لا يريد أن يرى وجهها الحزين في كل ليلة قبل نومها. يوما بعد يوم نما حقد بقلب باسل تجاه من كان السبّب في شَجَا والدته التي يحبها أكثر من أيّ شخص موجود بهذا العالم.

دفع شيئان اثنان باسلَ نحو عالم السحر؛ اهتمامه وفضوله بشأن العالم السحري لما يحمله من أسرار عميقة مدهشة للغاية أكثر بكثير من كلّ الألغاز والأحاجي أو أيّ شيء شابههما، وحبّه لأمّه والمقربين منه.

أراد أن يحافظ على قوّات العالم حاليا بأكبر قدر مستطاع، فكلّها سيكون لها نفع كبير ضد الشياطين في المستقبل.

مازال الملك الأصلي وملك الشياطين يحافظان على معاهدة الهدنة إلى الآن، لكن من يعلم متى ستصير تلك الاتفاقية من الماضي. يجب على العالم الواهن أن يكون على الأقل عالما روحيا بذلك الوقت وينمّي ما أمكن من السحرة الروحيين لمواجهة أيّ أخطار مرتقبة.

كان هذا هو سبب باسل في الحفاظ على القوات قدر المستطاع، وكان السبب نفسه أيضا لإزالته أيّ عقبات في طريقه كعائلة غرين. هناك بعض العوائق يجب زوالها من المسار؛ لن تكون قادرا على إزاحتها أبدا.

راودت العديد من الأفكار ذهن باسل، لكنّه دفنها عميقا وبدأ يفكّر في المهمّ أكثر حاليا. وبعد القليل من الوقت، اتخذ قراره واتجه نحو الكبير أكاغي.

*باام* *باام* باام*

اندلعت قتالات تلو الأخرى بجيش الإمبراطورية الرياح العاتية فجأة. كانت الصراعات منتشرة بالكثير من الأنحاء ممّا أثار انتباه باسل بالطبع مثله مثل الباقيين. كان جنرالات إمبراطورية الرياح العاتية يقاتلون جنبا إلى جنب مع توابعهم ضد جنود محددين.

"أقتلوا ملاعين حلف ظلّ الشيطان المتبقّين ! " صرخ أحد الجنرالات. كان ذلك الجنرال هو كروز. حمِل على وجهه نظرات غاضبة للغاية مصحوبة مع تعبيرات الحزن الشديد.

تمتم لنفسه: "يجب أن نخجل من أنفسنا. تركنا إمبراطوريتنا تسقط في يد أعداء العالم بدون مقاومة ! " أدار رأسه ونظر إلى باسل البعيد ثم تنهد وصرخ مرة أخرى: "ثلاثي الجليد الخماسي يجب أن يموت أيضا. لا يجب أن تكون هناك رحمة لخونة مثلهم."

كان ثلاثي الجليد الخماسي عبارة عن فرقة مكونة من ثلاثة جنرالات. كانوا جنرالات مشهورين بتشكيلهم القويّ وكانت لديهم الكثير من الإنجازات خصوصا بقارّة الأصل والنهاية. لكن من خلال أمر الجنرال كروز السابق، كان من الواضح أنّهم كانوا خونة لإمبراطورية الرياح العاتية وهم من أضعفوا وطنهم فسمحوا للعدوّ بأخذ مكان إمبراطورهم الأصلي أيرونهيد غلاديوس.

كان عدد جنرالات إمبراطورية الرياح العاتية ثمانية بحساب الجنرال وايتلاند شابو. لذا بإضافة ثلاثي الجليد الخماسي له يصبح عدد الجنرالات الخونة أربعة، أيْ نصف عدد الجنرالات. وهذا هو العدد المطلوب ليكون في استطاعة شهاب جرم المطالبة بحق مبارزة التسوية ضد الإمبراطور.

نشبت معارك هنا وهناك. كان هناك أعضاء من حلف ظل الشيطان أيضا. صرخ أحدهم تجاه الجنرال كروز ومن يقودهم: "ألا يهمّكم أمر عوائلكم؟ مسّونا ولن تجدوا مرحّبين بعوْد... كاااخه ! "

لم يكمل كلامه حتى تقيأ الدم بكمية هائلة بسبب قبضة الجنرال كروز التي اخترقت جسده. كان لديه سحر التعزيز، ولكمته سحقت تابع الحلف ذاك. تكلّم حينذاك: "يا فُخُر الرياح العاتية، اجلبوا عواصفكم وأعاصيركم واحملوها على أكتافكم فأسقطوها على الأقتال واستردّوا كبرياءكم وعزّتكم بأيديكم."

صرخ جيش إمبراطورية الرياح العاتية وأبادوا أعضاء حلف ظلّ الشيطان واحدا تلو الآخر. وثلاثي الجليد الخماسي تعرّض للانهيار أيضا بسرعة كبيرة من طرف الجنرالات الأربعة الآخرين.

***

وقف الجنرال كروز أمام الكبير أكاغي بعد نهاية القتال وانحى له قائلا: "نحن خجلين من أنفسنا كمقاتلين من الرياح العاتية. ليس فقط رضخنا للعدوّ بل وقاتلنا له. اليوم... لقد أنقذتم حياتنا وحياة عائلاتنا. لن ننسى هذا المعروف للأبد. حتّى أعضاء حلف ظلّ الشيطان لن يكون بمقدورهم قتل كلّ شخص موجود بوطننا. بعد موت شهاب جِرم الآن سيهرب توابعه من إمبراطوريتنا. ولدينا بعضا من جنودنا أهل للثقة تركناهم بالسرّ خلفنا يضعون عيونهم عليهم. لا يمكننا سوى الاعتذار والامتنان لفضلكم. لو كان هناك ما يمكننا فعله، قل وسنطبّق."

حدّق بعد ذلك الجنرال كروز إلى باسل الذي كان يجلس خلف الكبير أكاغي. نظر إليه بعينين شاخصتين ثم أكمل: "أيها السيد الشاب باسل. لك الفضل الأكبر في نجاة الكثير منّا اليوم. يمكنك الإشارة بيدك وستجدنا نتبع رياحها."

لم يهتم باسل بما يقول وتركه يعبّر عن شكره، فباله مشغول بشيء آخر الآن. أخبر الكبير أكاغي بالاهتمام بتلك الأمور واستعدّ للمغادرة بما أنّه لم يجد الشخص الذي كان يبحث عنه.

سأله الكبير أكاغي بعدما رآه يهمّ بالمغادرة: "انتظر من فضلك يا حليفنا. إلى أين أنت ذاهب؟ وماذا عن قبائل الوحش النائم؟ هل قمت بالتفاوض مع زعمائها بنجاح؟ هلّا تبقى معنا قليلا فنأخذ الأمور برويّة، خصوصا بما سنفعله من الآن فصاعدا."

استدار باسل وقال: "سأذهب حاليا لمكان معيّن؛ يجب أن أذهب لأستعدّ. ولا تقلق بشأن القبائل، فأبهم قام بعمل جيّد على ما يبدو. يمكنكم فقط العودة وانتظاري ريثما أعود. حصّنوا المدن ولا تسترخوا أبدا. يجب أن يكون العدوّ قد علم بهذه الأثناء عن موت واحد قدمائهم الكبار، وليست سوى مسألة وقت حتّى نرى خطوتهم القادمة. طبقا لاعتقادي، أظن أنّها ستكون حربا شاملة."

صُدِم الكبير أكاغي والآخرين من كلام باسل. أخيرا شارفوا على أبواب الحرب المنتظرة. لم يكن الأمر أكثر واقعية ممّا أتى من كلمات باسل ونظراته. كان تعبيره عميقا وأوحى عن جدية المسألة.

حرب شاملة ضدّ حلف ظلّ الشيطان تعني قتال القدماء الكبار وظلّ الشيطان كلّهم مرّة واحدة. فقط أقدم كبير واحد كان كالجبل العملاق لهم. كان هناك سبعة قدماء كبار في المجموع، والآن أصبحوا خمسة. فقط بالتفكير في الحرب التي ستندلع جعلت القشعريرة والرّعب يتخلل قلوبهم.

قبل أن يغادر باسل سأل الكبير أكاغي: "بالمناسبة، ألم ترَ أنمار؟ ظننت أنّها ستكون هنا في الواقع. أنا أحتاجها في أمر معيّن."

"ذلك..." لم يعلم الكبير أكاغي من أين يبدأ. فحتّى لو علم أين ذهبت، مازال لا يعلم ما حالها. قال بنظرات حزينة: "لقد اتجهت في الواقع إلى أرخبيل البحر العميق. خُطِفت الأميرة شيرايوكي من طرف حلف ظلّ الشيطان فذهبت رفقة الجنرال رعد، وصهري والإمبراطور شيرو لاستعادتها. مازلت لا أعلم ما حلّ بهم حتّى الآن."

"ها؟ ! " صرخ باسل بدون شعور. لم يستطع الهدوء عندما سمع ذلك الكلام وقال بغضب: "تلك الـ... دائما، دائما، دائما، دائما... هل ظنّت أنّها ستخفّف عنّي المشاكل هذه المرّة أم ماذا؟ قلت لها مرارا وتكرارا ألّا تتحرّك بمفردها. لِمَ قامت بمثل هذا الشيء المتهوّر مرّة أخرى؟"

ذهب تفكير باسل مباشرة للاعتقاد أنّ أنمار قامت بهذه الخطوة الخطرة من أجله مرّة أخرى كما فعلت عندما اضطرّ ليقتل أوّل مرّة قبل حوالي سنتين والعديد من المرّات السابقة. لم تكن أنمار شخصا يهتمّ بأحد غير عائلتها المقربين منها وباسل، لذا لم يكن هناك منطق في اتخاذها لهذه الحركة إن كانت قد قامت بها من أجل أحد غير باسل. فلم يستطع باسل سوى التفكير أنّها اتخذت هذه الحركة من أجله.

بقي الكبير أكاغي يحدّق إلى باسل الغاضب. لم تكن ردّة الفعل هذه غريبة منه. لقد ذهبت أنمار لقلب عرين العدوّ؛ لا ينتظرها هناك سوى الموت الأكيد. علم الآن لمَ لا يستطيع التواصل معها بخاتم التخاطر؛ وزاد هذا من الطين بلّة أيضا. فقط ما الذي يمكن أن يجعلها غير قادرة على التواصل؟ علم أيضا سبب عدم وجود الجنرال رعد والجنرال منصف بالحرب العظيمة.

قال الكبير أكاغي: "حاولت الاتصال بهم أكثر من مرّة، لكن ذلك لم يفلح أبدا ! "

استخدم باسل خاتم التخاطر متصلا بالجنرال رعد. استطاع التواصل معه ممّا فاجأ الكبير أكاغي الذي لم ينجح أبدا: (أجبني أيها الرجل الأشقر، أين هي؟)

(الفتى القرمزي...) تمتم الجنرال رعد متحسّرا. لم يكن يجيب الكبير أكاغي عن عمد. لم يكن بمقدوره إخباره بحالتهم الحالية. كان الكبير أكاغي بحرب عظيمة يائسة، وإخباره بأنّ أنمار قُبِض عليها من العدوّ سيكون ضارّا فقط. لكن بعدما أتى الاتصال من باسل أجاب.

سمع باسل ما جرى من الجنرال رعد واكفهرّ من شدّة الغضب. أنهى الاتصال الطويل والتفت للكبير أكاغي ثم قال: "أخبرني عن أحد المسؤولين هنا. أريد خيل بحر ملكي حالا."

تكلم الكبير أكاغي بسرعة: "آه، إنه مالك القطاع التجاري الشمالي نورثرولر كافِل. لكن لمَ؟ لا تقل لي..."

أحكم باسل قبضتيه وقال: "أسرع من فضلك ! ليس لديّ وقت للراحة ! تبا... ! لمَ؟ لمَ فقط تجعل الأمور صعبة عليّ دائما هكذا؟"

تحسّر باسل في مكانه. فقط بالتفكير في احتمالية موتها... جعله ذلك التفكير يمرّ بوقت عصيب مع نفسه. ماذا سيقول للعمّة سميرة؟ بعمر عشر سنوات، رأى ابتسامة منها جعلت بدنه يقشعر من أعلاه إلى أسفله. ومن آنذاك، تجنّبها ولم يعاملها بطريقة حسنة كونه لم يقدر على مسامحتها. فهي وصلت لدرجة قتل صديق من أجل كسبه لنفسها؛ كره باسل هذا الأمر بقدر ما أحبها في ذلك الوقت.

استجمع أفكاره وحاول تهدئة نفسه. طبقا لما قاله الجنرال رعد، كانت أنمار هي التي أمرتهم بالهروب، وبدا أنّها تحمل شيئا في جعبتها. استطاع باسل التقليل من غضبه منها وقلقه عليها قليلا بعد التفكير في أنّها لن تقوم بخطوة إلّا وكانت تعلم أين ستؤدي بها. لو لم تكن لديه تلك الثقة بها لما كان قادرا على جمع شتات نفسه من صعق الخبر.

ركب باسل قاربا جرّه خمسة أفراس ملكية بحرية منطلقا بأقصى سرعة يملكها.

"دائما... لطالما كنتِ هكذا. أخبرتكِ مليون مرّة ألّا تتحرّكي من خلفي. أليس ذلك ما جعلني أبعدكِ عنّي في المقام الأول؟ لمَ لا تفهمين؟"

ابتعد باسل عن الساحل واختفى في الآفاق بسرعة فائقة.

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم

2018/04/10 · 1,022 مشاهدة · 1767 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024