149 – حبكة من أنمار

بالطبع، كما كان متوقعا، كانت السفينة تعود لحلف ظل الشيطان. وكما لو أنّ الأمر كان مدروسا ولم يكن بصدفة عادية، التقى باسل بالسفينة التي تحمل أنمار والأقدم الكبير شهاب سعير. بملاحظة مجموعة باسل العدوّ، لاحظهم هذا الأخير كذلك. اشتد التّوتر واحتدّ بين الطرفين بشكل لا يصدّق قبل التقائهما حتّى.

كان باسل في أتمّ الاستعداد للقتال هو والجنرال رعد، لكنّ صوتا أتى من السفينة مقدّما رسالة لهما: [أنا أقدمُ حلفِ ظلِّ الشيطانِ الكبيرُ شهاب سعير. أنت هو قاتل الدم القرمزيّ باسل، أليس كذلك؟]

عبس باسل وتأكّد شكّه حول بعض الأشياء؛ كان خياره صحيحا عندما تبع الخطّ الذي رسمته أنمار. ابتسم بينه وبين نفسه بدون شعور ثم تنهدّ. لقد قامتْ بحساب الكثير من الخطوات القادمة. لكن، لولا معرفتها بباسل الجيدة وثقتها المطلقة به لما أخذت الأمور هذا المجرى. كل شيء كان محسوبا ومدروسا.

بعدما وجدت أنمار أنّ الهرب مستحيلا من الأرخبيل بالطرق العادية، وعندما لاحظت مجهود الأقدم الكبير شهاب سعير الكبير في إخفاء خبر هروبهم عن القدماء الكبار الآخرين، فهمت أنمار أنّ أهمّية الأميرة شيرايوكي كانت أكبر من أن تكون رهينة فقط للعدوّ.

كان استماتة العدوّ في محاولة القبض عليهم بدون إيذاء الأميرة شيرايوكي مرّة تلو الأخرى سببا آخر في تأكيد شكّ أنمار. مهما هاجم توابع شهاب سعير استهدفها فقط هي والباقيين، أمّا الأميرة شيرايوكي فكانت بعيدة عن الخطر دائما.

لم تلاحظ أنمار هذا الأمر في البداية أيضا؛ ظنّت أن الأميرة شيرايوكي كانت لا تتأذى فقط لأنّها كانت تُحمى منهم، لكنّ الأمر كان مخالفا لذلك كلّيا. كانت قيمة الأميرة شيرايوكي عند العدوّ بنفس الأهمّية التي كانت لديها لهم. حبكت في تلك اللحظة أنمار خطّتها.

بما أنّ شهاب سعير لا يريد إيذاء الأميرة شيرايوكي خوفا عنها، فلا شكّ أنّه سيفعل كلّ ما بوسعه لإنقاذها. وبما أنّه يحاول إخفاء هذا الأمر بإبقائهم في منطقته فقط، فهذا يعني أنّه لن تكون هناك مساعدة له من القدماء الكبار الآخرين بما أنّه لا يريدهم أن يعلموا.

كلّ ذلك كان أساسا لخطة أنمار الجديدة. لم يتوقع أو حلم العدوّ أبدا أنّ أنمار ستقوم بجعل نفسها طعما لهروب الأميرة شيرايوكي التي لا يستطيعون إيذاءها. لكن ليس هذا هو الأمر غير المتوقّع، بل هو دراسة أنمار للحالة جيّدا وتلاعبها بشهاب سعير كلّيا.

عندما سيريد شهاب سعير استرجاع الأميرة شيرايوكي، لن يقتل أنمار التي ستكون عندها رهينة في غاية الأهمية له. وما سيفعله الشخص الحكيم واضح، سيطالب بمقايضة الأميرتين. وبهذا كانت أنمار متأكدة من بقائها على قيد الحياة ولو سقطت في أيدي العدوّ. وهذا كان تأكيدا على أنّها هي الشخص الوحيد الملائم ليكون طعما؛ شخص آخر غيرها لن تكون له فائدة كرهينة مقارنة بالأميرة شيرايوكي. وليس هذا فقط، بل حتّى أنّ دور الطعم تطلّب شخصا بقوّة كبيرة ليستطيع صنع طريق للهرب.

بعد ذلك، أتى دور توقع المستقبل المبنيّ على الحقائق فقط. عندما سيتبع شهاب سعير مجموعة الجنرال رعد التي ستكون ابتعدت عنه بمسافة كبيرة، سيكون باسل قد علم بخبر أسرها من دون شكّ من قبل الجنرال رعد الذي كلِّف بهذا الدور. فحتى لو لم يتّصل به باسل آنذاك، كان سيفعل ذلك الجنرال رعد بعد مدة ريثما يقتربون أكثر فقط من إمبراطورية الشعلة القرمزية.

وحينذاك، سيأتي دور باسل. لولا ثقة أنمار الكاملة بأفعال باسل، لما قامت بهذه الخطوة في المقام الأول. كانت تعلم ما سيفعله تماما عندما يعلم بخبر أسرها، فكانت مرتاحة البال طيلة الوقت رغم وقوعها في قبضة شهاب سعير. فبعد كلّ شيء، كانت تعرف أنّها في طريقها للالتقاء به.

لم تكن أنمار كأنّها مأسورة كرهينة من العدوّ، بدا كأنّ هذا الأخير عبارة عن وسيلة لعودتها للديار فقط. لكن، لم يكن ذلك فقط ما فكّرت به أنمار؛ ففي اللحظة التي اكتشفت بها أهمّية الأميرة شيرايوكي، ظهرت لها الخطة كاملة في عقلها. والآن، كانت قد أنقذت الرهينة، وفوق ذلك، جعلت أقدما كبيرا يغادر عرينه ليلقى مصيرا تتوقّعه أيضا.

امتدّت حافة فم باسل ليصنع ابتسامة فهمت أخيرا المجرى الذي صنعته أنمار. تنهّد وتمتم لنفسه: "حقّا... لا تتغيّرين أبدا ! " كان هذا الكلام نابعا من قلب باسل. كان هوس أنمار به واصل لحدّ كبير للغاية. كان هو يعلم بذلك الأمر جيّدا ولم يفعل أي شيء تجاهه. فلطالما كان هكذا. حتّى أنّ حرس الملاك أنمار الشخصيّ كان قد كرهه أكثر لأنّه يعامل ملاكهم بطريقة باردة.

عندما حاولوا مرارا وتكرارا القضاء عليه بدون فائدة، كانوا دائما يجلبون هذا الموضوع. وكانت إجابة باسل هي نفسها دائما: "تحبني أم لا، تلك حرّيتها. أنا فقط لا أهتم بذلك."

علم باسل دائما بمشاعرها نحوه، وكان مقرّبا منها قبل أن يبلغ العاشرة حتّى لو كان باردا تجاهها نوعا ما نظرا لطبيعته. لكن بعد تلك الحادثة تغيّرت تصرفاته من البرودة إلى عدم الاهتمام والتجنّب الكامل. كان تلك ردّة فعل باسل التلقائية عن فعل أنمار.

مرّت قرابة الخمس سنين منذ حينها، ولم يقتربا من بعضهما لتلك الدرجة. كان باسل يتجنّبها كالعادة ويتكلّم معها فقط بالأشياء المشتركة. أتى بها للعاصمة معه فقط لأنّه علم أنّها لن تستسلم وستتبعه حتّى لو لم يسمح لها بمرافقته؛ كان ذلك سيكون مزعجا أكثر فقط.

لكن وفوق كلّ ذلك، لم يهم ما إن كانت علاقتهما ليست جيّدة أم لا، دوما كان بينهما تلك الثقة التي لا تتزعزع التي نتجت عن فهمهما بعضهما بعضا. وربّما كان هذا هو سبب باسل في الابتعاد عنها في المقام الأول، لربّما أحس بأن ثقته تلك بها قد تعرّضت للخيانة في ذلك الوقت.

كانت مشاعر باسل تتضارب في كلّ مرّة تقوم فيها أنمار بالتحرّك هكذا من أجله. بالرغم من معاملته لها التي لم تحمل ذرة اهتمام معها، إلّا أنّها حافظت على تكريس نفسها له دائما والتفكير من أجله والعمل لمصلحته. في كل الأوقات والأماكن، كانت أنمار تتبع طريقا واحدا – "من أجل باسل."

لم يعلم باسل كيف يتعامل مع هذا الأمر، لذا استمرّ في تجاهلها والابتعاد عنها فقط. علم أنّه لا يستطيع مواصلة ذلك لمدى الحياة، لكن لم يكن بوسعه فعل شيء. كلّ ما أمكنه فعله هو وضع مسافة بينها وبينه فقط؛ لربّما اعتبر ذلك أنّه سيكون عقابا لها بأعماق قلبه.

كانت ابتسامة باسل سابقا في الواقع تعبر عن سخريته من نفسه. بدأ يعتقد انّ الأمر أصبح يحتاج لتسوية أخيرة. فبعد كلّ شيء، لقد تجنّب هذا الموضوع لمدة طويلة بحجّة أنّه إزعاج، لكنّه ربّما كان يهرب فقط من مواجهته بشكل مباشر. علم باسل بذلك وأحس بشعور سيّئ نوعا ما. شعر أنّه كان يبتعد عنها فقط كي لا يشعر بتلك الخيانة مرّة أخرى.

بدا على باسل العزم والحسم. اعتلته نظرات وقورة هادفة. قرّر ما سيفعله وتوقّف عن التكفير في هذا الموضوع للآن. حاليا، يجب عليه إنقاذ أنمار وإكمال خطّتها بنجاح.ابتسم لمرّة أخيرة، وكانت هذه الابتسامة مختلفة عن التي سبقتها، كانت تحمل معها شعورا مريحا نوعا ما؛ قد يكون لأنّه صفّى ذهنه وثبّت أفكاره أخيرا.

تكلم هو الآخر مجيبا شهاب سعير عن سؤاله: [أنا هو باسل الذي تبحث عنه. أعلم ما تريد التكلّم عنه، لذا سأزيح عن كتفيك عناء الشرح. الأمر بسيط، سلّم أنمار ويمكننا التكلّم بعد ذلك قدر ما شئت، فمزاجي جيّد لتلك الدرجة. حاول القيام بشيء غبي وستموت أنت وذلك الطاقم الذي أتيت به بدون رحمة.]

[هاهاها ! ] ضحك الأقدم الكبير شهاب سعير ثم قال ساخرا: [من تعتقد نفسك أيها الصعلوك؟ وهل تعلم ما الحالة التي أنت بها؟ لست أنت من يضع الشروط هن...]

قاطعه باسل فجأة بصوت مرتفع: [شروط؟ يبدو أنّك أسأت فهمي على ما يبدو. أنا لا أضع شروطا هنا؛ فأنا لا أتفاوض مع الأرواح الفقيرة. أنا أمحنك خيارين فقط، سلّم الرهينة التي لديك وسأفكر في تركك تعيش لوقت أطول. غير ذلك، ستلحق أخاك في مصيره لا غير.]

كان كلام باسل هادئا للغاية، لم يكن خائفا على الإطلاق على سلامة أنمار. وضعت هذه الأخيرة أساسا قويّا لخطّتها. لم يكن بوسع العدوّ سوى الحفاظ على حياتها من أجل التفاوض بها. كان باسل يعلم بذلك فتصرّف بناء على ذلك. كان المجرى الذي صنعته أنمار سلسا بلا عراقيل والانسياب معه كان سهلا للغاية لباسل.

صدر صوت الأقدم الكبير شهاب سعير من جديد بعد مدة من الوقت؛ لا شكّ في أن جملة باسل الأخيرة قد أثرت به: [يا فتى، لا تزد الأمر سوءا وكن مطيعا. سأمنحك خيارين، اِئت لي بالأميرة شيرايوكي ولا أحقاد. نحن نعلم من له اليد العليا هنا بكلّ وضوح، فدعنا لا نلجأ للطريقة الصعبة واتركنا نصل للحلّ الأمثل لكلينا. أنت تريد الشقراء وأنا أريد المهقاء. الأمر بهذا البساطة. لمَ الحاجة لتعقيد الأمور؟]

أجاب باسل مباشرة بنفس النبرة الحادة التي حملت معها عزما مطلقا بدون أيّ تردّد: [الحلّ الأمثل؟ تعقيد الأمور؟ معك حقّ في ذلك. إنّني أكره الأشياء المزعجة، لذا أحاول إنهاءها في أسرع وقت. إن كنت لن تسلّم أنمار فاعلم أنّك جلبت اضمحلالك إلى نفسك.]

[همف، صعلوك واهم ! ] صرخ الأقدم الكبير شهاب سعير مزيدا من شدة نبرته: [لا تغترّ بنفسك أيها الفتى. قد تكون في مستوى يخوّلك قتالنا. لكن لا تعتقد أنّك صرت سلطانا لا يقهر. يمكنني حصد روحك بكلّ سهولة بطاقمي هذا حتى لو كنت بمستوى أرفع منّي. سأقول ذلك لمرّة أخيرة ولن أعيده، سلّم المهقاء ولك الشقراء. غير ذلك، سأقتل هذه الرهينة الآن.]

اهتز حاجب باسل واسودّ وجهه. لم يكن ذلك بسبب الخوف عن حياة أنمار، ليس لأنه لا يهتم بها، بل على العكس، لأنّه يفعل. لم يخف عليها فقط لأنّه يعلم أن العدوّ لن يربح شيئا من قتلها. لقد حافظ شهاب سعير على حياته لأنّه يحتاجها بشكل مستميت. لا يُتصَوّر أنّه سيقتلها بعد كل ذلك العناء؛ ببساطة كان ذلك مجرد خداع. ومع ذلك، حتى لو كان خداعا، وحتى لو أنّ باسل يعلم بذلك، لم يمنع كل ذلك نية قتله من بلوغ ذروتها.

أشرقت عيناه بسطوع قرمزي كما لو أنّه وحش سامٍ يطالب بالدّم، وانطلقت هالته كل تلك الأميال مصاحبة لنيّة قتله واجتاحت السفينة البعيدة عنه فتخلّلت عظام ركّابها.

صدر صوت باسل بعد ذلك الغاضب والهادئ بشكل مخيف: [حاول، وإنّي لست بتارك منك لحما ولا عظما ! ]

كانت نية قتل باسل في أوجها أكثر من أيّ وقت مضى. ولم يكن بوسع الأعداء سوى الشعور بالقشعريرة من أقدامهم لرؤوسهم. ولم يكن شهاب سعير استثناءً، بل على العكس، كان أكثر شخص شعر بالخطر المميت الذي يأتي من جهة باسل. فبعد كل شيء، كانت نية القتل تلك تستهدفه هو خصيصا. شعر بضغط كبير من جهة العدوّ فعلم أخيرا لمَ مات أخوه على يد فتى كهذا.

من تأليف Yukio HTM

أعتذر عن التأخر، كنت مشغولا، وعندما أردت أخيرا الكتابة ورفع الفصول أصبت بنزلة برد.

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

إلى اللقاء في الفصل القادم.

2018/04/24 · 962 مشاهدة · 1614 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024