150 – عنصر العقل

مع أنّ هالة باسل عبرت من خلال شهاب سعير إلّا أنّها لم تأثر به على الإطلاق؛ فهو اختبر مثلها وأكثر منها للكثير من المرّات وخصوصا بعدما انضمّ للحلف. نهض عن أريكته ثم تقدّم للأمام نحو أنمار وحدّق إليها قليلا قبل أن يقول ساخرا: "يبدو أنّك لست بتلك الأهمية لدى الصّعلوك. لا يهم الآن، كنت أحاول ضبط نفسي لكنّ ذلك غدَا مستحيلا على ما يبدو."

واصلت أنمار إغماض عينيها فقط بعد كلام شهاب سعير. لم يكن لكلماته أيّ تأثير على هدوئها ذاك.

سطعت عينا شهاب سعير أيضا وامتدّت نيّة قتله عبر السفينة فتلاقت مع الخاصة بباسل. اشتدّ الاحتكاك بينهما وتصارعا بإرادتيهما قبل أن يبدآ القتال الحقيقيّ. عزم شهاب سعير على القتال أيضا بعدما وجد أنّ التفاوض مع باسل غير وارد والقتال هو الخيار الوحيد بما أنّ عدوّه يقف في طريقه نحو تحقيق غرضه من هذه الرحلة.

إن لم يكن باسل يريد التفاوض، فعليه التنحّي جانبا فقط أو الموت إن وقف في طريقه. يجب عليه أن يكمل وجهته نحو إمبراطورية الشعلة القرمزيّة ليجد شخصا مستعدا للتفاوض. بعدما وجد أنّ باسل لا يحمل نيّة في المقايضة، فسيجرّب جدّ أنمار كريمزون أكاغي. هذه حفيدته من دمه ولحمه، وسيفعل أيّ شيء من أجل استردادها.

الآن، كلّ ما عليه فعله هو تجاوز باسل. بهذه الفكرة، وجد شهاب سعير عذرا لنفسه أخيرا. كشخص وُكِّل باستراتيجيات الحلف، وجب أن يكون رزينا ويفكر بشكل عقلانيّ لا عاطفي. لكن بمجرّد ما أن وجد الحجّة الآن، غمرته ذكرياته عن أخيه وعزمهما على بلوغ الذروة بعدما مرّا بالعذاب من قاع العالم.

تكلم شهاب سعير بصوته الهادئ: [تقدّم أيها الفتى، سأجعل منك الليلة وجبة للحيتان بعدما أحرص على شويك جيّدا.]

أحاط السفينة في الحال حاجز أثري. كان هذا الحاجز مثل الذي استعملته فضيلة كرم أثناء قتالها باسل. لكن هذا الحاجز كان بنطاق أوسع من الذي استعملته هي وبدا أكثر صلابة. كانت الحواجز الأثرية عبارة عن حواجز الحماية الأرضية معززة بنقوش أثرية. كانت أكثر فعّالية بأضعاف من الحواجز السحرية.

بعد ذلك، شحذ الآلاف من السحرة بداخل السفينة سحرهم وشحنوه لأقصاه. كان هناك المئات من سحرة المستوى السادس. مع أنّهم كلهم كانوا عجزة، إلّا أنّ الإكسيرات سمحت لهم أخيرا بالاختراق للمستوى السادس. فهم تدربوا لوقت طويل للغاية من أجل الارتقاء واحتاجوا لدفعة معزّزة فقط.

اجتاحت قوتهم المشتركة الاتجاهات الأربعة وجعلت الهواء يتفرقع من أصواتهم وارتفاع طاقاتهم السحرية المستمرّ. ظهر شهاب سعير خلفهم وكانت طاقته السحرية في قمتها بالفعل. انطلق أحد عنصريه السحريين متخللا صفوف توابعه، فبدا سحرة المستوى السادس فجأة كما لو أنّ عقولهم اندمجت وأصبحت واحدة.

استخدم شهاب سعير سحر العقل. لم يكن سحر العقل بتلك القوّة في قسم مستويات الربط الأول، لكن عندما يدخل ساحر العقل القسم الثاني وينمي هذا السحر إلى مستوى جديد، فيكون بإمكانه تحرير إمكانيته التي تخوّله إلى فعل الكثير من الأشياء غير السيطرة على عقول الأعداء للتحكّم في أفعالهم.

مع أنّ عنصر العقل كان سحرا ثانويا لسحر الوهم الأساسيّ، إلّا أن إمكانيته اختلفت عن الخاصة بعنصر الوهم. إحدى هذه الإمكانيات التي اكتشفها وأتقنها شهاب سعير كانت توحيد عقول عدد محدّد من الحلفاء لتشكيل قوّة متّحدة متراصّة غير متزعزعة. عندما تتوحّد عقول توابعه هؤلاء، يصبح لديهم تفكير واحد. وانطلاقا من هذا، يكون بإمكانهم صنع تشكيل لا يقهر. يمكنهم حينها فهم واستنباط طاقاتهم السحرية ودمجها لتكوين هجوم قاتل.

كانت هذه إمكانية لعنصر العقل، ومع تطور الساحر يصبح بإمكانه استخدام إمكانيات أخرى. في هذه الحالة، لا يمكن لأيّ شخص أن يقول عن عنصر العقل أنّه سحر ضعيف. سمع باسل ذات مرّة من معلّمه كلاما حكيما ألهمه: "ليس هناك سحر ضعيف، هناك ساحر ضعيف."

يمكن لأيّ سحر أن يتطوّر لمستوى لا يمكن لأحد تخيّله طالما واصل الساحر في الثقة بنفسه والطموح بالأعلى دائما ليكون قادرا على الصمود في المسار الروحي القاسي.

ارتفع باسل إلى السماء بعاصفة نارية تحت قدميه. سمع عن قدرة شهاب سعير من شاهين فيما قبل، وعلم عنها أكثر من الجنرال رعد الذي رأى جزءا منها قبلا. لذا لم يستخف باسل به إطلاقا واستعد لمواجهته بجديّة بما أنّ العدوّ ينوي فعل ذلك أيضا.

شحن باسل طاقته السحرية. انتقلت الطاقة السحرية في بحر روحه إلى الجسم الأبيض هناك. دارت طاقتا عنصري التعزيز والنار بمسار نقط الأصل ووصلا لقمّتهما. بلغ سحر النار قمّته فامتدّت هالة المستوى الثامن طولا وعرضا جاعلةً النفوس ترتعد. أمّا عنصر التعزيز، ففاق ذلك بكثير واستمر في الازدياد حتّى ارتقى للمستوى الثاني عشر وهدأ اخيرا.

صعق هذا الأمر شهاب سعير من بعيد وفهم ما وصله من أخبار عن هذا الفتى. هناك شيء غير منطقي به؛ إحدى عنصريه يقف عند المستوى الثامن والآخر يستمر في الازدياد بدون توقّف. كان هذا أكثر شيء غرابة سبق وأن رآه.

لكنّه لم يهتم بهذا لتلك الدرجة. ماذا إن كان ساحرا في المستوى الثاني عشر؟ أمام تشكيله بقيادته، حتّى سحرة المستوى الثاني عشر سيُذبحون. كانت ثقته كبيرة لهذه الدرجة. حتّى لو كان هو بنفسه ساحرا بالمستوى العاشر فقط، عندما يترأس تشكيله يستطيع صنع قوّة لا تضاهى.

*بووم*

انطلق باسل بعدما تفاهم مع الجنرال رعد حول دوريهما. بلغ أعلى السفينة في لحظات بما أنّها ابتعد بأميال فقط، ثم حدّق إلى شهاب سعير وتشكيله قبل أن يخرج سيفيه الأثريين متحكّما فيهما مثاليا محوّلا إيّاهما لنصلين لهبيّين محاطيْن بطاقة زرقاء قريبة للأبيض.

رفع ذراعيه للأعلى ولوّح بهما نحو الأسفل بكلّ قوته الجسمانية. صنع ذلك ارتجاجا في الهواء وانطلقت شفرتان ناريتان تصلان لعشرات الأمتار قطعتا طريقهما نحو الهدف بقوّة لا توقَف. كان ذلك امتداد باسل الكلّيّ؛ خاصية عنصر التعزيز.

*زباام*

كانت تقنية الامتداد الكلّيّ عبارة عن إحدى الإمكانيات التي وجدها باسل بعنصر التعزيز. طالما استمر الشخص في المحاولة والتجربة، سيستطيع إتقان تقنية خاصة به ناتجة عن إحدى الإمكانيات.

كان الامتداد الكلّيّ الخاص بباسل يستخدم خاصية عنصر التعزيز التي تخوله أن يعزز من انتقاله مسافات كبيرة كما لو أنه ينتقل عبر الفضاء. لم يكن ينتقل عبر الفضاء حقّا، لكن كان باسل بإمكانه جعل هجماته تمتدّ كما يمتدّ عنصر التعزيز من جسده قبل أن تتشكل أخيرا في المكان الذي يريده طالما كان امتداده يستطيع بلوغه.

لكن، حتّى مع استخدام الامتداد الكلّيّ، لم تخترق الشفرتان الناريتان الحاجز الأثري. لم تكن هاتان الشفرتان هجوما سهلا، لقد كانتا دمجا لعنصر النار ذي المستوى الثامن وعنصر التعزيز الذي يعزّزه ذي المستوى الثاني عشر.

هنا اتضحت قوّة الحاجز الأثري المدعّم من شهاب سعير وتشكيله.

كانت سفينة شهاب سعير نفسها عبارة عن سلاح. مع أنها لم تكن كنزا أثريا، إلّا أنّها أحيطت بذلك الحاجز الأثري. دُعِّم هذا الحاجز من السحرة الموجودين كلهم على السفينة عبر عنصر العقل الذي أصبح كطريق لهم يمكنّهم من السيطرة على سلاح أثري بالدرجة الخامسة، فأصبحت قوته كبيرة ومركّزة كثيرا.

لم يكن هذا الحاجز مخصصا في الدفاع فقط، فبما أنّه كان أثريا، فقد استطاع حمل طاقة العناصر أيضا وليس الطاقة السحرية الخالصة فقط كما كان الحال مع حواجز الحماية الأرضية.

بمعنى، يمكن استعماله في الهجوم أيضا. فبمجرد ما أن توقف امتداد هجوم باسل عند الحاجز الأثري، حتّى تَركّز بنقطة واحدة من هذا الأخير طاقة سحرية كبيرة للغاية واندفعت تجاه باسل.

*زووش*

كان ذلك ضوءا أسودا. كانت قوّته السحرية كبيرة ومركزة بشكل لا يصدّق. شمل هذا الضّوء الأسود العديد من العناصر المشتركة والمندمجة. في الأحوال الطبيعية، لم يكن ممكنا واردا اندماج العديد من العناصر السحرية هكذا إلّا وكان كلّ أولئك السحرة لهم فهم عميق بعناصر بعضهم بعضا وبشخصياتهم وبطريقة استخدام كلّ واحد منهم لسحره، فكل ذلك يؤثر على اندماج العناصر، وهذا كان مستحيلا بالطبع بدون وسيلة أخرى.

لكن، لم تكن هذه حالة عادية. استخدم شهاب سعير عنصر العقل سابقا لتوحيد عقول العديد من سحرة المستوى السادس؛ فنتج عن ذلك عناصر كثيرة بعقل واحد، فكيف لا تندمج عندها؟ كانت هذه القدرة الحقيقيّة لهذه الإمكانية الخاصّة بعنصر العقل – توحيد العقول.

الآن، وجد باسل نفسه كما لو يواجه عدوّا بعناصر عديدة. كان هذا الأمر مرعبا للغاية خصوصا بعدما اندمجت هذه العناصر وشكّلت ذلك الهجوم القاهر.

*تشش*

في لحظة واحدة، قبل أن يستطيع باسل التجنب حتّى، بلغه الضوء الأسود بسرعة جنونيّة والتقى بسيفيه الأثريين بقوّة كبيرة للغاية أرسلت باسل محلقا لمئات الأمتار مخترقا الميل. كان باسل قد كوّن حاجزا بالامتداد الكلّيّ في آخر لحظة وإلّا كانت العاقبة وخيمة وأصيب بجروح مميتة.

كانت قوة هجوم واحد من العدوّ مهيبة للغاية. وبالطبع، كلّ شيء وله ثمن. لا يستطيع شهاب سعير توحيد عقول الآخرين لمدّة طويلة للغاية بينما يستخدم مثل هذا الهجوم مرّة تلو الأخرى. فذلك يستنزف طاقة سحرية بشكل لا يوصف.

عنصر العقل الخاص به هو سحر اكتسبه بعد بلوغ قسم مستويات الربط الثاني. ولم يكن مثل باسل، ما أن تفرغ طاقة عنصر العقل يجب أن ينتظر وقتا معيّنا قبل أن يستطيع الشحن من جديد. كانت هذه إحدى ميزات سحرة القسم الثاني؛ فعلى عكس عنصرهم الأول الذي يعود لحالته الطبيعيّة بعد وقت أطول بشكل ذاتي، يستطيعون استخدام الطاقة السحرية الخارجية للشحن من جديد بعد إراحة بحر روحهم لقليل من الوقت.

ومع ذلك، حدودهم هو الشحن لمرّة ثانية فقط. هذا إن بقوا أحياءً ولم يموتوا بعدما تفرغ منهم تلك الطاقة ويتبقّى لهم عنصر واحد فقط لمواجهة العدوّ. لذا كان شهاب سعير حريصا في استخدامه لمثل هذه الهجمات.

تعرض باسل لجروح بجذعه، لكنّه لم يهتم بها بما أنّها لم تكن قاتلة مهما آلمته. حدّق إلى العدوّ مرّة أخرى وأطلق نفس الشفرات بشكل غير متوقف من العديد من الجهات بينما يتنقل في الهواء من مكان إلى آخر، لكن لم يكن لذلك أيّ نفع على الإطلاق. كلّ ما حصده هو صنع ثغرة في دفاعه بهجومه وتلقّي هجمة أخرى من الحاجز.

تعرض لجروح كثيرة مرة أخرى. يجب على باسل حاليا كسر هذا الحاجز الأثري أولا قبل أن يكون بمقدوره قتال شهاب سعير وتشكيله وجها لوجه. ولهذا، استخدم باسل أفضليته إذْ لديه طاقة سحرية خارجية غير محدودة مقارنة مع العدوّ.

بعد مدّة قليلة من بدء المعركة، فهم باسل أنّ شهاب سعير يستخدم إمكانيتين لعنصر العقل في الواقع. إحداهما توحيد العقول، أما الثانية، فمازال لا يعلم ماهيتها بالضبط. لكن بلا شكّ بمقدور هذه الإمكانية الثانية أن تزيد من قدرة شهاب سعير في التحكّم ليكون باستطاعته استخدام الحاجز الأثري كسلاح للهجوم بهذا الشكل، خصوصا بالعناصر المندمجة تلك.

كلّ هذا زاد من رعب شهاب سعير حقّا. لم يكن مستواه السحري في هاته اللحظة مهمّا. في الحقيقة، ليس دائما ما يحدد النتيجة هو المستوى السحري، فمثلا نجد التحكّم المثالي الذي بإمكانه تغيير النتيجة كليّا. باختصار، مهارة الشخص هي العامل الأقوى.

لم يستطع باسل سوى الانبهار بعدوّه. حتى لو لم يملك شهاب سعير الآن التحكّم المثالي كأخيه جِرم، فهو لديه فهم عميق بالسحر. أن يستطيع إظهار إمكانيتين لعنصر العقل وبهذه المهارة، لا شكّ في أنه عبقري آخر.

كان بإمكان الساحر استخدام الحاجز الأثري. ومثله مثل الأسلحة الأثرية، كل ساحر والدرجة التي بإمكانه استخدامها. الآن، كان شهاب سعير يتحكّم في هذا الحاجز ذو الدرجة الخامسة، لكن كان حدّ الساحر العادي هو استخدام الحاجز للدفاع عن نفسه فقط. وفي حالة ما إذا كان الساحر موهوبا في التحكّم بدرجة كبيرة فسيستطيع استخدام الحاجز في الهجوم أيضا.

أمّا شهاب سعير فلم يكن تحكّمه ما أتاح له استخدام الحاجز الأثري في الهجوم، بل الإمكانية التي اكتشف باسل أنه يستخدمها. كان ذلك مرعبا كثيرا بالتفكير جيدا به. فباسل حتى الآن مازال يستطيع استخدام إمكانية واحدة فقط لعنصر التعزيز، أمّا عنصر النار فقد ارتفع لقسم مستويات الربط الثاني للتوّ ولا يزال باسل لم يكتشف بعد إمكانية له.

بالإضافة، كان شهاب سعير يستخدم إمكانيتين بالفعل لعنصر العقل، ولم يستخدم عنصره الثاني حتّى الآن. ومن يعلم إذا كان يستطيع استخدامَ إمكانيات عنصره الثاني أيضا؟

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللقاء في الفصل القادم.

2018/04/26 · 1,044 مشاهدة · 1788 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024