151 - العنقاء الطيفيّة

151 – العنقاء الطيفيّة

حتى الآن، يستخدم شهاب سعير عنصر العقل فقط. لكن، علم باسل كما علم عدوّه أنّ ذلك لن يستمرّ لوقت طويل. استخدام الأقدم الكبير لمثل هذه التقنية يضع عبئا كبيرا عليه، لذا بإمكانه الاستمرار هكذا لوقت أطول فقط.

لو لم يكن لباسل عنصر التعزيز الذي الآن في المستوى الثاني عشر وبطاقة تشحن طوال الوقت من دون أن تنخفض، لكان قد لقي مصرعه من الهجمات التي تأتي من العدوّ بدون أن تنخفض قوّتها بسبب تعاون الكثير من السحرة. ما سينهي هذا العدوّ هو فراغ طاقة عنصر العقل الخاصة بشهاب سعير.

*زباام* زباام*

تبادل باسل بالامتداد الكلّيّ الضربات مع الهجمات التي تستهدفه من الحاجز الأثري. ولا يتوقّف أبدا، فبمجرد ما أن يدافع حتّى يهاجم الحاجز الأثري. فذلك سيسرّع من وتيرة فراغ طاقة شهاب سعير.

مرّ مدّة تصل لعشرين دقيقة قبل أن يظهر تغيّر أخيرا في الحاجز. بدأ يتأثر أخيرا من قوّة باسل فاهتز بكلّ شفرة نارية عملاقة يتلقاها وبدأت يتصدع من العديد من الأماكن.

في ذلك الوقت، تخلّى شهاب سعير كلّيا عن استخدام توحيد العقول والإمكانية الأخرى التي خولته استخدامَ الحاجز الأثري في الهجوم. ومباشرة بعدها، أطلق باسل هجوما آخر فتكسّر الحاجز كالزجاج قبل أن يختفي كالبخار.

مع أنّ هذا حدث، إلّا أن شهاب سعير لم يرمش أبدا ولم يبدُ عليه الخوف أو التردّد. وقف في مكانه فقط وحدّق إلى باسل. علم أنّ الهجمات التي يقوم بها عن طريق الحاجز لن تصل به لنتيجة. لذا قرّر تغييرها.

شحن طاقة عنصر العقل أكثر. وفي الوقت نفسه، شحذ جميع أتباعه الذين بلغ عددهم الآلاف أسحارهم بأسلحتهم السحرية ورفعها لقمتها. وبعد ذلك، رفع شهاب سعير سيفه الأثري بالدرجة الخامسة للأعلى ووجّه طاقة عنصر العقل المشحونة إليه، ثم لوح بذراعه نحو أتباعه الذين بلغوا الآلاف.

تخللتهم طاقته السحرية فمرّت منهم جميعا. وللتدقيق، لم تمرّ منهم وإنّما من أسلحتهم السحرية. توهجت هذه الأسلحة السحرية كلها مرّة واحدة بضوء أزرق فاتح قريب للأبيض وغادرت أيدي مالكيها. توجهت كلها نحو الأعلى.

كانت هذه الأسلحة بكل أنواعها وأشكالها وبمختلف مستوياتها. كانت كلّها مشحونة بطاقات سَحَرَتِها فأطلقت سطوعا شمل العديد من التوهجات والإشعاعات بمختلف الألوان. تشكّلت كلّها لتصبح مثل طائر عنقاء خرافيّ زهت أطيافه وغمرت هالته الوجود.

كانت هذه الأسلحة كلها محاطة بطاقة عنصر العقل الخاصة بشهاب سعير. أصبحت كلّها تحت تحكّمه مع إبقائها على طاقة مالكيها الأصليّين. بمعنى، كان الأقدم الكبير يتحكّم الآن في الآلاف من الأسلحة السحرية التي احتوت على شتّى العناصر المختلفة.

كان سابقا يستخدم شهاب سعير توحيد العقول ليجعل السحرة يدمجون عناصرهم وقواهم، لكنّه الآن كان يفعل شيئا مختلفا. كان يستخدم هذه المرّة أسلحتهم المشحونة بالطاقة السحرية كأنّها خاصة به. كانت هذه الإمكانية التي أمكنته أن يستخدم الحاجز الأثري في الهجوم.

التحريك العقليّ. هذا ما كان يسمّي الأقدم الكبير هاته التقنيّة. كان يسخّر قوته ليمنح كل شيء موجود عقلا. أصبحت هذه الأسلحة الآن عبارة عن وجود يتحرّك طبقا لإرادة المتحكّم فيه، وعقله يتبع عقل شهاب سعير. كانت هذه الأسلحة التي تشكلت لتصبح طائرا طيفيّا في السماء بجناحي يمكنه استخدام العديد من العناصر السحرية.

باختصار، أنشأ شهاب سعير وجودا قريبا لوحش سحري لديه العديد من العناصر. لم يكن هذا الطائر حيّا، وإنّما كان له عقلا ونيّة متّصلتين بالخاصتين بالأقدم الكبير. كان هذه إمكانية أخرى خاصة بعنصر العقل أتقنها شهاب سعير. دلّ هذا على موهبته المرعبة كثيرا، فجعل باسل يفكّر في مدى قوّته التي لا تطابق أبدا المعلومات التي تحصّل عليها.

ليس أنّ من اخبره المعلومات قد كذب، فقط كانت قوّة شهاب سعير الحقيقيّة غير معلومة لذلك الشخص. استنبط إمكانيتين لعنصر واحد بالمستوى العاشر فقط، كم كان ذلك مهيبا !

لكن، لم يتوقّف شهاب سعير عند هذا الحدّ فقط. كان قد شحن بالفعل طاقة عنصره الآخر والذي كان العنصر الأول. ارتفع هالته وأحاطت به حرارة شديدة يمكنها تحويل كلّ شيء لرماد بمجرد لمسه. كما لو أنها حرارة مقترضة من الشمس العظيمة.

*وووش*

توجهت طاقته عنصر النار السحرية التي انبثقت من جسدها كلّها مرة واحدة نحو الطائر الطيفيّ وأحاطت به قبل أن تندمج معه استخدم الأقدم الكبير الصلّة التي بينه وبين الطائر الطيفيّ عبر عنصر العقل وجعلها طريقا لطاقة عنصر النار. هكذا كان بإمكانه استخدام عنصره الأول بجميع الأسلحة السحرية أيضا.

فالأمر كان مختلفا عن عنصر العقل، على عكس هذا الأخير الذي استُخدِم لمنح الأسلحة عقلا باعتبارها أشياءً فقط، فعنصر النار قد تخلل الأسلحة السحرية كما يفعل الساحر عندما يستخدم السلاح السحري أو الأثري. كان مستحيلا على الشخص استخدام أسلحة تصل للآلاف مرة واحدة. فبالمستوى العاشر يمكن للشخص أن يوظّف حوالي عشرة سلاح سحري منخفض عن مستواه بمستويات.

أما السلاح الأثري فيكون حدّه عند اثنان لو كان يملك تحكّما جيّدا. لذا كان أمرا مرعبا استعمال ساحر ما الآلاف من الأسلحة السحرية كلّها مرّة واحدة.

سطعت النيران والتهب الطائر الطيفي ليصبح كعنقاء حقيقيّة. كان طولها يصل للعشرين متر وارتفاعها لخمسة أمتار. التهب جناحيْ الطائر وأشعّت العناصر السحرية بداخلها بجميع ألوانها التي تخللت النيران من كلّ جهة.

العنقاء الطيفيّة. اكتملت !

كشّر شهاب سعير عن قوّته الحقيقيّة أخيرا وابتسم بشكل عريض محدّقا إلى باسل مستهزئا به علانية مخبّرا إياه بمصيره القادمِ المحتومِ.

اهتز جناحي العنقاء الطيفيّة في السماء فحرقت الهواء نفسه فصنعت بخارا أحاط بها بنطاق واسع وبدا كما لو أن غيمة تتشكل فوق فوهة بركان. اجتاحت هالتها الاتجاهات الأربع وكان بإمكانها جعل العاصي ينصاع والمأمور يستجيب.

وقف شهاب سعير هناك فقط بدون فعل أيّ شيء؛ الآن كلّ ما عليه فعله هو التفكير وما يرغب به من العنقاء الطيفيّة سيحدث. لذا استخدم طاقة عنصر العقل المتصلة بالطائر فوقه بأريحيّة محافظا على ابتسامته تلك.

كل ذلك حدث بسرعة كبيرة للغاية. لم يستغرق سوى ثوان قليلة قبل أن يصبح هناك وحش مخيف أمام باسل في السماء يمكنه تشريح كل ما يقف في طريقه كأنه قطعة من الورق. لقد كان ذلك تجمّعا هائلا من الأسلحة السحرية التي شملت العديد من العناصر. كم كان هذا مرعبا؟

اهتز جسد العنقاء الطيفيّة أخيرا وانطلق كالسهم الذي بإمكانه اختراق الجبال وعبور الأنهار وحيازة السماء الزرقاء. لم يكن هناك شيء يمكنه أن يوقفه.

*زززن*

*ززبووم*

بصوت هزّاز تحوّل في لحظة لاحتكاك اخترق الصوت، بلغت العنقاء الطيفيّة باسل بالفعل وصدمت جسمه بمنقارها الذي أطلق مختلف أنواع العناصر. احترق جسد باسل وتجمد، سُيطِر على حركته وجرح برياح عاتية، طغى عليه ظلام يريد التهامه فبدأ يقشر جلده.

أرسِل باسل محلّقا لأميال بينما لا تزال العنقاء الطيفيّة تدفعه. أصيب بمختلف الجروح مرّة واحدة. مع أنّه استخدم الامتداد الكّليّ بقمّته ورفع عنصر التعزيز للمستوى الثالث عشر، إلّا أن كلّ ذلك كان بلا فائدة على الإطلاق أمام العنقاء الطيفيّة التي اجتاحته بأسلوب فريد.

لم ينجح السحر فأدار باسل التعاويذ الذهنية الروحية ببحر روحه جاعلا إياها تطبّق أحكامها على الوجود لتغيّره. مع أنّه في السماء ولا يستطيع استخدام الفنّ القتاليّ الأثري بفعّالية أكبر، إّلا أنّه يمكنه استخدامه في الدفاع عن نفسه للآن.

بدأ يضعف اندفاع العنقاء الطيفيّة فجأة أمام دفع باسل. صدِم الأقدم الكبير شهاب سعير من هذا فتمتم: "الصعلوك، إنّه يستخدم فنّه القتاليّ الأثريّ."

كان خطوات الرياح الخفيفة عبارة عن فنّ قتاليّ أثري أصله فنّ قتاليّ سامٍ مثله مثل الخاص بأنمار. كانت الفنون القتاليّة تُستنبط من كتب الفنون. ما أن يستطيع الساحر استيعاب التعاويذ الذهنية الروحية الموجود بالكتاب الفنّيّ ويدركها، يكون حينها بإمكانه استخدامها ببحر روحه.

كانت هذه التعاويذ الذهنية الروحيّة عبارة عن نتاج لفهم المسار الروحيّ إذْ استطاع بعض السحرة الروحيين صنعها من أجل كسب قوّة أخرى إضافة للسحر. يمكنها أن تطبّق أحكاما على الوجود فتُغيّر قواعده. باستخدام الساحر لها يستخدم الفنّ القتاليّ حسب درجة التعاويذ الذهنية الروحيّة.

والفنّ القتاليّ الأثري الذي أصله فنّ قتاليّ سامٍ يفوق بكثير الذي أصله ليس بواحد. فالفنّ القتاليّ الأثريّ بأصل سامٍ تكون تعاويذه الذهنية الروحيّة أكثر تراصّا وإتقانا ويمكنها أن تحدث التغيّر في الوجود بشكل أسهل وأفضل، وأكثر من ذلك، يكون الفنّ بحدّ ذاته ذو فائدة عظيمة.

كل هاته الفنون القتاليّة سمحت للسحرة باستعمال أجسادهم كوسيلة لتغيير الوجود طبقا لذلك. لذا كان بإمكان باسل باستخدام خطوات الرياح الخفيفة استغلال اندفاع قوّة العدوّ وجعله يُستخدم لمصلحته. كلّما كانت قوّة هجوم الخصم أكبر كلّما صعُب تنفيذ هذه التقنية.

فباسل حاليا يقوم بتلقّي كل تلك القوّة، لكنّه يديرها ويجعلها قوّة له في المقابل. هكذا كان يبدو أنّه يخفّف من قوّة العدوّ لكنه فقط يستخدمها لصالحه. ومع مرور الوقت، يصل باسل لدرجة أنّه يكون قادرا على هزيمة اندفاع العدوّ.

كان الفنّ القتاليّ الأثري الخاص به قادرا على تسخير قوّة الدفع الناتجة عن مالكه أو عن العدوّ لصالحه. فحتى عندما يستخدم باسل خطوات الرياح الخفيفة، كل حركة منه تنتج دفعا، وكل هذا الدفع يتحوّل مرّة أخرى لقوّة تُمنَح له.

كان هذا هو الفنّ القتاليّ الأثري خطوات الريّاح الخفيفة. لذا باستخدام باسل لقوّة العنقاء الطيفيّة وقوّته الخاصة استطاع جمع قوّة دفع هائلة بعد مرور وقت قليل. وبذلك، لوّح سيفيه الأثريين أخيرا مرسلا الطائر العملاق محلّقا لأميال رادّا له المثل.

أخذ باسل وقتا طويلا لأنّه لم يملك أرضية ليجري عليها لتمنحه دفعا أكبر، لكنّه استطاع أخيرا إيقاف هجوما واحدا من شهاب سعير. مع أنّه أصيب بالعديد من الجروح وسالت منه الكثير من الدماء، إلّا أنّ باسل كان يحمل نظرة مستمتعة.

لم يسبق له أن واجه عدوّا مثل شهاب سعير، فكانت هذه أول تجربة له مع مثل هذا الشخص. قد يكون القدماء الكبار الذين سبق وقاتلهم أشداء، وخصوصا فضيلة كرم، لكن لم يكن شهاب سعير أقل شأنا منها وحتّى أنّه يمكنه قتلها هي أيضا في معركة جدّيّة لو امتلك طاقمه ليسانده هكذا.

لم يكن باسل خائفا أبدا من العدوّ، ولا هذا الأخير خاف منه. كلاهما ابتسم قبل أن يتكلّم شهاب سعير: "إنّك شيطانيّ أيها الصعلوك. من الضبط خلفك؟ أن تكون بهذا المستوى ويمكنك استخدام مثل هذا الفنّ القتاليّ الأثري، لا شكّ في أنّ هذا يعني أنّك تملك مرشدا مرعبا."

حدّق إليه باسل محافظا على ابتسامته فقط ولم يجِب. بالطبع كان مرشده مرعبا. لقد كان ذلك إدريس الحكيم. حَلم كل ساحر روحي أن يُرشد من طرفه ويتعلّم على يده. فـفاخر الفخور وريث عشيرة الينبوع الذهبي العتيق احتاج لعشر سنين طلب فيها الحكيم السيادي أن يعلّمه قبل أن ينجح أخيرا.

لو كانت هناك أيّ فرصة لشخص أن يتعلم على يد حكيم الفنون السامي السياديّ فسوف يعتقد أنّ مخزون حظ حياته كلّه استُفرِغ في تلك اللحظة ويموت من الفرح. أتى مختلف العباقرة من مختلف العوالم الروحية طالبين إرشادا واحدا منه فقط في المسار الروحي، ولم يُوفّقوا.

بعد مدّة من التحديق إلى بعضهما بعضا، تكلّم باسل أخيرا بعدما جالت في باله العديد من الأفكار عن معلّمه: "بالطبع. لقد تعلّمت من الأفضل."

عبس شهاب سعير وفكّر قليلا في حلف ظلّ الشيطان. أُرشِد القدماء الكبار كلّهم من ظلّ الشيطان الذي تعلّم من أسيادهم العظماء. لذا بالطبع سيتساءل شهاب سعير عن هوّية هذا الشخص الذي صنع وحشا مثل هذا الفتى. لمْ يستطِع سوى الاقتناع بأنّه شخصية عظيمة من عالم آخر.

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللقاء في الفصل القادم.

2018/04/28 · 974 مشاهدة · 1679 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024