160 - بداية الحرب الشاملة

160 – بداية الحرب الشاملة

فجأة، ظهر أربعة أشخاص وأحاطوا به بينما يركعون على ركبة واحدة. كانت أعينهم تنظر إلى الأسفل كما كانت رؤوسهم موجّهة نحو الأرض. بعثوا جوّا ثقيلا على الضعفاء، وهيبة زادت من وقارة الشابّ الأسمر. بدا كفاتح استسلم له ملوك قُهِروا على يده.

تكلّم أحد منهم كان بصوت غليظ: "لقد أنهينا كلّ استعداداتنا يا سيّدي. مُرْ تُطَع، تمنّى وسيتسنّى." كان هذا الشخص أحد القدماء الكبار، وكان هو أقواهم. كان هو نفس الشخص الذي دخل في انعزال سابقا.

لم ينظر إليهم ظلّ الشيطان وواصل التحديق إلى الأفق فقط. بدا كأنّه لا يهتمّ بأيّ شيء في هذا العالم. كلّ شيء بدا سخيفا بعينيه ولم يكن هناك شيء يمكنه زعزعة رزانته. كان جبلا متراصّا لا يتزحزح.

استدار فجأة ولوّح بيده قائلا: "إنّها الحرب الشاملة."

وقف القدماء الكبار الأربعة كلّهم مرّة واحدة ثمّ قالوا بصوت هادئ يحمل تبجيلا للشخص أمامهم: "هذه كلمتك فلا مفرّ. فلتكن حربا شاملة."

افترقوا آخذين اتجاهات مختلفة. كلٌّ منهم ذهب لوضع اللمسات الأخيرة قبل الانطلاق. وبعد ذلك تبقّى ظلّ الشيطان لوحده مرّة ثانية. خفض جسمه وحمل حفنة تربةٍ من الأرض، ثمّ حكّها بيده لقليل من الوقت بينما يتمتم: "لو اضررت، فَلَأجعلَنَّها كلّها تربة ميّتة. أمسى يوم مبيت هذا العالم روحيّا قريبا، وغدا أجل مغادرتي هذا العالم على الأبواب."

صنع فتحة في قبضته التي تمسك حفنة التربة فانسلّت منها هذه الأخيرة ببطء. بدا حينذاك كما لو كان يتخيّل صورة كلّ ما ومن يقف في طريقه ومصيرهم. كانت له الثقة الكاملة بنفسه ولم يمكنه تخيّل هزيمته أبدا.

***

بالعودة إلى الوقت الحالي، تحرّكت قوّات حلف ظلّ الشيطان من أرخبيل البحر العميق متوجّها بأعداده المهولة من سحرة المستوى السادس وقادتهم من المستوى السابع، إضافة لبعض سحرة المستوى الثامن، وأخيرا قدماؤهم الكبار الذين أحاطوا شخصا اختبأ في الظلال – ظلّ الشيطان، هدّام الضَروس.

ظهرت يده السمراء من الظلال مشيرة نحو إمبراطورية الشعلة القرمزية، وبعد أسابيع قليلة ظهرت سفن هذا الأسطول العظيم في الأفق. صدر صوت من ناحيتها دبّ الرعب في القلوب: "أيا زئير، أرسل تبريقا كبداية ! "

أجاب شخص بصوت مزمجر: "أتى الأمر ونُفِّذ." كان هذا هو الشخص نفسه من القدماء الكبار صاحب الصوت الغليظ. صرخ الأقدم الأكبر زئير بصوته الغليظ وأمر: "أيها الرخ، أرهم ما لديك ! "

لقد كان هذا هو مستدعي طائر الرخ العملاق الذي كانت تركبه فضيلة كرم. لقد كان هذا الطائر وحشا سحريّا في المستوى الحادي عشر، وكان مشهورا في العالم الواهن. وخصوصا بعد المجزرة التي شملت آلاف الرحّالة السحرة، والتي حدثت قبل خمسمائة سنة. لقد كان مستواه غير معلوم لهم ولكنّهم كانوا متأكّدين أنّه يمكنه إبادة كلّ قوّاتهم العظيمة بجنرالاتها بسهولة.

طار شخص من ساحل الشعلة القرمزية بينما تحيط به النيران من كلّ جهة. كان هذا باسل بالطبع. تكلّم بصوت رزين: "يبدو أنّ مستدعيك قد أتى هذه المرّة أخيرا. فلنرَ قوّتك الحقيقيّة إذًا يا وحش المستوى الحادي عشر."

لقد كان هذا طائر الرخ. طائر لم تكن شهرته من فراغ. فحسب بعض التقديرات، لقد كان هذا هو أقوى وحش سبق ورآه سكّان هذا العالم. وظنّ بعضهم أنّه كان حاكم قارّة الأصل والنهاية.

لقد كان طائرا يحمل فيلة الصحراء الميّتة التي كان مستواها عاليا للغاية، إذِ كان سحرة المستوى السابع مجرّد وجبة لها. كان يحمل هذه الفيلة فقط بمخالبه العملاقة، ويقتلها مباشرة بعد ذلك بالرغم من درعها الطبيعي الذي يحيط بجسدها كجلد لا يُخترق من أقوى أسلحة سحرة هذا العالم.

كان ذلك مرعبا للغاية. كان يمكن تخيّل حجمه العملاق. لقد كان يبدو كسحابة ضخمة في السماء لو كان واقفا دون تحرّك. ولكن عندما كان يحلّق بدا كعنقاء يمكنها رمْد كل ما يوجد في طريقها.

كانت سرعته لا ترى سوى من طرف قلّة بالرغم من ضخامته. وفي لحظة واحدة جعل السماء ترعد والبرق يسقط. أصبحت السماء مظلمة وتساقطت الصواعق البرقيّة واحدة تلو الأخرى بسرعة لا مثيل لها. استهدفت كلّ هذه الصواعق السحرة بالأسفل.

ولكن، ولا واحدة منها نجحت في قتل ولو ساحر واحد. كان لذلك سبب؛ كلّ رؤساء العائلات واجهوا هذه الصواعق بدون تركها تصل للأرض حتّى. وخصوصا الجنرال رعد والجنرال براون إضافة للرئيس تشارلي. كلهم كانوا مستخدمي عنصر البرق، لذا كان لهم التأثير الأكبر في الدفاع. وكلّ هؤلاء الرؤساء استخدموا أسلحة أثريّة.

كلّ هذا حدث في لحظة فقط، ولم يدرِ ما حدث سوى سحرة المستوى السادس فما فوق. ومباشرة بعد ذلك غيّر الرخ وجهته وانطلق للأعلى. كان توقّفه عن التقدم نحو باسل فجأة صادما؛ فلم يهم كم كان مسرعا، فقط باستخدامه لذيله استطاع تغيير مساره بخفّة ودقّة متناهيتين. بلغ ارتفاعا شاهقا ونزل من جديد. وهذه المرّة أحاطت به العواصف والسحب البرقيّة. أصبح كوحش سامٍ أتى من عالم أرقى.

تكوّنت العواصف بسرعته المهولة وتساقطت الصواعق برفرفة من جناحيه الواسعين. سقط بجسده العملاق وقوّته الخرافية منطلقا بسرعة هائلة. وبذلك كان قد ثقب الهواء وكان قد بلغ باسل في لحظة واحدة.

*بووم*

لم يعلم أحد ما حدث حتّى ارتطم جسد باسل بجبل قريب فحطّم قمّته. كانت هذه القمّة مشوية كالفحم تماما بسبب برق الرخ العملاق. لم يتوقّف جسد باسل عند ذلك الحدّ وحلّق لأميال حارثا الأرض حتى غُرِس بها مكوّنا حفرة عميقة.

كان مصير باسل للحاضرين مجهولا بعد هذا الهجوم. وكلّ من كان بمستوى ضعيف نسبيا وجد ركبتيه تخذلانه بفشلهما عن دعمه فسقط أرضا راضخا.

اتّسعت أعين جميع الحاضرين مهما كانت قوّتهم. كلّهم أحسوا بالوهن أمام هذا المخلوق العظيم وشعروا بالارتجاف والقشعريرة. حتّى أشجعهم كاد يفقد بسالته . لقد كانت تلك قوّة هائلة وهجمة يمكنها إبادة كلّ ما يوجد بين السماء والأرض.

ظهر باسل فجأة من الأنقاض بملابس محترقة ولكن بجسد سليم. نفض الغبارَ عنه كما لو لم يحدث شيئا، ثمّ انطلق بعدما استخدم فنّه القتاليّ الأثريّ بسرعة لا ترى بالعين المجرّدة. لقد كانت سرعته في مستوى مختلف كلّيّا عن قبل.

بعد أخذه الخطوة الأولى توّلدت قوة دفع دارت لتصبح دعما له. واستمرّ ذلك إلى أن كان قد قطع مسافة أميال، وبذلك الوقت كان قد أصبح لا يرى من قبل سحرة المستوى الثاني عشر حتّى واختفى تماما من بصرهم.

وفي اللحظة التالية التي ظهر بها، صنع ارتجاجا في الهواء وكوّن قنبلة صوتية. كان قد استخدم لكمة حملت عنصر التعزيز والنار معا دعِّما بالفنّ القتاليّ الأثري ليرسل طائر الرخ عائدا من حيث أتى.

*بووم*

لقد كان ذلك طيرا عملاقا لكنّ لكمة باسل استخدمت الامتداد الكلّي لتشكيل قبضة هائلة استطاعت منافسة حجم الوحش السحريّ الضخم. وفقط بهذه اللكمة جعل المشاهدين مصعوقين، إذْ كان قد حطّم عظاما من الرخ وحرق لحمه.

لقد كان ذلك عنصر التعزيز الذي بلغت طاقته قسم المستوى الثالث عشر النهائيّ، إضافة لعنصر النار بالمستوى الثامن والمعزّز، ثمّ الفنّ القتاليّ الأثريّ الذي بلغ الغصن الثاني. كان يمكن تخيّل القوّة الناتجة عن لكمة بالامتداد الكلّيّ استخدمت كلّ تلك الوسائل. كلّ ما كان ينتظر العدوّ هو التحطّم.

حلّق الرخ عائدا إلى سيّده زئير رغما عنه، إلّا أنّه استخدم ذيله ثمّ ركل الهواء فخلق دوّامة أوقفت تحليقه المُجبَر وأعادت له توازنه من جديد. كان تلك دوّامة مكوّنة من درع غير مرئيّ للبشر العاديين؛ أمكن السحرة شبه رؤيتها فقط لأنّهم يستطيعون الشعور بالطاقة السحرية الخالصة القادمة منها.

كانت هذه قدرة طائر الرخ. سابقا كان وحشا الفتخاء لهما قدرة في صنع حواجز غير مرئية تمكّنهم من السير عليها والتحكّم في شكلها كما يريدان. كانت قدرة طائر الرخ تعمل بنفس الطريقة. فبدل اكتساب عنصر ثانٍ تكسب الوحوش السحريّة قدرة تعمل بالطاقة السحرية الخالصة.

بدت هذه الدوّامة التي صنعها الرخ بلا قعر كما لو كانت ثقبا أسودا يمكنه بلع كلّ شيء. وأمكنه التحكّم فيها متلاعبا بها كما شاء. رفرف جناحيه فولّد سحبا أحاطت بهذه الدوّامة فجأة، ثمّ اندمجت معها بدون أن تبتلع هذه السحب البرقيّة.

تحوّلت الدوّامة لإعصار دار بسرعة كبيرة للغاية. كان هذا الإعصار أبيضا وفجأة تكهربت الصواعق به وتحوّل لونه للأسود. صار كفم للجحيم يحاول ابتلاع كلّ ما يوجد على الأرض. كان ذلك إعصارا يمكنه إبادة سحرة المستوى العاشر بكلّ سهولة. لقد كان ذلك أحد أقوى هجمات طائر الرخ العظيم.

ضرب طائر الرخ بذيله مرّة أخرى ورفرف بجناحيه، وفي لحظة أصبح من الإعصار الصاعق الأسود عشرة من مثله. تحرّكت الأعاصير كلّها مرّة واحدة وأحاطت باسل في غمضة عين بدون ترك أيّ فرصة له للمراوغة. لم يعد هناك أيّ مهرب له آنذاك وكان عليه مواجهة هذا الهجوم الذي يستطيع تحويل سحرة المستوى الثاني عشر لرماد.

شحن باسل عنصريْ التعزيز والنار في آن واحد لأقصى حدّ. فبلغ أوّلهما المستوى الرابع عشر، وثانيهما وصل للمستوى الثامن. تجمّعت كلّ تلك الطاقة حول جسده معطية هيبة كبيرة له. كان في تلك اللحظة كمخلوق أصله النار يمكنه حكم العوالم ومحق المخلوقات.

ارتفعت هالة عنصر التعزيز أكثر بإجبار من باسل بالرغم من سعله بعض الدماء حتى بلغت قسم المستوى الرابع عشر النهائيّ. وفي ذلك الوقت بدأ يعزّز النار التي شحنها بسرعة كبيرة للغاية.

لم يكن عنصر التعزيز محدودا لذا كان تضخيم كمّيّة عنصر النار المشحون غير محصور. وبذلك ازدادت هالة عنصر النار لتبلغ المستوى الثالث عشر في النهاية. حدث كلّ هذا في الوقت الذي احتجته الأعاصير للوصول إلى باسل، وبالطبع ذلك لم يستغرق سوى لحظات جدا بالرغم من المسافة التي بينهما.

كلّ الأعاصير التي بلغت باسل بعدما كانت قد أحاطت به من جميع الجهات أصبحت واحدة فصنعت قبّة سحابيّة سوداءً استوطنها عالم من الصواعق والثقوب السوداء التي لا تحصى. كلّ ذلك كوّن هجوما مدمّرا أمكنه محو كل حياة على مدى عدّة أميال بدون ترك أيّ أثر.

ابتسم الأقدم الكبير زئير وتحدّث بفخر: "قبّة الإبادة السوداء ! حتّى لو لم يمت ذلك الفتى فسيكون في طريقه إليه بعد نجاته."

صُنِع واديا هائلا فجأة وتغيّرت التضاريس المحيطة. كما لو أنّ نيزكا استهدف هذه المنطقة. أصبحت الأرض حالكة السواد كأنّها حُرِقت بنار من الجحيم. كلّ شيء أصيب بذلك الهجوم أصبح معدوما.

حرّك الأقدم الكبير زئير يده آمرا الرخ: "يكفي ذلك كتحيّة."

عاد الرخ ليطير فوق الأسطول مظلّلا العديد من السفن بجناحيه الواسعين. ضرب بذيله فصنع دوّامة ليجلس فوقها باديا كحاكم للسماء ومحتقِر للمخلوقات أسفله. فبدا كسحابة ضخمة حقّا لكبره عندئذ.

انتظر الكلّ بفارغ الصبر ما سيحدث تاليا، وكلّ الأعين كانت على الوادي الأسود كالفحم. لم يكن هناك من لم يستوطنه الفضول. كان ذلك الفتى شهاب أملهم ونور ظلمتهم، وفقدانه يعني خسارتهم المؤكّدة. لم يهم إن كان قائدا أم جنديا، كلٌّ على حدّ سواء دعا لسلامته.

انجلى الغبار أخيرا فظهرت بعض الشعل الضخمة. وبعدما ظهرت الصورة كلّها بشكل واضح أخيرا، فتح الجميع أفواههم من الصدمة لِما رأوه من مشهد لا يصدّق. لم يستطع أيّ أحد تفسير ما ذلك الشيء الذي يبصرونه.

أمام ناظر كلّ واحد منهم، ظهر مجسّم ناريّ اتّخذ شكل إنسان. لا، انتظر، لقد كان ذلك مجسّما لجسد باسل في الواقع. كما لو أنّ باسل قد أصبح ضخما للغاية وصار أحد العمالقة الجبابرة من الأساطير.

لم يفهم أيّ أحد حتّى الآن كيف استطاع باسل فعل مثل هذا الأمر الذي لم يسبق لأحد منهم وأن رآه. كان ذلك عجيبا كثيرا وأكثر الأمور غرابة اختبروها في كامل حياتهم.

تكلّم واحد منهم بدون شعور: "هل كان أحد أسلافه عملاقا من الخرافات أم ماذا؟"

بلع الجميع أرياقهم وتحمّسوا لدرجة كبيرة. أمّا العدوّ، فكانت ردّة فعله متوقّعة. لم يكد يصدّق أحد منهم أيضا ما شهده. وخصوصا الأقدم الكبير زئير، فهو الشخص الأعلم بمدى قوّة ذلك الهجوم بما أنّه اضطر للتعامل معه قبل إخضاع هذا الوحش السحريّ.

لقد كان ذلك أحد أفضل هجمات طائر الرخ إن لم يكن أقواها.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/05/25 · 1,024 مشاهدة · 1759 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024