174 – هدّام الضروس

كان هذا اللقاء قصير المدّة، ولكنّه كان مديد التأثير؛ فبعده أصبح الفتى أدهم شخصا قد رأى اليأس الحقيقيّ وجعله موطنه، فلم يعد يشعر باليأس. اعتاد على كلّ مصائب العالم وارتآها كلّها مجرّد عقبات بسيطة حتّى يبلغ مقاما ساميا.

كان أوّل شيء فعله الفتى أدهم بعدما افترق مع ذلك المخلوق هو العيش في جبل قريب من منطقة محظورة. تدرّب هناك لمدّة طويلة، بينما كان يزور إحدى المدن تارة والأخرى لأخذ كتب السحر والفنون القتالية. أمضى خمس سنوات في البرّيّة القاسية ونمّى من قدرة حواسّه وجسده.

وفي يوم من الأيام، كان قد فرغ من البرّيّة، ورسم خطّة ليتبعها من أجل بلوغ مراده. فارتحل إلى إمبراطورية الأمواج الهائجة، وبسبب هذا، قُبِض عليه بعد قتال ضدّ سحرة من عالم الإجرام، وبِيع إلى أحد العائلات الغنيّة.

كانت هذه العائلة نبيلة واحتاجت إلى مواهب ترث منصب الرئيس وتحافظ على مكانتها في الإمبراطورية. كان لقب هذه العائلة النبيلة هو فضيلة، وكانت تحكم مدينة الأوردة الشمالية. وهناك، التقى الفتى أدهم بذلك الشخص الذي أصبح أول شخص يتبعه.

وفي الواقع، كان الفتى أدهم من خطّط لكي يُقبَض عليه من قبل أولئك السحرة بعدما بحث في أمرهم. لقد كان سيباع في صغره إلى أحد العائلات من أجل نفس الغرض الذي بِيع إليه في هذه المرة، ولهذا أتته خطة في باله. علم أنّه لن يستطيع تعلّم السحر بشكل لائق ولن يحصل على الموارد المطلوبة لذلك إن بقي لوحده.

كان يعلم ما ينتظره، فهذا النوع من العائلات يجمع مواهبا متعدّدة ويجعلها تتصارع من أجل منصب الوريث حتّى يحصل على الأفضل. وفي هذه المرّة كان الفتى أدهم هو الوريث المرشّح الأخير، مضافا إلى أربعة من قبله.

كان هؤلاء الأربعة فوق سنّ العشرين، فكان هو الفتى الصغير من بينهم جميعا. ومع ذلك، لم يؤثّر ذلك عليه أبدا. فلقد مُنِح وقتا كافيا ليتدرّب على السحر، وكان ذلك حتّى يبلغ العشرين.

بدأ تدريب الفتى أدهم الشاقّ طول السنوات القادمة، ومرّ بكلّ ما أعطِيَ له. رأى العجب مّما تفعله هذه العائلة التي كانت من إحدى أغنياء عالم الإجرام. كانت هذه العائلة تتّخذ اسم فضيلة كاسم ووجه لها حتّى تكون لها أفضل صورة في الضوء، وحملت اسم الوريد الأسود في عالم الإجرام.

وعندما رأت العائلة لأول مرة موهبة الفتى أدهم، خبّأته عن الأنظار كلّيّا ولم تكشف عنه أبدا. لقد كان هذا الفتى عبقريّا بكلّ المقاييس. وما زاد من حرصهم على عدم إخراجه إلى الضوء أبدا كان ذلك الحدث الصادم عندما بلغ هذا الفتى الثانية عشر.

في تلك السنة، ظهر ساحر دمار بعد سنين عديدة أخيرا في العالم الواهن. كان هذا الخبر أكثر من صاعق وبدأت العائلة في أخذ موهبة الطفل بجدّيّة كبيرة جدّا. حتّى أنّها اعتبرته الوريث التالي وتناست الأربعة الآخرين. وبسبب هذا نمت الحقود على الفتى أدهم وبدأت محاولات الاغتيال تتكرّر مرّة تلو الأخرى

كان الشيء المدهش في الأمر هو تصدّي الفتى أدهم لكلّ محاولات الاغتيال هذه بنفسه دون الحاجة لأيّ مساعدة. كان من الواضح أنّ الأربعة الآخرين هم من حاولوا قتله مرارا وتكرارا، ولكنّ العائلة لم تفعل شيئا بشأن ذلك لأنّ هؤلاء الأربعة كانوا بمواهب عظيمة أيضا ولم ترد خسارتهم.

فعندما سيبلغ الفتى أدهم مستوى معيّن بسحر الدمار، لن يتجرأ بعد ذلك أيّ أحد على اغتياله، وسيصبح أولئك الأربعة جنرالاته الذين سيساعدونه في غزو العالم فأي ساحر دمار يولد، يكون المصير الوحيد أمامه هو محاولة حكم العالم كان هذا عالما قاسيا، وكلّ شخص يحاول البحث عن القوّة للوقوف في القمّة، فلم يكن أيٌّ منهم ليتخلّى عن فرصة حكم العالم بعد ظهور ساحر دمار في عائلته

وفي السنة الخامسة من قدوم الفتى أدهم إلى هذه العائلة، كان قد أصبح في المستوى السادس بالفعل سبّب هذا الصداع لمن يعرف بوجوده وجعلهم ذلك يرتعدون ويتحمّسون في نفس الوقت. لم يكن هناك أيّ شخص مثله في التاريخ بأكمله. لقد كان ساحر دمار وبموهبة لا مثيل لها على الإطلاق.

وفي هذه السنة نفسها، قرّر الفتى أدهم التحرّك أخيرا. ففي حفل بلوغه السرّيّ، جعل من كلّ شخص حاضر مجرّد فتات. محق القاعة بأكملها وقتل كلّ من فيها، فكان قتله الأوّل عبارة عن مجزرة جماعيّة، باستثناء شخص واحد فقط.

كان هذا الشخص واحدا من أولئك الأربعة، وكان امرأة بشعر أحمر يسلب القلوب، وبعينين خضراوين هادئين كالطبيعة الأمّ بشكل لافت. حدّق الفتى أدهم إلى هذه المرأة ثم قال: "أيا امرأة، لقد كنت الوحيدة من بين الأربعة التي لم تحاول اغتيالي، ما سببك؟"

كانت المرأة تجلس على كرسيّها كما فعلت طوال الوقت الذي كان يقتل فيه الفتى أدهم كلّ الحاضرين هناك، ونظرت إليه بنفس الهدوء يعتلي وجهها. كأنّها لم تهتم أبدا بما حدث للعائلة التي أصبحت عائلتها، أو ما سيحدث لها نفسها.

وقفت المرأة ثم قالت بنفس الهدوء: "لربّما لأنّني مثلك لم أهتم بالمنصب."

ابتسم الفتى أدهم ثم وضع يديه خلف ظهره وتمشى خطوات قليلة للأمام، قائلا: "جيد. كوني لي إذن، ولك ما تريدين."

علمت المرأة ما قصد الفتى بكلامه. لقد كان يعني أن تتبعه، وتخدم لأجله من آنذاك فصاعدا. ابتسمت مباشرة ثم قالت: "سمعا وطاعة يا سيّدي. وتباعا لسخائك، أريد شيئا واحدا فقط." رفعت المرأة رأسها ثم حملت عينين جعلتا الفتى أدهم يتذكّر نفسه عندما تعذّب لوقت طويل بصغره: "أريد إبادة هذه المدينة عن بكرة أبيها."

كانت هذه المرأة تحمل حقدا كبيرا على هذه المدينة. فمع أنّها ولدت بها، إلّا أنها لم تمر بأيّ يوم جميل على أرضها ورأت الجحيم مرارا وتكرارا فقط. حتّى أنّها أصبحت أَمَة ولم ترَ العالم الخارجي حتّى. وعندما اكتُشِفت موهيتها من العائلة التي تحكم هذه المدينة، أجبِرَت على التدرّب بقساوة كبيرة للغاية.

لقد مرّ عليها الجحيم فقط في هذه المدينة حتّى مقتَتْها بلا حدود، فلم يكن هناك ما سيزيح عن قلبها كلّ تلك الآلام سوى اختفاء هذه المدينة عن الوجود.

وفي تلك الليلة بالضبط، انتشر خبر إبادة مدينة برمّتها على يد امرأة لُقِّبت فيما بعد بـ'ساحرة الليلة الحمراء'، و'مبيدة مدينة الأوردة الشماليّة'. ولم يعلم أحد عن ذلك الفتى الذي كان السبب الأكبر في ذلك الحدث.

عندما انتهيا من أعمالهما في ذلك المكان، حدّق الفتى أدهم إلى ما خلّفه من هدم ودمار، ثم استدار دون قول أيّ شيء آخر. وأثناء مغادرتهما، سأل: "أيا امرأة، ماذا أناديك؟"

ارتسمت ابتسامة على وجه المرأة وحدّقت إلى المكان الذي اعتادت المدينة الوجود به، وأجابت بعد ذلك بعدما أصبحت عيناها مشرقتين من جديد وعادت الحياة لهما: "نادني فضيلة كرم من فضلك يا سيّدي."

توقّف الفتى أدهم بعدما كان يتمشّى وحملق إليها باهتمام، ثم تحرّك إلى الأمام مرّة أخرى حاملا ابتسامة خفيفة قائلا: "لك ذوق غريب."

لم تعلّق فضيلة كرم على ذلك، وتبعته بهدوء فقط. اقتربت منه وسألت: "بمَ يجب أن أناديك يا سيّدي؟"

التفت إليها الفتى أدهم، وبذلك كان قد رأى المدينة المهدمة مرّة أخرى، فقال بعدما حدّق إلى الأفق البعيد: "في ذلك اليوم، استوطنت اليأس الحقيقيّ، وأصبح الكثير من الأشياء لا تؤثّر عليّ، ولكن ما زال هناك شيء يؤرّقني. إنّه اسمي. فكلّما سمعته تذكّرت قمري يناديني. والآن بعدما فقدته، لم يعد لي نور في ظلامي. وكلّ ما بقي هو العذاب الذي يتلو سماع ذلك الاسم."

تناسى كلّ شيء تذكّره لتوّه ورفع يده ثم أحكم قبضته. قال بعد ذلك: "سيبتلع ظلامي كلّ شيء، ويدي ستمحق كلّ ما تلمس. ناديني 'هدّام'."

ارتحل بعد ذلك الاثنان، ومنح هدّام فضيلة كرم بعضا من الأدوات التي ملكها لتساعدها في النموّ، كالإكسيرات وسلاح أثري. كل ذلك تحصّل عليه عبر مكعّب تخزين قبل عشر سنوات. حصل على مخطوطات تشرح له كيفيّة استخدامها وما الغرض منها، ولهذا فاق توقّعات الجميع ببلوغه المستوى السادس في سنّ الخامسة عشر فقط.

وبعد ثلاث سنين أخرى، كان هدّام قد كوّن حلف ظلّ الشيطان، وفي إحدى الليالي، واتته الفرصة ليلتقي باليأس الحقيقيّ من جديد. أخيرا التقى به بعد كلّ ذلك الوقت. لقد كانت تلك هي اللحظة التي انتظرها هدّام طيلة الثلاثة عشر سنة الماضية.

أمضى بعد ذلك شهورا في مكان غير معلوم لأيّ أحد، وتعلّم العديد من الأشياء. أرشِد من اليأس الحقيقيّ وعلم عن الكثير من الأشياء. وفي غضون سنتين، انتقل من المستوى السابع إلى الرابع عشر.

وبعد كلّ ما واجه، وجد نفسه مهدّدا بخسارة كلّ ما بناه. وكل ذلك بسبب فتى يناهز خمسة عشر سنة فقط. لم يعلم سبب قوّة هذا الفتى التي تزداد فقط لا تنقص، ولا الشخص الذي يدرّبه فجعله مثل هذا الوحش المرعب في مثل هذا السن.

ولكن، كشخص رأى اليأس الحقيقيّ، لم يكن وأبدا ليشعر باليأس في مثل هذا الموقف. كانت حياته لتكون فارغة تماما لولا التقائه باليأس الحقيقي وجعل اليأس موطنه، فشخص بلا إرشاد، ولا هدف، ولا وطن، هو شخص بلا أصل ولا حياة.

تذكّر اليوم الذي فارقه فيه اليأس الحقيقيّ، وسمع تلك الكلمات التي رُسِّخت في قلبه. لم يسعه سوى تذكرها في هذا الموقف: "كن ضروسًا، يائسًا، ولن تختبر أسًى. من الآن فصاعدا، أنت ظلّي. سألاقيك لاحقا يا هدّام الضَّروس."

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه هدّام الضَّروس في هذا الوقت، وحدّق إلى باسل بعينين مشرقتين. لقد كان في كامل حيويّته بالرغم من الموقف الذي سيجعل المقدام متقاعسا، والبئيس بائسا. سيقع أيّ شخص في اليأس بعدما يرى كلّ تلك الطاقة التي تُشحَن في ذلك الرمح الخشبيّ، ولكن ليس من رأى اليأس الحقيقيّ وجعل من اليأس موطنه مسبقا.

تكلّم ظلّ الشيطان بعدما استعدّ جيّدا لكلّ ما يمكن أن يأتي من باسل. فحتّى مع شعوره بأنّ الاصطدام التالي بينهما سيقرّر الفائز على الأغلب، إلّا أنّه لم يكن متردّدا على الإطلاق. كان حازما وعازما أكثر من أيّ وقت مضى، ولكن ليس على البقاء على قيد الحياة، بل على عدم الوقوع في فخّ الأمل.

لقد وجد قدوته، ومثله الأعلى، وهدفه الأسمى في هذه الحياة، وكان كلّ ذلك أكثر من كافٍ له. لم يحتج لأمل قد يصاحبه ألم. لقد كان ظلّ الشيطان. لقد كان هدّام الضَّروس.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/08/04 · 953 مشاهدة · 1504 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024