176 - بطلُ البحرِ القرمزيِّ

176 – بطلُ البحرِ القرمزيِّ

خُبِط جسد هدّام الضروس مع الأرض بقوّة، فشعر الجميع بتلك الضربة في قلوبهم كأنّ مَطَارِقا دقتها. كانت تلك لحظة صاعقة وغير قابلة للتصديق أبدا. فقبل دقائق فقط كان الموقف عكس ما حدث كلّيّا. كان باسل من يواجه خطر الموت، ولكن الآن، ها قد فارقت روح ظلّ الشيطان جسده.

لم يعد هناك خطر مرتقب بعد الآن. جعل كلّ هذا ضربات قلوب الحاضرين تتسارع كثيرا، ونظروا إلى باسل الواقف أمام جثّة خصمه. كان باسل يحدّق إلى هدّام الضروس لوقت طويل، بينما يتذكّر كلّ ما قاله وفعله. ترك ظلّ الشطان انطباعا عميقا عنده. لقد كان أوّل عدوّ منافس له.

نظر باسل إلى قرص بحيرة المائة الفضّيّ بجانب الجثّة، فانحنى ليحمله، فإذا بالقرص يطلق ضوءا ساطعا وهالة سامية جعلته يتراجع للخلف عدّة خطوات. لم يتوقّع أنّ هذا القرص سيفعل مثل هذا الشيء أبدا.

لم يعلم باسل ما الذي يحدث، ولكنّ القرص طفا ثم بدأ يدور بشكل جنونيّ حول نفسه، حتّى انبثق فجأة من داخله ضوء أسود حالك. كان هذا السواد عبارة عن نقطة تبدو كالثقب الأسود، فجذبت كلّ ما جاورها بقوّة لا تقاوم.

انجرّ جسد باسل رغما عنه إلى هذا الثقب الأسود فجأة، فشغّل باسل كلّ ما يملك من طاقة سحريّة وقوّة. استخدم فنّه القتاليّ والرمح الخشبيّ، ولكن كلّ ذلك كان بلا جدوى أمام الجاذبيّة الهائلة التي تأتي من الثقب الأسود الضئيل.

وفي تلك اللحظات، حُكِم على باسل بالموت. وليس هو فقط، بل كلّ شخص كان يجاوره، ومع الوقت بدأت الجاذبية تقوى حتّى بدأت تبلغ الذين اعتقدوا أنّهم في مأمن. كان يبدو كما لو أنّ ذلك الثقب الأسود يستطيع بلع النجوم والمجرّات دون أن يواجه أيّ مشكلة.

وعلى حين غرّة، لم يعد هناك تأثير للجاذبيّة على باسل. انبثقت أرض واسعة أسفله وأسفل الجميع كأنّها عالم يستطيع حمل السماء من السقوط وتنمية الجبال الأوتاد. كانت تلك الأرض حمراء كالدم، تجعل الشخص يعتقد أنّه وثب بحر دماء.

ظهرت تلك الأرض للحظة فقط ثم اختفت قبل أن يفكّر أيّ أحد في ماهيتها، ولكنّ مجرد الشعور بها في تلك اللحظة الوجيزة كان كافيا ليجعل كلّ شخص موجود يحسّ بوجوده الضئيل ويحتقر نفسه على مشاركته نفس العالم مع صاحب تلك الهالة.

اختفت تلك الأرض الواسعة، وبدت لمن استطاع لمح القليل أنّها أصبحت رمحا بطريقة ما. ارتفع الرمح المتوهّج في السماء، وبحركة من إدريس الحكيم الذي كان بعيدا بمئات الأميال، انطلق الرمح نحو القرص بسرعة كبيرة للغاية. كان هذا الرمح مقاوما لجاذبية الثقب الأسود ولم تؤثّر عليه أبدا، فكانت تلك السرعة التي ينطلق بها سرعته الخاصة.

لم يكن بإمكان أحد رؤية الرمح عند تحرّكه، وفي اللحظة التالية التي بصروه فيها، كان قد اخترق الثقب الأسود بقوّة أرعبت الوجود في هذا العالم. تزلزلت الأرض بفعل ذلك، وتقلّبت الأمواج في البحر المجاور، اسودّت السماء وتساقطت الصواعق، ثُقِب الفضاء وتشوّهت صورة الوجود حول الرمح والثقب الأسود.

عبس إدريس الحكيم ثم قال: "إذا هكذا انتقلت إلى هنا يا شيطان اليأس. لا أعلم ما هذا الكنز، ولكن بالنظر إلى هذا الجزء البسيط فقط من قوّته... هذا يجعلني أتساءل."

حكّ إدريس الحكيم ذقنه بينما يترك رمحه يتعامل مع الموقف بدلا منه، ثمّ فكّر لقليل من الوقت. تمتم مرّة أخرى: "لقد سبق وأن رأيت العديد من كنوز الفضاء، ولكن ولا واحد منها يشبه هذا. ما أصله؟"

حدّق باسل إلى الرمح ثم علم ما حدث، فتحدّث عبر خاتم التخاطر: (أيّها المعلّم، ماذا هناك؟)

ابتسم إدريس الحكيم في وجه باسل: (هوهوهو، لا شيء مهم يا أيها الفتى باسل.)

استمرّ التصادم بين الرمح والثقب الأسود لمدّة لا بالطويلة ولا بالقصيرة، وكلّ ذلك سبّب في تحرير الآخرين من الجاذبيّة التي أصبح جلّ تركيزها على الدفاع ضدّ الرمح.

وفجأة، اختفى القرص عن الأنظار، ولم يعلم أحد أين ذهب غير إدريس الحكيم الذي قَطَبَ وقال: "هذا حقّا غير متوقّع. كنز يفوق توقّعاتي يجب أن يكون كنزا ساميا على الأقل." تنهّد إدريس الحكيم بعد ذلك ثم خاطب باسل بينما يداعب لحيته: (خسارة لك يا فتى، لقد فقدت غنيمة فوزك. لقد كان هناك شيء مختلط بالقرص.)

تنهّد باسل قليلا ولكنّه لم يتحسّر. لقد كان راضيا نوعا ما. فعندما كان ينظر إلى نتائج الحرب، كان يجدها أكثر من كافية حتّى تجعل مزاجه جيّدا للغاية وتنسيه في كلّ شيء سيّئ آخر. نظر إلى تشكيله ورضي عمّا أنجزوه، ورأى حال الكبير أكاغي والآخرين فحمد ربّه على سلامتهم، ثم اطمأنّ على بعض أتباعه كأخويْ القطع والحارس جون فوجدهم بخير أيضا.

لقد كانت هذه الحرب دمويّة، والعديد من الجنود ماتوا، وفقدت الإمبراطوريات الثلاث الكثير من قواها، ولكنّ كلّ ذلك كان فوزا بالنظر إلى ما حقّقوه. لقد أبادوا العدوّ الذي كان يشكّل خطرا على العالم بأسره، ولم يتركوا أيّ عضو منه. لقد كانت هذه بداية جديدة أخرى لهم، بداية حيث يرجون ألّا تكون هناك حروب ولا قتالات صراع على السلطة.

مات مئات الآلاف اليوم، وأصبحت أرض المعركة قرمزيّة، ولم تكن بمكان سيزوره البشر للسياحة. لقد حدثت هنا مجازر مريعة، وتركت بصمتها طويلة الأمد في هذا المكان. وعلى الأقل منذ آنذاك حتّى بضع آلاف سنين، ستُقَصّ هذه الحادثة كقصة للأطفال لإرعابهم، أو قصة لتحفيزهم حتّى يصبحوا مثل ذلك الشخص الذي أنقذ عالمهم، والذي سيُعرَف على مرّ تلك السنين بـ'بطل البحر القرمزيّ'، إشارة بذلك إلى بطولته في تلك الحرب التي خلّفت بحرا دمويّا ولم يسبق لها مثيل في العالم الواهن.

أخبر إدريس الحكيم باسل: (يا أيها الفتى باسل. رتّب أمورك وجدني في الكوخ.)

اختفى الرمح من أمام ناظر الجميع، كما فعل بعد ذلك إدريس الحكيم، ولم يستطع أحد معرفة ما حدث بالضبط. ولكن كلّ ما كانوا متأكّدين منه هو أنّهم نجوا من كارثة عظيمة كانت ستجعل من فوزهم مجرّد وهم وجيز. كانوا سيقعون في يأس عميق في اللحظة التي غُمِروا فيها بالأمل.

أحاطت الدماء المكان كلّه، وجعل ذلك باسل يشعر بإحساس سيّئ بالرغم من مزاجه الجيّد، فأراد الابتعاد عن هذا المكان بسرعة. توجّه إلى الكبير أكاغي والآخرين وتبادلوا الحديث المرِح بعد الحرب. لقد كان ذلك فوزا عظيما حقّا لهم، ولن يفوّتوا الفرصة للاحتفال.

وقف الكبير أكاغي بسرعة ثم قال لباسل: "يا حليفنا، لمَ لا تُكمِل فوزنا؟"

ابتسم باسل ثم أجابه: "ذلك دورك أيها الكبير أكاغي. لقد قمتُ بما يتوجّب عليّ فعله مسبقا."

بادله الكبير أكاغي الابتسامة وخالفه الرأي: "بلى، لقد فعلت، ولكنّك لم تُكمِل. أقسِم أنّه لن يكون مكتملا حتّى يأتي منك." غيّر نظره ثم وجّهه نحو جميع من يوجد في الساحة، فأكمل: "انظر إلى الأبصار الناظرة، أتعلم إلى أين هي متّجهة؟ إليك ليس إليّ. إنّهم ينتظرونها منك."

تنهّد باسل ثم حدّق إلى نفس المنظر الذي يشاهده الكبير أكاغي، فحكّ رأسه وتقدّم إلى الأمام: "أظنّ أنّه لا يوجد خيار." رفع رأسه ونظر إلى الشمس التي بدأت تغرب، وتذكّر الأحداث التي مرّت في ذلك اليوم الطويل. لقد كان يوما مرهِقا حقّا.

استخدم باسل عنصر التعزيز فرفع من صوته: [اليوم، بدأنا حربا لم نكن نعلم بفوزنا أم خسارتنا بها. اليوم، فقدنا الكثير من حلفائنا، و كسبنا آخرين، قَتلْنا وقُتِل منّا. اليوم، حاربنا، فكنّا آخر الصامدين. اليوم، أنهينا الحرب الشاملة. اليوم، فزنا.]

رفع باسل ذراعه إلى الأعلى ثم صرخ: [إنّـــه فـــوز عـــالـــمـــنـــا ! ]

اقشعرّت أجساد الحاضرين، وتناغمت مع الجملة الأخيرة، فأحسوا بنشوة لا مثيل لها، ولم يسبق لهم اختبار مثلها. لقد كانت هذه هي اللحظة التي ظهر فيها اتّحاد خالص بين كلّ قوّات العالم لأوّل مرّة في هذا العالم.

'فوز عالمنا'. تردّدت هاتان الكلمتان على مسامع الجمهور، فجعلتهم يقفزون فرحا، وصياحا: [عـــالـــمـــنـــا ! ]

أكمل باسل كلامه بعد ذلك: [نعم، إنّه عالمنا، ولن نسمح لأيٍّ كان بسلبه منّا. حقّنا مُلكنا، ومُلكنا لا يفارقنا. عـــالـــمـــنـــا ! ]

تحمّس الجميع بحديث باسل، فتكلّم أحد منهم فجأة بعدما تأثر بالمشهد الذي صُنِع بوقوف باسل وتحدّثه كذاك. فصرخ: "يحيا بطلنا حامي عالمنا ! يحيا البطل ! "

سمعه الجميع، فردّدوا من بعده: "إنّه بطل الحرب الشاملة، إنّه البطل الذي أنجانا من البحرِ القرمزيِّ. إنّه بطلُ البحرِ القرمزيِّ ! "

[بطل البحر القرمزيّ ! ]

[بطل البحر القرمزيّ ! ]

[بطل البحر القرمزيّ ! ]

ردّد الجيش العظيم ذلك الاسم مرارا وتكرارا حتّى ترسّخ في قلوب جميع الحاضرين.غُمِر كل شخص بالسرور، ببطل سيحميهم من كلّ الشرور. لقد كان ذلك ظهور لبطل سينقذهم من كلّ المخاطر المرتقبة. سعِد الجمهور بهذا وبدأ بعضهم يؤلِّف الشعر والقصائد بالفعل من شدّة الحماس.

لقد كانت هذه لحظة ستجعل من أيّ شاعر يريد تأليف وصفه الخاص لها. كانت تلك ملحمة تاريخيّة ستُروى لآلاف السنين، ولم يكن هناك شاعر لم يرغب في أن يكون مؤلّف القصيدة المأثورة.

مات اليوم مئات الآلاف من كلا الطرفين، ولكنّ العالم قد فاز. لقد مرّ العالم الواهن مرّة أخرى بعقبة كبيرة، فأحسّ ساكنيه بالطمأنينة المؤقّتة.

انتشرت الأخبار بسرعة البرق، وبلغت الصغير والكبير في الإمبراطوريات الثلاث. نُظِّمت الولائم والحفلات، واحتفل العالم الواهن بعد ذلك لأيّام. كان هناك الحزانى على أعزائهم، ولكن بعدما تذكّروا الدور الذي أنجزوه بموتهم، أصبِح الألم متحمَّلا وقابلا للشفاء.

لا يهم أين، أو من، كل شخص احتفل بالفجر الجديد، وبالنجم الذي سطع كشمس الشروق – بطل البحر القرمزيّ.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/08/15 · 1,005 مشاهدة · 1393 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024