18 - فتح نقط الأصل




كان باسل يجلس جلسة التربيعة و مغمض العينين و كان لديه تركيز خارق بحيث الطير يمكنه المجيء و الجلوس على رأسه معتقدا إياه صخرة ما

كان باسل الآن في بداية المرحلة الأولى من حالة 'الصفاء الذهني و الروحي'، بدأ يفعل مثل ما قام به ب'وادي الظلام العميق'، حيث بدأ يستجمع جميع أفكاره الخاصة و يحاول تثبيتها لكي يستطيع إخمادها، لكن في كل مرة كان يفشل، و يبدأ العملية من جديد، لأنه الآن لا يحتاج لتجميع أفكار معاركه فقط و إنما كل الأفكار مهما كان نوعها

استمر الأمر معه على هذه الحال لمدة خمسة أيام فقط حتى استطاع إخماد القليل من أفكاره، لكنه لم ينجح في إخمادها كلها، فهناك أفكار و اعتقادات لم يستطع تركها من السيطرة على عقله أبدا، ففي كل مرة كان يقترب من التحكم الكامل كانت تظهر فكرة و اعتقاد جديد يشتت له تركيزه، بعد يومين آخرين فقط استطاع إنهاء المرحلة الأولى بحيث كان قد أخمد أفكاره كلها بعد أن استطاع تثبيتها و ترسيخها كلها من أجل التحكم بها

في هذه المرحلة لم يكن الأمر صعبا على باسل لأنه احتاج فقط لتجميع أفكاره و جعلها مستقرة و ثابتة ليستطيع التحكم بها، و عندما نجح بهذا استطاع إخمادها

عندما نجح باسل بالمرحلة الأولى 'ترسيخ الأفكار'، أحس بنفسه كما لو أنه فضاء لا نهاية له، أحس بالراحة في هذا المكان، كان هذا الفضاء هادئا بحيث إن رميت به حجرة سيتردد صوتها على مسامعك لآلاف المرات

كان هذا الفضاء باللون الأزرق الفاتح و قريبا للون الأبيض، بعد مدة أحس باسل بتغير بدأ يحدث في هذا الفضاء. ظهرت أمامه أمه و العمة سميرة و أنمار و الجد علي و عندما رآهم ذهب في اتجاههم بفرح، لكن عندما وصل أمامهم، العمة سميرة قطعت لأطراف أمام عينيه، أنمار بدأت تضغط حتى ماتت، الجد علي بدأ يتآكل جسمه بسرعة حتى اختفى تماما، و في الأخير أمه بدأت تذوب أمام عينيه كما لو أنها تتعرض لنار حارقة

باسل في كل لحظة كان يتقطع من الألم و يصرخ بجنون بدءً بالعمة سميرة وصولا لدور أمه، عند موت أمه بهذه الطريقة أمام عينيه، باسل فقد كل إرادته في الحياة و أصبحت عيناه فارغتان و عند حدوث هذا بدأ يتصدع ذلك الفضاء شيئا فشيء حتى تكسر من حوله

"وااااااه"

فتح باسل عيناه صارخا كما لو أنه قد استيقظ من أفظع كابوس مر عليه في حياته ثم نظر في اتجاه المعلم و سأله بينما وجهه شاحب "أيها المعلم، ما كان ذلك بالضبط؟ ما الذي حدث؟ كنت في فضاء لا نهائي و أحسست بالانتماء لهناك و راحة لا مثيل لها لكن في لحظة تغير كل شيء من الطمأنينة و السكينة لعذاب شديد"

أجاب المعلم بعد أن تنهد "تلك هي بداية المرحلة الثانية "فهم الأحجية و فكها'، لقد كنت في فضاء روحك، المسمى ب'بحر الروح'، لقد سبق و قلت لك إنها أصعب مرحلة، ستواجه أكبر مخاوفك و لن تكون قادرا على الاستمرار ما لم تتغلب عليها، بعدها يأتي دور الغوص بالروح و ترتيب الدورة التنفسية تماما، و من ثم البدء في الشعور بنقط أصلك"

كان باسل يقطر عرقا باردا، بدأ يتذكر ما رآه في السابق، عندما كان بذلك الفضاء أحس بالأمر كما لو أنه حقيقة، حتى مع أنه كان يقنع نفسه مرارا و تكرارا أنه وهم إلى أنه لم يستطع التحمل أكثر عندما وصل دور أمه

قال باسل بصوت مرتعد "أيها المعلم، أ سيكون علي تجريب مثل ذلك الأمر في كل مرة أدخل للمرحلة الثانية؟"

أجاب المعلم "في كل مرة سيختلف الأمر، سيزداد سوءا في كل محاولة ثانية لكنه لن يُخفّف أبدا، أظن أنه عليك الاستعداد جيدا، فهناك من ضاعت روحه بهذا الاختبار عندما كرره مرات كثيرة، و لهذا عندما لا ينجح الأغلبية يتوقفون عن التدرب خائفين من الضياع، لكن لا تقلق، أنت قادر على فعلها، ثق في كلامي"

باسل الذي كان وجهه شاحبا، تغيرت نظرته و قرر البدأ من جديد، فهو من البداية كان مستعدا لأن يواجه أي خطر، فليس هناك شيء بدون مقابل في هذا العالم، هذا ما كان يعتقده باسل

بدأ باسل من جديد، لكنه كان يفشل في كل مرة، و يعود بوجه شاحب أكثر من الذي سبق، بقي على هذه الحال لمدة عشرة أيام من دون الحصول على نتيجة

في الأول كان باسل يأخذ وقتا طويلا لإتمام المرحلة الأولى، لكنه عندما أعاد المحاولة مرارا و تكرارا أصبح ينهيها في غضون نصف ساعة

المحاولة رقم 'عشرون'، بداخل 'بحر الروح'

"لا، لا، لا، لا، لا، ليس ثانية أرجوك لا تقتل من أعِز، لا تعذبني هكذا، أرجوك". كان قلب باسل يتقطع من الألم، فهو وصل لمرحلة حيث أصبح يرى المقربين منه يقتلون بأشنع الطرق، و ليس مرة أو إثنان، بل المئات من المرات، و في الأخير يفقد السيطرة على نفسه و يتكسر 'بحر الروح'

عندما كان باسل ينهي المحاولة يدخل في الثانية مباشرة مع أن التعب و المعاناة الشديدين جراء هذا كان أضعاف الذي أحس به جراء تدريباته في السنة الماضية

في كل محاولة أخرى كان العذاب يزداد شدة. أغلق باسل عيناه و لم ينظر حتى عند سماعه لصراخ أمه التي تتعذب

"لقد عرفت سبب كل هذا، إن هذا كله ليس سوى وهم أنا أخلقه بنفسي، فعندما أرى السكينة و الطمأنينة، تبدأ مشاعري بالهيجان، لأنني ألوم نفسي عن الراحة التي حصلت عليها لوحدي تاركا من أحب و أعتز به، عقلي الباطن يبدأ في جعلي أتوهم تلك الأشياء التي أخاف أن تحصل، و إن لم أدرك هذا لن يكون بإمكاني التقدم للأبد"

بعد فهم باسل لحالته، حتى مع جميع الطرق التي صرخ بها أو مات بها أمه و الآخرين، لم يترك هذا يشوشه و ركز على التحكم في مشاعره و مخاوفه. بدأت تقل حدة الصراخ شيئا فشيء حتى اختفى الصوت تماما. أخمد باسل جميع المشاعر السلبية و الإيجابية، حتى مشاعره تجاه الشياطين أخمدت، و بهذا انتهى من المهمة الأولى

عندما فتح باسل عينيه وجد 'بحر الروح' كما يجده في اللحظات الأولى من دخوله. تنفس باسل الصعداء لأنه أخيرا اجتاز هذا الاختبار

لم يحدث شيئا لمدة طويلة حتى تكونت بوابة من ضوء ساطع و كانت ضخمة جدا بحيث لا يمكنك رؤية عرضها و لا طولها. عندما اقترب باسل منها ظهر فَلَق رقيق للغاية لكنه كان كافيا للمرور منه

عند رِؤية باسل لهذا فهم أنه عليه المرور من ذلك الشق. استعد نفسيا ثم خطى للداخل. هذه المرة كان هناك ظلام لا نهائي و هناك أربعة عشر كرة بقطر يصل لثلاثين سنتمتر، يدور حول كل واحدة منها حروف رونية تتغير باستمرار

فهم باسل ما الذي يجب عليه فعله، فهو عليه أن يفهم هاته الأحاجي كاملة ليحرر و يفك الختم عن هذه الكرات الأربعة عشر

"إذن هذا ما كان يقصده المعلم بفهم الأحجية و فكها، لكن إن كان اسم المرحلة يشير لهذا الاختبار، أليس هذا يعني أنه أصعب اختبار، مع أنني مررت بكل ذلك العذاب المرير لا يزال هناك المزيد؟"

عندما اقترب باسل من إحدى الكرات لمسها و بدأت العديد من الأفكار تتوغل لعقله فأزال يديه بسرعة، عندها فهم باسل الأمر "سوف يجب علي فهم هذه الأفكار و التحكم بها من أجل فك أحجية تلك الحروف الرونية و إخماد هذه الأفكار من جديد كما فعلت في المرحلة الأولى"

لمس باسل الكرة من جديد لتندفع تلك الأفكار لوعيه من جديد و بدأ يحللها، الابتسامة ظهرت على وجه باسل، فهو كان يتمتع بهذا الأمر، لقد كان يحب الكتب منذ صغره، الغامضة منها خصوصا و التي تحمل ألغازا و أحاجي صعبة

يبدو أنه وجد أحجية رائعة ليتمتع بها هذا المرة و الأفضل في الأمر هو أن الجائزة ستكون رائعة. بقي باسل على هذا الحال لمدة طويلة حتى أنه فقد الاحساس بالوقت بالفعل

مر الكثير من الوقت على دخوله للمرحلة الثانية و معلمه الذي يراقبه كان مصدوما بشدة هذا المرة، و بعد أن هدأ قليلا ابتسم ثم قال "أن ينهي أصعب اختبار بين جميع الاختبارات في يوم واحد، هذا ببساطة ليس بفعل يقدر أي أحد على فعله، هل هذا له علاقة بكونه المختار، 'المختار' " بقي 'إدريس الحكيم' يردد هذه الكلمة مرارا و تكرارا بينما يشاهد باسل الذي دخل للمرحلة الأخيرة

كان باسل ب'بحر الروح' و جالسا جلسة التربيعة كالعادة. كان يتأمل و يتحسس نقط أصله. بعدَ أن فهم أحجية جسده قام بفكها و أخمد جميع تلك الأفكار، و بمجرد فعله لهذا أصبحت لديه معرفة كاملة بما يجب عليه فعله للشعور بنقط أصله

ظهر شكل أبيض على شكل جسم أمامه، أو بالأحرى على شكل جسمه. بدأ باسل يشعر بنقطة تلو الأخرى و يوصلها ببعضها

كانت كل واحدة من هذه النقط تتمركز في موضع، كل واحدة في جزء من ذلك الجسم الأبيض. كانت هناك بالأول نقطة لا لون لها في الجبهة، و من ثم خرج منها مسارين اتجها نحو الكتفين و توقفا إلى أن تكونت نقطتين أخرتين كل واحدة على كتف، و خرج مسارين من كل نقطة، اثنان اتجها نحو وراء الرقبة لتتكون نقطة و آخران للصدر لتتكون نقطة أخرى، خرج مسار من نقطة الرقبة و نزل لأسفل الظهر مكونا نقطة أخرى هناك، خرج ثلاث مسارات هذا المرة من النقطة التي بالصدر، ، اثنان استكملا طريقهما، واحد على الجهة اليمنى و الآخر على اليسرى، نزولا للكوعين فكونا نقطة و من ثم إلى اليدين ليفعلا نفس الشيء، أما المسار الثالث بعد أن نزل قليلا نحو السرة، تفرع لمسارين نزلا نحو الركبة و من ثم إلى القدم فاعليْن مثل اللذيْن سبقهما

و بهذا كان باسل قد أتم المرحلة الأخيرة 'العقل و نقط الأصل'. عندها وقف المعلم الذي كان يشاهد باسل و ابتسم ثم جمع القليل من السحر الخالص بيده اليمنى و وضعها على جبهة تلميذه ثم صرخ "هااا"، بعد مرور قليل من الوقت بدأ 'بحر الروح' الخاص بباسل بالاهتزاز و تكونت البوابة الضخمة من جديد لتخرج منها الكرات الأربعة عشر و ذهبت فوق الجسم الأبيض على شكل دائري

*فششششششششششش*

كانت جميع الكرات غير محاطة بتلك الحروف الرونية من السابق و أطلقت خيطا رفيعا بجبهة الجسم الأبيض لتمتلئ به نقطة الأصل المتموضعة هناك و بدأت تشع بضوء ساطع، ليمر هذا الأخير على المسار الذي صنع من قبل، و في لحظة امتلأت جميع النقط الأربعة عشر بالضوء الساطع

بمجرد ما أن انتهى هذا فتح عينيه ليجد المعلم أمامه مبتسما "أحسنت أيها الفتى، لقد نجحت في اكتساب سحرك الخاص، يجب أن تكون هناك كرات من فوق جسم أبيض عندما كنت في 'بحر الروح'، تلك هي مقدار قوتك السحرية الآن و سوف تعبئ كل نقطك الأصلية بالطاقة السحرية من دون أن تتركها تفرغ، لكن تلك الكرات سوف ينقص حجمها تدريجيا في كل مرة تزود نقطك الأصلية بالسحر، و عندما تصل لحجم غير قادر على ملأ كل نقطك الأصلية سيكون هذا معناه أن طاقتك السحرية قد فرغت و ستحتاج للوقت من أجل إعادة الشحن"

كان باسل هادئا جدا، فهو اكتسب السحر الذي كان يطمح له منذ وقت بعيد لكن ردة فعله لم تكن كبيرة، فما زال هناك أمر عليه تخطيه

"و الآن فلتستعد لموجة الطاقة الخارجية، فالختم قد ضعف مثل ما قلت لك"

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجوا الإشارة لأي أخطاء إملائية أو تركيبية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

و عيدكم مبارك سعيد

2017/06/25 · 1,592 مشاهدة · 1716 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024