181 - لعنة عشيرة النار القرمزيّة

181 – لعنة عشيرة النار القرمزيّة

ركب باسل العربة، وترك الناس لابثين في أمكانهم، غير مصدّقين ما حدث قبل لحظات أمام أعينهم. مرّت لحظات سكون، وأحس كلّ شخص كما لو أنّه يتواجد عميقا داخل البحر. كانت مشاعرهم مختلطة، ومن الصعب التفريق بين كلّ شعور عن الآخر.

لحق تورتش باسل ثم أخذ دور الحوذيّ من جديد، وحرّك الخيل الملكيّ. وفي اللحظة التي لمح الجمهور بها تحرّك العربة، تحرّكت قلوبهم كذلك، فأصبح هناك شعور واحد يتملّكهم. كان ذلك السرور الذي ولّد حماسا غير طبيعيّ لدى جميعهم.

ومباشرة بعد رجوعهم إلى وعيهم وإحساسهم بذلك الأحساس، انطلق صياحهم فتحوّل المكان من السكون إلى صخب تخلّله الفرح. لقد كان هذا أفضل خبر سبق وسمعوه في حياتهم.

لقد كانوا مصدومين بسبب حقيقة كون باسل – واحد منهم - صار الجنرال الأعلى، ولكنّهم تناسوا صدمتهم هذه مؤقّتا ليتمتّعوا بالخبر المفرح الذي جعل من كلّ واحد منهم في قمّة السعادة. لقد كان مصير قريتهم واضحا الآن بعدما قرّر الجنرال الأعلى توفير حمايته لهم. ستصبح القرية مدينة مزدهرة مثل أفضل المدن الأخرى، ولها حرّاس وجنود من الأرقى. ستتحسّن تجارتهم وتُبنى أكاديميّة في مدينتهم. سيُنمّون سحرة بمدينتهم التي سيفخرون بها كمدينة أسّسها الجنرال الأعلى، وسمّاها بمدينة العصر الجديد.

تبعت الهتافات العربة طوال الوقت حتّى اختفت عن الأنظار تماما. وعندما هدأ الجميع أخيرا، تحرّك الجنود الذين كانوا أمام بوابة القرية. لقد كان عددهم يصل للمئات، وكانوا هنا لسببين. أوّلهما حماية القرية، وثانيهما كان المساعدة في تحويلها إلى مدينة.

تقدّم الجنودَ شخصٌ ارتدى درعا فضّيّا، فكان من الواضح أنّه ساحر في المستوى السادس. كان شابّا فقط ممّا جعل الأنظار تتساقط عليه كالمطر. حمل نظرة مستقيمة وبدا شابّا مخلصا في حياته لما ولمن حوله.

رفع الشابّ ذراعه إلى الأعلى وقال بصوت مرتفع: "لدينا مهمّة أعطيَت لنا من سيّدنا باسل، ولا يجب علينا خذله فيها. يا من أقسمتم بخدمة الجنرال الأعلى، أنتم موكّلون بترميم هذه القرية، وجعلها مدينة مؤهّلة. سنحوّل هذا المكان إلى نقطة تجاريّة هامّة ومكان للسياحة يزوره الناس من شتّى أنحاء العالم ليروا أوّل مكان يبنيه بطل البحر القرمزيّ. فلنجعله مدينة العصر الجديد ! "

[هواااه]

صرخ الجنود فهزوا المكان، وبتحرّكهم جعلوا الأرض تتذبذب، فأرجفوا قلوب الحاضرين.

تكلّم بعض الناس فيما بينهم: "هذا مهيب ورهيب حقّا ! "

"معك حقّ. إن واجه أيّ جيش مثل هؤلاء الجنود فلا شكّ أنّه سيموت لا محالة."

"يا له من أمر. إذن هؤلاء هم جنود تشكيل الجنرال الأعلى؟ توابع باسلنا ! حقّا مثير للافتخار ! "

تقدّم ذلك الشابّ الذي كان يقود كلّ أولئك الجنود إلى الناس، ثم قال: "من يتزعّمكم؟"

نظر الناس إلى بعضهم بعضا، ثم أشاروا إلى رجل عجوز أتى من الخلف. كان هذا الرجل العجوز نحيلا للغاية، ولكنّه كان يتمتّع بروح قويّة تمثّلت في نظراته الثابتة والعميقة. حدّق الرجل العجوز إلى الشابّ لوقت قليل، ثم قال: "عينان جيّدتان. إنّها لمفخرة لنا أن يساعدنا أمثالكم؛ فتشكيل الجنرال الأعلى شيء يحلم أيّ صغير وكبير أن يتلقّى المساعدة منه."

ابتسم الشابّ، وصافح العجوز الذي مدّ يده إليه، ثم قال: "إنّه فخرنا نحن أن نساعد موطن الجنرال الأعلى. ولكن يجب أن أتأسّف، فنحن لسنا تشكيل الجنرال الأعلى في الواقع ولكنّنا مجرّد توابع جانبيين."

صُدِم الناس بعد سماع هذا الكلام، وأعادوا النظر مرّة أخرى إلى الشابّ والجنود خلفه. لقد كانوا سحرة من المستوى الخامس والسادس، فكيف ألّا يكونوا التشكيل الذي ذاع صيته كثيرا في الآونة الأخيرة؟

غاب العجوز في ذكراته، ثم عاد بعد وقت لم يعلم أحد عن مدّته. حدّق إلى الشابّ أمامه، والذي قال: "يبدو أنّك كنت تتذكّر شيئا ما."

ابتسم العجوز ثم أجاب ضاحكا: "هاهاها. ذلك صحيح. فلتوّي، ظهرت بعض الصور في عقلي من الماضي. أنا المشرف هنا على المكتبة، لذا تذكّرت الجنرال الأعلى باسل عندما كان يأتي إليها ويمضي مددا طويلة يخزّن المعلومات في ذاكرته. لقد كان حقّا طفلا غريبا، ولكنّني لم أتوقّع يوما أن يصل إلى كلّ هذا في هذا السن الصغير حتّى لو كنت أظنّ أنّه سيصير ساحرا ماهرا عندما يكبر."

ضحك الشابّ مع العجوز قليلا، فسأل ذلك ثانيهما: "بالمناسبة. بم أناديك يا أيها السيد الشابّ؟"

"لا، أرجوك. لا داعٍ لتتكلّم برسمية معي." ابتسم الشاب وأكمل: "يمكنك مناداتي بـ'الحارس جون' فقط. لقد أتيت وأتباعي لحراسة هذا المكان كدورنا الأساسيّ، ومساعدتكم في كلّ ما تريدون."

ابتسم العجوز وحدّق إلى عينيْ الشاب، ثمّ قال: "إنّك تعجبني، وخصوصا عينيك. إنّهما مستقيمتان وخالصتان. والأكثر من ذلك، أنت تذكّرني نوعا ما بنفسي. أنا من اختاره أهل القرية ليكون الشيخ. يمكنك مناداتي بـ'الشيخ عهد'."

تحرّك الحارس جون ثم قال للشيخ عهد: "لم لا نذهب للاستعداد والتحدث قليلا. فبما أنّ هناك فرصة للاستماع عن قصص حول طفولة سيّدنا، فكيف لي أن أضيعها؟"

***

مرّت أيّام منذ مغادرة باسل والآخرين القرية، وبسرعة الخيل الملكيّ لم يأخذوا وقتا طويلا للوصول إلى العاصمة كما لم يتأخّر تورتش عند قدومه إلى القرية. وبمجرّد ما أن دخل باسل إلى العاصمة حتّى كان الجنود على طول الطريق مصطفّين، منظّمين المكان، معطين له أفضل آمان.

كانت لطيفة وسميرة متعجّبتين كثيرا من هذا الأمر، وما زالتا تندهشان من المعاملة فائقة الاحترام، ومن كون باسل الجنرال الأعلى وأنمار أميرة إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة. والأكثر من ذلك، من عودة عائلة كريمزون إلى سابق عهدها بل وأفضل. لقد كانت العاصمة شيئا جديدا لهما بشعار العائلة الإمبراطوريّة كريمزون، والذي كان عبارة عن شعلة قرمزّية يحملها ظلّ بيديه فوق رأسه.

نظرت لطيفة إلى الشعار ثم تذكّرت ما قاله زوجها آنذاك: "أتعلمين يا لطيفتي، ذلك الظلّ هناك هو ظلّ سلفي. قيل أنّ السلف باسل قد جعل شعار عائلته يمثِّل ما فعله صديقه بالضبط. لقد كان سلفي كريمزون حامل الشعلة القرمزيّة المختبئ في الظلال والحامي."

ابتسمت لطيفة ثم نزلت دمعة بعدما أكملت تذكّرها تلك الذكرى: "لا أعرف إن كانت هذه مجرّد إشاعة، ولكن قيل أنّه كان هناك سبب لكون سلفي قويّا جدّا، ولتمريره دمه وموهبته إلى عشيرتنا. أُخبِرنا أنّه واجه شيطانا، أو ملاكا، لا أحد يعلم بالضبط، ولكنّه كان بالتأكيد كيانا مذهلا. قام هذا الكيان بتعديل دمه وروحه وأعطاه كنزا ما. وإلى اليوم، لا أحد يعلم ما هو أو أين ذلك الكنز، ولكنّنا نعلم أنّ تعديل الدم والروح ذاك هو ما تسبّب في إنشاء عشيرتنا."

نزلت دمعة أخرى من عين لطيفة الأخرى، وغاصت في ذكرياتها من جديد: "ولكن لكلّ شيء ثمن. فمنذ القدم، تبعت عائلتنا لعنة لم يستطع أحد معرفة كيفية النجاة منها. كانت لعنتنا أن نعيش في الظلّ، ونموت به. وإن خرجنا إلى الضوء احترقنا فمتنا. وإن ارتبط أحدنا بآخر، حامت اللعنة حوله منتظرة الفرصة للقضاء عليه. لربّما هذا هو ثمن تعديل الدم والروح. لربّما ذلك عنى أنّه أكمل مهمّته ولم يعد هناك حاجة لبقائه حيّا."

حدّق باسل إلى أمّه ثم قال: "لا تقلقي يا أمّي. كلّ شيء سيكون على ما يرام."

ابتسمت لطيفة ولم تقل شيئا. لقد كانت تفكّر في المصير الذي ينتظر ابنها. أسيكون مثله مثل غيره من عشيرة النار القرمزيّة؟ حدّقت بعد ذلك إلى أنمار ثم تذكّرت ما قالته عندما كانوا في القرية، وعبست مرّة أخرى. هل سيواجه باسل نفس مصيره أبيه، وتواجه أنمار ما واجهتْه؟

وفي الجهة الأخرى، كانت سميرة منكمشة على نفسها، بينما تتذكّر أفعال كريمزون أكاغي وعائلته تجاهها. لقد تعرّضت للاحتقار منهم في تلك السنة، وما زال الأمر يؤثّر عليها حتّى الآن. ما زالت نظرات الازدراء التي وُجِّهت إليها آنذاك راسخة في عقلها ولم تستطع محوها.

اقتربت أنمار إلى أمّها وقالت: "الأمر مختلف هذه المرّة. لقد كان جدّي في ذلك الوقت مستميتا جدّا وأراد أن يعيد عائلته إلى مجدها، ولكن بعدما اختفى أبي وهرب معك، ندم كثيرا على ما فعله في حقّكما. فلو كان هناك أيّ شيء لا يزال يندم عليه جدّي، فلا شكّ أنّه أنتما الاثنتين."

قبضت أنمار يد أمّها ثم هدّأتها. لقد كانت سميرة في حالة سيّئة جدا.

ابتسمت أنمار وقالت: "وفوق كلّ شيء، أنت أمّي أنا، الأميرة كريمزون أنمار، وخطيبة جنرال الإمبراطوريّة الأعلى."

ابتسمت سميرة ثم ضحكت: "أنت حقّا لا تتغيّرين يا أنمار."

لم يسمعهما باسل حينذاك ما تكلّما عنه لأنّه كان يواسي أمّه، ويتكلّم معها حول أبيه.

دخل أربعتهم إلى القاعة الرئيسيّة، وكانت لطيفة وسميرة محنيتي الرأس، ولم تقدرا على رفعه. فمع أنّهما تعلمان أنّ باسل هو الجنرال الأعلى، وأنّ أنمار هي أميرة الإمبراطوريّة، وأنّهما أخبِرا أنّ عائلة كريمزون قد تغيّرت كثيرا عن تلك الفترة العصيبة، إلّا أنّ قلبيهما لم يستطيعا المرور بكلّ ذلك بسهولة.

وفجأة، دون أن ترفعا رأسهما، وجدتا نفسيهما تنظران إلى ذلك الرجل – كريمزون أكاغي. لم تحتاجا أن تحرّكا رأسيهما الموجّهين نحو الأسفل حتّى تواجهانه، ومع ذلك استطاعتا رؤيته. وذلك عنى شيئا واحدا فقط لا غير. صدِمتا كثيرا حتّى أنّهما لم تصدِّقا ما إن كان ذلك حقيقة أم لا.

كان الكبير أكاغي منحنيا عند أقدامهما، بينما يقول: "ندمت وندمت، ثم ندمت فندمت. انتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر. أنا آسف يا سميرة، أرجوك تقبّلي منّي خالص الاعتذار وسامحيني. أنا أعلم أنّ الأوان قد فات عن هذا، ولكن..."

نطقت سميرة بسرعة: "م-ما الذي تفعله؟"

أكمل الكبير أكاغي: "لقد فعلت أمرا شينا في حقّك، وأنت أيضا يا لطيفة. حتى لو كنت مررتُ بفترة سيئّة، لم يكن عليّ معاملتكما كذلك. أنا خجل من أسلافي."

قبضت سميرة ولطيفة ملابسهما، وتذكرتا الماضي، ثم نزلتا على الأرض ورفعتا الكبير أكاغي، ثم قالت سميرة: "أرجوك ارفع رأسك أوّلا."

كانت نظرات الكبير أكاغي شاحبة، وامتلأت عيناه بالدموع. وفي الجهة الأخرى، لم تعلم سميرة ولطيفة ما المعمول. لقد كانت هذه لحظة لا تصدّق. لم يكن هذا هو كريمزون أكاغي من آنذاك. لقد كان شخصا مختلفا عنهما كلّيّا.

ابتسمتا ثم وقفتا بعدما جعلتا الكبير أكاغي يقف أيضا، وأومأتا إلى بعضهما بعضا، وقالتا في نفس الوقت: "نسامحك يا كبير العائلة."

نزلت الدموع من عيني الكبير أكاغي ثم قال بتأسّف: "لولا عنادي وقساوتي في ذلك الوقت، لما مررتما بتلك المعاناة، وما كان ليموت أكاي وجاسر. كلّ ذلك خطئي."

اقتربتا الاثنتان من الكبير أكاغي ثم قالت سميرة: "لقد كان أكاي يدافع في الواقع عنك، ويخبرني أنّك أصبحت كذلك بعدما مات ابنك الأوّل مسموما فقط. وأنّك كنت تفعل ما تراه مناسبا لمصلحة العائلة فقط."

عانقتاه معا، فجعلتا قلبه يتسارع من الفرح، ومن الشعور بتخفيف الحمل الثقيل الذي كان يحمله طوال ذلك الوقت. لقد كان ينتظر أن تُغفر له أعماله ويصلحها من جديد.

بادلهما العناق وبكى كالطفل الرضيع. بادلتاه البكاء أيضا، ثم قالت لطيفة: "لقد كان يعلم جاسر أهمّيّة البقاء في الظلّ، ولكنّه أراد دوما الخروج للضوء. فعندما علم أنّ أكاي ينوي الهرب، أراد أن يتبعه كذلك. أراد أن يعيش مختلفا عن بقيّة أعضاء عشيرة النار القرمزيّة ويتجنّب ما آلوا إليه كلّهم – اللعنة."

عبس باسل عندما سمع ذلك، وأثار ذلك اهتمامه قليلا. فهذه المرّة الثانية التي يسمع فيها أمّه تتحدّث عن هذه اللعنة. لقد ظنّ أنّها قصدت في المرّة الأولى، عندما عاد إلى المنزل، أنّها فرحت لأنّه نجى من الموت. ولكنّه سمعها تقولها لمرّة أخرى وعلى أبيه وعشيرة النار القرمزيّة.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/08/28 · 1,066 مشاهدة · 1674 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024