184 - نموّ الوحوش السحريّة

184 – نموّ الوحوش السحريّة

لقد كانت الوحوش السحريّة كائنات تتبع غريزتها، وكان لها ذكاء يختلف حسب مستوياتها وأصنافها. كانت هناك وحوش سحريّة بذكاء مرتفع منذ الصغر، وعندما يمرّ وقت أطول وتكبر، تصير أكثر قوّة وذكاء، ثم تترأّس نوعها كالزعيم.

اختلفت الوحوش السحريّة في مستوياتها غالبا حسب أصنافها. فهناك بعض الوحوش التي يمكنها بلوغ مستويات مرتفعة للغاية، وأخرى يقف نموّها عند حدّ معيّن. يتباطأ تقدّم عمر الوحوش السحريّة عند عمر محدّد وتكبر بعد ذلك ببطء شديد حتّى تبدو كأنّها لا تزداد عمرا، ولهذا تعيش لمدّة طويلة للغاية.

وبسبب ذلك، اختلفت الوحوش السحريّة عن السحرة. فعلى عكس السحرة ذوي العمر المحدود، كانت الوحوش السحريّة بعمر مديد جدّا، وهذا أعطاها الفرصة لبلوغ المستويات الروحيّة بغض النظر عن سرعتها في ذلك. وهذا عنى شيئا واحدا فقط – أقلّ حدّ يمكن لأضعف وحش سحريّ بلوغه هو الخطوة الأولى في المستويات الروحية.

طالما بقيت روح الوحش سليمة فستكون له الفرصة في الغدو وحشا روحيّا مهما تعرّض للقتل من مرّات، ولكن إن حدث واضمحلّت روحه فستكون تلك نهايته الأبديّة. وبالطبع، انطبقت إعادة الإحياء على الوحوش السحريّة فقط، أمّا الوحوش الروحيّة، فكان الأمر مختلفا في حالتها تماما.

ما زال العالم الواهن عالما سحريّا فقط، ولم يشهد حتّى الآن ساحرا روحيّا أو وحشا روحيّا من قبل، ولكن بعدما ارتفع العديد من السحرة في المستوى، حتّى أنّ هدّام الضروس كان قد بلغ المستوى الرابع عشر سابقا، فقد حدثت تغيّرات كثيرة خصوصا في المناطق المحظورة التي استجابت لنموّ السحرة، فنمت الوحوش السحريّة التي تقطنها أيضا.

وحاليا، كانت أقوى الوحوش بثالث أكبر منطقة محظورة بالعالم الواهن تحتوي على وحوش سحريّة بالمستوى الحادي عشر، وكان ذلك شيئا مرعبا للغاية. ففي الشهور الأخيرة، ابتعد الكثير من السحرة عن هذه المنطقة المحظورة ولم يعد يقترب منها سوى سحرة المستوى السادس فما فوق خوفا من الموت.

كان باسل يعلم كلّ العلم مدى شراسة هذه الوحوش السحريّة. ففي الأيّام التي مضت، جاب الجانب الشماليّ طولا وعرضا، ثمّ قدّر عدد الوحوش السحريّة التي تقطن هنا. علم أنّ هناك زعيمين يترأّسان الجانب الشماليّ، أحدهما يترأّس الشمال الشرقيّ والآخرُ الشمالَ الغربيّ. كلاهما كانا وحشين بقمّة المستوى الحادي عشر، وكلاهما قد أتيا حتّى يقتلا الغازي الذي يحاول السيطرة على منطقتيهما.

كانت هناك عشرات آلاف الوحوش تتبع كلّ واحد منهما، ممّا جعلهما مهيبان للغاية. لقد كانا حقّا يقودان كلّ تلك الوحوش السحريّة كأنّهما جنرالان يقودان جيشا. لم تكن هناك سلطة تقيّد هذه الوحوش السحريّة على اتّباعهما سوى الغريزة التي ملكوها. الأضعف يطيع الأقوى. كانت وحوشا فحَكمها قانون الغاب.

كان زعيم الشمال الشرقيّ في السلاسل الجبليّة الحلزونيّة هو الأسد الشيطانيّ. لقد كان هذا الصنف في المستوى الخامس قديما، ولكنّه تطوّر عبر السنوات حتّى بلغ هذا المستوى. كانت قدرة الوحوش السحرية على التطور دائما موجودة، ولكنّها كانت مقموعة لسبب ما. وأتيحت لها الفرصة للتقدّم بالمستويات فقط بعدما كان سحرة العالم الواهن يحرزون تقدّما ملحوظا في بلوغ مستويات أعلى لم يسبق أن بلغها أحد.

والآن بعدما كان قد بلغ هدّام الضروس المستوى الرابع عشر بالفعل والعديد من السحرة تجاوزوا القسم الثاني من مستويات الربط، فقد سمح للوحوش السحريّة بأن تتقدّم عدّة مستويات أيضا، وبعضها كان قد بلغ مستوى مرتفعا جدّا، وخصوصا في قارّة الأصل والنهاية.

والأكثر من هذا كلّه، ازدادت قوّة هذه الوحوش السحريّة بشكل أكبر في الأيّام الأخيرة، وعندما فكّر إدريس الحكيم فيما سبّب ذلك، تيقّن أنّه نموّ باسل المفاجئ. لقد بلغ باسل مستوى حيث أصبح ممكنا تلقيبه بشبه صاعد.

ابتسم إدريس الحكيم من بعيد ثم قال: "أتساءل ما الوحش السحريّ الذي سيكون الأسرع في الاختراق للمستويات الروحيّة بعدما يبلغ الفتى باسل نقطة التحوّل ويصير صاعدا حقيقيّا. يجب أن أصنع بعض المصفوفات استعدادا لتحوّل هذا العالم السحريّ إلى عالم روحيّ."

كان الأسد الشيطانيّ وحشا سحريّا بذكاء مرتفع جدّا، وإمكانيات متقدّمة. كان جسمه يساوي ثلاثة أضعاف الأسد العادي، وكان له ذيل ثعبانيّ، فبدا هذا الذيل لوحده كأنّه وحش سحريّ بالمستوى الثالث أو الرابع، وكان له قرنان رقيقان توهّجا باللون الأحمر فجعلا طبيعته البريّة شيطانيّة أكثر. كلّ خطوة منه جعلت الأرض أسفله تلتهب كما لو أنّ حمما مرّت عليها.

كان جسده البرتقالي قاسيا، ويستطيع تحمّل كلّ أنواع الضربات. كان للأسد الشيطانيّ هيبة كبيرة بين الوحوش السحريّة. وعندما زأر، جعل المنطقة حوله بأكملها تهتزّ، وكلَّ شيء ينصاع لأمره.

وفي الجهة الأخرى، تواجد وحش سحريّ مألوف نوعا ما. لقد كان ذلك نمر البرق الذي واجه باسل وأنمار ذات مرّة عند ذهابهما إلى العاصمة أوّل مرّة. لقد كان آنذاك في المستوى الرابع فقط، ولكنّه ارتفع بالمستويات بسرعة كبيرة للغاية. حتّى أنّ باسل قد اكتشف في الأيّام الأخيرة قوّته وصُدِم بسبب ذلك. لم يكن باسل ليظنّ أنه سيقاتل هذا النمر لمرّة ثانية دون يكون هناك فرق كبير بينهما في القوّة.

كان نموّ الوحوش السحريّة إلى هذه الدرجة سريعا ومخيفا، أسرع من نموّ السحرة حتّى. ولكن ذلك كان لسبب وجيه. فهذه الوحوش السحريّة كانت تحاول الاختراق للمستويات العليا دائما ولكنّها كانت مقموعة. ولهذا عندما اختفى القمع نسبيّا اخترق العديد منها عدّة مستويات مرّة واحدة.

لمح إدريس الحكيم شيئا ما، ثم حكّ لحيته قبل أن يقول: "هذا مثير للاهتمام. سيجد الفتى باسل صعوبة غير متوقعة بالنسبة له إن اعتمد المعلومات التي جمعها في الأيّام الأخيرة."

كان باسل قد أمضى أيّاما في ذلك الكهف، متدبّرا تارة، ومتدرّبا تارة أخرى. حتّى إدريس الحكيم لم يعلم ماذا كان يفعل هناك بالضبط. وعندما أتت الوحوش السحريّة التي تربّصت بهذا المكان لأيّام حتّى تيقّنت من وجود باسل بالداخل، خرج هو إليها ثم نظر إلى حشد الوحوش السحريّة العظيم أمامه. كانت الوحوش السحريّة بمختلف المستويات.

كان هناك عشرات الوحوش السحريّة بالمستوى العاشر، وهذا لوحده كان كافيا ليجعل أيّ ساحر بهذا العالم يرتجف. ومع ذلك، كان باسل هادئا أمام هذا المنظر المهيب. لطالما كان باسل طفلا غير اعتياديّ، ولم يتأثّر بالعديد من الأشياء، فكان هناك القليل من الأشياء التي تثير اهتمامه، لذا كان يتشبّث بأيّ شيء يثير اهتمامه لأّنّه يجد فيه متعة كبيرة.

وبعدما مرّ بتدريبات جهنّميّة من طرف معلّمه، واختبر معنى الحرب الطاحنة الحقيقيّ، وواجه الموت أكثر من مرّة، لم يرتعد أبدا من هول المنظر قبالته. كان باسل واثقا من نجاته كلّيّا، فلم يزعج نفسه بالخوف أو التوتّر.

حدّق إلى الحشد أمامه، ثم ابتسم ونزل الجبلَ. كان يتصرّف بتأنٍّ طوال الوقت ولم يزعج نفسه بالتسرّع.

نظر إليه زعيما الوحوش السحريّة ثم أطلقا هالتيهما، ونيّتيْ قتلهما الشرستين تجاهه. لقد كان ضغطهما لوحده قادرا على شلّ سحرة المستوى السابع.

وقف باسل بكلّ أريحيّة في مواجهة ضغطهما، ولم يتأثّر أبدا بذلك. أخذ الخطوة الأولى، ثم اختفى عن الأنظار في التالية. وعندما حاول الزعيمان معرفة إلى أين ذهب، وجداه قد قطع عشرات الأميال بعيدا عنهما.

كان ذلك غير متوقّع على الإطلاق، حتّى لهذه الوحوش السحريّة. فبالنظر إلى تصرّفات باسل، كان واضحا أنّه واثق بنفسه وسيتشابك معها في القتال.

ابتسم إدريس الحكيم وتمتم: "خيار حكيم يا فتى. فحسب معلوماتك التي جمعتها في الأيّام الأخيرة، هذان الوحشان بالمستوى الحادي عشر، والقليل من وحوش المستوى العاشر. ولكن الآن الأمر مختلف كلّيّا. إنّهما الآن في المستوى الثاني عشر، وهناك العشرات من الوحوش بالمستوى العاشر، إضافة إلى القليل من أخرى بالمستوى الحادي عش..."

حدّق المعلّم إلى باسل بتركيز أكبر، فلاحظ شيئا، تمتم مرّة أخرى: "ذلك مثير للاهتمام حقّا. حتّى أنا لم أتوقّع هذا."

عندما علم إدريس الحكيم عن شيء آخر، صارت تصرّفات باسل الحالية غير منطقيّة إليه أيضا، وصار غير قادر على تفسير سبب هربه ذاك. ظنّ أنّه هرب كي ينجو بحياته، ولكنّ الأمر كان مختلفا تماما.

قطع باسل مئات الأميال، وكانت الوحوش السحريّة تتبعه باستمرار. كان يبدو كأنّه فأر قد حوصر من جميع الاتجاهات ولم يعد هناك مهرب له. زاد ذلك من انتباه إدريس الحكيم أكثر فقط. لقد لاحظ أنّ باسل لم يكن يستخدم كلّ ما يملك للهرب، وبدل ذلك كان يبقي على مسافة آمنة بينه وبين الوحوش دونَ أن تخسره. كان واضحا أنّه يجرّها لمكان ما.

أدرك إدريس الحكيم أخيرا وجهة باسل، فعبس وتمتم: "إذن هذا ما أنت مقدم عليه يا أيّها الفتى باسل، حسنا، إنّه ليس ضدّ القواعد."

تنهّد إدريس الحكيم وحدّق إلى باسل بنظرات حنونة. لقد كانت أنمار تحبّ باسل كثيرا، وكان باسل يحاول لمدّة طويلة ألّا يحبّها، فظلّا بعيدين عن بعضهما بعضا. لا أنمار شعرت بالهناء في قلبها، ولا باسل استطاع الهرب من السلسلة التي كانت تقيّده.

وبمشاهدة حالتهما هاته، لم يسع إدريس الحكيم سوى أن يتذكّر تلك المرأة، فغطّت صورتها ذهنه لمدّة حتّى نسي كلّ ما يحدث حاليا ودخل لعالم لا بثانويّ أو رئيسيّ. كان بعالم آخر تماما أنشأته ذكرياته فغُمِر بمشاعر حرّكت كيانه كلّه. حتّى أنّ صورته العجوزة قد اختفت وحلّت مكانها صورته الشابّة. كلّ ذلك بسبب تلك الذكرى عن تلك المرأة.

لقد كان شكل هذه المرأة في عقله مترسّخا، لا يمكن نسيانه أو إزالته أبدا. ارتدَتْ فستانا حريريّا بلون أزرق فاتح، فجعل بشرتها البيضاء تبدو أكثر إثارة مما هي عليه. كانت تبدو كطفلة مباركة أنعِمت بوقار عظيم. كانت بعض أجزاء رجليها تبدو واضحة عبر فستانها، ممّا زاد من سحرها.

كانت بشعر أسود طويل يصل إلى قدميها، فكان جميلا كالليل الهادئ المزيَّن بنجومه المضيئة، والتي كان وجهها الأبيض يمثّلها، فأنار المكان الذي حلّه. كان لديها قوام يزلزل الممالك والإمبراطوريات. كان صدرها ونهدها مرتفعين ومكتملين. ملكت خصرا نحيفا، وردفا ثقيلا، وساقين طويلتين أكملتا ذلك التناسق بشكل مدهش. لقد كانت أم باسل جميلة جدّا، ولكنّها نقُصت ذلك الوقار والعظمة اللذين بورِكت بهما هذه المرأة. لم يكن هناك مجال للمقارنة حتّى في الواقع. لقد كانت تلك المرأة أحد أجمل عشرة نساء بالعوالم الأربعة عشر بأكملها.

عاد إدريس الحكيم إلى رشده بعد مدّة من الوقت ثم تمتم: "هل افتقدَتْني يا ترى؟" ابتسم بتكلّف قبل أن يضيّق عينيه حزنا، متنهدّا: "أو يجب عليّ القول هل سامحَتْني أوّلا؟"

لقد كان قلب إدريس الحكيم يتقطّع عندما يتذكّر هذه المرأة. حدثت الكثير من الأشياء في حياته، ومرّ بعذابات مختلفة. بدءا من صغره والتقائه بالملك الأصليّ إلى الآن، لم يكن هناك ما هو أصعب بالنسبة إليه أكثر من المعاناة التي يواجهها قلبه بسبب تلك المرأة. لقد كانت امرأة مختلطة الدم من عرقين، فكان هناك تعقّدُ مشاكلٍ لم يكن ممكنا حلّه سوى عن طريق إراقة الدماء.

ضاقت عينا إدريس الحكيم، وكان الحزن باديا على وجهه، ولم يستطع سوى أن يأمل: "لقد مرّت مدّة طويلة منذ آخر مرّة رأيتها فيها. أتساءل إن كانت ستسمح لي برؤيتها في المرّة القادمة على الأقل ! "

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/10/15 · 1,014 مشاهدة · 1603 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024