190 - تأسيس الأكاديميّة العظمى

190 – تأسيس الأكاديميّة العظمى

في إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، كانت الأجواء حماسيّة نوعا ما هذه الأيّام بشأن ذلك الخبر الذي تلقّوه. فبعد مرور أشهر على الحرب الشاملة، بدأ ينسى الناس أخيرا أحزانهم على فقدانهم أعزّائهم، وواصلوا حياتهم.

وما أثار بعض الروح فيهم من جديد وحفّزهم كان الإعلان الذي أصدرته عائلة كريمزون.

"سيصبح العالم في الأيّام القادمة مشتعلا. أنا متشوّق لرؤية الأكاديميّة الجديدة التي تبنى. قيل أنّها ستحمل أفضل المواهب في العالم على الإطلاق من جميع الأكاديميات المنتشرة في بقاعه."

"نعم، نعم. يبدو أنّها تقع في الحدود بيننا وبين إمبراطوريّة الأمواج الهائجة. لقد مرّ شهر الآن منذ أن بدأ بناؤها. يقال أنّها تبنى على أساس سحريّ غنيّ بعدد هائل من أحجار الأصل، وهذا بدون الإشارة إلى حقيقة كونها تبنى بـ'الأرض المسالمة المباركة' ودعم من سحرة بالمستوى السادس والسابع."

أصبح سحرة المستوى السادس والسابع شيئا طبيعيّا في العالم الواهن بعد مرور أشهر على الحرب الشاملة. ففي تلك الحرب، علم العالم عن القوّة العظيمة الحقيقيّة، وعرفوا أنّ هناك مستويات أخرى بعد المستوى السابع.

وبعد هذه الحرب، ساهم كلّ من الجنرال رعد والجنرال منصف، إضافة لبعض رؤساء العائلات في نشر طريقة الاختراق. لقد كانت طريقة الاختراق نفسها، لذا لم يكن هناك داعٍ لاحتكارها. وخصوصا بما أنّ العالم أصبح يحتاج إلى سحرة بالمستوى الثامن فما فوق.

أكمل الناس حواراتهم: "ليس ذلك فقط. لقد سمعت أنّ الجنرال رعد والجنرال منصف الذي اخترق إلى قسم مستويات الربط الثاني وبعض الشخصيات من تشكيل بطل البحر القرمزيّ يدعّمون أساس تلك الأكاديميّة."

صدِم بعض الأشخاص الذين لم يكونوا يعلمون بهذا: "أووه! ذلك حقّا مدهش. يبدو أنّ هذه الأكاديميّة ستصير شيئا مذهلا بالمستقبل حقّا."

تدخّل آخر في الكلام: "ولا تنسوا المدينة التي أسّسها الجنرال الأعلى. لا شكّ في أنّها ستكون مدعّمة بتقنيات مدهشة. قد أذهب وأسكن فيها. عندها سأعيش مرتاح البال طيلة حياتي."

"هاهاها. معك حقّ. لربّما سنفعل ذلك قبل أن يصبح السكن مستعصيا فيها."

كانت هناك الكثير من المواضيع التي أصبح يتحدّث عنها سكّان العالم الواهن. كانت الأجواء هكذا في جميع الإمبراطوريّات، وأينما حلّت قدم الشخص كان يسمع بلقب بطل البحر القرمزيّ. لقد أصبح أسطورة بالفعل، وكانت هناك مسرحيّات تقام بناء عليه. لعب الأطفال فيما بينهم بينما يحاكون المعركة بين باسل وهدّام الضَّروس.

كانت الإمبراطوريّات في علاقة جيّدة بينهنّ، حتّى أنّهنّ قرّرن بناء تلك الأكاديميّة التي ستتكوّن من جميع عباقرة العالم، وتصبح قوّة يمكنها مجابهة أيّ خطر مستقبليّ.

كانت هذه فكرة باسل بالطبع. كان يريد فعل هذا بعدما تصبح الإمبراطوريّات على وفاق تامّ، ويمكنهنّ أن يتضامنّ إلى هذه الدرجة. فإن لم يكن هناك تعاون كلّيّ بينهنّ، لن تنجح هذه الأكاديميّة في بلوغ الذروة أبدا.

لم يكن كافيا تدريب السحرة الصغار في جميع الأكاديميّات كلّ على حدى؛ فوجب تأسيس مثل هذه الأكاديميّة التي ستجمع كلّ النخبة. وبالطبع، هؤلاء النخبة سيأتون من جميع الأكاديميات الأخرى بعدما ينجحون في عدّة اختبارات ويصبحون مؤهّلين.

كان الأمر كالتالي: تكوين المواهب في الأكاديميّات عبر العالم، وصقلها في الأكاديميّة العظمى. كانت هذه هي الطريقة الأكثر فعّاليّة حتّى ينمو عباقرة العالم الواهن في أسرع وقت.

مرّت أيّام، فأسابيع، فأشهر، وكانت الأخبار عن بطل البحر القرمزيّ مجهولة تماما ولم يعلم أحد عن مكانه. ومع ذلك، لم تتوقّف الأحاديث عنه ولا البحث عن مكانه. أراد بعض الأشخاص اللقاء بهذا الشخص المذهل وتمضية الوقت معه. لقد كانت لحظات معه تعدّ كفرصة لا مثيل لها وحظّ يمكنه جعل الشخص الصعود إلى قمّة العالم بكلّ سهولة.

***

في أحد الأيّام، استقبلت العاصمة _مدينة السيف القرمزيّ_ شخصيّات مهمّة من جميع بقاع العالم. لقد كانوا عائلات نبيلة بأسماء ثاقبة ونفوذ عظيم. وبالطبع كان إخوة وأخوات الأمواج الهائجة من بينهم، وكذلك الإمبراطور غلاديوس. كان زعماء قبائل الوحش النائم حاضرين أيضا.

كانت هذه المناسبة تخصّ العديد من الأشياء. فقبل مدّة، اعتلى أمير إمبراطوريّة الأمواج الهائجة العرش، إضافة إلى السبب الرئيسيّ من أجل هذا الاجتماع. ولكن مع أنّه كان اجتماعا إلّا أنّه كان أقربا إلى احتفال بالمصادقة على ذلك القانون الذي اتّفقت عليه كلّ هذه العائلات المهيمنة على العالم الواهن – إزالة العبوديّة!

كان من الصعب في الشهور قبل الحرب الشاملة أن يتمّ هذا الأمر، ولكن بعدما رأى العالم قوّة تفوق المستوى السابع بكثير، ووحّدت الإمبراطوريّات قواها من أجل الاستعداد للخطر المستقبليّ، لم يعد هناك الكثير من العائلات المعارضة وصار تقريبا جلّ المهيمنين على العالم، سواء بتجارتهم أم قوّتهم، موافقين.

أصبح هذا القانون معلوما في العالم الواهن بأكمله، وأيّ شخص كان عبدا صار حرّا من حيث لا يدري، وبالطبع أجزِي المالك من طرف سيّد المدينة. كان هناك اختيار للعبيد بأن يبقوا كخدم للمالك بينما يتلقّون أجورهم، أو يغادرون بعدما أتتهم حرّيتهم.

كان هناك العديد من العبيد اختاروا البقاء كخدم مأجورين في الواقع على الحرّيّة. لقد كانوا أصلا أشخاصا لا مال لهم ولا منزل خاصّ، لا علاقات مفيدة ولا أعمال؛ كلّ ذلك جعلهم يهابون تلك الحرّيّة التي أرادوها في وقت ما؛ كان البقاء كخدم كضمان لهم بحيث يعملون ويتلقّون أجرة. من يعلم ما الذي سيحدث لهم دون منزل وعمل؟

ولكن حتّى لو أزيلت العبوديّة، تواجد عالم الجريمة وتواصل كلّ ذلك في الخفاء، لكنّه اختفى تدريجيّا من العلن. كان ذلك بداية جيّدة حتّى يتبدّد غالب ذلك مع الوقت.

وبالطبع بعدما لم يصبحوا عبيدا، صار لهم الحقّ في الدخول إلى أكاديميّات السحر للتعلّم، والحقّ في تلقيب أنفسهم. كان ذلك شيئا مدهشا للغاية في الواقع. لم يكن ليظنّ أحد أنّ شخصا اعتاد أن يكون عبدا سيدخل أكاديميّة سحر ويكون ساحرا بعد ذلك.

كانت الأجواء حيوّية لأيّام أخرى بسبب هذا الخبر، وعمّ الفرح والسرور العالم الواهن. كانت هناك أسر كاملة قد عَبُدت، فما الذي كان أكثر فرحا لهؤلاء الناس من اكتسابهم الحرّيّة؟ كانوا عند العبوديّة أقلّ من الحيوان، والآن بعدها صاروا بشرا كما ولِدوا أخيرا.

في هذه الأيّام، ظلّت العائلات ذات النفوذ في العالم الواهن والأباطرة الثلاثة مجتمعين في قصر عائلة كريمزون. لقد كان ذلك لسبب وحيد؛ كانوا ينتظرون انتهاء بناء الأكاديميّة العظمى حتّى يقيمون احتفالا لائقا بافتتاحها.

وبعد أيّام أخرى، انتهى بناؤها أخيرا، واستعدّ الجميع للذهاب إلى هذه الأكاديميّة من أجل رؤية افتتاحها. كان الافتتاح بإشراف الأباطرة الثلاثة، لذا كانوا متوجّهين إليها بالفعل ما أن سمعوا عن اقتراب اكتمال بنائها.

ركب الأباطرة الثلاث عربة واحدة يجرّها الخيل الملكيّ، وصاحبتهم لمياء ممثّلة قبائل الوحش النائم الحالية. تحدثوا في بعض المواضيع المهمّة. ومن بينها كان باسل وأنمار. تساءل الإمبراطور غلاديوس: "يا أيها الإمبراطور أكاغي، ما الأخبار عن بطل البحر القرمزيّ؟"

قطب الكبير أكاغي ثم أجاب: "ذلك... ما زلت لا أعلم في الواقع. فآخر مرّة سمعت منه كانت قبل شهور. لا يمكنني الاتصال به."

كان إمبراطور الأمواج الهائجة، أزهر هاكوتشو، يستمع طوال الوقت دون أن يتكلّم كثيرا، لكنّ اهتمامه أثير حينما سمع اسم باسل. لقد أراد اللقاء بهذا الشخص حقّا. فبعدما سمع تلك القصص عنه من أخته الصغرى شيرايوكي، أصبح معجبا كبيرا به وأراد أن يمضي بعض الوقت معه.

تدخّل عندما لاحظ عبوس الكبير أكاغي: "يا أيّها الإمبراطور كريمزون، لقد سمعت الكثير من الأشياء عنه، وبناء عليها، فلا أظنّ أنّ هناك داعٍ لقلقك. قد يكون هناك سبب لذلك."

علم الكبير أكاغي أن الإمبراطور هاكوتشو يحاول مواساته، لذا ردّ الابتسامة وقال: "معك حقّ. لقد حدث هذا من قبل، لذا أظنّه ليس غير اعتياديّ. تُشكر أيّها الإمبراطور أزهر."

ابتسم أزهر شيرايوكي ولم يدع الموضوع عن باسل ينتهي، لذا بدأ يسأل عن الكثير من الأشياء حوله طوال الطريق إلى الأكاديميّة العظمى.

أمّا لمياء، فقد ظلّت صامتة طوال الرحلة دون أن تتحدّث بشيء. لقد كانت هادئة وحادّة في طبعها، ولم تكن كثيرة الكلام. ما لم يكن هناك شيء يخصّ قبائلها بطريقة ما أو العالم عامّة، فلن تنبس ببنت شفة.

***

كان موقع هذه الأكاديميّة قريبا من مدينة العصر الجديد في الواقع. كان بالضبط بينها وبين السلاسل الجبليّة الحلزونيّة. اختير هذا المكان من طرف باسل بعد أخذه مشورة معلّمه. لقد كان هذا المكان غنيّا بالطاقة السحريّة، وكان قريبا من ثالث أكبر منطقة محظورة، والتي سيحتاجون إلى تسيّدها ما أن يصير العالم الواهن عالما روحيّا. ستكون السلاسل الجبليّة الحلزونيّة مكانا جيّدا لتدريب التلاميذ فيما بعد.

كانت الأكاديميّة على الحدود بين الإمبراطوريتين الشعلة القرمزيّة والأمواج الهائجة. كانت هذه الحدود تملك عدّة مناطق محظورة، ومرّت عبرها بعض الأنهار لتصبح غنيّة بطاقة العالم بعد مرور عصور. كان أحد هذه الأنهار هو نهر دم التنين. صبّ شلّاله مثله مثل الأنهار الأخرى ببحيرة كبيرة للغاية بدت كأنّها بحر صغير.

كانت هذه البحيرة شهيرة في العالم الواهن. فلقد كانت مصبّا للعديد من الأنهار الغنيّة بطاقة العالم، وخصوصا نهر دم التنين. ولهذا لطالما ما كانت هدفا للسحرة حتّى يستطيعوا تنمية قوّتهم أكثر. لقد كان تمضية أسبوع بهذه البحيرة مشابها لشهر بمنطقة محظورة، ونصف سنة بمنطقة عادية.

وقعت هذه البحيرة في منطقة غريبة. لم تكن هي بنفسها منطقة محظورة، لكنّها أحيطت بعدّة مناطق محظورة من جميع الزوايا وبدت كما لو أنّها كانت محاصرة في الداخل. كانت هذه المناطق المحظورة تحمل وحوشا سحريّة مرتفعة المستوى، فلم يكن يستطيع بلوغ هذه البحيرة سوى سحرة المستوى السادس فما فوق.

ولكن في هذه الأشهر الأخيرة، صارت مكانا مرعبا وجعلت الكثير من سحرة المستوى السادس ضحايا لها. كان هؤلاء السحرة قد بلغوا المستوى السادس بعدما ظهرت الإكسيرات، لذا أرادوا الإسراع والدخول إلى تلك البحيرة من أجل الارتفاع في المستوى بشكل أسرع، لكنّهم واجهوا الموت ولم يتغلّبوا عليه.

أصبحت المناطق المحظورة التي تحاصر هذه البحيرة تحمل وحوشا سحريّة بالمستوى السابع إلى التاسع، لذا كان من الصعب على سحرة لم يخترقوا إلى قسم مستويات الربط الثاني على الأقلّ أن يتجاوزها، ووجب أن يكون هناك تعاون بينهم حتّى ينجحوا ما لم يكن هناك ساحر بفنّ قتاليّ أثريّ أو وسيلة تجعله أقوى من مستواه الفعليّ.

كان ذلك مخيبا للآمال للكثيرين، كما كان تحدّيا لآخرين. هناك من استسلم، وهناك من جعل بلوغ تلك البحيرة كهدف آخر له. فعندما يكون ساحر قادرا على الوصول إلى هذه البحيرة، سيكون قد أصبح قويّا بالفعل لأنّه سيكون ساحرا عبر تلك المناطق المحظورة المرعبة، وسيُضاف عندها إلى ذلك تدرّبه في البحيرة المدهشة.

لقِّبت هذه البحيرة بـ'بحيرة العالم المباركة المحاصَرة'. كانت نقيّة جدّا ولمعت مياهها، وتراقصت الأسماك بجميع ألوانها من أعماقها إلى سطحها. تميّزت بهدوء يجعل الروح مسالمة، ويوصل بعضا من الحكمة الطبيعيّة. كان المكوث في هذه المنطقة منيرا لعقل الساحر.

امتدّ قطر البحيرة المباركة لعشرات الأميال، وجاورها غابة كبيرة، إضافة إلى بعض الجبال والسهول. كانت منطقة يعمّها السلام، وبدت كأرض مباركة لا يمسّها شرّ. كانت هذه المنطقة تُسمّى بـ'الأرض المسالمة المباركة'؛ فمع أنّ هذه الأرض لم تكن وفيرة الطاقة بالدرجة التي كانت بها البحيرة المباركة، إلّا أنّها كانت بجودة منطقة محظورة عادية. كانت أرضا هادئة للغاية ولم يبدو عليها آثار حرب قديمة أو أيّ شيء مشابه. بدت كأنّها قطعة من الجنّة في هذا العالم الفاني.

وفي هذه الأرض المباركة، أسِّست الأكاديميّة العظمى. لقد كان ذلك خبرا صعق الكثير من الناس في الواقع. فقبل أن تصبح الإمبراطوريّات على وفاق تامّ، كان من المستحيل السماح لأيّ شخص باحتكار هذه المنطقة. ولكن بعدما تحالفن، من كان هناك ليقف في وجههنّ ويمنعهنّ من تأسيس مثل هذه الأكاديميّة؟

وفي الواقع، لم يكن احتكارها ممكنا بالنظر إلى قوّة الوحوش السحريّة في هذه المنطقة. فلو أراد قوم فعل ذلك سيضطرّ لخسارة عدد هائل من الجنود حتّى يصل آخرين إلى مرادهم. كان أقوياء العالم يجتمعون ويوحّدون قوّتهم من أجل الدخول إليها غالبا. كانت منطقة مسالمة ففرضت سلمها على كلّ شخص أراد بلوغها.

وبالطبع، كانت قبائل الوحش النائم مشاركة في هذا التأسيس. فبعد كلّ شيء، كان وكر الوحش النائم كبلاد عظيمة توصل إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة بإمبراطوريّة الأمواج الهائجة. لم يكن ممكنا تركه خارج الأمر بعدما أصبحت جزءا من هذا العالم من جديد.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/10/23 · 1,104 مشاهدة · 1789 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024