217 - العالم كلّه منطقة محظورة؟

217 – العالم كلّه منطقة محظورة؟

في الوقت الذي كان فيه باسل غائبا عن العالم الخارجي، كان الأباطرة الثلاث يناقشون موضوعا مهما جدا بحضور جميع الجنرالات في قاعة كبيرة. كانت نظرات كل واحد منهم جدّيّة كثيرا ممّا جعل أهمّيّة الموضوع واضحة؛ فـفقط اجتماع أقوياء العالم بقاعة واحدة للتكلم عن شيء ما كان كافيا لإثبات ذلك.

تحدث الكبير أكاغي بصوت عميق: "يا حضرتكم، نحن اليوم مجتمعين لنقرر موعد الذهاب إلى قارة الأصل والنهاية والفُرق المؤهلة لذلك. فكما نعلم من استطلاعاتنا، إن الوحوش السحريّة قد نمت بشكل خياليّ في السنة الماضية، ورُصِد وجود الكثير منها في المستوى الرابع عشر في قارّة الأصل والنهاية."

"كل هذا يُفسَّر حسب القائد الأعلى لجيوش إمبراطوريتنا، الشعلة القرمزية، على أنه يحدث بسبب نموّ العالم الواهن بنموّ سحرته، وبالتالي نموّ الوحوش السحريّة كذلك. فكلّما نما الساحر ازدادت الكمّيّة التي يستنزفها من طاقة العالم، وكاستجابة لذلك يتطور العالم السحريّ أكثر عندما يعوض الطاقة المفقودة. وللدقة، يحرر طاقته الكامنة أكثر من أجل تحمل وجود السحرة ومواكبة نموّهم. وبسبب هذا، تصبح الوحوش السحريّة قادرة على التطور أكثر كذلك."

"ما يهمنا في هذه الرحلة هو القضاء على أكبر عدد من الوحوش السحريّة ذات المستوى المرتفع وبالخصوص التي في المستوى الرابع عشر. هناك مناطق محظورة عديدة سنستهدفها بفرق أخرى وخصوصا مناطق محظورة مثل أرخبيل البحر العميق، والسلاسل الجبليّة الحلزونيّة. قد اتّفقنا على أن تهتمّ قبائل وكر الوحش النائم بالسلاسل الجبليّة."

رفع جنرال من أحد الجنرالات الجالسين حول بعض الطاولات وسأل بعدما أُذِن له، لقد كان جنرالا من الأمواج الهائجة: "أتفهّم خطورة الوحوش السحريّة بالمستوى المرتفع، لكن خطورتها تبقى داخل المناطق المحظورة فقط، لذا لمَ يجب المخاطرة ومحاولة القضاء على مثل هذه الوحوش هكذا؟ أليس التركيز على جهة واحدة من أجل الاستفادة قدر المستطاع من كلّ الأيادي المتاحة أكثر فعّاليّة؟"

انتظر الجميع الإجابة، ففي الواقع قليل من علم عن السبب واقتصر الأمر على الأباطرة والجنرال رعد الذي سمع عن الأمر من باسل في وقت ما.

عصَر الكبير أكاغي الكرسي الفاخر بيديه وأجاب بحسرة: "ذلك لأن الوحوش السحريّة بالمستوى الرابع عشر هي الأقرب إلى المستويات الروحيّة."

"حسب ما شرحناه في الوقت السابق، في اللحظة التي يبلغ فيها أحدهم المستويات الروحيّة، سيصير العالم الواهن عالما روحيّا أيضا، وبذلك سيتحقق الشرط الأخير لبعض وحوش المستوى الرابع عشر، فتضْحَى وحوشا روحيّة."

أغمض الكبير أكاغي عينيه لبعض الوقت، لأن قوله التالي سيولد بعض المعارضين دون شكّ. ولكن مهما حدث يجب عليهم القيام بهذا، فكما يقال في العوالم الأساسيّة، 'لا اكتساب بدون عذاب'.

حسم أمره وأعلن عن الحقيقة المرّة التي جعلت من حلقه جافا بينما ينطقها: "في الوقت الذي يصير فيه العالم روحيّا، وتظهر الوحوش الروحيّة، سيصير العالم كله أشبه بمنطقة محظورة بالكامل!"

"العالم كلّه يصير منطقة محظورة؟" كانت ردود أفعالهم متشابهة كونهم سمعوا عن شيء كهذا لأوّل مرّة في حياتهم. فقط ما الذي أمكن ذلك أن يعني أصلا؟ هل يمكن أنّ حواجز الحماية السماوية ستختفي أم ماذا؟ كلّ التساؤلات بعدّة أنواع طرأت في عقولهم جاعلةً إيّاهم يرتعدون من بعض الأفكار التي استنتجوها.

أكمل الكبير أكاغي بعبوس: "بمعنى أوضح، الوحوش الروحيّة يمكنها عبور حاجز الحماية السماوية كما لو أنها كسبت رخصة ما بعدما نجحت بجدارة، ولن يتوقف الأمر عند ذلك، بل وستكون قادرة أيضا على جلب ما يمكنها من الوحوش السحريّة للعالم الخارجي كأتباع لها!"

نظر الإمبراطوران الآخران إلى الأرض من شدّة الحسرة ولم يسعهما سوى التصنّت إلى ما صدمهما أيضا بعدما علما عنه قبلا. لم يكن العالم سهلا، ووجب عليهم بذل جهد عظيم من أجل من تجاوز خطر رجيم.

"ما الذي تقصده يا جلالتك؟" سأل الجنرال تشارلي بعدما حاول الحفاظ على هدوئه حتّى يعلم ما يقول ويفعل. لقد كان رجلا حكيما وعلم ما يجب فعله في هذه الحالات. يجب أن يُحلّل الوضع جيّدا من أجل الوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة. أضاف سؤاله الثاني قبل أن يجاب عن الأوّل: "أتعني أنّه لا يمكننا أن نعلم من أين ومتى يمكن أن تهجم هذه الوحوش الروحيّة؟"

حدّق إليه الكبير أكاغي قبل أن يومئ رأسه موافقا، ثمّ أكمل إجابته تكلُّما: "ولهذا يجب علينا هزيمة أكبر قدر ممكن من وحوش المستوى الرابع عشر."

اسودّت وجوه الجميع وخفقت قلوبهم بسرعة كبيرة للغاية بينما يفكّرون في الدمار الذي يمكن أن يحصل وعدد الموتى كنتيجة لذلك. لقد كان السحرة يستطيعون التعامل مع الوحوش السحريّة حسب مستواها، لكنّ السكّان العامّة لا فرصة لهم أمام وحش سحريّ مهما فعلوا.

لربّما قد ينجحون في هزيمة وحش غير سحريّ من المنطقة المحظورة لو تجمّعوا عليه، لكن على ما يبدو، فكلّ تلك الوحوش قد اكتسبت عناصرها السحريّة ويُقدَّر أنّه لم يعد هناك وحش غير سحريّ في المناطق السحريّة. حتّى وحش سحريّ من المستوى الأوّل سيكون قادرا على ذبح العشرات من الناس.

ما يرعب كثيرا هو أنّ المناطق المحظورة توجد في العالم الواهن بكثرة ويصل عددها إلى مئات الآلاف، ويبدأ عدد الوحوش السحريّة في منطقة محظورة من مائة وحش سحريّ إلى من يعلم كم. فقط كم يمكن أن يبلغ عدد الضحايا؟

كانت هذه التساؤلات تجتاح عقولهم، وكلّهم فكرّوا في عائلاتهم والأقربين منهم. ضدّ حشود هائلة من الوحوش السحريّة تقودها وحوش روحيّة، كم من الوقت يمكنهم أن يصبروا؟ كم من الوقت سيقدرون على حماية أحبابهم؟

لقد شمّوا رائحة عظمة السحرة الروحيّون فقط في المعركة التي هزّت العالم قبل سنة، وقد جعلت كلّ واحد منهم يختبئ كالجرذ في المجاري ولا خجل، فما الذي يمكنهم فعله ضدّ وحوش روحيّة تقود حشودَ وحوشٍ سحريّةٍ؟

لقد كان الأمر يتجاوز قدرة التخيّل، لذا بالطبع سيكون هناك من سيحاول الهرب من هذه المشكلة ومحاولة البحث عن طريقة لجعلها لا تبدأ حتّى. وبعدما عمّ الصمت لمدّة طويلة نطق ذلك الجنرال من إمبراطوريّة الامواج الهائجة: "لقد أخبرتنا يا سيّدي أنّ العالم سيصير روحيّا عندما يصبح ساحر من نفس العالم ساحرا روحيّا، أليس كذلك؟"

قطب الكبير أكاغي كما لو أنّه كان يعلم أنّ هذا السؤال وما بعده من نقاش قادميْن لا محالة. لقد كان هذا أحد المعارضين الذين انتظرهم. أومأ وأجاب: "معك حقّ!" كان يعلم بالفعل ما سيقوله الجنرال بعد إجابته.

انتشرت الهمسات بين الحاضرين فأحسّ بعضهم بالغرابة من هذه المسألة، فآل الأمر إلى أن أصبحت الهمسات نقاشات بينهم، وعلى ما يبدو، فكلّها تضمّنت فكرة واحدة سيطرت على عقول أصحابها، وكانت نفس الفكرة التي جعلت ذلك الجنرال ينطق ذلك السؤال المنتظر: "ألا يعني هذا أنّه ما لم يصبح أحد ساحرا روحيّا فسنبقى في أمان؟"

لقد كان هذا تفكيرا سليما من ناحية. بالتفكير في الخطر الذي سيحلّ عليهم فهذه أفضل طريقة لمنعه من الحلول أصلا. ومع ذلك كان الكبير أكاغي وبعض الآخرين يعلمون تماما أنّه لا بدّ من تحوّل العالم الواهن إلى عالم روحيّ، وإلّا كيف لهم أن يواجهوا تلك المخلوقات المرعبة؟ كانت التضحيّة ملزومة وكلّ ما بوسعهم فعله هو إخفاض درجتها قدر الإمكان.

"ذلك صحيح،" أجاب الكبير أكاغي بعد فترة من الهدوء: "لكنّ ذلك الأمان لن يكون دائما، فطال الزمن أم قصُر سيضحى عالمنا الواهن عالما روحيّا."

ابتسم الجنرال ابتسامة خفيفة قبل أن يردّ: "قد يكون معك حق، ولكن الفعل الصائب هو منع حدوث ذلك إلى أن نجد وسيلة ما لحماية عالمنا. ما الذي يمكننا فعله على هذه الحال؟ لا يهمّ أصلا كم مرة نقتل فيها وحوش المستوى الرابع عشر لأنّها ستُبعث مرّة أخرى. أليس الخيار الحكيم هو منع أيّ ساحر من الولوج إلى المستويات الروحيّة؟"

حدّق الأباطرة الثلاث وباقي الحاضرين إلى هذا الجنرال الجرّيء؛ لقد كانت لديه بعض الأفكار المعقولة صراحةً وأرادوا الاستماع له، فأصلا هذا هو الغرض من هذا الاجتماع. أكمل الجنرال: "أشكّ في أننّا لا نعرف الأشخاص القريبين من المستويات الروحيّة، فعددهم قليل على أيّ حال، ويمكننا فقط قياس طاقة سحرة المستويات المرتفعة كلّ حين وآخر من أجل التأكّد ممّن بلغ المستوى الرابع عشر أوّلا."

"ألا يمكننا فقط النجاة بهذه الطريقة بينما ننمّي قوّاتنا إلى أن يحين الوقت المناسب حيث يكون لدينا عدّة سحرة بالمستوى الرابع عشر قادرين على حماية هذا العالم بعدما يصبحون سحرة روحيّون؟"

"أرى أنّ هذه الطريقة ستكلّفنا أقلّ خسارة."

كان الجنرال مقنِعا بكلامه كثيرا.

تنهّد الكبير أكاغي وقال: "قد يمكننا النجاة لبعض الوقت، لكنّنا لا نعلم متى يحلّ علينا خطر أعظم. أليس علينا الإسراع في الاستعداد للخطر الأكبر بمواجهة الخطر الأصغر؟"

"خطر أعظم؟" تساءل الجنرال ثمّ فكّر قليلا ففهم عمّا يتكلّم الإمبراطور أمامه: "ما نعلمه حقّا هو ظهور ذلك الخطر قبل سنة وعدم حدوث أيّ شيء خطير لعالمنا. كلّنا نعلم عن تلك الكائنات المرعبة التي ظهرت قبل ستّة عشر سنة وقبل عام، لكن على عكس المرّة الأولى فالمرّة الثانيّة مرّت بسلام."

"ولهذا، إن كنت سأراهن فسأختار عدم مواجهة الخطر الأكيد بدل جلبه لأنفسنا على حساب الاستعداد لخطر غير أكيد."

كاد الكبير أكاغي يحنق على الرجل أمامه، لكنّه ذكّر نفسه بأنّ كلّ واحد هنا يحاول إيجاد الطريقة الأفضل لنجاة عالمهم وذلك الجنرال ليس باستثناء. عاد إلى رشده بسرعة وقال: "الخطر الأعظم أكيد لا محالة، ما ليس أكيدا هو وقت مجيئه، ولهذا علينا الاستعداد له جيّدا، فمن يعلم، قد يكون حتّى غدا."

"وأيضا، هناك بعض الوسائل التي سنستخدمها لحماية الناس، لذا يجب عليكم وضع هذا في الحسبان."

تكلّم الجنرال بحسم: "بصراحة، لو أتى مثل ذلك الخطر الأعظم عمّا قريب فلا فرصة لنا أمامه حتّى، لذا يجب علينا ألّا نعمل بـ'الغاية تبرّر الوسيلة'. يجب علينا حماية ما هو أمام أعيننا وترك المستقبل للمستقبل."

"وهل يمكن لسيادتك إعلامنا بهذه الوسيلة التي ستحمي ناسنا؟"

وقف الكبير أكاغي فوقف الإمبراطوران الآخران أيضا، وقال: "في الواقع، يتكلّف قائد جيوشنا الأعلى بهذا الأمر ولا علم لي عنه. أمّا عن كلامك الأسبق فـلك رأي يا أيّها الجنرال لورنس، وأظنّ أنّه يوجد من مثلك. من له رأي آخر فليبده، غير ذلك، من يوافقْني يرفعْ يده اليمنى، من يوافقْ الجنرال لورنس يرفعْ يده اليسرى. لا يمكنني أن أفكّر في طريقة أعدل من هذه. أأنت راض؟"

أومأ الجنرال لورنس رأسه وانحنى قليلا: "لك خالص شكري يا سيّدي."

رفع الحاضرون أيديهم، فنظر بعضهم إلى بعض ليروا النتيجة، فكانت الغلبة بكلّ وضوح لجانب الكبير أكاغي. من بين أكثر من ثلاثين شخص، فقط ستّة أشخاص رفعوا أيديهم اليسرى.

كان الجنرال لورنس متفاجئا للغاية، لكنّ ما صدمه أكثر كانت يد الإمبراطور أزهر هاكوتشو اليمنى المرفوعة. لم يستطع أن يتحمّل الأمر وصرّح مع احتفاظه بنبرة الاحترام: "كان الإمبراطور المبجّل الراحل ليرفع يده اليسرى."

كان أزهر زهير أخو إمبراطور الأمواج الهائجة حاضرا، لذا غضب لمّا سمع هذا الكلام وهاج: "كيف لوقاحتك ان تبلغ هذ..."

رفع الإمبراطور أزهر هاكوتشو يده اليسرى، لكنّها كانت لإيقاف أخيه. نظر بعد ذلك إلى الجنرال لورنس وقال بعزم: "لك الحقّ يا أيّها الجنرال. لربّما كان والدي المبجّل ليرفع يده اليسرى، لكنّه سيكون والدي قبل الالتقاء بشخص عظيم يسمّى باسل، أمّا عن والدي الذي التقى بهذا الشخص، فأنا أؤكّد لك أنّه كان ليرفع يده اليمنى."

عبس الجنرال لورنس لمّا سمع اسم باسل. حسب ما استنتج، فلابدّ من أنّ كلّ هذا يحدث بسبب تأثير ذلك الشخص. حتّى أنّ الإمبراطور كريمزون أكاغي بنفسه لا يعلم عن تلك الطريقة التي ستحمي أناسهم ولكن ذلك الشخص باسل يعلمها. لقد كان هو مصدر كلّ هذه الفوضى.

صرّح الكبير أكاغي: "وبهذا ينتهي اجتماعنا اليوم، غدا سنبدأ استعداداتنا من أجل هذه الرحلات المتفرّقة."

شدّ الجنرال لورنس قبضته من الحسرة وعض شفته بينما يفكّر: "نعم، هذا كلّه خطؤه. منذ ظهوره في عالمنا والحال يسوء. منذ أن ظهر والعالم في فوضى. لقد انقلب العالم رأسا على عقب بسبب باسل ذاك."

***

من تأليف Yukio HTM

لقد أجاب بعضكم عن السؤال السابق إجابة صحيحة ^_^

سؤال الفصل: بعد التلميحات السابقة، ماذا قد يكون مستوى باسل؟"

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/05/18 · 914 مشاهدة · 1771 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024