220 - عقاب

لقد استخدموا أحد أفضل هجماتهم من البداية فتحطّمت ثقتهم الكبيرة بسرعة، ومع ذلك كان فاستريم لورنس لا يزال محافظا على رباطة جأشه فاستخدمها ليرفع معنويات رفقائه.

"لا داعٍ للقلق؛ لابدّ وأنّ هناك حيلة ما استخدمها، ومن المفترض أن يكون هناك حدود لها. يجب علينا التفكير بمنطقيّة أكبر. إنّه في المستوى التاسع فقط ولا يجب أن يظهر سليما معافا بعد هجومنا المشترك."

كانت كلماته منطقيّة وأعادت الخمسة الآخرين إلى رشدهم بسرعة. لقد كان المشهد صاعقا فجمّدهم في أماكنهم لكنّهم اتّفقوا مع فاستريم لورنس واستعدّوا مرّة أخرى لشنّ هجومهم.

لاحظ باسل أنّهم يريدون تنفيذ نفس الهجمة السابقة، فلوّح يده وقال باسترخاء: "هذا مملّ. لقد أخبرتكم أن تخرجوا كلّ ما لديكم."

توتّر الستّة وغضبوا بعد استفزاز باسل، فسخّروا غضبهم ذاك لزيادة قوّة هجمتهم حتّى أخرجوا كلّ ما لديهم حقّا هذه المرّة، فإذا بتنّين متكوّن من كلّ عناصرهم يرفرف بأجنحته في السماء ويجعل الطبيعة تصرخ من التناقض المخلوق منه.

ساح ظلّه فانقسم إلى العشرات، فكان هناك عشرات التنانين تطوف وتحلّق ذهابا وإيابا مخادعةً العالم نفسه بكونها حقيقيّة فما بالك بأعين البشر. كانت تلك التنانين مثالا حيّا لمخلوقات تسيطر على البرّ والبحر والسماء تحت القمر.

ابتسم باسل متحمّسا أخيرا وتمتم لنفسه: "والآن لنجرّب إلى أيّ مدى يمكن لمثل هذا الهجوم أن يحدثه من ضرر عليّ."

كان من الواضح أنّ غاية باسل في هذا القتال هي اختبار قدرات جسده وعقله وروحه، ولم يضع في الحسبان أولئك الستّة، ولو عنى ذلك شيئا، فسيكون مقدرته على طرحهم أرضا في أيّ وقت شاء.

قطّروا طاقاتهم السحريّة وعصروا خبراتهم كلّها حتّى أنشؤوا هذا الهجوم المرعب. كانوا واثقين من قتل حتّى ساحر بالمستوى الرابع عشر بهذا الهجوم إذا ما حدث وتلقّاه بشكل مباشر؛ فلم يكن هناك مجال ليسلم باسل منه مثل المرّة الماضية.

تزلزلت الأرض تحت باسل وتحوّلت إلى أرض حمم بينما تقترب التنانين، وثقل الهواء فتجمّد وصار قاتلا، وكلّما تقلّصت المسافة بين الطرفين صاحت الطبيعة على شكل موجات صوتيّة قاتلة.

*بووم*

كان الاصطدام شرسا للغاية ومحق قطر ستين متر من المنطقة المحيطة وعمّق المكان الذي اعتاد أن يكون فيه باسل بعشرات الأمتار إلى الأسفل. لقد كان هجوما ساحقا حقّا.

لهث الستّة بصعوبة بعدما نفّذوا هجومهم الأخير، حتّى أنّ بعضهم سقط أرضا على ركبتيه من شدّة التعب بعدما استفرغوا كلّ طاقتهم السحريّة. اتّكأ فاستريم لورنس على سيفه المغروس في الأرض وحدّق إلى تلك الحفرة العميقة منتظرا حتّى يتأكّد من عدم عودة باسل، لكنّ ذلك الوسواس في عقله كاد يصيبه بالجنون؛ علم في قرارة نفسه أنّه كان ينتظر في الواقع عودة باسل.

وكما لو أنّه استجاب له، طفا باسل خارجا من الحفرة بملابس رثّة ومتّسخة بعدما كانت قبل بداية المعركة بيضاء ناصعة، حتّى أنّها كانت متلطّخة بالدماء ممّا جعل نظرة فاستريم لورنس تشرق قليلا قبل أن يسودّ وجهه مدركا الوضع الحالي.

كان باسل كما السابق سليما معافا بالرغم من أنّه تعرّض لأفضل هجوم يملكون.

"مستحيل!"

لم يريدوا أن يصدّقوا ما رأوه وأرادوا لو كانوا يحلمون، حتّى أن أحدهم صدّق أن هذا مجرّد حلم حقّا وبدأ يتمتم لنفسه بذلك.

"مستحيل؟" كرّر باسل الكلمة وراء فاستريم لورنس، ثمّ قال بهدوء: "وما المستحيل إلّا تعريف لما لا يمكنك فعله في وضعك الحالي. المستحيل عندي مؤقّت وليس مطلقا."

تقدّم باسل بثبات وكلّ خطوة منه أثقلت على قلب الستّة، فاحسّوا كما لو أنّ وحشا لا يُقهر يستهدف حياتهم لا شابّا، وندم بعضهم على اليوم الذي عزم فيه على شيء كهذا.

صرخ أحدهم: "لقد كنّا جهلة، ووجب علينا السمع والطاعة عندما استطعنا."

انكسرت عزيمتهم وعلموا أن موتهم قادم لا محالة. حتّى لو لم يطلق الشابّ نيّة قتله تجاههم كانت عيناه عازمتين على ذلك. شعروا بملك الموت يطوف حول أرواحهم وقيّد سبل هربهم.

وصل باسل أخيرا إلى فاستريم لورنس، فاستجمع هذا الأخير ما لديه من قوّة وانقضّ على عدوّه، لكنّ سيفه طار بعيدا ووجد نفسه معلّقا في الهواء تحت رحمة قبضة باسل وقوّته التي ختمت تحرّكه بأيّ وسيلة.

حملق إلى عينيْ الرجل وأومأ قبل أن يصرّح: "عينان جيّدتان. تحت هذا الضغط وما زلت متشبثا بمبادئك وفخرك كمحارب. لك مدحي واحترامي."

ابتسم فاستريم لورنس وأجاب ساخرا: "لا مفرّ، فإنّه حقّ الفائز أن يثرثر بالكلمات المتفاخرة."

"هاهاها." ضحك باسل بصدق وأجاب: "قسما، صدقت. والآن، يمكنني عدّك مستعدّا."

أغمض فاستريم لورنس عينيه وردّ: "ما كنت لأكون هاهنا لو لم آتي مستعدّا منذ البداية. افعلها!"

ضغط باسل بقبضته، وفي اللحظة التي شعر فيها فاستريم لورنس بروحه تزهق منه، تردّد صدى صوت من بعيد: "توقّف أرجوك."

كان الصوت مألوفا فعلم باسل صاحبه، لذا حدّق بعيدا وبالضبط إلى صاحب الصوت الآنف. أجاب تاركا قبضته مشدودة على عنق فاستريم لورنس بنفس القوّة التي بلغتها قبل أن يصدر ذلك الصوت: "يا أيّها الكبير أكاغي، أقطعت طريقا طويلا إلى هنا حتّى تنقذ حياة هؤلاء؟ لا أحتاج أن أشرح ما فعلوه، أليس كذلك؟"

ظهرت صورة الكبير أكاغي من فوق إحدى الجبال المحيطة، فردّ مستخدما مكبّر الصوت كما فعل سابقا: "لقد خانوا إمبراطوريْهم وإمبراطوريتيْهم، لقد خانوا عالمهم، وأكثر من ذلك، تجرّؤوا وأقدموا على محاولة إطفاء شعلة أملنا الوحيدة. أعلم تمام العلم عن جريمتهم، ومع ذلك أناشدك أن تغفر لهم."

ظهر الإمبراطوران الآخران وكانت مشاعرهما واضحة على وجوههما. ومع ذلك، سأل باسل مرّة أخرى: "ما الفائدة من تركهم أحياء؟ لقد تحدّثت بنفسك عن جرائهم، فماذا يمكن لهؤلاء أن ينفعوا هذا العالم به؟"

تحسّر الأباطرة لما آلت إليه الأمور، لكنّهم أتوا عالمين أنّ هذا سيحدث، وأنّ عليهم إقناع باسل بأيّ طريقة لتجنّب إعدام هؤلاء على يده؛ فلو حدث وأجهز عليهم، سيكون هناك ردود فعل قاسية من ناس هذا العالم وقد يبدؤون في الخوف منه عوض تعليق آمالهم عليه، ولذلك عواقب وخيمة على تطوّر هذا العالم.

يتقدّم العالم الواهن حاليا بسلاسة لأنّ ناسه مؤمنين بمقدرة باسل على إنقاذهم، ولكن إن بدأ يعدم في الجنرالات مهما كان السبب، فستولد بعض المخاوف ويتراجع نموّ العالم؛ سيظهر العديد من الأشخاص الذين لا يريدون اتّباع الطريق الذي سيمهّده لهم.

ردّ الكبير أكاغي بعدما قرّر: "يمكنهم أن يصبحوا عبيدا لعالمنا ويفنوا حياتهم من أجله."

"أمم... مثير للاهتمام." أومأ باسل وقال: "أكمل من فضلك يا أيّها الكبير."

بادله الكبير أكاغي الإيماء وقال: "في رأيي، أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي جعلهم عبيدا لأكاديميّة الاتّحاد العظمى؛ يدرّبون ويتدرّبون فيها؛ يجمعون الموارد اللازمة لها؛ يقاتلون أعداءها؛ يكونون في الجبهة الأماميّة بمواجهة أخطارها."

ابتسم باسل وحدّق إلى فاستريم لورنس قبل أن يفكّ القيد عنه وتركه يسقط على الأرض. كان ذلك موافقته على اقتراح الكبير أكاغي، لكنّه لم يكتف بالشرط المطروح فقط وأضاف شيئا آخر له: "اليوم نجوتم، والفضل يعزو إلى أباطرتكم، فلهم كونوا ممتنّين، وللعالم خادمين. ولكن بما أنّكم أشخاص تحبّون الاجتهاد كما سلف ورأينا، فلكم مكافأة أخرى؛ ستكونون في الجبهة في الرحلة إلى قارّة الأصل والنهاية وتمهّدون الطريق. أو لستم راضين؟"

حملق فاستريم لورنس إلى باسل وقال متجهّما: "لماذا لم تجهز علينا؟"

استدار باسل ووضع يديه خلف ظهره مغادرا، ثم أجاب: "بدل سؤالك هذا، يمكنك تقديم امتنانك الخالص لأولئك الأباطرة الذين ظننتهم لعبة في يدي، فلربّما كنتم لتكونوا في عداد الموتى لولاهم."

شدّ فاستريم لورنس قبضتيه حتّى سال الدم من راحتيْ يديه، وضرب على الأرض من الحسرة. هل حقّا ما يقوله هذا الشابّ هو الأفضل لعالمهم؟ أيجب فعلا أن يعلّقوا عليه كلّ آمالهم؟

تنهّد ثمّ تمتم لنفسه: "لربّما كنت خائفا فقط منه ومن فكرة اعتمادنا الكلّيّ عليه؟"

اتّجه باسل إلى أوبنهايمر فرانكنشتاين وصرّح: "لقد حصلت على ما أردت ولم يعد هناك حاجة للبقاء هنا؛ سوف نغادر غدا بعدما أنهي بعض الأعمال مع القبائل."

كان العالم المجنون عابسا طوال الوقت ولم يشأ أن يفكّر في شيء آخر غير قدرات باسل الجسديّة والعقليّة والروحيّة المبهرة، فأراد أن يعلم سرّها مهما حدث، حتّى أن بعض الأفكار الخطيرة تملّكته وظهرت على تعبيراته، فاتّسع فمه كثيرا وبرُزت عيناه واسودّ وجهه، قبل أن يسترجع ملامح وجهه الطفولي بسرعة.

نظر باسل إليه شزرا فامتدّ وهج من عينه تجاه أوبنهايمر فرانكنشتاين، جاعلا قلبه يضطرب. لقد كان ذلك تحذيرا جليّا من باسل، فعلم العالم المجنون أنّ الشابّ القرمزيّ قد لاحظ وقرأ أفكاره الخطيرة تلك.

"همم..." استهجن ثمّ سأل: "إذن، ما وجهتنا هذه المرّة؟"

ردّ باسل بهدوء: "سنذهب لنحرّر الفتاة من سجنها أوّلا، وبعد ذلك نجوب العالم و'نصنع أشياء'."

"هوه!" اهتمّ العالم المجنون بموضوع الفتاة فقال: "إذن، لقد حصلت على الأداة المتطلَّبة."

"صدقتَ."

تحرّك الاثنان في اتّجاه الأباطرة وألقيا التحيّة عليهم ثمّ تشاركوا بعض الكلمات قبل أن يتّجها إلى عشيرة الغبراء المظلمة.

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين يحملق إلى باسل طوال الوقت، لكنّه لم يكن بسبب اهتمامه بقدرات باسل الخاصّة حاليا، وإنّما بسبب تفكيره في أمر معيّن جعله يتساءل: "أنت، تعلم أنّني لم أتفق على أن أكون تابعا لك، صحيح؟"

ابتسم باسل بعدما التفت إليه وأجاب: "طبعا، طبعا. هل ربّما جعلتك تحسّ بالنقص؟ أعتذر عن ذلك فلم أقصد التأمّر عليك، وإنّما هي عادة عندي الآن بما أنّني صرت قائدا وكذا... أنت تعلم. هوهوهو."

انزعج الشابّ كثيرا من تصرف باسل المستفزّ، بالرغم من أنّه يعلم أنّه يفعل ذلك عمدا، إلّا أنّه حقّا لا يستطيع طوقه.

"آه، لقد علمت عندها أنّ حياتي ستكون مزعجة من آنئذ فصاعدا."

"هوهو، لا قلق. لن أسمّيه دينا، فهذا لا يوجد في علاقتنا، لكن تذكّر أنّني لا أنسى الجميل، خاصّة."

تجاهله العالم المجنون وأكملا الطريق. كانت علاقتهما معقّدة نوعا ما، ولم يعلم عن ماهيتها في هذا العالم سواهما. أمكن الغريب تفسيرها بعدّة طرق، لكنّه لم يكن ليعلم أيّها أقرب للصحّة.

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/07/17 · 827 مشاهدة · 1454 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024