230 - حبّة الولادة الجديدة السحريّة

230 – حبّة الولادة الجديدة السحريّة

سقط الجنرال منصف على ركبتيه بينما ينظر إلى باسل في السماء، بردائه المرفرف وهالته الغامرة. وكما لو كان طفلا قد رأى أباه الذي اشتاق له، غمرته سعادة لا توصف فتغرغرت عيناه بالدموع. عجز عن قول أيّ شيء وفقط سمح لدموعه أخيرا أن تتدفّق على وجنتيه.

كذلك الطفل الذي تعرّض للتّنمّر حتّى جاء أباه فارتاح فقط لأنّه قد أتى، واثقا أنّ الأمور كلّها ستصير أفضل الآن.

"هل حقّا هذا أنت أيّها الجنرال الأعلى؟"

لم يكن مظهر باسل الذي حقّا تغيّر في وقت وجيز هو المقصود، بل حقيقة وجوده هنا كانت مشكوكة؛ كيف يمكن لشخص كان من المتوقّع أن يظهر بعد أسبوع أو عشرة أيّام أن يظهر الآن؟

حدّق باسل إلى جهة الهجوم المشترك بين الجنرالات الأربع في جهة الوحوش السحريّة طوال الوقت، واجاب دون أن يزيح نظره عنه: "لا أعلم كم باسلا يوجد في عالمنا، لكن لا أظنّ أنّه يوجد باسل آخر بمواصفاتي. بالفعل، أنا باسل، جنرال إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة الأعلى."

حدّق السحرة إليه باهتمام شديد؛ نظروا إلى الشابّ الذي سمعوا عنه إشاعات لا تُحصى، ومن كان منهم يعلم عن شكله فيما سبق نظر إليه بحلّة جديدة متعجّبا.

الشابّ الذي قهر عائلة غرين وأعاد عائلة كريمزون إلى الحكم في غضون شهور. الشابّ الذي أوقع بالقاضي الأكبر بمكايده بمساعدة أميرة الشعلة القرمزيّة وقبض على أتباع حلف ظلّ الشيطان. الشابّ الذي أزال خطّ الجون بين العالم ووكر الوحش النائم. الشابّ الذي كان له الفضل الأكبر في القضاء على حلف ظلّ الشيطان.

هو الشخص الذي ساهم بشكل كبير في تجريم العبوديّة ومحاربتها وبناء أكاديميّات سحر عديدة لا تعرف معنى التمييز بين المواهب المنضمَّة، وهو الشخص الذي فكّر في إنشاء أكاديميّة الاتّحاد العظمى كقوّة مستقلّة هدفها حماية العالم الواهن لا غير.

كانت هناك قصائد وأشعار تُلقى على الشابّ في أنحاء العالم كأسطورة حيّة. انتشرت كلّ ملاحمه فأصبحت مسرحيّات يُستمتع بها وأغاني يُتغنّى بها. لعب الأطفال دور بطل البحر القرمزيّ وظلّ الشيطان وتقاتلوا في معارك وهميّة.

جنرال إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة الأعلى، بطل البحر القرمزيّ، سيّد أكاديميّة الاتّحاد المباركة غير المتوّج، الطفل المبارك، حامي العالم الواهن، الطفل المعجزة، أقوى رجل في العالم الواهن.

تعدّدت الألقاب في أنحاء العالم الواهن، فجعلت الناس تتساءل في صحّتها. هلّ حقّا يمكن لفتى، لشابّ في عمر صغير أن يحقّق كلّ هذا؟

ما لم يعلمه كلّ هؤلاء الناس هو وجود شخص عظيم وراءه، شخص كسب احترام العوالم الأساسيّة، كبيرا أم صغيرا كان، وحتّى الشياطين هابته. شخص سعى العديد من العباقرة لكسب فرصة تلقّي توجيهاته وشرف تعليمه.

بلع الجنرال فروستويف ريقه ثمّ نظر إلى باسل غير مصدّق للأمر. هل أتى حقّا؟ هل فعلا جاء ليواجه الموت معهم هكذا؟ كيف لشخص مثله أن يوجد؟

"هل شككت في شخص مثله؟"

لم يرد أن يفكّر في ما فعله الليلة الماضية. شخص يأتي هرعًا من أجل المقرّبين منه وأتباعه حتّى لو عنى ذلك مقاتلة الموت لا يمكن أبدا أن يكون باردَ دمٍ يضحّي بهم من أجل غاياته.

ابتسم وقال: "حتّى لو عنى ذلك الموت عدّة مرّات، فسأموت وأموت بغض النظر عن العدوّ، فقط لو عنى ذلك أنّه يمكنني القتال مع شخص عظيم مثله."

لقد كان هذا فخر المحارب، وشرف الفارس؛ فكيف لأبطال مثلهم ألّا يفكّروا بهذه الطريقة الشجاعة؟ كيف لهم ألّا يسلّموا حيواتهم إلى قائد كفؤ؟

"لو عنى الموت الآن القتال جنبا إلى جنب مع الجنرال الأعلى، فهمّ إليّ أيّتها الوحوش اللعينة!"

"ذلك صحيح، جنرالنا الأعلى قطع كلّ الطريق إلى هنا، فهيّا نري هذه الوحوش الحقيرة الجحيم!"

"إذن هذا هو بطل البحر القرمزيّ، بطل الأبطال."

"سنتبع السيّد الشابّ باسل ولو إلى الجحيم!"

"مرنا وقدنا يا أيّها الجنرال الأعلى من فضلك."

لم تتوقّف الهتافات بعدئذ كما لو أنّ اليأس الذي واجهوه قبل قليل قد اختفى، بالرغم من أنّ وضعهم لم يتغيّر كثيرا.

صرّح الجنرال فروستويف: "هذه قدرة القائد العظيم؛ فقط بحضوره أحيا الروح المعنويّة للجيش بأكمله بالرغم من أنّ مصيرنا لم يتغيّر."

وقف الجنرال منصف ثمّ قال بصوت يخلو من التردّد: "أيّها السيّد الشاب باسل، ما أوامرك؟"

لم يلتفت باسل كالعادة وظلّ ينظر إلى جهة العدوّ، ثمّ ردّ بهدوء: "حسنا... لمَ لا تبتعدوا عنّي وتركّزوا على الوحوش السحريّة التي تمرّ عبري؟"

كانت الوحوش السحريّة كلّها قد تراجعت لجهة الوحش البعيد الذي يتحكّم فيها كلّها، وذلك من أجل تنفيذ العقاب الوحشيّ.

"إيه؟" تعجّب الجميع من الأمر.

شكّك الجنرال فروستويف في صحّة ما سمعه فتأكّد بسؤال: "هل تخبرنا أن نتركك تواجه الوحوش بنفسك؟"

أجاب باسل ببرودة: "صحيح ما سمعت. سأبذل كلّ ما في وسعي لذا لا أريد من أحدكم التورّط في ذلك."

استشعر الساحة ولاحظ أنّ هناك عشرة جنرالات متبقّين بعدما مات اثنين. أخرج كيسا بحجم اليد ورماه ناحية الجنرال منصف، ثمّ قال: "هذه حبوب طبّيّة يمكنها علاج إصابات بعض الجنرالات ومن تبقّى من السحرة المكلّفين بالحاجز الأثريّ وتعزيز قدراتهم. للأسف، لديّ سبعة منها فحسب."

تعجّب الجنرال منصف: "ولكن، لقد استخدمنا إكسيرات التعزيز في المعركة بالفعل، ألن يكون ذلك ضارّا؟"

فعلا كانت هذه المسألة. فقط أمثال باسل من أمكنهم تعاطي إكسيرين دون وجود فارق زمنيّ كبير بين تعاطيهما، فكيف لهم ألّا يتساءلوا؟

لوّح باسل بيده قبل أن يقول: "فقط افعلوها وركّزوا على تجديد الحاجز. ستفهمون عندما تتعاطونها." كان قد لاحظ آثار الحاجز الأثريّ المدمّرة، لذا أراد من ذلك أن يُصلح بينما يكسب لهم وقتا.

لم يكن هناك وقت للمزاح أو تجربة الأشياء، وهم علموا جيّدا أن باسل يعرف عواقب تعاطي إكسيرات دون فارق زمنيّ كافٍ بينها، لذا لا يمكن أن يفعل شيئا كذلك.

فتح الجنرال منصف الكيس فغُمِر بالرائحة الطبّيّة والمنعشة والغنيّة بالطاقة السحريّة المعالجة. كانت هذه الحبوب قرمزيّة اللون؛ لقد كانت حبوب الولادة الجديدة السحريّة! سبعة منها!

"ما هذه؟!" تعجّب الجنرال منصف والجنرال فروستويف من تلك الأشياء. لقد كانت غامضة لحدّ كبير ولم يريا شيئا بتلك الروعة.

كانت الحبوب القرمزيّة متألّقة وغنيّة بالحياة، وتبدو كما لو أنّ تعاطيها سينقذ الشخص من الموت.

كان باسل قد صنع هذه الحبوب في الأشهر التي تنقّل فيها مع العالم المجنون بعد إنقاذ صفاء، وذلك من أجل استخدامها في حالات عويصة. لم يكن يتوقّع أنّه سيضطرّ لاستخدامها الآن في الواقع.

تجمّع الجنرالات العشرة واتّفقوا على أن يتعاطى هذه الحبوب من لديه أكبر خبرة في النقوش الأثريّة إضافة إلى الاثنين الناجييْن من المختصّين في صنع الحواجز.

بالطبع كان للجنرال منصف الخبرة الكبرى هنا في النقوش الأثريّة بين الجنرالات، وتبعه الجنرال فروستويف، ثمّ جنرال جديد من الشعلة القرمزيّة، وآخر من الريّاح العاتيّة، والجنرال لورنس من الأمواج الهائجة.

تقرّر الأمر على هؤلاء الخمسة والاثنين المتخصّصين في النقوش. هذان المتخصّصان كانا حدّاد وكيميائيّ، وكلاهما امتلك الطاقة السحريّة الخالصة فقط، ولكن بسبب ذلك، فقد كانت سرعة نموّهما كبيرة للغاية وبلغا المستوى الرابع عشر بالفعل.

لقد كانا من أفضل الحدّادين والكيميائيّين في العالم الواهن، لذا مردوديّتهما لم تكن محلّ شكّ.

بلعوا كلّهم أرياقهم بينما يحدّقون إلى الحبوب في أيديهم. فقط بحملها شعروا بالراحة واستقرار بحار أرواحهم.

بلعوا الحبّة القرمزيّة فسطعت أجسادهم وارتفعت هالاتهم وطاقاتهم السحريّة إلى السماء.

"ما... ما الذي يحدث؟"

نظر السبعة إلى أيديهم بينما يشاهدون الجراح من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم تُشفى بسرعة غير منطقيّة. حتّى بمعاونة سحرة العلاج وإكسير العلاج، لم تكن سرعة علاجهم لتكون هكذا. كان ذلك صادما!

"كيف؟" تساءل الجنرالات: "وبدل أن نشعر بالضغط على بحار أرواحنا، نحسّ بالرخاء والاستقرار، حتّى أفضل ممّا كنّا عليه في أفضل حالاتنا."

"غير معقول، بتاتا!"

ابتسم باسل بينما ينظر إلى البهجة على وجوه السبعة، لكنّه أوحى بتعبيراته أنّه ما زال ينتظر شيئا آخر.

*انفجار*

كما لو أنّ أجسادهم تفجّرت، فارت بحار أرواحهم بالطاقة السحريّة فجأة وكلّهم، في نفس الوقت، شعروا بذلك التغيّر المرعب.

نظروا إلى أنفسهم بتعجّب بينما يحاولون تحليل ما حدث للتوّ.

تساءل المحيطون بهم: "هل لتلك الحبوب الغامضة مفعول إكسير التعزيز أيضا؟"

فعلا، ارتفعت مستويات السبعة كما لو أنّهم تعاطوا إكسير التعزيز.

"لا!" بلع الجنرال فروستويف ريقه بصعوبة حتّى سُمِع لعابه ينزل في حلقه، وأكمل بينما يحدّق بتعبيرات الخوف إلى باسل: "هذا ليس مجرّد إكسير تعزيز، هذا... هذا...!"

لم يستطِع أن يقول ما كان الأمر من شدّة رعبه وصدمته.

حدّق الجنرال منصف إلى باسل بعينين متّسعتين، فحتّى هو لم يكن يعلم أنّ باسل لديه شيئا كهذا.

"لقد... لقد اخترقنا لمستويات عليا!"

صرّح أخيرا بذلك بصوت مرتجف. هناك شيء في هذا العالم يمكنه رفع مستوى الساحر هكذا؟ ما المعنى من التدريب والمعاناة أمام شيء كهذا؟

وبالطبع، لم يكن هناك شيء كهذا دون أن يكون هناك شروط وحدود، ولكن مع ذلك يبقى الأمر مرعبا.

نطق جنرال الريّاح العاتية. كان أحد أولئك الذين عاقبهم باسل بالمجيء إلى هنا: "لقد بلغتُ المستوى الثاني عشر فعلا! لقد كنت لتوّي منهكا تماما وفي المستوى العاشر فحسب!"

كرّر وراءه رفيقه، الجنرال لورنس: "نفس الشيء حدث معي! لقد بلغت المستوى الثالث عشر!"

كان كل الجنرالات هنا في المستوى العاشر، إلّا الجنرال منصف الذي كان في المستوى الثاني عشر، والجنرال فروستويف والجنرال فاستريم لورنس اللذين كانا في المستوى الحادي عشر.

حدّق بعض الثلاثة إلى بعض كما لو كانوا يحاولون تأكيد مستوياتهم.

سأل الجنرال منصف أوّلا: "هل حقّا بلغت المستوى الرابع عشر؟"

لم يجبه الجنرال فروستويف وسأل مثله فقط: "هل حقّا بلغت المستوى الثالث عشر الآن؟"

أكمل الجنرال لورنس سلسة الأسئلة: "كيف يمكن أن أبلغ المستوى الثالث عشر؟"

اخترق جنرال الشعلة القرمزيّة الجديد إلى المستوى الثاني عشر وكان مدهوشا مثل الآخرين.

أمّا عن الحدّاد والكيميائيّ، فقد بلغا قمّة المستوى الرابع عشر بعدما كانا في القسم الأوّليّ منه وكسبا قدرا هائلا من الطاقة السحريّة الخالصة التي تتجاوز المستوى الرابع عشر نفسه.

كانت هناك إجراءات مهمّة يجب على الشخص المرور بها قبل أن يدخل إلى المستويات الروحيّة، وذلك لم يكن يتحدّد بكمّيّة الطاقة السحريّة كالشرط الحاسم. وأكثر من ذلك، كان حال سحرة الطاقة السحريّة الخالصة مثل حال الوحوش السحريّة التي انتظرت العالم حتّى يصير روحيّا قبل أن تستطيع الاختراق إلى المستويات الروحيّة.

صُدِم الحضور بأجمعه ونظر إلى السبعة كمخلوقات نادرة.

"يا إلهي! يا ربّاه! فقط ما الذي نشهده؟!"

ولكن سرعان ما تغيّرت وجهة نظراتهم التي وجّهوها إلى المخلوقات السبعة النادرة إلى جهة باسل، إلى جهة الشخص الذي تسبّب في كلّ هذا.

ضحكّ السبعة ضحكات متقطّعة من التوتّر فتبعهم بذلك الجميع حتّى أصبحت أصواتهم هتافات، فحواها: [يحيا بطل الأبطال، باسل!]

نظر بعضهم إلى بعض ثمّ تساءلوا عن بعض الأشياء.

"انتظر... لا تقل لي... هل فهمنا الأمر بشكل خاطئ حتّى الآن؟ هو... إنّه... هو لم يأتِ إلى هنا ليموت معنا!"

بدأ السحرة يرون الأمل من جديد بعد الحدث الصادم؛ لقد كسبوا لتوّهم سحرة بالمستوى الثاني عشر فما فوق، سالمين معافين. هل حقّا يمكن تغيير النتيجة المحتومة؟

"لقد أتى حقّا حتّى ينقذنا!"

نظر الجنرال منصف إلى باسل، متطلّعا. لسبب ما، كان يعلم في أعماق قلبه أنّ الأمور ستؤول إلى هذا المنحى مذ ظهر باسل. لم يكن ذلك حدسا فارغا، بل كان مبنيّا على خبراته مع الشابّ القرمزيّ في كلّ الأوقات الماضية.

لقد كان قريبا من باسل لمدّة طويلة وظنّ أنّه رأى ما يكفي من عجائبه، لكنّه اليوم شاهده يظهر من اللامكان ويمنحهم هذه الحبوب المعجزة. ألا تنتهي مفاجآته؟

رضي باسل بالنتيجة التي حقّقتها حبوب الولادة الجديدة السحريّة، وتحمّس أكثر عندما فكّر في الوقت الذي يصنع فيه النسخة الروحيّة منها. لربّما كان الشخص الأوّل في تاريخ العوالم الروحيّة الذي يصنع هذه الحبّة.

وبالطبع كانت هذه الحبوب معجزة، فكيف لا وهي قد صُنِعت عبر رائحة وعبير تمر الحياة الجديدة كجوهر لها، عبر رائحة الكنز الأسطوريّ الذي يسيل لعاب الهرمى المقموعين حتّى.

فلو قورِن بـ'الفنون الساميّة الأربعة عشر' من الأساطير والخرافات، فبالتأكيد هو يقف على نفس المنصّة معها أو ربّما أكثر حتّى!

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/10/10 · 668 مشاهدة · 1783 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024