251 – ذلك الشيطان

(سعيد لأنّ خواتم التخاطر تعمل الآن، يبدو أنّ غدوّ عالمنا عالما روحيّا لم يؤثّر على عملها.)

تحدّث الجنرال رعد عبر خاتم تخاطره مع شخص ما. بدا سعيدا للغاية أنّه لم يواجه مشكلة في الاتّصال بمن يريد، وكان أسعد بعدما سمع الشخص الآخر يقول له: (لقد اتّصلت بسيّدي تشارلي ويبدو أنّه والعاصمة بخير وعلى ما يرام.)

كان هذا هو الجنرال براون، معلّم الجنرال رعد وتلميذ الجنرال تشارلي.

(هذا مفرح حقّا، انتظر من فضلك...)

قوطعت محادثة الجنرال رعد من تورتش الذي أبلغه بالتالي: "ليس هناك أيّ ضحايا في الأرض المسالمة المباركة، إلّا أنّ هناك من لا يزال فاقدا للوعي وهناك من تلازمه آلام في الرأس، ولكن لا يبدو أنّ هناك خطر على حياتهم. إنّ 'شي يو' و'هيل' يقدّمان المساعدة بعنصر العلاج."

كان هيل من بين الشخصيّات المهمّة حاليا في العالم الواهن، وأتى إلى هنا مرافقا العائلة الإمبراطوريّة للأمواج الهائجة، عائلة أزهر.

ارتفعت معنويّات الجنرال رعد: "حقّا؟ هذا جيّد. الآن كلّ ما علينا أن نأمله هو ألّا يكون هناك ضحايا في مختلف بقاع العالم."

كانت شي يو قد أسرعت إلى المنزل الذي تقيم فيه عائلة باسل وأنمار حتّى تطمئنّ على لطيفة والأُخريَيْن، وكذلك فعل بقيّة قادة التشكيل، وغادر الكيميائيّون والحدّادون للاطمئنان على الأباطرة برفقة الجنرال منصف، وظلّ هنا تورتش والتاجر ناصر برفقة الجنرال رعد فقط.

كان تورتش يريد معرفة ما الذي جعل أنمار تهرع بذلك الشكل، لكنّه كان قلقا على عائلة باسل لذا أرسل الآخرين بينما انتظر عودة أنمار. كان حال التاجر ناصر نفسه، إذ كان مهتمّا للغاية في تصرّف أنمار والجنرال رعد سابقا.

أكمل الجنرال رعد بعد ذلك كلامه مع معلّمه: (يا سيّدي، يبدو أنّ كلّ شيء على ما يرام هنا أيضا. قد يكون بإمكاننا الشعور بالسعادة كما نشاء الآن ونخفّف من شدّة توتّرنا.)

أجابه الجنرال براون بعد صمت وجيز: (لقد انتهى إذن. انتهى التحوّل الروحيّ لعالمنا أخيرا! هل يجب أن نفرح لأنّ هذا الأمر انتهى بدون مأساة أم نفكّر في المستقبل الذي ينتظرنا مجهّزا لنا معارك ضاريّة؟)

(هاهاها،) ضحك الجنرال رعد بصوت مرتفع وقال: (لطالما كنتَ هكذا يا معلّمي، دائما تفكّر في الأخطار القادمة فقط.)

تنهّد الجنرال براون وردّ بجدّيّة: (أولستَ الشقيّ الذي يعامل الأمور برخاء دائما؟ لقد اعتقدت أنّك تعلّمت درسك وأصبحت جادّا، فما بال استهتارك هذا الآن؟)

كانت معنويّات الجنرال رعد مرتفعة حتى أنّه لم يسمح لمعلّمه أن يبدأ بمحاضرته الآن، فقال: (هيّا، هيّا، لا تكن صارما هكذا يا معلّمي. إنّني جادّ ومجتهد طوال الوقت، فأنت يجب أن تعلم ذلك أكثر من أيّ شخص آخر. في ذلك اليوم، عندما جابهنا ذلك الشيطان، تغيّرت حياتي تماما.)

حدّق إلى الأفق وأكمل: (ولكن، ما لا تعلمه يا معلّمي هو، أنّه كما تغيّرت حياتي بلقائي بذلك الشيطان وغرقت في ظلام عميق بسببه، تغيّرت حياتي مرّة أخرى بلقائي بشقيّ قرمزيّ مغرور.)

ضحك الجنرال براون قبل أن يجيب: (هاهاها، ما هذا؟ ما هذا يا ترى؟ أو لم تكن العنيد الذي عارض فكرة الاتّحاد معه وعائلة كريمزون؟ فما هذا الذي أسمعه من فمك؟ هل حقّا تخبرني الآن أنّ السيّد باسل جعلك ترى النور في ذلك الظلام العميق؟)

احمرّ وجه الجنرال رعد وندم على قول ما قال. لقد ذلك بدون أن يشعر أو يكفر فيه كثيرا. قال بسرعة: (لـ-لا، لا تفهمني بشكل خاطئ من فضلك. أعني فقط أنّ وجود شقيّ مزعج مثله يجعل الحياة مشغولة وينسيك في بعض الأشياء.)

استمرّ ضحك الجنرال براون لمدّة وجيزة بسبب طريقة استجابة تلميذه على إغاظته له، وقال بجدّيّة بعدما اكتفى من الضحك: (ولكن معك حقّ يا رعد، لقد فقدتُ الأمل في ذلك اليوم حقّا وظننت أنّنا ميّتين لا محالة إذا حدث وظهر ذلك الشيطان مرّة أخرى، لكنّني استطعت رؤية الأمل عندما التقيت بالسيّد باسل. في الواقع، لم أهتم أبدا بعائلة غرين آنذاك عندما قرّرت مساعدته، فما جعلني أنضمّ إليه كان هو رغبتي في رؤية ما يمكن أن يصل إليه؛ كانت تلك أمنيّتي الأنانيّة أن أرى شخصا قادرا على الوقوف في وجه ذلك الشيطان الذي لم نكن قادرين على فعل شيء ضدّه.)

ضيّق الجنرال رعد عينيه بينما ينظر إلى الأفق ويفكّر في كلام معلّمه. ابتسم بعد ذلك وقال بينما يحكّ رأسه: (إنّني حقّا تلميذك في نهاية المطاف يا سيّدي.)

فهم الجنرال براون لمَ قال تلميذه مثل هذا الكلام؛ لقد كان الجنرال رعد يشعر تماما مثله لكنّه لم يرِد أن يقول ذلك بشكل صريح.

قال الجنرال براون: (بالمناسبة، أين هو السيّد باسل الذي نتحدّث عنه؟ ألم يصل إلى هناك بعد؟ هل استطعتم الاتّصال به على الأقلّ؟)

(ذلك...)

أراد الجنرال رعد أن يجيب معلّمه لكنّه رأى أنمار عائدة بسرعة، فجعل معلّمه ينتظر مرّة أخرى وأسرع للقائها: "ماذا حدث يا أيّتها الفتاة الشقراء؟"

أجابت أنمار عن سؤال الجنرال رعد مباشرة: "يبدو أنّ شكّنا كان في محلّه... نحن نطفو في السماء الآن."

نزل فكّ الجنرال رعد السفليّ حتّى كاد يصل لصدره. لقد شكّ في الأمر لكنّه ما زال مفاجئا حقّا عندما يسمع أنّه حدث فعلا.

تحمّس بعدما جمع شتات نفسه من الصدمة: "نحن الآن في السماء؟ إذن هذا الضباب، إنّه سحاب! هذا... هذا مذهل! رائع للغاية!"

نظرت أنمار إلى الأكاديميّة ثمّ قالت: "لنتحدّث عن هذا عندما نجتمع بالآخرين، فأنا أريد أن أطمئنّ على عائلتي والآخرين بسرعة."

ابتسم الجنرال رعد: "لا تقلقي، لم يُصَب أحد بأذى. لقد سمعت أن السيّدة لطيفة وأمّك برفقة جدّة الفتى القرمزيّ بخير. أمّا تلك الفتاة الصغيرة، إنّها بخير بجانب أخويها اللذين أسرعا إليها وأبعداها عن ذو الوجه الطفوليّ. أمّا الإمبراطور وعائلته، فلا حاجة لك للقلق بشأنهم، فهم بتمام الخير جنبا إلى جنب مع الشخصيّات المهمّة الأخرى من بينهم الفتاة البيضاء التي التحقت بعائلتها."

نظرت أنمار إلى عينيْ الجنرال رعد مباشرة وظلّت على ذلك الحال لمدّة كافيّة حتّى جعلت الرجل يستغرب ويسأل: "ماذا هناك؟ هل هناك شيء ما على وجهي؟"

ابتسمت أنمار ابتسامة خفيفة كما لو أنّها قد اكتشفت شيئا مثيرا للاهتمام وقالت: "السيّدة لطيفة."

ضيّق الجنرال رعد عينيه وقال: "مـ-ماذا؟"

قالت أنمار مرّة اخرى: "جدّة الفتى القرمزيّ، الفتاة الشقراء، الفتاة البيضاء، الفتاة الصغيرة..."

بدت أنمار مستمتعة.

زاد استغراب الجنرال رعد: "كما قلت، ماذا؟ ما هذا فجأة؟"

حدّقت أنمار إليه بطرف عينيها وقالت: "جدّة الفتى القرمزيّ والفتاة الشقراء والفتاة البيضاء والفتاة الصغيرة، لكنّها 'السيّدة لطيفة'."

فتح الجنرال رعد عينيه على مصراعيهما وفهم أخيرا ما ترمي إليه الفتاة الشقراء. أصبح متوتّرا وأراد أن يقول شيئا: "هـ-هذا... لـ-ليس ما تعتقدين."

ضحكت أنمار واقتربت من الجنرال رعد أكثر وهمست: "لا تقلق، ليس لديّ مشكلة بتاتا، وحتّى باسل لن يكون ضدّ الفكرة إذا كان ذلك سيجعل أمّه سعيدة، ولكن المشكلة تكمن هناك بالضبط، "إن كان ذلك سيجعل أمّه سعيدة". لو اعتقد ولو قليلا أنّك ستكون خطرا عليها ولو بشكل غير مباشر، فلن يقبل أبدا وسيكون ضدّ الفكرة، وخصوصا إذا كانت لا تشعر هي بشيء من جهتك."

وضعت يدها على وجنتها وأغمضت عينيها ثمّ أمالت رأسها قبل أن تقول متحسّرة لكن راضية في نفس الوقت: "فكما ترى، باسلي لديه 'عقدة الأمّ'، وبشكل حادّ."

سرحت أنمار بأفكارها بعيدا لبعض الوقت واحمرّت وجنتاها وبدت تستمتع لوحدها قبل أن تعود للواقع، فتحرّكت للأمام لتصبح بجانب الجنرال رعد وهمست: "حسنا، لا تجعل هذا يحبطك، فلو جعلتها تقع في شراكك، حتّى باسل لن يجد عذرا، لأنّه سيكون بذلك 'هو بنفسه' يقف في طريق سعادتها."

لم يستطِع الجنرال رعد قول شيء، وفقط حدّق إلى هذه الفتاة المرعبة التي استطاعت ملاحظة هذا الشيء بالرغم من أنّه أخفاه عن الجميع.

سألت أنمار: "منذ متى؟"

سمعها الجنرال رعد تسأل فاستفاق من دهشته. لم يحاول المراوغة لأنّه علم أنّ ذلك سيكون مشينا له فقط أمام هذه الفتاة التي تقرؤه كالكتاب المفتوح وأجاب بصدق: "عندما كان الفتى القرمزيّ في تلك البيضة المشعّة الغريبة. لقد ذهبتُ لأرى ما أصابه، والتقيت بالسيّدة لطيفة هناك."

حكّ وجنته بسبّابته بينما يحاول تجنّب التقاء عينيه بنظر أنمار.

أومأت أنمار ثمّ قالت: "لن أسألك عن السبب الذي جعلك تقع في حبّها، لأنّك على الأغلب وقعت في حبّ تلك الابتسامة الحنونة التي في نفس الوقت تبدو حزينة وتجعلك تريد حمايتها وإزالة جزء "الحزن" منها، هذا بدون ذكر جمالها الباهر الذي سيجعل ذلك حتميّا."

"كـ-كـ-كيف عرفتِ هذا؟"

كان الجنرال رعد متوتّرا للغاية.

ابتسمت أنمار وقالت مغمضة العينين: "حدس المرأة."

تحرّكت للأمام لكنّها توقّفت فأضافت: "إنّها حبّك الأوّل، أليس كذلك؟ فوفوفو♪"

تركته مذهولا هناك واتّجهت نحو الاكاديميّة بسرعة. كان مزاجها جيّدا في الواقع؛ فلِوقت طويل، اهتمّت والدتُها ووالدةُ باسل بطفليهما فقط ونسيتا نفسيهما وقيّدتا روحهما بالماضي، لذا شعرت أنمار أنّ هذه خطوة جيّدة يمكنها أن تجعل قلبيْهما يُشفيان قليلا. فلو تقدّمت والدة باسل خطوة للأمام، قد تفكّر أمّها في فعل نفس الشيء أيضا.

ليس كما لو أنّها لا تتفهمّ جرحهما بفقدانهما الحبيب، لكنّهما في نظرها تستحقّان أن تحظيا بالسعادة والهناء لما تبقّى من عمرهما كامرأتين عاديتين. ليس كما لو أنّهما ستنسيان جاسر وأكاي بفعلهما ذلك على كلّ حال. وبالطبع، كلّ هذا يتوقّف عند خيارهما؛ فإن لم تريدا هذا فالأمر ينتهي هناك.

نظر الجنرال رعد إلى أنمار وتنهّد ثمّ أغمض عينيه ورفع كتفيه بينما يهزّ رأسه أفقيّا: "لربّما هي الفتاة الوحيدة التي يمكنها التعامل بشكل مثاليّ مع ذلك الشقيّ المزعج بعد كلّ شيء."

فتح عينيه ليرى أنمار من جديد، ثمّ حاول الاتّصال بمعلّمه مرّة أخرى، لكنّه لاحظ شيئا غريبا يحدث فجأة. لم يستطِع أن يعلم ما هو، لكنّه عندما رأى خيوطا من الضوء تظهر في السماء كاد لا يصدّق عينيه.

تصدّعت السماء كقطعة من الزجاج تعرّضت لصدمة، فبدت التصدّعات كخيوط من الضوء، ثمّ انكسر الفضاء وظهرت شروخ فضائيّة عديدة في السماء.

"مـ-ماذا؟!"

هلع الجنرال رعد فهرع إلى أنمار التي توقّفت أيضا لترى ما كان يحصل.

سأل الجنرال رعد بصوت مرتفع: "مـ-ما الذي يحدث؟! هل تعلمين عن هذا؟ لقد ظننت أنّ كلّ شيء انتهى؟ اعتقدت أنّ التحوّل الروحيّ اكتمل!"

ولكن بالرغم من أنّه سأل بصوت مرتفع، إلّا أنمار بدت لا تفقه شيئا أيضا ومتعجّبة مثله ممّا يحدث.

تمتمت أنمار ولم تقدر على رفع صوتها من الصدمة: "لا أعلم... هذا... كيف لهذا أن يحدث؟ لماذا؟!"

بلعت ريقها وقالت: "حتّى باسل لم يتوقّع هذا... هذا لا يجب أن يحصل أبدا، فلماذا؟ ما الشيء الشاذّ الذي سبّب هذا؟"

فكّرت أنمار لوقت طويل لكنّها لم تستطِع المعرفة، فليس هناك أيّ تفسير منطقيّ لما يحدث أمام عينيها.

راقبت أنمار والآخرين تلك الشروخ الفضائيّة بفارغ الصبر وانتظروا ليعرفوا ما تأثيرها. لقد كانوا حاليا يواجهون "المجهول"، لذا كانوا حذرين بشان التعامل معه.

وكما لو أنّ "المجهول" يتلاعب بقلوبهم وأحاسيسهم، حرص على جعل صدمتهم فريدة ولا مثيل لها، إذْ رأوا قدما تزحف من أحد الشروخ، فاقشعرّت أجسادهم مباشرة.

ارتعبوا فقط من حقيقة ظهور تلك القدم، وليس بسبب أيّ هالة أو نيّة قتل موجّهة نحوهم، لأنّهم كانوا يعلمون أنّ هذا دخيل، وليس أيّ دخيل؛ لقد كان ذلك دخيلا على عالمهم.

تشوّشت أفكار أنمار وازداد ضغط دمها وتسارعت ضربات قلبها، وكلّ ما كانت تفكّر فيه في الوقت الحالي هو شخص واحد، ولسبب ما، كان هو نفس الشخص الذي يفكّر فيه الجنرال رعد أيضا.

بلعت ريقها ثمّ اسودّت تعابيرها لمّا تذكّرت اليوم الذي مات فيه معلّمها.

تذكّرت الشخص... لا... بل الشيطان الذي كان سببا في ممات معلّمها، فصرّت على أسنانها وانتظرت الدخيل حتّى يظهر.

فمجرّد لحظات وجيزة منذ ظهور القدم حتّى ظهور الجسد مرّت عليها كعصور عندما فكّرت في ذلك الشيطان.

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2020/02/22 · 581 مشاهدة · 1736 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024