252 - النجاح في ما لم يسبق لأحد النجاح فيه

252 – النجاح في ما لم يسبق لأحد النجاح فيه

قبل انتهاء التحوّل الروحيّ للعالم الواهن بحوالي ثلاثة أيّام، في قارّة الأصل والنهاية، أو بالأحرى في العالم الثانويّ الذي دخل إليه باسل.

كان باسل مستلقيّا على الأرض بالرغم من أنّ جسده بدا سليما معافى، بينما يراقب 'الرمح الطاغيّة' حالته باستمرار.

"اللعنة، لقد مرّ أكثر من عشرة أيّام يوما وما زال لم يستيقظ. ظننت أنّ حالته تحسّنت عندما تعافى جسده من تلك الجراح القاتلة، لكنّه ظلّ هكذا بعد ذلك لمدّة أربعة أيّام."

كان الرمح يخاطب نفسه: "ولكن حقّا... كيف لهذا البرغوث أن يمتلك مثل هذا الجسد؟ هل ذلك اللعين فعلا هو من كان السبب في امتلاك هذا الغرّ جسدا كهذا؟ إنّ قدراته الشفائيّة تتجاوز قدرة سيّد روحيّ بامتيّاز. لقد كانت تلك جراحا قاتلة لساحر بمستويات الربط لكنّه صمد أمامها، وفوق ذلك تماثل جسده للشفاء في أسبوع فقط."

بالطبع كان السارق الخسّيس السبب الرئيسيّ في امتلاك باسل جسد يجذب طاقة العالم بلا حدود، حتّى أنّ جسده كان مميّزا عن باقي البشر، إذ كان أقوى وسرعة شفائه أكبر ونموّه أسرع؛ كانت تلك إحدى قدرات عشيرة النار القرمزيّة التي توارثها أبناؤها وصارت أقوى جيلا بعد جيل حتّى بلغت كمالها في باسل، ولكن سرعة الشفاء التي شهدها الرمح الطاغيّة لم تكن بسبب السارق الخسّيس، وإنّما اكتسبها باسل عندما ذهب إلى وكر الوحش النائم.

طفا الرمح بجانب باسل بعدما كان مستلقيّا على الأرض، ثمّ اقترب منه وبدا كما لو أنّه يحدّق إليه بعمق، وبدا في نفس الوقت يفكّر لوقت طويل.

تحرّك فجأة بسرعة كبيرة واتّجه نحو باسل مستهدفا إيّاه كما لو أنّه ينوي اختراقه، ولكن فجأة توقّف، لكنّه ليس بإرادته بل لأنّ يدا كان تقبضه وتحرمه من التحرّك.

تكلّم الرمح: "كما توقّعت، إنّك مستيقظ بالفعل يا أيّها الوغد. لماذا تستلقي هناك برخاء؟"

وضع باسل يده على جبهته ثمّ رفع ظهره عن الأرض ليجلس. تنهّد وقال: "لقد استيقظت قبل قليل فقط. لا تكن مستعجلا هكذا."

انزعج الرمح مرّة أخرى: "لقد أخبرتك مرارا وتكرارا ألّا تخبرني ألّا أكون مستعجلا. لماذا أصلا ظللت مستلقيا هناك بعدما استيقظت؟"

ابتسم باسل كما لو أنّه قد رأى الاستجابة التي توقّعها، ثمّ قال: "حسنا، حسنا. لا داعٍ لكلّ هذا الغضب. لقد كنت أراقب ما تفعل فقط."

"أنت..." سخن رأس الرمح حتّى انفجر منه الدخّان وصرخ: "يا أيّها اللعين! وأنا الذي كنت..."

توقّف الرمح فجأة عن التكلّم كما لو أنّه كان على وشك نطق شيء لا يجب عليه قوله.

ارتفعت حافّة فم باسل فقال مبتسما مغمضَ العينين: "مررت بفترة عويصة لمدّة طويلة كما تعلم، لذا كنت بحاجة للترفيه عن نفسي، ولكن من كان يتوقّع أنّك ستكون قلقا عليّ♪"

"سأقتلك!"

صرخ الرمح لكنّه لم يستطِع فعل شيء. فبالرغم من أنّه سابقا حاول مهاجمة باسل إلّا أنّه فعل ذلك علما أنّه لا يستطيع إيذاء باسل الذي يُعدّ سيّدا عليه حاليا، لكنّه أراد أن يؤكّد ما ظنّه –استيقاظ باسل.

"هوهوهو،" ضحك باسل ثمّ وقف: "تعلم تمام العلم أنّ ذلك مستحيل عليك، على الأقلّ حاليا."

استنكر الرمح كلام وباسل وردّ: "همف... سيأتي وقت وأخترقك؛ ليس هناك ما لا أستطيع اختراقه في هذه العوالم. وأيضا، لا تسئ الفهم يا أيّها الشقيّ الكريه، بالطبع كنت قلقا، ولكن ليس عليك، فإنّما كنت قلقا على نفسي. لقد كنت محاصرا هنا لوقت طويل، وظننت أنّني سأخرج أخيرا لكنّك نمت هناك كالميّت فاعتقدت أنّني سأمضي وقتا أطول في هذا العالم المملّ. فكما تعلم، لا يمكنني الخروج من هذا العالم بإرادتي."

نظر إليه باسل وشعر أنّ الرمح يبدو كفتاة غير صريحة مع نفسها: "حقّا؟"

لم يستطِع باسل منع نفسه من إغاظة الرمح أمامه.

انزعج الرمح: "لا تغتّر بنفسك يا شقيّ، فأنا..."

أراد الرمح أن يبدأ في سرد سيرته الذاتيّة فقاطعه باسل: "حسنا، هذا كافٍ كتخفيف لتوتّري. والآن أخبرني، كم مرّ من الوقت وأنا على ذلك الحال؟"

لقد كان باسل يقاتل من أجل نجاته، لكنّ إحساسه بالوقت اختفى تماما. كان للألم دور في ذلك أيضا.

كان الرمح منزعجا من طريقة تصرّف باسل: "يا أيّها...!"

لم يجد كلمات ليقولها لهذا الشقيّ الذي يتصّرف كما يحلو له، فيُزعج الآخرين عندما يريد التخفيف من توتّره والترفيه عن نفسه.

بدا الرمح كما لو أنّه تنهّد وأجاب بدون أن يطيل ذلك النقاش: "لقد مرّ أكثر من عشرة أيّام."

"هذا..!" تفاجأ باسل قليلا.

بالطبع توقّع أنّ أيّاما ستكون قد مرّت، لكنّه لم يشعر بهذه الأيّام التي مرّت بتاتا.

تذكّر شيئا فسأل: "بالمناسبة، هل طول اليوم هنا مثل طوله في العالم الواهن؟"

ردّ الرمح: "صحيح. هذا العالم متزامن مع العالم الثانويّ بالفعل."

وضع باسل يده على ذقنه ثمّ قال: "إذن لم يتبقَّ وقت طويل على التحوّل الروحيّ الحقيقيّ. لا يمكنني الاتّصال بالآخرين حاليا حتّى لو خرجت من هذا العالم والمجال الذي يحيطه لأنّ العالم سيكون يتعرّض للتحوّل ولن تعمل خواتم التخاطر أثناء ذلك، لذا يجب أن أدعوَ لسلامتهم فقط."

فكّر لقليل من الوقت قبل أن يقرّر: "حسنا، سأمكث هنا للأيّام القادمة حتّى ينتهي التحوّل الروحيّ وأستحوذ على روح ذلك الوحش، ثمّ أنطلق عائدا إلى أكاديميّة الاتّحاد، ففي الوقت الذي ينتهي فيه التحوّل الروحيّ لن يسعني التحمّل لمدّة أطول بدون أن أجعل روحي الكاملة مكتملة."

استغرب الرمح من كلام باسل فسأل: "ما الذي تقصده بلن يسعك التحمّل بحلول ذلك الوقت؟"

تنهّد باسل: "إن لم أستحوذ على روح وحش ما فسأموت. حالتي ليست مستقرّة الآن، لذا سأمكث هنا محاولا ضبطها قدر المستطاع ريثما يحين وقت الاستحواذ على روح الوحش."

زاد استغراب الرمح: "انتظر، انتظر... حالتك غير مستقرّة؟ أعلم أنّ الروح الكاملة تكون غير مستقرّة وتحتاج لروح وحش روحي حتّى تغدو روحا كاملة مكتملة، ولكنّ عدم الاستقرار هذا لا يُعدّ خطرا على الساحر الروحيّ إلّا بعد مرور حوالي شهر، فكيف لك أن تكون في هذه الحالة العويصة بالرغم من مرور ثلث الوقت العاد... انتظر... هذا له علاقة بما حدث لك بعدما انتهيت من الاختراق!"

عبس باسل ثمّ قال: "نعم. لقد اعتقدتُ لوهلة أنّ روحي ستندثر حقّا، لكنّني نجحت في ما لم يسبق لأحد النجاح فيه أو التفكير في محاولة تطبيقه حتّى."

أثير اهتمام الرمح حتّى أنّه اقترب من باسل وبدأ يدور حوله ببطء محاولا اكتشاف ما حدث لهذا الشقيّ، لكنّه لم يلحظ شيئا شاذا.

قبضه باسل وأوقفه ثمّ قال: "أمم... مثير للاهتمام، إذن حتّى أنت الذي تُعدّ مرتبطا بي نوعا ما لا يمكنك ملاحظة شيء."

ارتفعت زاوية باسل ثمّ قال بينما يحدّق إلى يديه: "لا أعلم إن كان السارق الخسّيس يخطّط لفعل نفس الشيء لو نجح في سلب جسدي منّي، لكنّني أفهم أخيرا سبب امتلاك ذلك الوحش السحريّ الحكمة بالرغم من أنّه لم يصر وحشا روحيّا بعد. مثير للاهتمام، هذا مثير للاهتمام كثيرا! إنّني متحمّس لرؤية ما سأصل إليه. لربّما أريد الآن معرفة ما سأصل إليه أكثر من أيّ وقت مضى، أكثر من بعض الألغاز الكونيّة حتّى."

كانت نظرات الفضول التي تعتلي وجه باسل عادةً أكثر حدّة هذه المرّة حتّى أنّ ابتسامته أصبحت عريضة للغاية.

كان الرمح مستغربا من تصرّفات باسل، فلم يستطِع الصبر أكثر: "هيا، أخبرني يا أيّها اللعين. عمّ تتحدّث؟ ما الذي حدث؟"

أكمل باسل التحدّث مع نفسه بينما يضحك بصوت منخفض: "لا، انتظر، لولا التقائي بالوحش النائم وغدوّ جسدي هكذا لما نجحت في هذا الأمر أصلا. نعم، هذا أمر اعتُقِد مستحيلا أن يحدث في المقام الأوّل، لذا لا يمكن لجسد ليس مثل جسدي الحالي أن ينجوَ من هذا ويستطيع تحمّله."

"وبالطبع، لا يمكن لهذا أن يحدث في وقت لاحق لأنّ التوازن سيختلّ بشكل لا يمكن ضبطه حتّى لو صار الجسد جاهزا عندئذ. يجب أن يكون الجسد جاهزا عند الاختراق إلى المستويات الروحيّة لأنّ هذا الأمر لا يمكن أن ينجح إلّا بعد الاختراق مباشرة."

حاول الرمح جذب انتباه باسل له: "أنت..."

حاول الرمح التكلّم مع باسل لكنّ هذا الأخير استمرّ في التكلّم مع نفسه كما لو أنّه يقول ما يفكّر فيه بصوت مرتفع من شدّة حماسه: "إذن هذا مؤكّد. لم يكن السارق الخسّيس ينوي فعل ما فعلت، فجسدي، الجسد الذي أعدّه، لم يكن جاهزا لِما فعلتُ، لكنّ الوحش الذي أعدّه من أجل نفسه يصلح تماما لي."

"يا أنت..."

أحكم باسل قبضتيه وقال بعدما ضحك: "هوهوهو، هذه ستكون سرقتي الأولى لك يا أيّها السارق الخسّيس، أو ربّما يجب أن أقول الثانيّة إن احتسبت هذا الأبله أمامي؟ سأستغّل ما أعددته لنفسك جيّدا، هوهوهو... هوهوهو..."

كان باسل يتصّرف بشكل هيستيريّ، وذلك أوضح فقط حجم وروعة ما فعل. لقد كان منغمسا في أفكاره بشكل تامّ.

"إنّني أناديك يا أيّها الشقيّ الوسخ!"

صرخ الرمح وحاول اختراق وجه باسل، لكنّه توقّف كما لو أنّ هناك شيئا يمنعه بشكل غريزيّ من التسبّب في الضرر لباسل.

رفع باسل رأسه ونظر إلى الرمح الذي يهتزّ في مكانه بشكل عنيف بينما يحاول اختراقه لكن بلا جدوى، فقال بلا مبالاة: "يا أبله، أما زلت تحاول قتلي؟"

زاد اهتزاز الرمح بشكل عنيف بعد كلام باسل، وانفجر الدخان من رأسه الساخن بينما يصرخ: "يا أيّها اللعين...!"

لم يكن باسل يدري أنّ الرمح كان يناديه باستمرار لكنّه تجاهله، وعامله كالأبله فوق ذلك.

كان الرمح يعود لهدوئه كلّما انفجر الدخّان من رأسه كما لو أنّه يفرغ غضبه المكبوت.

تنهّد الرمح: "لم ألتقِ شقيّا كريها مثلك من قبل."

لم يهتمّ باسل بما قاله الرمح وقال: "حسنا، هذا لا يهمّ حاليا. سأتدبّر خلال هذه الأيّام الثلاثة، فانتظر ريثما أنتهي. قريبا ستخرج من هذا العالم الذي مللتَه."

لم يجبه الرمح، فجلس باسل بمكانه بينما يتدبّر لثلاثة أيّام.

كلّ يوم مرّ عليه أشدّ وأصعب من الذي سبقه، وبدأ يبلغ حدود صبره شيئا فشيئا لكنّه صمد؛ كان عليه أن يصمد مهما كلّفه الأمر.

عام الرمح حول باسل في هذه الأيّام الثلاثة محاولا اكتشاف ما حصل له، لكنّه لم يستطِع فهم شيء. بالطبع كان باسل مختلفا عن السحرة الروحيّين لأسباب عدّة وكان مثيرا للاهتمام كفاية، لكنّ الرمح كان مهتمّا أكثر بعدما شهد تصرّفات باسل سابقا.

لقد تعرّف على هذا الفتى لمدّة قصيرة لكنّه علم أنّ باسل يحبّ حلّ الألغاز وتثير الأمور الغامضة اهتمامه، ومع ذلك لم يسبق له أن شهده يتصرّف هكذا مهما كان الموضوع الذي تحدّثا عنه.

بالأحرى، لم يتصرّف باسل هكذا حتّى عندما التقاه، فانزعج الرمح عندما تذكّر هذا لوهلة.

"ولكن حقّا... فقط ما الذي فعله هذا الشقيّ الملعون؟ إنّه يستمرّ في مفاجئتي، أنا الرمح الطاغيّة."

قال الرمح ذلك جهرا ولم يخشَ سماع باسل له كون هذا الأخير كان في حالة الصفاء الذهنيّ الروحيّ بشكل كلّيّ.

باسل حاليا يمكنه استخدام تقنية 'انقسام الوعي' التي تسمح للشخص بالتدبّر والتدرّب في نفس الوقت، أو بمعنى آخر تجعله قادرا على الدخول في حالة الصفاء الذهنيّ الروحيّ بينما يظلّ واعيا بما يحصل حوله، لكنّه لم يكن في وضع يسمح له بفعل ذلك حتّى. كان عليه بذل كلّ جهده في ضبط استقرار حالته.

وأخيرا، بعدما اكتمل تحوّل العالم الواهن الروحيّ الحقيقيّ، كان باسل قد بلغ حدوده بالفعل، وكان عليه الإسراع بالاستحواذ على روح الوحش وإلّا واجه الموت. لقد كانت حياته مهدّدة أكثر أيّ وقت مضى.

فتح عينيه ونهض عازما، ثمّ قال: "لنتحرّك!"

طاف الرمح بجانبه: "لنتحرّك يا أيّها الصعلوك! أخيرا سأخرج من هنا. فافافا، انتظريني يا أيّتها المؤخّرات، أنا آتٍ لاختراقك♪ انتظرنَني يا أيّتها الجميلات، أنا آتٍ لمواساتكنّ♪ فافافا!"

نظر باسل إلى الرمح الذي يبدو نشيطا بنظرات ملولة، وفكّر في داخله: (هذا الأبله، هل كان كلّ هذا الوقت يريد الخروج من هنا من أجل هذا فقط؟ قد يكون التحكّم في رغباته الجامحة صعبا.)

تنهّد باسل وأكمل التحرّك بدون التعليق جهرا على كلام الرمح.

***

من تأليف Yukio HTM

ما الذي قد يكون باسل فعله؟ ما الذي لم يسبق لأحد النجاح فيه لكنّ باسل نجح فيه؟

التلميح يوجد في الفصل 244.

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2020/02/24 · 676 مشاهدة · 1779 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024