33 - التطور

*بووووم* *بووووووووم* *بووووووووووووم*

لكمات تتلاقى بقوة كبيرة مع بعضها، مع كل التقاء تنتج صدمة، و بكل صدمة تنتج أصوات كبيرة كما لو أن قطعا حديدية ضخمة تتلاقى ببعضها محاولة كل واحدة منها تحطيم الأخرى لكنها لا تصل لنتيجة

كان هذا بالضبط الوضع الذي يمكنك أن تصف به حالة باسل و الجنرال منصف اللذان يتقاتلان بينما سحر التعزيز يعزز من قوتهما الجسدية و الحسية لدرجة مخيفة

يعتبر سحر التعزيز من أقوى أنواع السحر و أندرهم، لا يوجد إلا القليل المعدود من الأشخاص الذين وهبوا هذا السحر

سحر التعزيز يسمح للساحر بتقوية جميع قدراته شاملا حواسه الخمس كلها و قدراته الجسدية، يقوي كل جزء من جسد الساحر، أعضاءه الداخلية بنفسها تتقوى بسحر التعزيز

و في معركة ضد ساحر بعنصر التعزيز لن يكون هنالك فرص كثيرة متاحة لك، و هناك شيء مؤكد، إن كنت أقل منه في المستوى و لو بقليل، فأنك و من دون شك ستخسر لا محالة

لكن ماذا عن إن اشتبك اثنان يستخدمان سحر التعزيز بنفس المستوى أو متقاربان على الأقل في معركة؟ هل يمكنك تخيل النتيجة؟ لا، لن يكون بإمكانك فعل هذا أبدا، ستكون معركة طاحنة و مدمرة، سترى المعنى الحقيقي للبشر الخارق أمام عينيك، هذا إن كنت قادرا على ملاحقة معركتهما بعينيك أولا

كان التاجر ناصر حاضرا على مثل هذا الحالة بالضبط، و كما هو متوقع، لم يمكنه ملاحقة تحركات الخصمين أبدا، كل ما تراه عينيه هو مخلفات الصدمة، كل ما تسمعه أذنيه هو صوت الصدمة، و كل ما يشعر به جسده هو قوة تلك الصدمة الناتجة عن تلاقي اللكمات التي لا يراها

*بووووووم*

و أخيرا و بعد تلاقي لكمتي الطرفين مرة أخرى توقفا و تراجعا للوراء، كل واحد قفز للوراء في الاتجاه المعاكس للذي قفز له الشخص الآخر

تكلم باسل بينما تعلو البسمة وجهه "إن هذا حقا رائع، كم هو رائع الإحساس بلكمتك لا يمكنها أن تخترق كل شيء بسهولة، كم هو رائع أن تتلقى لكمتك استجابة كافية لصدها أو حتى ردها، هذا ببساطة يغمرني حماسا. ماذا عنك أيها العم منصف؟ ألست مثلي؟"

ابتسم الجنرال منصف ثم قال "من مستخدم عنصر التعزيز هذا الذي لن يتحمس من مثل هذا الوضع؟ نحن السحرة دائما نبحث عن عدو أقوى لنصبح أقوى، لكن من بين كل هؤلاء السحرة ليس هناك من هو شغوف أكثر من مستخدمي عنصر التعزيز للقتال المستمر لمدة طويلة حيث يلتقون خصما أو عدوا يكبحهم و يجعلهم يخرجون كل ما لديهم"

"هاهاها" ضحك باسل و قال "معك حق، فأغلب السحرة لا يقدرون على مواجهة مستخدمي عنصر التعزيز وجها لوجه من دون الاستعداد للذهاب بأطراف مكسورة، لكن هذا ما يجعلنا نفتقد للغريم و لا يكون بإمكاننا التقدم أكثر، قوتنا تتسبب في خمولنا، لكن هذا مختلف تماما عندما يتقابل اثنين من مستخدمي سحر التعزيز، ليس هناك شيء سيمنعهما من تبادل اللكمات فيما بينهما، تكون مثل الغريزة الحيوانية، لا يمكن التحكم بها. و الآن لنكمل أيها العم منصف، و أطلب منك استخدام قوتك الكاملة من دون كبحها، فإن فعلت هذا لن نستمتع بالقتال كفاية، هاهاها"

"هاهاها" أجاب الجنرال منصف بعد أن ضحك و قال "معك حق أيها السيد الصغير" و بعد أن انتهى أكمل مع نفسه "أكبحها؟ هل تمزح معي أيها السيد الصغير؟ إنك الوحش هنا، أنا أستخدم ضدك ثمانين في المائة من قوتي الكاملة، و هذا كاف ليجعل أي ساحر من المستوى الأول حتى منتصف المستوى الخامس يخضع كليا"

أكمل الاثنان التدرب من جديد و عادت أصوات الصدمات من جديد، كانت لكماتهما سريعة جدا لرؤيتها، لن يستطيع فعل هذا إلا المحنكين، فما بالك بالتاجر ناصر، بالطبع سيكون فاتحا لفمه على مصراعيه كما هو فاعل الآن

لقد مرت أيام بالفعل منذ أن دخلوا لغرفة الانعزال لكن التاجر ناصر لم يعتد أبدا على هذا المنظر حتى الآن. لكن هل يمكنك لومه؟

التاجر ناصر توقع من كلام باسل أنه سيخضع لتدريب جهنمي، لكن كل ما فعله للأيام الماضية كان محاولة الدخول لحالة الصفاء الذهني و الروحي، و عندما ينتهي باسل من القتال ضد الجنرال منصف يقوم بمواجهته. بالطبع لم يستطع التاجر ناصر لمس باسل أبدا، لكن خلال هذا الوقت كان باسل يشحذ حواسه و يعطيه نصائح عن كيفية استخدام عضلاته و مفاصله، و الأكثر من هذا كان يركز أكثر على نصحه ليتحكم في طريقة تنفسه خلال القتال، فإن استطاع فعلها خلال القتال سيكون بإمكانه فعلها بسهولة بحالة الصفاء الذهني و الروحي

الأسبوع الأول مر على هذه الحال من دون تغير أي شيء، و بعد أن انقضى و بدأ الأسبوع الثاني بدأت بعض النتائج تظهر على التاجر ناصر

كان بالفعل بحالة الصفاء الذهني و الروحي، بالمرحلة الأولى، مرحلة ترسيخ الأفكار، و بينما هو في حالة هدوء تام و تركيز خارق، و كان المكان المحيط به على العكس تماما بسبب قتال باسل و الجنرال منصف

سرعة و قوة باسل قد ازدادتا، لكن ليس هذا هو التغير الملاحظ فقط، فكما تطور باسل، كذلك فعل الجنرال منصف، مع أن باسل كان أقل منه في المستوى، لكنه أحس كأنه يقاتل ساحرا خبيرا بالمعارك، و هذا ما قلص فارق القوة بينهما و جعلهما يكونان-كل واحد منهما- سبب في تطور الآخر

كان تطور باسل مقبولا للعقل بالنسبة للجنرال منصف، لكنه استغرب من تطوره الخاص أيضا، أ مفعول هذه الإكسيرات مذهل لهذه الدرجة؟ لقد أفنى حياته في السحر حتى وصل لهذا المستوى، لكنه عندما فعل تجمدت قوته و لم يستطع الاختراق للمستوى السابع الأسطوري

لكن ماذا عن الآن؟ إنه يحس أن المستوى السابع الأسطوري ليس بعيدا، بالأحرى، إنه يشعر أنه في متناوله، يشعر أنه و أخيرا تحرر من القيود التي جعلته محبوسا في المستوى السادس و غير قادر على التقدم مهما تدرب و شق

لكن الأمر يختلف الآن، يشعر أنه كلما تدرب أكثر و بذل جهدا أكبر ظهرت النتائج التي تساعده و تدفعه للتدرب أكثر من السابق، لأنها تكون نتائج رائعة و لا تصدق

كل هذه الفرص، ليس هناك غير هذا الفتى الذي أمامه منحه إياه، لقد استطاع الانتقام لزوجته و زج المذنب في السجن، بدأ يرى علامات على ارتقاء عائلة كريمزون من جديد، و يشهد الآن تطوره الذي كاد أن يتخلى عنه، هذا كله بسبب السيد الصغير باسل، فكيف لا يكون شاكرا؟ و إن كان، كيف يمكن له رد مثل هذا المعروف؟

و في هذه اللحظات بينما يتبادل اللكمات مع الفتى الصغير الذي أمامه، أصبح يحترمه في قلبه و كان باسل قد وصل لدرجة عالية هناك، أصبح الآن لديه مكانة لا تتزعزع بقلب الجنرال منصف، هذا الأخير ظن أنه بكل هذه الفرص التي منحها السيد الصغير باسل، لن يكون هناك شيء يمكن أن يرد له معروفه، و بهذا قرر اتباع السيد الصغير و الموت من أجله حتى، و مع مرور الوقت و قضيه مع السيد الصغير، يتمنى أن تمنح له فرصة أخرى ليشكره بطريقة مناسبة

الجنرال منصف رجل معروف بعدالته و إخلاصه، في الأول ظن أن باسل ليس سوى فتى مغرور آخر لا يعرف العالم جيدا، أتى به للعائلة محاولا الاستفادة منه و بالطبع كان سيمنحه عدة مزايا مقابل ذلك، لكن نظرته عنه تغيرت كثيرا في الأسابيع الأخيرة، قد يكون الجنرال منصف عادلا و مخلصا لكنه كان أكثر من ذلك شخص يضع عرفان الجميل و حفظه فوق كل شيء، فالفتى الذي أتى به ليكون وسيلة له لجعل عائلته أقوى كان في الحقيقة الشخص الذي سيقودهم للعز و المجد من جديد، و بهذا أقسم على فعل كل ما بإمكانه فعله لرد هذا المعروف

انتهى الأسبوع الثاني و أخيرا أنهى التاجر ناصر المرحلة الأولى-مرحلة ترسيخ الأفكار- ثم انتقل للمرحلة التي بعدها-مرحلة فهم الأحجية و فكها- لكن، ما الذي يحدث هنا؟ باسل بدأ يتساءل عن الشيء الغريب الذي يحدث أمامه، كيف للتاجر ناصر ألاَّ يخرج من المرحلة الثانية حتى الآن؟

باسل عندما وصل للمرحلة الثانية، واجه الاختبار الأول الذي مر عليه جحيما حيث تغلب على مخاوفه، لكن التاجر ناصر لا يبدو عليه أي تعبير عن القلق أو التوتر أو الخوف، لا شيء من هذا أبدا، جعل هذا باسل حيرانا، ثم فكر في ما قاله التاجر ناصر سابقا

التاجر ناصر لا يملك أي أحباب، آخر واحد مات منذ سنين، أ يمكن أنه ليس لديه أية مخاوف؟ سيكون هذا منطقيا في هذه الحالة إذا، لكن انتظر، ماذا؟ ليس لديه مخاوف؟ مثل هذا الشخص موجود؟

في الحقيقة التاجر ناصر لم يكن ليس لديه أحباب كما ظن باسل، فهو أصبح يعز باسل بشكل كبير، لكنه كان يرى باسل على أنه لا يقهر و هزيمته غير متوقعة، و بهذا لم تكن لديه أية مخاوف عليه. الأمر كما حدث مع باسل، في المرحلة الثانية رأى جميع أحبابه يموتون بأبشع الطرق مرارا و تكرارا، لكن الغريب في الأمر أنه لم يرى و لو لمرة واحدة معلمه 'إدريس الحكيم' يتعذب أمامه، كان هذا يدل على أن مخاوف الشخص تأتي من أعماق باطن العقل، و لا تكون هناك مخاوف عن الشخص الذي تؤمن أنه لا يقهر و لا تتوقع هزيمته

باسل كان قد وضع مثل هذا الاحتمال فيما سبق، لكنه الآن لم يكن يعرف مدى الدرجة التي أصبح يعزه بها التاجر ناصر، و لم يكن بإمكانه سوى ظن أن التاجر ناصر مر من الاختبار الأول من المرحلة الثانية لأنه لا يملك أحباب فقط لا أكثر

بقي التاجر ناصر بالمرحلة الثانية من دون الخروج منها أبدا و لو لمرة واحدة، فباسل أعاد الكرة مرارا و تكرارا محاولا التغلب على مخاوفه. و الآن التاجر ناصر وصل للاختبار الثاني من المرحلة الثانية

أخذ منه فك الأحجية أسبوعا كاملا. عندما يكون الشخص بداخل بحر الروح لا يحتاج للماء أو للطعام إلا بعد مدة طويلة جدا

و أثناء المرحلة الأخيرة وقف باسل أمام التاجر ناصر و وضع يده على جبهته استعدادا للحظة المناسبة، و بعد مرور قليل من الوقت صرخ باسل "هاا" ثم أطلق بعضا من طاقته السحرية الخالصة

*وووووووش*

ظهرت الطاقة حول جسم التاجر ناصر و هدأت في لحظات إلى أن اختفت تماما. فتح التاجر ناصر عينيه ثم بدأ ينظر ليديه، رفع رأسه ليجد باسل مبتسما بينما يقول "هنيئا لك أيها التاجر ناصر، لقد أصبحت ساحرا"

لم يصدق التاجر ناصر ما حدث معه، هل أصبح ساحرا حقا؟ هل سيكون بإمكانه الانتقام لعائلته؟ هل سيكون بإمكانه مساعدة السيد الصغير باسل و لو بالقليل؟

لم يستطع التاجر ناصر فهم ما حدث معه لمدة طويلة، ثم بعدها استوعب ما قاله باسل و وقف بسرعة بينما يحكم إغلاق قبضتيه و قال "أيها السيد الصغير باسل، فلنتقاتل مرة أخرى من فضلك"

"هاهاهاها" بعد أن ضحك قال باسل "يعجبني حماسك، لك هذا"

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجوا الإشارة لأي أخطاء إملائية أو تركيبية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/07/22 · 1,343 مشاهدة · 1626 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024